“موائد السفارات” تثير الجدل فی لبنان… هل تتدخّل السعودية في الانتخابات؟
الصمود | مع عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت، بعد مرحلة من القطيعة الدبلوماسيةدامت أشهرًا بدت طويلة نسبيًا، بدأت الرياض تنشط سريعًا على الخطوط اللبنانية المتعرّجة، لتستعيد مشهدية اعتقد كثيرون أنّها أصبحت من الماضي، وتُرجِمت بإفطارات جامعة التقى على موائدها أفرقاء ما عاد بعضهم قادرين على اللقاء تحت سقف واحد.
وكتب موقع “النشرة” اللبناني أن ” هذه الإفطارات أثارت توجّس كثيرين، ومن بينهم التيار الوطني الحر الذي انتقدها غمزًا، ومن دون تسمية الرياض أو السفير البخاري، وذلك من خلال تصويب تكتل بنان القوي بعد اجتماعه الدوري برئاسة الوزير السابق جبران باسيل، على ما وصفها بـمشاهد جمع المنظومة السياسية الحاكمة في لبنان على موائد السفارات وفي صالوناتها ومكاتبها”.
وإذ اعتبر التيار أنّ هذه المشاهد تذكّرنا بأيام عنجر (مركز مخابرات السورية في شرق لبنان)، شدّدوا على ضرورة إبعاد التأثيرات الخارجية عن العملية السياسية والانتخابية في لبنان، وعدم السماح للبعثات الدبلوماسية والسفراء بالتدخل في الأمور الداخلية والشؤون الانتخابية، ما يفتح الباب أمام سلسلة من علامات الاستفهام، فما الذي يزعج التيار ويجعله يتوجّس بهذا الشكل؟ وهل تتدخل السعودية في الانتخابات؟.
كما في معظم الملفات الخلافيّة، ثمّة وجهتا نظر تتنازعان في هذا السياق، إحداهما تؤكد على رمزية الحضور السعودي في لبنان، وتضع هذه الموائد في سياق طبيعيّ يرتبط بعودة العلاقات إلى سابق عهدها، علمًا أنّ الإفطارات الرمضانية ليست بدعة جديدة بالنسبة إلى الرياض، فيما تتبنّى الثانية الموقف الذي عبّر عنه التيار بشكل أو بآخر، لترسم العديد من علامات الاستفهام حول طبيعة التحرّك السعودي، وحقيقة النوايا المبطنة خلفه.
فحتى لو صحّ أنّ السفارة السعودية لطالما عملت على إقامة الإفطارات الرمضانية، ودعت إليها من تصنّفهم أصدقاءها في لبنان، فإنّ الظروف التي تحيط بـموائد هذا العام تبدو ملتبسة بالنسبة إلى كثيرين، ليس فقط لكونها تأتي قبل شهر فقط من انتخابات نيابية توصَف بـالمفصليّة، ولكن أيضًا لكونها تأتي بعد قطيعة لم يفهم أحد كيف انتهت، وعلى أيّ أساس، ولا سيما أن المَخرَج الذي استند إلى بيان لرئيس الحكومة، لم يَبدُ مقنِعًا.
من هنا، يجد أصحاب وجهة النظر هذه الكثير من الأسباب والمقوّمات التي تبرّر التوجّس من مثل هذه الموائد، التي باتت أشبه بـمهرجانات انتخابية، تذكّر بشكل أو بآخر بما كان يحصل في مرحلة الوصاية السورية، وهي توحي وكأنّ الرياض تحدّد أمام الرأي العام من هم مرشحوها إلى الانتخابات، ولو كرّر سفيرها أنّ السعودية ليست بوارد التدخّل في الاستحقاق من قريب أو من بعيد، وأنّها “تحترم” إرادة الشعب اللبناني في هذا الخصوص.
يعتبر هؤلاء أنّ توقيت عودة السعودية قبل شهر من الانتخابات وحده كافٍ لتعزيز وجهة النظر هذه، وإلا لكانت الرياض انتظرت إنجاز الاستحقاق بكلّ بساطة، كما كان يُحكى في الكواليس، إلا إذا صحّ أيضًا ما يروّج له البعض، من أنّ عودتها المتأخّرة انتخابيًا، جاءت بعد إدراكها بأنّ انكفاءها لم يؤدّ سوى إلى تقوية فريق حزب الله، الذي بات يمنّي النفس بـانتصار ساحق في الانتخابات، فكان لا بدّ من تحصين أصدقائها بشكل أو بآخر.
ولعلّ ما عزّز المخاوف ما يُحكى عن لقاءات من خلف الكواليس بدأت تعقَد أيضًا، من بينها ما قيل إنّه اجتماع بين البخاري ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، تمخّض عن دعم سعودي للحركة التي يقودها الأخير، لملء الفراغ الذي تركه رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، خصوصًا بعد تقاعس معظم البدائل التي كانت مطروحة، وانسحاب بعضها من المشهد تفاديًا لـهزيمة قد تكون ثقيلة ومدوية، وفق ما أظهرت استطلاعات الرأي والتقديرات.
لكن، في مقابل هذا الرأي، ثمّة وجهة نظر أخرى يعبّر عنها حلفاء السعودية في لبنان، تنفي أيّ ربط بين الإفطارات الرمضانية والانتخابات النيابية، التي لو أرادت الرياض التدخل بها، لفعلت ذلك منذ اليوم الأول، ولما كان مشهد الإرباك والفوضى على الساحة السنية هو الطاغي، وقد جاء نتيجة غياب القيادة أساسًا، بعد إعلان الحريري تعليق المشاركة في العمل السياسي، علمًا أنّ خصوم المملكة يتّهمون الأخيرة بالوقوف خلفه أساسًا، وبصورة مباشرة.
وإذا كان هؤلاء يتمسّكون بوضع النشاط” السعودي في إطار تكريس عودة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها، من خلال التأكيد على الثوابت والمبادئ، فإنّهم لا يستغربون ما يصفونه بـالتوجّس العونيّ، باعتبار أنّه ليس خافيًا على أحد، وفق ما يقولون، أنّ التيار” يخشى الانتخابات، ولا يزال يبحث عن ذريعة لتطييرها، إن قُدّر له ذلك، حتى لا تكشف التراجع الذي مني بعد، بعد سنوات من العهد، أقلّ ما يقال فيها إنّها كانت مخيّبة للآمال.
من هنا، يرى هؤلاء أنّ العونيّين” عندما يهاجمون السفارات، فهم يحاولون الهروب إلى الأمام، ليس أكثر، علمًا أنّ تصويبهم على المال السياسيّ يندرج في الخانة نفسها، من خلال الحديث عن تزوير وسطو كأساس لتبرير الهزيمة ربما، ولا سيما أنّ التيار متهَم كغيره باستخدام هذا المال، متسلّحًا بقانون انتخابي وصفه يومًا بـ”الإنجاز”، يشجّع على “الزبائنية السياسية” بوصفها “حقًا مكتسبًا”، إن كان دائمًا، بحسب ما يقول الخبراء الانتخابيون.
بمُعزَلٍ عن كلّ شيء، يبقى الأكيد أنّ أيّ حركة يمكن أن تُرصَد من اليوم حتى الخامس عشر من أيار المقبل لا يمكن أن تمرّ من دون دلالات انتخابية، وبالتالي فمن الطبيعي أن تثير إفطارات كتلك التي ترعاها الرياض جدلاً واسعًا، من دون الالتفات لما يُقال في العَلَن. وسواء صحّ ما يُحكى عن حراك انتخابي للرياض خلف عودتها في هذا التوقيت أم لا، فإنّ الأكيد أنّها لن تكون وحيدة في الميدان، الذي يبدو أنّه سيكون مسرحًا” لمعارك متنقّلة، تُرفَع فيها عناوين كبرى، في إطار منازلة تشرَّع كلّ الأسلحة في سبيلها!.