الصمود | تمثل الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس صالح علي الصماد، محطة فارقة لإستلهام المعاني والدلالات من تضحياته في تعزيز الصمود لمواجهة العدوان على اليمن.
وتمثل سنوية الرئيس الشهيد الصماد ونحن في العام الثامن من الصمود في وجه العدوان والانتصارات العظيمة لابطال الجيش واللجان الشعبية اهمية كبيرة في وجدان أبناء الشعب اليمني لاستحضار مواقفه المشهودة في البذل والفداء وتحصين الجبهة الداخلية التي ظلت وما تزال عصّية على كل المؤامرات والمخططات التي ينسج العدوان ومرتزقته خيوطها ولم يحصدوا غير الهزائم.
وتتجسد دلالات إحياء ذكرى استشهاده في عظمة ما قدمه الرئيس الشهيد الصماد من نموذج راقٍ وشاهد حقيقي على قيادته لسفينة الوطن في ظل ظروف استثنائية قاهرة وتحديات كبيرة مجسداً بهمومه وآماله رؤيته الحكيمة ونظرته الثاقبة والشاملة لمشروع بناء الدولة.
يتذكر اليمنيون شخصية وطنية لطالما مثلت أيقونة للصمود والحكمة والنزاهة والشجاعة والإقدام والبأس والإلهام، عملت على ترسيخ دعائم الثبات ورسمت ملامح البناء والنهوض والتطوير وتحديث المنظومة الدفاعية وقوة الردع اليمنية لمواجهة العدوان الإجرامي.
استطاع الشهيد الصماد رغم التحديات أن يصنع في زمن قصير فارقاً كبيراً في أدائه وتحركاته وبصماته الوطنية والتنموية، وهو على قمة هرّم السلطة التي لم يرها مغنماً ولا وسيلة سوى لإحقاق الحق وخدمة الوطن والمواطن، إنطلاقا من ثقافته القرآنية ووعيه وصبره وتوجيهاته الإيمانية وأخلاقه الكريمة وتطلعاته في بلورة مشروع بناء اليمن واقعاً عملياً.
جسد الرئيس الشهيد الصماد بمبادئه وطموحاته خارطة طريق جديدة لتحقيق العزة والكرامة لأبناء اليمن ورفض مشاريع الوصاية والتبعية، وهو ما شكل حالة فزع أرعبت الأعداء وجعلتهم يتجهون نحو وأد هذا النهج باغتيال مهندسه وراسم خطوطه العريضة، لكسر شوكة البناء واستقلال القرار السياسي، فتعزز باستشهاده صمود الشعب وقوة الإرادة والعزيمة اليمنية وروح الإصرار على مواصلة البناء والتطوير رغم العدوان وما يقوم به من قتل وتخريب وتدمير.
فشل العدو السعودي باغتياله للرئيس الشهيد الصماد في تحقيق هدفه ، كما يفعل نظامه المتغطرس الغارق في الدماء على مّر التاريخ بالقادة العظماء الذين يرى فيهم حجر عثرة أمام مؤامرته ومشاريعه التدميرية وحقده الدفين على الشعوب، لكنه فشل في كسر الصمود اليمني والمشروع الذي أرسى قواعده الشهيد الصماد ويمضي في تجسيده خلفه فخامة الرئيس مهدي المشاط بقوة وإباء.
قدّم الشهيد الصماد روحه رخيصة في سبيل الله وخدمة وطنه وشعبه وضرب أروع الأمثلة في الوفاء، ومن واجب الوفاء في هذه الذكرى تجسيد نهجه ودوره في مواجهة العدوان والاستمرار في التحشيد ورفد الجبهات، وتخليد ذكرى قائد استثنائي مثّل رحيله خسارة كبيرة على الوطن.
فقد اليمنيون رمزا وطنيا حظي باحترام وتقدير كافة الفرقاء السياسيين والقوى الوطنية التي لن تنسى جهوده في توحيد الجبهة الداخلية وإدارة شئون البلد بحنكة واقتدار، وتميز بصوابية تخطيطه وأهدافه وكل توجهاته، عين له على الجبهات وتطوير الصناعات العسكرية وأخرى على حياه المواطنين ومؤسسات الدولة وتوفير الفرص رغم العدوان وكل ما يعانيه اليمن من ويلات.
تغلب الرئيس الشهيد على صعوبات المرحلة بعزم وثقة منتهجاً أخلاق القادة العظماء في مواجهة طواغيت الظلم والاستكبار متسلحاً بإيمانية جهادية وروح زاهدة، فكان يرى أن مسح التراب من على نعال المرابطين أشرف من كل مناصب الدنيا، فلم يُخفه أو يحد من تحركاته رصد الطائرات الاستطلاعية والأقمار الاصطناعية.
كان خطيبا بليغا فقيها سياسيا حكيما، سعى بكل ما أمكن لتضميد الجراح وتوحيد الجبهة الداخلية بإجماع كل الفرقاء وانجذب الجميع إلى فصاحة بيانه وحجة لسانه ورجاحة عقله وسعة صدره وإخلاصه لكل أبناء وطنه.
عكس بنظرته الثاقبة أنموذجا في قيادة شئون البلاد ، حيث لم يميز أو يفرق بين أحد بل كان رئيساً لكل اليمنيين ورجل دولة لا يفتر ولا يتذمر ولا ينتظر أحد ولا يلتفت لمتخاذل، يبذل جهده في النصح والإرشاد والتبيين، يسعى في كل الميادين، ويتواجد في كل الجبهات، لم ير نفسه إلا جنديا من جنود الوطن.
كان يغبط المرابطين في جبهات ومواقع البطولة، وعلى مكانتهم وتضحياتهم ويستشعر في خلجات نفسه أن ساحات العزة والكرامة مكانه الأنسب، وأقصى غاياته الشهادة، فسعى إليها بكل جوارحه، فلا كرسي رئاسة قد يغريه عنها ولا مناصب الدنيا تغيره أو تنسيه الشهادة.
مضى بيقين القائد الحكيم في الدفاع عن الأرض والعرض والحرمات وصون مختلف المناطق خاصة الساحلية منها لعلمه بخطورة المعركة هناك وأهميتها كي لا تسقط بأيدي المحتلين والغزاة، وفي الوقت ذاته لم يغب عنه للحظة تحرير المناطق الواقعة تحت الاحتلال.
ورغم الفترة الزمنية القصيرة التي تولى فيها قيادة البلاد كرس الشهيد الصماد كل جهوده في توحيد اليمنيين على قلب رجل واحد لمواجهة العدوان بكل الوسائل والإمكانات، وشهدت المؤسسة العسكرية في عهده نقلة نوعية في التصنيع الحربي ومنها الطائرات المسيّرة والمنظومات الباليستية المتنوعة والتي كان لها عظيم الأثر في تغيير معادلة المواجهة وانتقال اليمن من الدفاع إلى الهجوم والردع ومن الضربات الباليستية الأحادية إلى دفعات موجعة في العمق السعودي.
رفع شعار “يد تحمي .. ويد تبني” مدركا أن مشروعه ليس سهلا ًوأن الطريق أمامه ليس معبداً، وأن هذا المشروع سيواجه عراقيل وصعوبات داخلية وخارجية وأن قوى العدوان لن تسمح ببناء الدولة اليمنية القوية دولة المؤسسات والقانون، ولكنه تحدى العدوان ومرتزقته وقرر خوض غمار معركة البناء.
تطلع بمشروعه “يد تحمي ويد تبني” إلى يمناً مستقلاً حراً عزيزاً غير مرتهن لأيّ دولة، فسعى حثيثا لتوجيه ضربة قاصمة للعدوان يحمي فيها الوطن ويبنيه بعد أن أحاطته يدان وكفّان تكمل إحداهما الأخرى بل ولا تكتمل إحداهما إلا بتوأمها.
كرس بمشروعه الوطني اهتمامه بتلاث مقومات رئيسية لتثبيت مشروع بناء الدولة، تمثلت في الاستقلال والخروج من التبعية التي أضرت اليمن طوال العقود الماضية والمصالحة والاستقرار السياسي من خلال تعزيز الشراكة في إدارة الدولة والاعتماد على الذات في تقوية المؤسسات بمختلف قطاعاتها.
واعتبر مفكرون ومحللون سياسيون مشروعه الوطني انه انعكاسا لروحه ومسيرته النضالية التي لم تغره يوما شهوة المال والسلطة وهذا ما تبين من خلال ما خلفه من مواقف عكست نزاهته وزهده.
قال الرئيس الشهيد صالح الصمّاد وصدق: (لا ينبغي أن يبيع الواحد نفسه بأقل من الجنة )، فكان ذلك الواحد الذي جعل الجنة نصب عينيه ولم يلتفت إلى غيرها، وأقبل عليها بصدر منشرح وذهن مصقول، وروح مؤمنة ونفس زاهدة استصغرت زينة الحياة واستخفت بكل ملذاتها، وظلت الجنة هي الحلم المقدس والأمل الأسمى والمرتكز الأهم لكل تحركاته في هذه الحياة، إلى أن نالت النفس مناها وفاز الصمّاد سلام الله عليه بجنة الله الدائمة ونعيمها السرمدي .
قالها والكثير من الناس عن الجنة لاهون وعلى الدنيا مقبلون ، حيث رُسّخت الضلالة في نفوسهم ، واشرأب في قلوبهم حب المال ، فكان منهم الخونة والمرتزقة الذين باعوا أنفسهم ودينهم وأرضهم وعرضهم مقابل دراهم معدودة ترمى لهم كما ترمى بقايا العظام إلى الكلاب.
قال الصمّاد (لن تكون دماؤنا أغلى من دمائكم ولا جوارحنا أغلى من جوارحكم ) فسالت دماؤه الزكية على ثرى هذا الوطن الغالي لترسخ أقدس علاقة بين الحاكم والمحكوم، فهذا الرئيس لم ينظر إلى شعبه كمن سبقوه نظرة الانتقاص والعنجهية واللامبالاة بل نظر إليه من منظور العدالة الإنسانية وبروح المسؤولية التي تفرض عليه التضحية وتقديم دمه فداءً لدماء هذا الشعب .
قال الصمّاد وصدق : (لا يوجد بإذن الله ما نختلف عليه، وصالح الصماد إذا استشهد غد أو آخر الشهر ما مع جهالة أين يرقدوا وهذه نعمة عظيمة بفضل الله)، وفعلا استشهد الرئيس صالح الصماد وهو لا يمتلك منزلا يأوي أولاده ، ولم يختلف مع أحد فقد كان الرئيس النزيه والشريف الذي نفض يده عن الدنيا وغض طرفه عن متاعها ولم يسر بسيرة من سبقوه من عشاق السلطة ووحوش الجشع. ويرتسم طريقهم في النهب والسلب والفساد،، بل كان الصماد شديد الحرص على المال العام ، مدركاً أن أولى مسؤوليات الرئيس هي الحفاظ على هذا المال من العبث به أو الاستحواذ عليه زوراً وظلماً بحجج الرئاسة أو الزعامة أو تحت سلطان النفوذ.
وقد عَدَّ سلام الله عليه هذه النزاهة التي حافظ عليها نعمة عظيمة وفضلاً من الله لأنه يعي جيدا ما معنى أن تكون رئيسا نزيها في عصر الماديات، فهو منذ البداية لم يقبل بالسلطة كمنصب شخصي ومغنم ذاتي، ولكنها أحيت في نفسه بوارق الآمال بالوصول إلى أوساط هذا الشعب المستضعف عساه يساعد في إقالة عثرة محتاج أو مسح دمعه بائس ، أو تقديم ما يمكن تقديمه من مشاريع البناء والحماية لهذا الوطن .
قال الصمّاد وصدق :(لم نفتح القصور ليأتي الناس إلى زيارتنا بل قلنا سنأتي نحن لزيارة رجال الرجال في جبهات القتال)، وحقا لم يسكن صالح الصمّاد تلك القصور ولم يعتلي عروشها لتتقاطر إليه الوفود وتقدم بين يديه صكوك الولاء والانقياد والطاعة ، بل خرج يجوب البلاد، يتفقد أحوال الناس ويشاركهم همومهم ويتقاسم معهم شظف المعيشة ومذاق المعاناة ، ويجول في كل الجبهات يشارك المجاهدين لحظات الكلال والإعياء ، ويشد من أزرهم ويشحذ عزيمتهم حتى يستوي أمامه جيش متلاحم النسج ، قوي الإرادة ، تتجلى من بطولاته آيات النصر المبين .
قال الصمّاد وصدق :(مسح الغبار من على نعال المجاهدين أشرف من مناصب الدنيا)، قالها لأنه ذلك المؤمن الصادق الذي نهل من ينبوع القرآن الكريم -كلام الله- الذي آياته حقائق ثابتة لا تزول ولا تنتهي صلاحيتها، ومن خلالها اكتشف قداسة الجهاد ومنزلة المجاهد وهو الذي عاش عمره مجاهداً وخبيراً بمواطن الكفاح ، لا يبالي في الجهاد الحر ولا البرد ، ولا السهل ولا الوعر، فاستخف بهذا المنصب الدنيوي الزائل مقارنة بتلك المناصب الخالدة التي أعدها الله للمجاهدين .
قال الصمّاد وصدق فلا يشرفنا إلا أن نعود إلى شعبنا حاملين لراية النصر أو محمولين على أكتاف الرجال شهداء) ،وعاد الرئيس الصماد -سلام الله عليه من الحديدة شهيداً محمولاً على أكتاف الرجال وحائزاً على أشرف وسام لا يمنحه الله إلا لمن أحبه واصطفاه من عباده المخلصين الأخيار. ليبقى دم الصمّاد جذوة متقدة في صدر كل يمني حر تلفح سهامها المستعرة كل من تسول له نفسه احتلال اليمن واستعباد أهلها والسطو على خيراتها وثرواتها.