ما هي دوافع ابن سلمان لإعتقال قضاة بارزين بالمحكمة الجزائية؟
الصمود | اعتقلت السلطات السعودية مطلع نيسان/ أبريل الجاري تسعة قضاة، عدد منهم يخدمون في المحكمة الجزائية المتخصصة، التي تبت في قضايا معتقلي الرأي، والمتهمين بالإرهاب.
وبعد مرور نحو أسبوعين على تأكيدات منظمات حقوقية اعتقال القضاة، لم تصدر السلطات السعودية أي تعليق حول الحادثة.
وكان لافتا أن أسماء المعتقلين ضمت قضاة أصدروا أحكاما بالسجن على معتقلين بارزين، مثل القاضيان عبدالله اللحيدان، وعبد العزيز بن مداوي آل جابر، الذي حكم على العشرات بالإعدام، وينظر الآن في قضية الداعية سلمان العودة، فيما حكم الأول على الناشطة لجين الهذلول بالسجن 5 سنوات و8 أشهر، مع وقف التنفيذ لعامين و10 أشهر.
ويخدم آل جابر في سلك القضاء منذ سنوات، وتمت ترقيته في كانون أول/ ديسمبر 2019 من درجة (رئيس محكمة/ب) إلى درجة ( رئيس محكمة/أ)، وأشيع أنه اعتقل لأيام في العام 2020، لأسباب غامضة، قبل أن يعود إلى رأس عمله.
في كانون أول/ ديسمبر 2018، صدر قرار من المجلس الأعلى للقضاء، بتعيين آل جابر مساعداً لرئيس المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، علما أنه حاصل على شهادة الدكتوراه في الفقه المقارن، ومثل المملكة في ملتقيات بدول أوروبية، وفي المحكمة العليا الفيدرالية بالولايات المتحدة.
وتضمنت أسماء المعتقلين قضاة خدموا في المحكمة العليا، والمحكمة الجزائية، منذ حقبة ولي العهد وزير الداخلية السابق محمد بن نايف، وآخرين جرى تعيينهم حديثا.
ومن المعتقلين القاضي ناصر الحربي، الذي صدر أمر ملكي بتعيينه عضوا في المحكمة العليا، بتشرين أول/ أكتوبر 2020.
دوافع غير مفهومة
وقال المعارض والحقوقي السعودي، يحيى عسيري، إنه “من الصعب فهم دوافع السلطات السعودية -المنحصرة في سلمان وابنه-، ومن غير الصحيح الظن بإمكانية تحليل وفهم سلوكها، والبحث عن دوافع منطقية وسط إجراءات جميعها غير منطقي”.
وأضاف عسيري، أن هذه الاعتقالات تأتي في سياق “المغامرات الجنونية” لولي العهد، مثل حربه على اليمن، وجريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، وتعذيب المعتقلين، والتحرش الجنسي بهم، بحسب قوله.
عسيري الذي شغل سابقا منصب أمين عام حزب التجمع الوطني المعارض، قال إنه “في كل مرة يسعى الكثير من الناس في خلق أسباب منطقية يتم الفشل، فوضى وعبث وعدم شعور بأي مسؤولية، أقرب ما يمكن أن أصف به ما يجري خاصة، وأن الحملة الآن تطال عصى غليظة من أقسى عصي النظام”.
وحول ما إن كانت هذه الاعتقالات تشير إلى إمكانية حصول تغير في إجراءات المسار القانوني، والقضاء في المملكة، قال عسيري: “التغير السلبي هو ما يجري، أما الإيجابي فبالتأكيد تكون أول مؤشراته -لو حدث- هو الإفراج عن جميع معتقلي الرأي، الذين لا خطيئة لهم إلا أنهم يُعبرون عن آرائهم”.
وبسؤاله عن إمكانية دفع هذه الاعتقالات بعض القضاة والمسؤولين الحاليين للتفكير بمغادرة المملكة خوفا على أنفسهم من الاعتقال، قال عسيري إنه “أيًا كانت التهم، فإن هذا العبث من قبل السلطات قد دفع بالفعل بأعداد كبيرة للخروج من البلاد، وبعضهم كانوا في أماكن حساسة، ولم تتزايد الهجرة للخارج في أي وقت مضى كما هي عليه الآن”.
هل لابن نايف علاقة؟
المعارض السعودي محمد العمري، قال إن القضاة المعتقلين كان بعضهم محسوبا على ولي العهد وزير الداخلية السابق محمد بن نايف.
وأضاف في مداخلة تلفزيونية على قناة “الحوار”، أن القاضي آل جابر، والقاضي محمد بن مسفر الغامدي، كانا من بين من جرى توقيفهما لأيام في العام 2020، وخرجا بعد ذلك مدينين بالولاء التام لابن سلمان، وهو ما ينفي أن يكون اعتقال القضاة على صلة بابن نايف.
ولفت العمري إلى أن اعتقال القضاة قد يكون بسبب تلكئهم بإصدار أحكام قاسية ضد المعتقلين، لا سيما الدعاة سلمان العودة، وعوض القرني، وعلي العمري، الذين طالبت النيابة العامة بإعدامهم، فيما تواصل المحكمة المماطلة بإصدار حكم ضدهم برغم مرور أربع سنوات ونصف على اعتقالهم.
وبحسب العمري، فإن السبب الآخر الذي قد يدفع السلطات لاعتقال القضاة، هو احتمالية رصد “اتصالات مشبوهة لهم”.
سابقة تاريخية
يعد اعتقال القضاة سابقة تاريخية في المحاكمة المتعلقة بالمعتقلين السياسيين، سابقة تاريخية في السعودية، إذ سبق للسلطات إيقاف قضاة في المحاكم العامة على خلفية قضايا متعلقة بالفساد المالي أو الإداري.
وقال رئيس “حركة الإصلاح”، المعارض السعودي سعد الفقيه، إن اعتقال القضاة يجب أن يسبقه خطوات، تنتهي بنزع الحصانة عنهم، وهو ما لم يتم في حالة القضاة التسعة، الذين اعتقل جلّهم وهم على رأس عملهم.
ونفى الفقيه في مداخلة عبر مساحة صوتية في “تويتر”، أن يكون القضاة أوقفوا لقضايا أمنية، قائلا إنه “من المعروف أن القضاة لا يصلون إلى مناصبهم هذه حتى يمرون بمراحل اختبار واسعة، ويتم التأكد من ولائهم للدولة”.
ونفى الفقيه أن يكون ولي العهد محمد بن سلمان قام بهذه الخطوة كإجراء تصحيحي للملف القضائي الذي يثير انتقادات حقوقية واسعة ضد المملكة.