أعلنت البحرية الأمريكية تأسيس “قوة مهام جديدة”، مع دول حليفة، ستقوم بدوريات في البحر الأحمر، وحُددت مهمتها “تعزيز الأمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن”، وبشكل أدق “التصدي لتهريب الأسلحة إلى اليمن”، وهي ذرائع لمطامع استعمارية وصهيونية أخطر.
لا يبدو هذا التحرك مفاجئاً فقد شهد شهر مارس الماضي تحركات ولقاءات للقيادات العسكرية الأمريكية الغربية الخليجية الصهيونية، كلقاءات رسمية مباشرة، ولقاءات على هوامش فعاليات أمنية جرت في الإمارات والرياض والدوحة.
ومن أخطر هذه التحركات واللقاءات “قمة النقب” التي جمعت مصر والإمارات والمغرب والبحرين وأمريكا في الأرضي المحتلة أواخر شهر مارس الماضي، ويعود تسارع التحركات البحرية الأمريكية في المياه اليمنية إلى شهري نوفمبر وديسمبر من العام الماضي 2021م حيث قامت بأكثر من مناورة.
في غضون ذلك جاء الإعلان عن هذه التحركات بالتزامن مع بدء الهدنة في اليمن، وتصاعد حضور اليمن ومحور المقاومة في منطقة الخليج وفي المياه الدولية منها الحديدة والبحر الاحمر، خلف هذا التحرك عاملان استراتيجي وتكتيكي، الاستراتيجي متعلق بالسياسة الأمريكية الصهيونية في ضرورة السيطرة على المضايق البحرية ومنابع النفط، أما البعد التكتيكي، فهو متعلق بتضاعف القوة اليمنية في البحر الأحمر، واستباق احتمالات توقف العدوان لترسيخ الوجود الأمريكي كأمر واقع، وكذلك تفاقم الأزمة الغربية الروسية.
في هذه الظروف وعلى المستوى الميداني، تصبح الحديدة ومعها المخا وباب المندب ضمن دائرة التهديد العسكري الأمريكي الصهيوني المباشر، فمسألة السيطرة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ومعه خليج عدن وبحر العرب من ضمن الدوافع الأساسية للعدوان على بلادنا في 26 مارس 2015م.
قد يبدو غريبا الحضور الأمريكي المباشر فيما الولايات المتحدة تنحسر من المنطقة إلا أن حضورها المباشر قد يكون مزمناً بتثبيت تواجدها وتكريس غربية وصهيونية البحر الأحمر حتى يكتمل تحالف ” الناتو العربي الصهيوني” ليقوم بمهمة السيطرة على المنطقة وضمان المصالح الأمريكية، حينئذ محتمل أن تقلص الولايات المتحدة من حضورها المباشر في البحر الأحمر، أما في الظروف الراهنة فلازالت الجزيرة العربية بالغة الأهمية لها، وخاصة مع سعي كل من روسيا والصين إلى فرض نظام متعدد الأقطاب وبالتالي إعادة رسم خارطة التوازنات العالمية ومعها الانتشار العسكري، فالولايات المتحدة منذ انتصارها على المعسكر الاشتراكي أعلنت “الشرق الأوسط” منطقتها العسكرية المركزية ونشرت فيها أساطيلها وهيمنت عبر الخونة والعملاء.
أمريكا في البحر الأحمر
أفاد قائد الأسطول الخامس الأمريكي (مقره البحرين)، الأدميرال براد كوبر، بأن “قوة المهام المشتركة 153” ستقوم على “تعزيز التعاون بين الشركاء البحريين الإقليميين لتعزيز الأمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن”
وقال كوبر: “المنطقة شاسعة للغاية، لدرجة أنه لا يمكننا القيام بذلك بمفردنا”، مشيراً إلى أن القوة الجديدة “ستتألف مما يتراوح بين سفينتين و8 سفن”، وهي جزء من القوات البحرية المشتركة المكونة من 34 دولة، يقودها كوبر أيضاً ولديها 3 فرق عمل أخرى.
ولفت كوبر إلى أن القوات المشتركة ستنضم إليها سفينة “يو إس إس ماونت ويتني”، وهي سفينة قيادة برمائية من فئة “بلو ريدج” كانت في السابق جزءاً من الأسطول السادس للبحرية الأفريقية والأوروبية.
كما ذكرت وكالة “رويترز”، نقلاً عن مسؤول أمريكي أن القوة الأمريكية الجديدة “ستتصدى لتهريب الأسلحة في المياه المحيطة باليمن”، وأن “المياه بين الصومال وجيبوتي واليمن كانت ممرات معروفة لتهريب الأسلحة المتجهة إلى أنصار الله (الحوثيين)”، مضيفاً أن “القوة الدولية الجديدة ستتابع بالتأكيد هذه القضية”.
وفي هذا الإطار زعم كوبر إن “القوة الجديدة ستؤثر في قدرة “الحوثيين” على الحصول على الأسلحة، مضيفا بتفاؤل: “سنكون قادرين على القيام بذلك بشكل حيوي ومباشر أكثر مما نفعله اليوم”.
التحركات السابقة
قبل يوم واحد من إعلان تحالف الـ34، عقد لقاء عسكري في الرياض جمع رئيس هيئة الأركان السعودية فياض الرويلي، وقائد القوات البحرية المركزية الأمريكية تشارلز كوبر، في مقرّ رئاسة هيئة الأركان العامة، بحضور قائد القوات البحرية السعودية فهد الغفيل، وحسب تصريح وكالة الأنباء السعودية؛ “فقد جرى خلال اللقاء مناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، والتعاون بين القوات البحرية السعودية والأمريكية لضمان أمن واستقرار المنطقة “أي بشكل أدق مناقشة الخطوات العدوانية الجديدة ضد الشعب اليمني في البحر الأحمر، وتلبي مثل هذه التحركات الأمريكية الجديدة رغبة السعودية في ما تعتبره “ضمانات أمريكية” في وقت تشهد العلاقة بين البلدين توتراً نتيجة التباين في الموقف من الأزمة الأوكرانية.
بشكل عام شهد شهر مارس الماضي تحركات ولقاءات للقيادات العسكرية الأمريكية الغربية الخليجية، كلقاءات رسمية مباشرة، ولقاءات على هوامش فعاليات أمنية جرت في الإمارات والرياض والدوحة، وضمن اللقاءات الصهيونية مع قيادات دويلة البحرين حيث مقر قيادة الأسطول الأمريكي الخامس، ومن أخطر هذا التحركات قمة النقب في الكيان الصهيوني وهي القمة الأولى التي تعقد في دولة الاحتلال ويظهر فيها الكيان “كدولة” قائدة لقوة إقليمية.
وقبل ذلك ، ففي أواخر العام 2012م قامت الولايات المتحدة الأمريكية بمناورتين في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن في فترة زمنية متقاربة وفي الأخيرة منها أعلن الأسطول الخامس في البحرية الأمريكية أن سفينة “يو إس إس بورتلاند” اختبرت سلاح ليزر جديداً، ودمرت هدفاً عائماً في خليج عدن، مشيراً إلى أن النظام الجديد يمكن استخدامه لمواجهة القوى الوطنية اليمنية.
القلق الصهيوني الدائم
ظهر رئيس الوزراء “الإسرائيلي” السابق بنيامين نتنياهو في العام 2014 في إحدى جلسات الكونجرس الأمريكي إبان فترة باراك أوباما ينبه أمريكا بأن مضيق باب المندب في اليمن سوف يقع بيد حلفاء إيران في اليمن “الحوثيين”.
كان هذا التصريح في إطار الضغط “الإسرائيلي” على أوباما لوقف المباحثات النووية مع إيران، وإحساساً بالقلق على المياه الاقتصادية، أكثر من كونه خوفاً “إسرائيلياً” على مستقبل التحولات العامة في اليمن بعد 21 أيلول/ سبتمبر، واعتبار اليمن قد أصبح دولة من محور “المقاومة”.
يكتسب البحر الأحمر، ومنفذه الجنوبي باب المندب، أهمية خاصة فيما تسمى “استراتيجية الأمن القومي الصهيوني”.
هذه الأهمية جسدتها التحركات الصهيونية في الواقع التاريخي الملموس، منذ احتلالها لمنطقة “أم الرشراش” على البحر الأحمر في عام 1948، وتعززت عسكرياً عقب حرب 73.
وقد كان إعادة فتح باب المندب أمام الحركة الصهيونية أحد شروطها في صفقة “كامب ديفيد” مع العميل السادات ، وتواصلت التحركات العدوانية الصهيونية في البحر الأحمر مؤكدة هذه الأهمية وصولاً إلى العدوان على اليمن في أذار/ مارس 2015.
لماذا الإعلان عن الحضور في هذه المرحلة؟
الجديد في هذا الإعلان يتعلق بالسياق التاريخي فقد جاء بالتزامن مع إعلان الهدنة في اليمن، وتصاعد حضور اليمن ومحور المقاومة في منطقة الخليج وفي المياه الدولية منها الحديدة والبحر الأحمر والخليج الفارسي ومضيق هرمز وبحر عمان، ففي هذه المياه جرى استعراض للقوة تطبيقياً من قبل اليمن وإيران ضد أهداف واقعية تلاه مناورات عسكرية أمريكية صهيونية غربية، وجدير بالذكر أن العمليات العسكرية اليمنية الأخيرة كان فيها بُعد بحري من حيث نوعية الأهداف السعودية التي تقع في مدن ساحلية.
خلف هذا التحرك عاملان استراتيجي وتكتيكي، الاستراتيجي وهو متعلق بالسياسة الأمريكية الصهيونية في ضرورة السيطرة على المضايق البحرية وعلى البحر الأحمر بشكل خاص وعلى منابع النفط، فالبحر الأحمر وفق هذه الاعتبارات يقع في قلب الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية أما البعد التكتيكي، فهو متعلق بتضاعف القوة اليمنية في البحر الأحمر، واستباق احتمالات توقف العدوان لترسيخ الوجود الأمريكي كأمر واقع، وكذلك تفاقم الأزمة الغربية الروسية الصينية وما يرتبط بها من تحركات لهذه الدول على مستوى العالم أشبه ما يكون بتسجيل نقاط في رقعة شطرنج، في الوقت الذي تحتكر فيه روسيا الحضور العسكري في البحر الأسود حتى الآن وتزداد التصريحات الصينية بأحقية سيادتها في بحر الصين الجنوبي.
تداعيات التحركات الأمريكية
التحركات الأمريكية في البحر الأحمر ليست جديدة، لكن الجديد فيها هو إعلانها، وهي تعود بشكل أساسي إلى ما سمي سابقا بمحاربة القرصنة الصومالية في العام 2008م وفي هذه الظروف فعلى المستوى الميداني، ستصبح الحديدة ومعها المخا وباب المندب ضمن دائرة التهديد العسكري الأمريكي الصهيوني المباشر، وخاصة الحديدة التي لازالت في معظمها حرة، فيما المخا وباب المندب أضبحت ضمنيا تحت الهيمنة الأمريكية والحاجة ليس اجتياحها بل تأكيد خروجها عن السيادة اليمنية ومواجهة احتمال تحرك اليمنيون لتحريرها.
يعد التحرك الأمريكي الجديد إلى الأذهان الاستراتيجية البريطانية في تطويق الوجود العثماني في اليمن حيث جرى السيطرة على ساحل البحر الأحمر بمشاركة بريطانية ودعم “للسيد الإدريسي” الذي كان يقاتل إلى جانب “الإمام يحيى” ضد الأتراك آنذاك، الأمر الذي سهل من هزيمة الأتراك في الربع الأول من القرن العشرين.
إن مسألة السيطرة على البحر الأحمر، ومعه مضيق باب المندب وخليج عدن وبحر العرب من ضمن المكاسب الأساسية التي كانت تريد الولايات المتحدة تحقيقها من بواسطة العدوان على اليمن، فإذا كانت الولايات المتحدة قد سلمت أن مناطق حكم المجلس السياسي خرجت من هيمنتها، فهي على الأقل تريد تثبيت وجودها في سواحل اليمن الاستراتيجية والقريبة من المواقع النفطية اليمنية وموانئ تصديره.
قد يبدو تكثيف التواجد في البحر الأحمر تراجعا من أمريكا عن حقيقة انحسارها العسكري من المنطقة ، ولذا جاء هذه التحرك كتحالف دولي، فلربما تريد الولايات المتحدة في هذه المرحلة تثبيت تواجدها وتكريس غربية البحر الأحمر لمدة معينة حتى يكتمل فيها تحالف ” الناتو العربي- الصهيونية”، أو ما يسمى ” الدول المشاطئة للبحر الأحمر”، فالاستراتيجية الأمريكية منذ أوباما بشكل أساسي تعتمد على تقديم مصالحها كمصالح ومهام لقوات مشتركة وتحالفات دولية واسعة.