نص المحاضرة الرمضانية الـ 26 للسيد عبدالملك الحوثي 1443هـ
الصمود|
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.
قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم الذكر الحكيم: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}[الشورى: من الآية28]، بفضل الله، وبرحمته، وبكرمه، مَنَّ الله بالغيث، وهطلت الأمطار على مناطق واسعة في عددٍ من المحافظات، بعد جدبٍ شديد، كانت المعاناة بسببه قد بلغت إلى مستوى كبير، وبالذات في الأرياف، المعاناة في توفير مياه الشرب، المعاناة الكبيرة جداً فيما يتعلق بالجانب الزراعي، وصل الحال إلى أن يبست الأشجار في بعض المناطق، المعاناة الكبيرة أيضاً فيما يتعلق برعي المواشي، حيث حصل نقصٌ كبيرٌ في ذلك، إلى درجة أن تموت البعض من المواشي في بعض الأرياف وبعض المناطق.
حالة الجدب كانت قد أضرت كثيراً بالناس في حياتهم، في معيشتهم، وكانت المعاناة قد وصلت إلى حدٍ كبير، ثم مَنَّ الله برحمته- وهو أرحم الراحمين، وهو أكرم الأكرمين، وهو ذو الفضل الواسع العظيم- مَنَّ بالغيث، هذه رحمةٌ من الله تبارك وتعالى، ونعمةٌ عظيمةٌ منه “سبحانه وتعالى”، والمفترض تجاه هذه النعمة من جانب الله “سبحانه وتعالى” أن نتوجه إليه بالشكر، وأن نزداد جميعاً في إقبالنا إلى الله “سبحانه وتعالى” نسأله المزيد من فضله، نطلب منه المغفرة، نسعى إلى أسباب رضوانه، للأخذ بها، والتقرب إليه “سبحانه وتعالى”.
الليالي المتبقية من شهر رمضان المباركة، هي ليالي مباركة، من المهم أيضاً الإقبال فيها إلى الله أكثر، بطلب المغفرة، بالإنابة إلى الله “سبحانه وتعالى”، بالتوبة النصوح، بعقد العزم والنية على الاستقامة على نهج الله “سبحانه وتعالى”، والسعي لصلاح الأنفس، وصلاح الأعمال، وصلاح المواقف، وصلاح السرائر والظاهر والباطن، هذا ما ينبغي أن نتوجه به إلى الله “سبحانه وتعالى”.
الله “سبحانه وتعالى” هو أرحم الراحمين، وهو أكرم الأكرمين، يريد لعباده الخير، هو القائل “جلَّ شأنه”: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف: من الآية96]، تأتي رحمته في وضعٍ صعبٍ نعيشه، ومعاناةٍ كبيرة؛ فتغير واقع حياتنا إلى حدٍ كبير، على المستوى النفسي، وعلى المستوى المعيشي، وعلى مستوى الواقع بشكلٍ عام.
ولذلك يقول الله “سبحانه وتعالى”: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}[الروم: 48-50].
الحالة التي وصفتها الآية المباركة: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ}، هي الحالة التي يعيشها الناس وهم في حالةٍ من الإحباط، والحيرة، لا يعرفون ماذا يفعلون لأنفسهم، يجدون أنفسهم في معاناة شديدة، واحتياج شديد؛ لأن الاحتياج للماء احتياج شديد، الماء أساسيٌ في حياة الناس، أساسيٌ وضروريٌ، هو عمود الحياة، يحتاجه الناس لشربهم، يحتاجه الناس لمواشيهم، يحتاجه الناس لزراعتهم، والجانب الزراعي أساسيٌ في حياة الناس، يحتاجه الناس لعمرانهم، لاقتصادهم… لكل شؤون الحياة: التجارية، والاقتصادية، والعمرانية، والزراعية، كلها تعتمد على الماء، وهو من أهم ما يدل على حاجتنا الشديدة إلى الله “سبحانه وتعالى”، على افتقارنا إلى الله؛ لأنه لا أحد يمكن أن يمنَّ علينا بالأمطار، وأن ينزِّل لنا الغيث، إلَّا الله “سبحانه وتعالى”، برحمته، وكرمه، وفضله.
وهذا يذكِّرنا بحاجتنا إليه، حاجتنا إلى رحمته، ويذكِّرنا أيضاً بجنايتنا على أنفسنا، عندما نعمل من الأعمال السيئة، أو نضيِّع من الحقوق ما يسبب لنا أن نخسر نحن في حياتنا، أن نتضرر نحن في حياتنا.
الإيمان، والتقوى، والإنابة إلى الله “سبحانه وتعالى”، والإقبال إليه، سببٌ لرحمته، سببٌ لفضله، سببٌ لنيل كرمه، والله “سبحانه وتعالى” حتى في حالات الجدب والشدائد هو يذكرنا بذلك؛ لنتضرع إليه، لنرجع إليه، لنصحح وضعيتنا، لنستقيم في حياتنا على أساس هديه “سبحانه وتعالى”.
ولذلك علينا أن نستثمر هذه الليالي والأيام المتبقية من شهر رمضان المبارك، في الإقبال إلى الله أكثر، ليزيدنا من فضله، ليمن علينا من واسع فضله ورحمته، نحن بحاجة إلى رحمته في الدنيا، وبحاجةٍ إلى رحمته في الآخرة، نطلب منه أن يزيدنا من الغيث، أن يزيدنا من واسع فضله، أن يمن علينا في كل شؤون حياتنا، في احتياجاتنا الأساسية، وأن يهدينا، وأن يوفقنا.
ومن أكثر ما نطلبه منه “سبحانه وتعالى”، ونرجوه منه، هو: المغفرة، أن نطلب من الله المغفرة، أن نسأله المغفرة، أن نستغفره كثيراً، أن نتوجه في استغفارنا على أساس العزم على الاستقامة، على التخلص من المظالم، هذه أمورٌ مهمةٌ جداً.
فيما يتعلق بالشكر على النعمة، الذي هو من أهم ما يساعد على استمرارية النعمة وزيادة النعمة، الله “سبحانه وتعالى” قدَّم وعداً قاطعاً في كتابه الكريم، عندما قال “جلَّ شأنه”: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم: من الآية7]، الشكر سببٌ لرعاية النعمة، وزيادة النعمة، والشكر يعود- بالدرجة الأولى- إلى أن نقدِّر النعمة، أن نقدِّر لله ما أنعم به علينا، أن نستشعر فضله ومنته علينا، وأن نعترف بذلك، وأن نحمده على ذلك، وأن نحسن تصرفنا في نعمته، فلا نعصيه بما أنعم به علينا، وهذا هو أقل شيءٍ تجاه نعم الله “سبحانه وتعالى”، كما عبَّر عن ذلك أمير المؤمنين “عليه السلام” ألَّا نستعملها في معاصي الله، في الإساءة إلى الله “سبحانه وتعالى”.
ومن أهم ما ينبغي ملاحظته، هو: إخراج الحقوق، تأتي نعمة الأمطار، فينتعش الجانب الزراعي، تنتعش الزراعة من جديد، والمحاصيل الزراعية بمختلف أنواعها تمثل دخلاً أساسياً للكثير من الناس، بعد أن يَمُنَّ الله على الكثير من الناس بالرزق، بعد نعمة الأمطار، يبخلون عن إخراج الزكاة، ويتهربون من إخراج الزكاة، ويتهربون من الإنفاق في وجوه البر والخير، والزكاة في المقدمة يتهربون من إخراجها، أو- وهي عادةً لدى الكثير الكثير من المزارعين- يخرج جزءاً منها، ويأكل الجزء الآخر، وهذا تنكرٌ للنعمة، وإساءةٌ إلى الله، ومعصيةٌ كبيرة، وإخلالٌ بركنٍ من أركان الإسلام، لا يجوز للإنسان ولا يليق به أن يتنكر لنعمة الله، وهو يرى حاجته إلى الله، وهي- في نفس الوقت- حماقة؛ لأننا عندما نخرج ما في هذه النعمة من حقوق، هو رعايةٌ للنعمة، وسببٌ لاستمرار النعمة، سببٌ للبركات، سببٌ للخيرات، سببٌ لأن يَمُنَّ الله علينا من واسع فضله، فنحن نبخل على أنفسنا عندما نبخل بالحقوق التي علينا، نبخل على أنفسنا، نتضرر نحن، نهلك أنفسنا نحن، فهي حماقة، وهي معصية، وهي خسارة، الخسارة هي في البخل، البخل عن إخراج ما في المال من الحقوق، هذه هي الخسارة، وليست الخسارة في إخراج ما فيها من الحقوق، بل هي رعايةٌ لها، سببٌ للبركات، واتساع الخيرات.
فالشكر هو رعايةٌ للنعمة، عندما نتجه إلى الله “سبحانه وتعالى” بالحمد والشكر، ونحن نستشعر فضله علينا، نتذكر ما كنا فيه من المعاناة، ونتذكر ما استفدناه من هذه النعم، كيف آثارها علينا في حياتنا، على المستوى النفسي حتى، في الاستبشار، في الراحة النفسية، وعلى المستوى المعيشي، فيما يفتح الله بها من أبواب الرزق، وما يوسع فيها وبها لنا في ظروفنا المعيشية، فهي مسألة علينا أن نستشعرها جيداً، وأن نتوجه إلى الله “سبحانه وتعالى” بالشكر، وأن نسعى للاستقامة، الله يقول في القرآن الكريم: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}[نوح: الآية10]، يحكي عن نبيه نوح “عليه السلام”، {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}[نوح: 11-12].
الله “سبحانه وتعالى” فضله عظيم، فضله واسع، هو أرحم الراحمين، فالعودة إلى الله “سبحانه وتعالى”، والإنابة الصادقة، والتوبة النصوح، والاستغفار، سببٌ لرحمته، لفضله، وأيضاً الاستقامة على نحوٍ مستمر على أساس هديه وتعليماته، كما قال في آيةٍ أخرى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}[الجن: الآية16].
فنحن يجب أن نسعى على أساس الاستقامة على هدي الله “سبحانه وتعالى” وتعليماته، في شؤون حياتنا بشكلٍ عام، في أن نرعى الحقوق التي علينا أن نؤدي مسؤولياتنا، أن ننضبط على أساس توجيهات الله، ونلتزم إيمانياً في معاملاتنا، ((الدين المعاملة))، بشكلٍ عام: المعاملة التجارية، المعاملة في الزراعة، المعاملة… بشكلٍ عامة في كل جانبٍ من الجوانب، ((الدين المعاملة))، والتحرك في مسؤولياتنا في السعي لإقامة الحق، لإقامة القسط، ورعاية الأمانة، والاستقامة مسألة مهمة من الجميع، الكل مأمورٌ بالاستقامة، الله قال حتى لنبيه “صلوات الله عليه وعلى آله”: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ}[هود: من الآية112]، علينا جميعاً أن نسعى لكي نستقيم في أعمالنا، في أدائنا لمسؤولياتنا.
من هم في مواقع المسؤولية عليهم أن يستقيموا أيضاً، لا يتوجه الخطاب في ذلك فقط إلى المواطنين أن يستقيموا فقط، ويرى المسؤول نفسه، أو من هو في موقع مسؤولية معينة، أو منصب معين، أنه غير معنيٍ بذلك، بل الحق عليهم أوجب، منهم في موقع المسؤولية، كلما كبرت مسؤولية الإنسان، كلما كان دوره في هذه الحياة أهم، فالمسؤولية عليه أمام الله أكبر، وهو ملزمٌ أكثر بأن يستقيم، أن يستقيم في أدائه، أن يؤدِّي مسؤوليته بأمانة، بصدق، بإخلاص، بدون غش، بدون استغلالٍ محرَّمٍ لموقعه في المسؤولية، بدون خيانةٍ للأمانة في موقعه في المسؤولية، أن يحرص على أن يكون أداؤه بما يرضي الله “سبحانه وتعالى”.
وهكذا الجميع، علينا أن نسعى للاستقامة؛ لأنها أساسٌ لصلاح حياتنا في الدنيا، واستقامة حياتنا في الدنيا، استقامتنا وفق هدي الله، التزامنا بما يأمرنا الله به “سبحانه وتعالى”، سعينا لذلك بشكلٍ عام في مختلف مجالات الحياة، هو خيرٌ لنا في الدنيا، وهو خيرٌ لنا وفوزٌ عظيمٌ لنا في الآخرة.
فنحن- بحمد الله “سبحانه وتعالى”- كشعبٍ يمنيٍ مجاهدٍ، هويته إيمانية، انتماؤه للإيمان، نال شرفاً كبيراً، ووساماً عظيماً، بما قاله الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” عنه: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية))، والجميع (جميع المسلمين) الكل معنيٌ بالاستقامة، وقد تتهيأ الظروف للاستقامة في بلدٍ معين أكثر من بلدانٍ كثيرة، عندما يكون هناك توجه قائم للأمة على أساس هدي الله تبارك وتعالى، على أساسٍ من انتمائها للإيمان، على أن تتعاون على البر والتقوى، على أن تسعى للتحرر من أعدائها، على أن تتصدى للفساد، والمنكر، والباطل، والشر، على أن تطهِّر ساحتها من ذلك، على أن تتجه في صلاح النفوس، وصلاح الواقع، وصلاح العمل، وصلاح النيات، وصلاح المواقف، هذه نعمة، الظروف مهيَّأة إلى حدٍ كبير، والمسؤولية بذلك تكبر، كلما تهيَّأت الظروف للاستقامة، للصلاح، للتقوى والإيمان؛ كلما كانت المسؤولية أكبر، وكلما كانت عقوبة التفريط، والتقصير، والمعاصي، والتخاذل عن الاستجابة العملية لله “سبحانه وتعالى” أكبر.
فبحمد الله نحن شعبٌ يتهيأ له اكتمال الإيمان، نحتاج إلى توجه أكثر، عناية أكثر، التزام أكثر، توعية أكثر، اهتمام أكثر، وإلَّا فالظروف باتت مهيَّأةً إلى حدٍ كبير.
مع هذا، مع التوجه إلى الله بالاستغفار، بالدعاء، بالاستقامة، بالثبات على موقف الحق، الذي هو من أعظم القرب إلى الله، من الأعمال الصالحة العظيمة، من نعمة الله علينا أن نكون في موقف الحق، وأن نثبت على موقف الحق، وأن نكون شعباً مجاهداً، شعباً آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، يقف موقف الحق، يقول كلمة الحق، يتبنى الموقف الحق في مواجهة الطاغوت في هذا العصر، هذه نعمةٌ عظيمة، مع هذا نتجه أيضاً إلى العمل على الاستفادة من نعمة الغيث والأمطار بشكلٍ أفضل.
تأتي هذه النعمة، وفي الموسم الذي تأتي فيه، أو في أوقاتٍ أخرى أيضاً، في بعض المراحل يَمُنُّ الله بالغيث، وتكون الأمطار غزيرةً جداً، وتهطل الكميات الكبيرة من الأمطار والمياه، فتتجه أكثر المياه، جزءٌ كبيرٌ منها إلى البحر، وجزءٌ كبيرٌ منها إلى الصحراء، على حسب المناطق، المناطق والمصبات، تتجه بعضها من خلال الوديان وصولاً إلى البحر الأحمر، أو البحر العربي في بعض المناطق، وفي بعض المناطق إلى الصحراء، في معظم المناطق الريفية لا يقتني الناس ولا يسعون إلى أن يمتلكوا حتى خزانات المياه، حتى البرك، فما بالك أيضاً بالحواجز، والسدود، والقنوات المائية، التي يمكن الاستفادة من خلالها بهذه النعمة على نحوٍ أفضل.
شاهدنا خلال هذه الأمطار بالأمس وقبل الأمس في بعضٍ من المناطق، في بعضٍ من البلدان، كيف تصب كميات كبيرة جداً من المياه تنزل إلى الوديان، وتتجه باتجاه البحر.
من المهم ونحن نلحظ في واقع حياتنا احتياجنا الكبير إلى المياه، وأنها أساسيةٌ في حياتنا، في معيشتنا، في ظروفنا الاقتصادية، أساسٌ يمنحنا الله من خلالها الرزق، نحتاج إليها احتياجاً أساسياً وضرورياً، من المهم أن نسعى كيف نستفيد منها أكثر، كيف نحافظ على هذه النعمة أكثر، كيف نخزِّن هذه النعمة على نحوٍ أوسع، وهذا يحتاج أيضاً- مع الجهد الفردي، الذي يستطيع الكثير من خلاله أن يقتنوا الخزانات والبرك- يحتاج إلى جهدٍ جماعي، إلى تعاون، إلى تعاون، إلى مبادرات اجتماعية، من أجل الحواجز المائية؛ حتى تكثر الحواجز المائية، وهي مفيدة، هي مفيدة على مستوى الاستفادة المباشرة منها، وعلى مستوى أيضاً المياه الجوفية، التي تتغذى منها، والسدود، يستطيع الناس من خلال التعاون أن يعملوا أعمالاً كبيرة، أن ينجزوا أشياء مهمة، عندما يتجهون بروحٍ تعاونية، أن يكون لديهم الحواجز، والسدود، والقنوات المائية، التي يحتاج الناس إليها، مثلاً: في تهامة، في الجوف، في مناطق كثيرة يحتاجون- والمناطق الشرقية- يحتاجون إلى القنوات المائية، التي يستفيدون من خلالها استفادة كبيرة على المستوى الزراعي، من خلال المياه المتدفقة التي تنزل.
عندما يتوجه الجميع على قاعدة التعاون، التعاون على البر والتقوى، التعاون على ما فيه الخير والصالح العام؛ فسيتمكنون- بمعونة الله، بتوفيق الله- من إنجاز أشياء كثيرة، فيستفيدون من هذه النعمة على نحوٍ أوسع، وأفضل، وعلى مدى زمني أكبر، وتخف معاناتهم، وفي نفس الوقت حتى على مستوى المياه الجوفية، هي تستفيد أيضاً من هذا، وهذا مع الإقبال إلى الله “سبحانه وتعالى”.
أيضاً الاهتمام بالزراعة، نحن في موسمٍ على مقربةٍ من موسم البذور، أن نبذر، موسم زراعي، الذرة في المناطق الجبلية وبعض المناطق التهامية ربما، المواسم تأتي تباعاً هنا وهناك بحسب تنوع البيئة والمناخ الزراعي عندنا في اليمن، ما بين المناطق الجبلية، والمناطق الشرقية، والمناطق التهامية.
لكن هناك تقصير كبير في الاهتمام بالجانب الزراعي، مع أن المتغيرات، والأحداث، والتوترات العالمية التي تحصل في الدول، في البلدان الأخرى، تؤثر علينا تأثيراً كبيراً جداً؛ نتيجة اعتمادنا على الاستيراد الخارجي، الحبوب ترتفع أسعارها، كل وقت وهي ترتفع أكثر، عندما نعتمد على استيراد القمح، استيراد مختلف الحبوب، مختلف المواد الغذائية من الخارج، تأتي هذه الأزمات في الخارج، والتوترات، والأحداث، والحروب، والصراعات، والمشاكل المتنوعة، وتؤدي إلى أزمات، فنتضرر تضرراً كبيراً نتيجةً لذلك.
يفترض ابتداءً أن نسعى إلى تقوية إنتاجنا الزراعي، إنتاج غذائنا، هذا شيءٌ بديهي، يهتم به كل البشر، غاب الاهتمام بهذا الجانب عند المسلمين، وبقي الاهتمام به أكثر لدى بقية الأمم والشعوب، وهذا أمرٌ مؤسف، يفترض أننا كمسلمين أكثر اهتماماً من غيرنا؛ لأن لهذه المسألة علاقة حتى بديننا، لها علاقة- كما يقال في الدول- بأمننا القومي، ألَّا نكون في وضع يتحكم بنا أعداءنا، من خلال الضغط علينا والحصار لنا حتى في قوتنا.
ذكرنا في بعضٍ من المحاضرات كيف أن النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” بعد وصوله إلى المدينة حرَّك الجانب الزراعي فيها، وزرعت مساحات شاسعة بالنخيل، وكذلك بالحبوب، ونشط الإنتاج الزراعي نشاطاً كبيراً، وكان يشجع على ذلك، ويحث على ذلك.
نحن بحاجة إلى اهتمام بالموسم الزراعي، وأن نستعيد نشاطنا كذلك في الإنتاج الزراعي، وهذا أيضاً يحتاج إلى التعاون، اهتمام فردي، وتعاون، تعاون ضمن المبادرات الاجتماعية، وضمن الجمعيات الزراعية، التي يمكن إنشاء المزيد منها، إنشاء المزيد من الجمعيات الزراعية، التي تُنَشِّط عملية الإنتاج الزراعي والتسويق الزراعي، فيستفيد الناس لحياتهم، لغذائهم.
حالة الكسل، وانعدام الرؤية، والإهمال، واليأس، ضيَّعت شعوبنا العربية، أثّرت على الناس تأثيراً كبيراً جداً في شؤونهم، نحن عندما نؤكد على هذه المسألة أيضاً نلحظ أن تكون من منطلقٍ إيماني، من خلال توجهنا على أن نكون أمةً صامدةً، ثابتةً على موقفها الحق، على مواقفها الصحيحة، على توجهاتها الصحيحة، وأن تتحرر من تأثيرات أعدائها، من ضغط أعدائها.
تقوية الإنتاج الزراعي له أهمية بكل الاعتبارات، على مستوى الحصار، وعلى مستوى المتغيرات والأحداث التي تحصل في بقية البلدان، فتؤثر على وضعنا في اليمن، وفي وضعنا في بقية البلدان العربية، ثم أيضاً له أهمية على المستوى الاقتصادي؛ لأن الاستيراد الخارجي يعتمد في أغلبه وفي أكثره على الدولار، على الدولار الأمريكي، الأشياء تشترى بالدولار، وهذا يؤثر على العملة، على قيمة العملة، على الأسعار، له آثار سلبية كثيرة.
التجار من جانبهم، لمصلحتهم حتى هم، ولمصلحة بلدهم، أن يتجهوا إلى الاستثمار في القطاع الزراعي، وفي الإنتاج المحلي، هذا يوفر عليهم الكثير، وفي نفس الوقت يفيد الجميع، يفيد التاجر، ويفيد غيره، ويعالج مشكلة البطالة، يحرِّك اليد العاملة، فله آثاره الإيجابية من جميع الجوانب.
اللجنة الزراعية يمكنها أن تكون على تنسيق مع التجار، بمشاريع تفيدهم، مدخولها جيدٌ عليهم، وفيها خدمةٌ لبلدهم، وأيضاً مع المواطنين في مسألة التعاونيات (الجمعيات الزراعية، والجمعيات التعاونية) التي يمكن إنشاء المزيد منها في مختلف المديريات والمناطق، بما يساعد على أن ينهض الناس، أن يتعاونوا لأن ينهضوا، أن يهتموا بشؤونهم، ألَّا تبقى وضعيتهم وضعية صعبة نتيجةً لتكاسلهم، يحتاج إلى إقبال إلى الله، وسعي، وعمل، وتعاون، إقبال إلى الله، واستقامة، وشكر للنعمة، وسعي، وعمل، وتعاون، هذا ما نحتاج إليه، وما ينبغي أن نحرص عليه.
نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يزيدنا من واسع فضله، إنه أرحم الراحمين، وهو الكريم الوهاب.
ونسأله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
ونسأله أن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛