صمود وانتصار

الإنسانية لا تولد من رحم الطاغوت

الصمود |مقالات | زيد الشُريف

 في التركيبة الاجتماعية البشرية هناك صنفان من البشر على المستوى (الفردي والجماعي)، الأول إنسان على فطرته السليمة التي فطره الله عليها صالحاً ومصلحاً والثاني بشري مجرم وفاسد متجرد من الإنسانية يعبث بحياة بقية البشر في مختلف المجالات ويتحرك في واقع الحياة ليهلك الحرث والنسل ويسعى في الأرض فسادا، فينتج عن ذلك صراع بين الإنسانية وضدها وبين الحق والباطل والخير والشر، فالإنسان الحقيقي الذي لا يزال سليماً يتحرك في واقع الحياة وفق الفطرة التي فطره الله عليها لينشر فيها الخير والحق والعدل، وفي المقابل يتصدى لأولئك المفسدين الطواغيت الذين يعملون على إفساد الحياة تلبية لغرائزهم الشيطانية التي تهدم ولا تبني وتفسد ولا تصلح، ولكن الشيء المثير للدهشة والمغاير للحقيقة هو أن أولئك الشياطين المجرمين يلبسون الحق بالباطل ويتحركون باسم الإصلاح والخير بينما أفعالهم وجرائمهم تشهد على أنهم أبعد البشر عن الحق والحقيقة وأكثرهم طغياناً وفسادا كما هو الحال في واقعنا اليوم بالنسبة لدول تحالف العدوان ومرتزقتها على مستوى اليمن بشكل خاص وكذلك الحال بالنسبة للأمريكان والصهاينة وحلفائهم وأدواتهم على مستوى العالم بشكل عام.

يتحرك الطواغيت على المستوى الفردي والجماعي ليفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ويقتلون الناس لتحقيق أهدافهم الشريرة ويأكلون أموال الناس بالباطل وينهبون ثروات الشعوب ويستعمرون الأوطان ويدمرون المساكن وغير ذلك من الأعمال الطاغوتية الإفسادية الإجرامية ثم يحاولون الظهور بمظهر الإنسانية والإصلاح في الأرض ويدعون ذلك زوراً وبهتانا، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى عنهم (وإذا قِيلَ لَهم لا تُفْسِدُوا في الأرْضِ قالُوا إنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ)، تماما كما يفعل الأمريكان والصهاينة وحلفاؤهم وأدواتهم اليوم يشنون الحروب العدوانية على الشعوب والأوطان الأخرى تحت عناوين باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، على سبيل المثال محاربة الإرهاب ومن أجل حقوق الإنسان ونشر قيم الحرية والعدالة بينما أعمالهم الإجرامية هي الإرهاب بحد ذاته وهم من يحاربون الحرية والعدالة وهم من ينتهكون حقوق الإنسان وأكبر شاهد على ذلك في واقعنا اليوم الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين وكذلك العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على الشعب اليمني الذي تجاوز السبعة أعوام ارتكبت فيها دول تحالف العدوان أبشع الجرائم بحق الشعب اليمني دون وجه حق إلى درجة أن دول العدوان جعلت من السلام ومن حقوق الإسلام عناوين لتمرير مشاريعها الاستعمارية وممارسة أعمالها الإجرامية، كما هو الحال اليوم بالنسبة لموضوع الهدنة المعلن عنها منذ أكثر من شهرين .

منذ بداية الهدنة الأممية في اليمن – التي قيل أنها هدنة إنسانية – لم تتوقف دول تحالف العدوان عن أعمالها الإجرامية على المستوى العسكري وعلى المستوى الاقتصادي حيث لا يكاد يمر يوم إلا وهناك خروقات واعتداءات تمارسها دول تحالف العدوان ومرتزقتها بحق الشعب اليمني في مختلف المحافظات إضافة إلى أن قوى العدوان لم تتوقف عن القرصنة البحرية على السفن اليمنية وكذلك تعرقل ملف الأسرى وتعيق إعادة فتح الطرقات في تعز ومارب وبقية المحافظات وتمارس أسلوب المد والجزر والتسويف والمماطلة فيما يتعلق بالرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء بدوافع استعمارية قائمة على الغطرسة، حيث تتصرف دول تحالف العدوان مع الشعب اليمني في موضوع المطار والرحلات الجوية بشكل استعماري قائم على الغطرسة فهي من تحدد موعد الرحلات وعددها ومحطاتها، والمثير للسخرية أنها تدعي أنها تمارس كل هذا الطغيان من منطلقات إنسانية.. وهنا علينا أن نتساءل: منذ متى كان الطاغوت إنسانياً؟.

لهذا من ينتظر من دول تحالف العدوان الأمريكي السعودي على اليمن أن تعمل على التخفيف من معاناة الشعب اليمني المعتدى عليه والمحاصر من جانبها بشكل حقيقي وملموس وأن تقدم مبادرات عملية إنسانية فهو ينتظر المستحيل ويخدع نفسه لأن دول تحالف العدوان تستغل الهدنة وعنوان السلام والإنسانية لأهداف سياسية واقتصادية معروفة وهذا ما يشهد به الواقع، فلولا أن أمريكا تخوض صراعاً اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً مع روسيا خلال هذه المرحلة لما كان هناك هدنة في اليمن لأن أمريكا تريد أن تستغل المشتقات النفطية السعودية والإماراتية في صراعها مع روسيا لهذا عملت على صناعة هدنة في اليمن تهدف إلى حماية المشتقات النفطية السعودية والإماراتية من ضربات سلاح الجو اليمني والقوة الصاروخية للجيش واللجان الشعبية، وهذا ليس غائباً عن أذهان صناع القرار في صنعاء ولكنهم يعملون على تخفيف معاناة الشعب اليمني قدر الإمكان وهذا ما أكد عليه الرئيس المشاط اكثر من مرة وفي حال لم تتقدم الهدنة إلى الأمام وبقيت تدور حول نفسها كما حصل في الشهرين الماضيين فإن القيادة في صنعاء لن تترك أمريكا تحقق أهدافها من وراء الهدنة بينما الشعب اليمني يبقى تحت الحصار والعدوان لأن الإنسانية لا تولد من رحم الطواغيت.