صمود وانتصار

مذبحة تنومة.. سيل الدم الذي أسست به الوهابية الإرهاب

«الجريمة» مؤامرة بريطانية سعودية لكسر الإرادة اليمنية ومحاولة نشر الفكر الوهابي

لم تعد مجهولة مذبحة تنومة.. سيل الدم الذي أسست به الوهابية الإرهاب

الصمود / الثورة

لأن الحق لا ينتهي بالتقادم أحيت ثورة 21 سبتمبر ذكر الجريمة على طريق القصاص

الدراسات التاريخية تؤكد أنها جريمة إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية واستهداف ديني وسياسي

ستظل “مجزرة تنومة” نقطة سوداء لن تُمحى من تاريخ مملكة الشر دالة على بشاعتها

تذكر المصادر التاريخية أنه بعد دخول الحجاج اليمنيين إلى الأراضي السعودية اعترضت طريقهم سريّة جنود من جيش آل سعود بقيادة الأمير خالد بن محمد (ابن أخ الملك عبد العزيز)، مسندةً بمجموعات تكفيرية بقيادة الوهابي سلطان بن بجاد العتيبي- يُقال لهم الغُطغُط- ثم أعطوهم الأمان ليعبروا. وما إن وصل الحجّاج إلى وادي تنومة في عسير، حتى انقضّ عليهم جنود الفرقتين من كل حدبٍ وصوب بوحشية منقطعة النظير فقُتل أكثر من 3 آلاف حاج على الفور ولم ينجُ منهم إلا عدد قليل. وقف الجند على جثث الحجاج مهللين مستبشرين بالجنة، ذلك أنهم كانوا يعتقدون أن من قتل واحداً من الحجاج اليمنيين نال قصراً في الجنة ومن قتل اثنين نال قصرين وهكذا.
يؤكد الباحث الأهنومي أن قرارَ تصفية الحجّاج صدر من الرياض، إذ لم يكن لأحدهم أن يجرؤ على اتخاذ هذا القرار باستثناء عبد العزيز بن سعود، وقد وصل القرار إلى يد حاكم أبها النجدي في الوقت الذي كان فيه الحجاج يجتازون الطريق بين أبها وتنومة، وقد علم أنهم سيقضون أياماً في أبها ومن بعدها تنومة ثم عسير وبالتالي تمكن عبد العزيز من إعداد الجند والمجموعات الإرهابية للقضاء على الحجاج. وفي تفاصيل الواقعة كما يرويها الباحث اليمني- والتي هي عبارة عن مجزرتين متتاليتين وليست مجزرة واحدة- شرع الحجّاج بعد وصولهم إلى عسير في إعداد طعام الغداء دون أي دراية بما قد حيك لهم من مؤامرة إبادة شاملة وهم عزّل لا يملكون السلاح. وما إن شارفوا على الانتهاء من الطعام حتى برز إليهم جيش ابن سعود الكامن لهم بعدما أحاطهم من كل الجهات وباشر بإطلاق النار على جباههم وصدورهم بشكل كثيف، تحرَّك الحجيج الناجين مجتازين مناطق كثيرة وصولاً إلى أطراف بني الأسمر (سدوان)، وإلى حدود بني شهر في (تنومة)، “فحطَّت القافلة الأولى والكبيرة في تنومة، والتي تبعد عن أبها حوالي 125 كيلو متراً، فيما حطَّت قافلتان في سدوان الأعلى وسدوان الأسفل، واللتين تبعُدان عن تـنـومـة بحوالي 10 إلى 15 كيلو متراً، إلى الجنوب الشرقي منها… فطلع الجند عليهم من أعلى الوادي وأسفله وهم على خيولهم وإبلهم، وهجم المشاة عليهم من رؤوس الجبال، وتابعوا الرمي عليهم ببنادقهم من كل جهة، فاستُشْهِد معظمُ من كان بهذا الوادي من الــحــجــاج، وقتِل أكثرُ دوابهم، وأُخِذَتْ أموالُهم، ولم يفِرَّ منهم إلا القليل”.. وهذه كانت المجزرة الأولى.
أما المجزرة الثانية فقد وقعت في سدوان، حيث فعل بنو سعود بالحجيج- بعدما وصلوا إلى سدوان- ما فعلوه في تنومة، مع العلم أن المجزرة الأولى كانت أكبر وأعظم. وهذا يشير وفق الأهنومي إلى أن “النـاجــين كان أكثرهم من فرقتي سدوان، الفرقتين الأخريين، وأن عامل الوقت كان سبباً من أسباب نجاة الكثير منهم، بيد أن الوهابيين النجديين من عصابات آل سعود لم يكفِهم ذلك، بل انطلقوا لمطاردة الهاربين فمن أدركوه قتلوه”، لم ينجُ من الحجيج أحد باستثناء قلة تظاهروا بالموت بين الجثث الهامدة وأكملوا مسيرهم فيما بعد مسلوبين وعراة ليس عليهم سوى سراويلهم وذلك بعدما استولى الجند على كل ما كان يمتلكه الحجيج من أثقال ودواب، وأموال وأمتعة.
ويذكر الدكتور حمود عبد الله الأهنومي أنه قضى في هذه المجزرة خيرة أعلام اليمن، وكان ممن استشهد فيها السيد العلامة الحسين بن يحيى حورية المؤيدي، والسيد العلامة يحيى بن أحمد بن قاسم حميد الدين، والحاج حسين القريطي والد الشيخ المقرئ محمد حسين القريطي رحمهما الله، الذي ولد في نفس العام، والحاج محمد مصلح الوشاح، أحد أهالي صنعاء، وعمّ السخط والحزن أرض اليمن، وحين وصل الرحالة نزيه مؤيد العظم إلى اليمن وجد الحزن والأسى يعم أهلها.
وقد حاول آل سعود عبر بعض الأقلام المرتبطة بهم أن يبرروا هذه الفعلة عن طريق الإدعاء بأن الجند السعوديين ظنوا أن الحجاج مجموعة مسلحة من أهل الحجاز فاشتبكوا معها!

سياسي اقتصادي عقائدي
يذهب مؤرخون ومحللون إلى أن جريمة آل سعود كان لها أسبابُ سياسية، تمثل في:
– احتلال بريطانيا وهي الحليفُ الرئيسي لآلِ سعود لجنوبِ اليمن وعدمِ رضا الإمامُ يحيى عن هذا الاحتلال ومُطالبتهُ أكثرَ من مرةً لبريطانيا بالرحيلِ وكان يعدُ العُدة لِقتالِها فأرادت بريطانيا مُعاقبتهُ خاصةً وأنهُ كانَ الحاكمَ العربي الوحيد الذي رفضَ أن يتسلمَ منها أي مُرتبات مالية ولا معونات كما أنَ بريطانيا كانت قد عرضت على الإمامِ يحيى أن تتحالف معهُ ضدَ بن سعود فرفضَ وقال قولتهُ الشهيرة (لو نازعني بن سعود على عِمامتي ما استعنتُ عليهِ بالنصارى) لذلك كانَ هذا الإمامُ المُتمرد يُشكلُ حالةً من القلقِ والإنزعاجِ الكبير لبريطانيا وكانَ لابُدَ من تأديبهِ بواسطةِ تكليفِ بن سعود بالمهمةِ كونهُ الذي لا يستطيع أن يرفُضَ لبريطانيا طلباً كما اعترفَ هوَ بخطِ يده في الرسالةِ التي تنازلَ فيها عن فلسطين لصالحِ اليهود.
– السياسةُ الشهيرة التي تعودت بريطانيا أن تستخدمها لإخضاعِ الشعوب وهي سياسةُ فرّق تسد من خلالِ خلقِ المشاكل بينَ الشعوب وخاصةً الثارات فبعدَ مجزرةِ تنومة أصبحَ لكُلِ الأسر اليمنية ثارات لدى آلِ سعود وما استمرار المجازر منذُ تنومة وحتى الآن سواء كانت بأوامرَ أمريكية أو سعودية إلا دليل على أنهم يُريدون أن يبقى الشعبان في حالةِ اقتتال مُستمر.
وأيضا أسباب اقتصادية تمثلت في كون الحِجَ هو موسمً أيضاً لتبادُلِ السلع التجارية بينَ الحُجاج القادمين من كُلِ أنحاءِ العالم وكانَ المشهورون من اليمنيين بالتجارةِ لديهم الكثيرَ مما يبيعونهُ وينافسونَ فيهِ وينتظرُ قدومهم الآخرون لأجلهِ مثلَ البُن اليمني والعسل والزبيب والعقيق والبرود اليمانية والأعشابِ الدوائية وفي كُلِّ قافلةً للحج يحشدون كل ما لديهم من بضاعةً مُستغلين فرصةَ الموسم وعندما أصدرَ محمد بن سعود توجيهاتهُ إلى جنوده بقتلِ الحُجاج أباحَ لهم الاستيلاء على كُلِّ أموالهم وسلاحهم كغنائم حرب.
والى ذلك أيضا أسبابُ عقائدية، إذ كان من المعروفِ أنَ أحدَ الدعائم التي قامت عليها الدولةُ السعودية هي العقيدةُ الوهابية التكفيرية التي تنظرُ إلى كُلِّ المُسلمين على أنهم كفار لابُدَ من محاربتهم وقتلهم وهي سياسةً بريطانية صهيونية تقومُ دائماً على مبدأ من ليسَ معي فهو عدوي وقد جاءَ في مذكرات مستر هنفر الجاسوس البريطاني العلاقةُ الوطيدة بين بريطانيا ومؤسس الوهابية في شرحً تفصيلي لتبنّي بريطانيا رعايةَ المذهب الوهابي واستخدامه للقضاءِ على كُلِّ المُخالفينَ لهم فهم عندما كانوا يُطلقون الرصاص على الحُجاج كانوا يفعلون ذلك بكُلِ حماس لأنهم يعتقدون أنهم يخدمون الدين وكانوا يُعاودون تفقُدَ من قد أطلقوا عليهم النار فيقمون مرةً أخرى بطعنهم وفصلِ رؤوسهم عن أجسادِهم بنفسِ الوحشية التي تقومُ بها داعش الآن في قتلِ من يختلفون معهم، وهذه الأسباب، هي ما أوردتها الباحثة أمة الرزاق جحاف في قراءتها لتاريخ هذه المجزرة.

جرائمهم الشنيعة
يؤكد سياسيون وأكاديميون وقانونيون، أن مذبحة الحجاج اليمنيين الكبرى في تنومة وسدوان التي ارتكبتها عصابات آل سعود سنة 1341 هجرية، جريمة إبادة جماعية لا تسقط بالتقادم، وفقا للقانون الدولي.
وطالبوا بالبدء في خطوات عملية لملاحقة نظام آل سعود قضائياً أمام المحاكم الدولية بسبب مذبحة تنومة والجرائم التي ارتكبها على مدى أكثر من ست سنوات بحق اليمن أرضاً وإنساناً.
وطالب نائب عميد المعهد الدبلوماسي للشؤون الأكاديمية السفير نجيب الزعيم، بالعمل على تشكيل هيئة قانونية لجمع الاستدلالات والشهادات وتجهيز ملف يتعلق بوثائق المجزرة ورفعها إلى المحاكم الدولية باعتبارها جريمة إبادة جماعية لا تسقط بالتقادم.
مشددا على أهمية أن تحظى هذه الجريمة بزخم إعلامي كبير، لكشف ما ارتكبه نظام آل سعود من جرائم بحق الشعب اليمني سابقاً ولاحقاً والعمل على إثرائها بالأبحاث والدراسات وتضمينها في مناهج التعليم بصورة عامة.
يرى الباحث المصري الدكتور محمد الشافعي في بحث له، أن مجزرة تنومة وسدوان التي راح ضحيتها ما يقارب ثلاثة آلاف حاج يمني، مؤامرة بريطانية سعودية وجريمة بشعة لا تسقط بالتقادم.
وتطرق إلى أهم الأسباب التي أدت للمجزرة وفي المقدمة المساعي السعودية البريطانية لمحاولة كسر الإرادة اليمنية ومحاولة نشر الفكر الوهابي القائم على التكفير والذي شجع على توالد التنظيمات الإرهابية بعدد من المسميات، وصولاً إلى القاعدة وداعش, إضافة إلى اعتبار الحجاج اليمنيين وما يمتلكونه من مؤن ومال غنيمة.
تقول الكاتبة عفاف محمد «كانت وستظل “مجزرة تنومة” نقطة سوداء لا تنمحي من تاريخ مملكة الشر. وهي في قائمة جرائمهم الشنيعة التي تبين حقيقتهم وإن شاء الله مملكتهم إلى زوال. والتاريخ لن يرحم زلاتهم وسيكون لأهل اليمن دور كبير في هلاكهم بإذن واحد أحد».
يقف اليوم أبناء اليمن بصمت احتراماً وتقديراً لشهداء مجزرة تنومة بحق الحجاج اليمنيين ويستعيدون شريط العداء التاريخي للنظام السعودي ضد بلدهم وحقيقة الأطماع السعودية ومراميها الخبيثة تجاه شعبهم.

دعوة لأحرار العالم
في العام الماضي أثناء إحياء ذكرى مجزرة «تنومة» بحق آلاف الحجيج اليمنيين عام 1923م، دعت المجالس الإسلامية في اليمن المؤسسات الدينية والرسمية والحكومات الإسلامية وكل الأحرار في العالم إلى إدانة هذه الجريمة، واعتبارها جريمة إبادة جماعية، وجريمة ضد الإنسانية، واستهدافا دينيا وسياسيا للنفوس المحرمة والبريئة، ودعت المجالسُ أيضا المنظمات والهيئات الحقوقية للتعاون مع أهالي الضحايا وذويهم في محاسبة هذا النظام ومقاضاته أمام المحاكم المحلية والعالمية، باعتبارها جريمة لا تسقط بتقادم العهد.
كما دعت المجالس الإسلامية الحكومةَ اليمنيةَ إلى اعتبار هذا اليوم السابع عشر من ذي القعدة يوما للمظلومية، والدعوة إلى الانتصاف من المجرمين، ودعتها إلى تضمين المناهج المدرسية ذكر هذه المجزرة، وإلى التحرك القضائي والقانوني الجاد والفاعل والاستفادة من القانون الدولي والإنساني للانتصاف للشهداء، كما دعتها إلى التحرك العسكري الفاعل إنصافا للشهداء، وذويهم.
وفي بيان أصدرته المجالس بالمناسبة، جاء: تذكِّرُ المجالسُ الإسلامية عموم المسلمين أن الأولياء الشرعيين على البيت الحرام، هم المتقون، وأن النظام السعودي اليوم أبعد ما يكون عن التقوى، قال تعالى: (وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [الأنفال:34]، وعليه فإنه يجب على الأمة جميعا التحرك لتمكين «المتقين» من ولايتهم الشرعية على بيت الله الحرام، حتى لا يعمّ الله الأمة جمعاء بعذاب الصَدِّ عن المسجد الحرام، وما ورد في قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: (لا تزال أمتي يُكَفُّ عنها ما لم يظهروا خصالا)، وذكر من تلك الخصال الرافعة للكفِّ من العذاب: (ترك هذا البيت أن يؤم، فإذا تُرِكَ هذا البيتُ أنْ يُؤَمَّ لم يُنَاظَروا).
يُذكر أن المجالس الإسلامية في اليمن يتألف من المجلس الزيدي الإسلامي، والمجلس الشافعي الإسلامي، والمجلس الصوفي الإسلامي.

تنومة
وتنومة بلدة في عسير، وكان عدد الحجاج اليمنيين زهاء ثلاثة آلاف عزّل من السلاح، كلهم كانوا مهللين بالإحرام للحج، فصدف أن ألتقت سرية جنود من جيش آل سعود بقيادة الأمير خالد بن محمد «ابن أخ الملك عبدالعزيز»، بالحجاج اليمنيين وهم في طريقهم إلى مكة، فسايرهم الجنود بعد أن أعطوهم الأمان، ولما وصل الفريقان إلى وادي تنومة، وجنود السرية في الجهة العليا بينما اليمنيون في الجهة الدنيا، انقض الجنود على الحجاج بأسلحتهم فأبادوهم فلم ينج منهم إلا عدد قليل وقُتل أكثر من ٢٩٠٠ حاج.
كما تقول المصادر التاريخية أن الحجاج اليمنيين بينما كانوا يجتازون وادي تنومة كانت قد ترصّدتهم مجموعات تكفيرية من جيش عبدالعزيز آل سعود في رؤوس الجبال المطلة على الوادي، يقال لهم الغُطْغُط ، بقيادة الوهابي سلطان بن بجاد العتيبي، فانقضُّوا عليهم بوحشية منقطعة النظير، وهم عزل من السلاح، فتقرّبوا إلى الله بزعمهم بقتل هؤلاء الحجاج اليمنيين جميعا رجالاً ونساءً؛ لأنهم بحسب عقيدتهم كفار مباحو الدماء والأعراض، حتى بلغ بأولئك أن هنَّأ بعضُهم البعضَ الآخر بكثرة من قُتِل من الحجاج، فمن قتل حاجًّا واحدا بشّروه بقصرٍ في الجنة، ومن قتل اثنين بشَّروه بقصرين، وهكذا، وبعد ذلك سطوا على دوابهم وقافلتهم التي كانت تحمل الحبوب والدقيق والسمن واحتياجاتهم التموينية التي كانت أيضا سببا في سيلان لعاب هؤلاء الوهابيين التكفيريين.
وقد حاول آل سعود عبر بعض الأقلام المرتبطة بهم أن يبرروا هذه الفعلة عن طريق الإدعاء بأن الجند السعوديين ظنوا أن الحجاج مجموعة مسلحة من أهل الحجاز فاشتبكوا معها! والسؤال: متى كان اغتيال المسلمين وقتلهم بالظن جائزاً؟! ومع ذلك فقد كذّبت الوقائع تلك المزاعم، إذ ثبت أن الجند السعوديين لم يقتلوا هؤلاء الوافدين إلى بيت الله الحرام، إلا بعد أن ساروا بمحاذاتهم مسافة معينة وتأكدوا من أنهم لم يكونوا يحملون السلاح.

جرس تنومة
اعتبر الباحث الأكاديمي الدكتور حمود الأهنومي، أن المجزرة السعودية الدموية بحق الحجاج اليمنيين في منطقة تنومة، كانت جرساً مُبكِّراً لهذا العدوان السعوديّ الأمريكي الراهن.
قال الدكتور الأهنومي مع مرور مِئة عام وعامٍ على مجزرة تنومة (العام الماضي): «لو أن اليمنيين استمعوا جيِّدًا لهذا الجرس، لكنهم نسوا وناموا، فاستيقظوا في ليلِ الـ 26 من مارس 2015م على وقْعِ مجازر أُخرى لا زلنا نعيشُ تفاصيلها حتى اليوم».
وأضـاف في صفحته تويتر أنه «في حقيقة الأمر لم يبدأ العدوان السعوديّ على اليمن في 2015م، بل بدأ قبل مئة عام وعام بقتلِ أكثر من 3000 حاج في مجزرة تنومة بغياً وعدواناً، ثم ظل العدوان على شعبنا قائماً والجرح نازفاً إلى يومنا هذا، حيناً بالحرب الساخنة، وحيناً بالباردة، والغزو الفكري، والتدخل السافر في شؤوننا، وقتل رئيسنا الشهيد الحمدي، ثم الرئيس الصماد».
وتابع بالقول: «قتل السعوديّون الوهّـابيون حُجّاجنا في تنومة بتوجيهٍ بريطاني، كما يقتلون شعبنا اليوم بأوامر أمريكية وصهيونية»، متسائلاً: «لقد شنُّوا العدوان الراهن على اليمن بدعوى شرعية الدنبوع، لكن بأيِّ شرعية قتلوا 3000 حاجٍّ يمني قبل مِئة عام؟!».
ولفت إلى أن معظم الحجاج في تنومة كانوا عُزّلاً، ولكنهم استبسلوا في الدفاع عن أنفسهم حتى قضوا شهداء أعِزّاء، وصدروا مواقف رائعةً في الثبات والاستبسال، مؤكّـداً أن دماء حُجاجِنا في تنومة ديْنٌ في رقابنا، ونقضي بعض هذا الديْن برفدنا الجبهات بالمال والرجال.
وأكّـد الدكتور الأهنومي أن الشعب اليمني، والمجاهدين، والقوة الصاروخية، والطيران المسيّر، أذرعُ شعبنا الضاربة لأخذ قصاص شهدائنا في تنومة.
وأشار إلى أن «حجاجنا في تنومة قُتلوا مرتين مرة بقتلِهم وذبْحِهم على يد آل سعود، وأُخرى بدفن قضيتهم في تراب النسيان والتواطؤ والإهمال على يد السلطة العميلة»، مُشيراً إلى تغييب المجزرة من قبل العملاء في اليمن لعقودٍ من الزمن.

أشكال وصور ومظاهر
يؤكد الدكتور عبدالرحمن المختار عضو مجلس الشورى ، وهو وزير سابق للشؤون القانونية بأن النوازع الإجرامية لأسرة آل سعود تجاه اليمن هي من مهدت لهذه الجريمة، وهو ما يتضح كذلك من خلال الإجرام السعودي بحق اليمن الذي اتخذ أشكالا وصورا ومظاهر متعددة تختلف من حينٍ لآخر باختلاف الظروف والأوضاع.
وقال إن كل تلك الأشكال والصور والمظاهر تنم عن دوافع إجرامية متأصلة في بيئة أسرة آل سعود وتكوينها العقائدي، فبيئتها نجد منبت قرن الشيطان، وموطن الفتن، وعقيدتها الوهابية التكفيرية المتطفلة على الدين الإسلامي المارقة عن تعاليمه، والهدامة لأركانه.
وعن طبيعة جريمة قتل الحجاج اليمنيين أوضح الدكتور المختار أن ابن سعود كان يشن في تلك المرحلة حروباً توسعية في جميع الاتجاهات بهدف السيطرة على شبه الجزيرة العربية مدعوماً من جانب بريطانيا بالمال والسلاح، إلا أن ذلك لا يعني نفي علاقة ابن سعود بارتكابه جريمة ذبح الحجاج لوجود حالة الحرب، كما أن تلك الجريمة ليست جريمة قتل عادية يمكن أن يكون دافع مرتكبها الحصول على المال الذي لا يمكن الحصول عليه إلا بإزهاق روح الضحية، أو أن ارتكابها ناتج عن ردة فعل انتقامية وجد مرتكبها نفسه في ظروف مواتية تسمح له بتنفيذ انتقامه الذي طالما انتظر الفرصة لتنفيذه، ومن ثم فبواعث ودوافع وأهداف جريمة الإبادة تختلف عما سبق فلا يمكن بحال من الأحوال أن يقف وراءها الانتقام أو الحصول على مال، وبالتالي فالظروف المحيطة بالجريمة هي المعول عليها في استخلاص طبيعة الجريمة وبواعثها ودوافعها وأهدافها.
وأكد أن ما تعرض له حجاج بيت الله الحرام من جريمة في تنومة بالإضافة إلى جرائم مماثلة خلال فترات متعاقبة كانت المسؤولية عن تلك الحوادث على الدولة التي وقعت في نطاقها الجغرافي، بغض النظر عما إذا كانت الحادثة قد وقعت من جنود تلك الدولة المرابطين على حدوها أو في أي نقطة مر بها الحجاج داخل نطاقها الجغرافي، أو وقعت من جانب قطاع طرق، ففي كل الأحوال تتحمل الدولة المسؤولية وكافة التبعات الناتجة عن الجريمة.
وبحسب المختار فمسرح الجريمة في تنومة واضحٌ ومُحَدَّدٌ لا لبس فيه ولا غموض؛ حيث يقع نطاقها تحت سيطرة ونفوذ حاكم نجد- في حينه- عبدالعزيز آل سعود مباشرة، وفي منطقة غير بعيدة عن العمران، ولا تجرؤ على تنفيذ تلك المذبحة بكل تلك القسوة وبكل ذلك التوحش عصابة تقطُّع إجرامية مهما بلغ شأنها في الإجرام.
ويضيف: الاستخلاص السائغ من كل المعطيات والظروف المحيطة بجريمة قتل الحجاج اليمنيين أن هذه الجريمة البشعة لا تندرج بأي حال من الأحوال ضمن جرائم اللصوص وقطاع الطرق التي تهدف إلى سلب ونهب الأموال؛ فتلك الجريمة تفوق قدرات وإمكانات وأهداف وتفكير هكذا عصابات، وبالنتيجة فتلك الجريمة لم يكن باعثها ودافعها سلبَ ونهبَ أموال الحجاج، ولو كان الأمر كذلك لتم الاكتفاء بنهب الأموال وجرح وقتل بعض المقاومين لإخافة البقية، ودونما حاجة للقتل بتلك الصورة المتوحشة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن تلك الجريمة وبكل ذلك التوحش لا يمكن بحال من الأحوال أن تندرج ضمن جرائم العصابات المستأجرة – كما هو حال المرتزقة اليوم- التي تعمل لحساب مشغليها آل سعود وآل نهيان، فهذه العصابات لديها خطوط عريضة تتحرك وتمارس جرائمها في نطاقها وغير مسموح لها تجاوزها، وهو ما يعني أن عصابات القتل التابعة لحاكم نجد ابن سعود في ذلك الحين، والتي كانت تعمل لحسابه، لم تنفذ جريمتها من تلقاء نفسها مطلقا، وإنما بتوجيه مباشر من عبدالعزيز آل سعود .