صمود وانتصار

محاولة “توحيد” صفوف المرتزِقة: العدوّ يعوّل على مهمة مستحيلة!

الصمود | أعاد إعلانُ ما يسمى “المجلس الرئاسي” لمرتزِقة العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي عن “هيكلةِ” المليشيات المسلحة الموالية للعدوان، تسليطَ الضوء على طبيعة الصراع بين هذه المليشيات، والذي تؤكّـد كُـلّ المؤشرات على أن محاولة إنهائه تحت مِظلة “المجلس” تمثل مهمةً مستحيلة؛ لأَنَّ تشكيل الأخير لم يضع حَــدًّا للانقسامات التي تغذّي هذا الصراع، كما أن غياب “القضية” الجامعة سيشكل دائماً عائقا لا يمكن تجاوزه أمام أي مسعًى لتوحيد صفوف المرتزِقة.

حديثُ القيادة الجديدة لسلطة المرتزِقة عن إعادة هيكلة قواتها يأتي في إطار محاولة تحقيق أحد الأهداف البارزة التي تم تشكيل ما يسمى “مجلس القيادة الرئاسي” لأجلها، وهو توحيدُ صفوف المرتزِقة ضد صنعاءَ وقوات الجيش واللجان لتحقيق مكاسب تمنح تحالف العدوان أوراق ضغط جديدة على طاولة التفاوض، أَو تبقي الصراع محتدماً في الداخل، في الوقت الذي تحاول فيه السعوديّةُ الالتفافَ على معادلةِ السلام وتجنيبَ نفسِها تداعياتِ استمرارها بالعدوان والحصار.

لكن الانقساماتِ بين مرتزِقة العدوان ليست مشكلةً جديدةً، ومحاولة السعوديّة لحلها من خلال وهم “تقاسم السلطة” بين أدواتها ليست جديدة أَيْـضاً، فقد سجّل ما يسمى “اتّفاق الرياض” فشلاً ذريعاً وفاضحاً في محاولة التقريب بين مرتزِقة حزب “الإصلاح” ومليشيات ما يسمى “المجلس الانتقالي” التابع للإمارات، من خلال تشكيل حكومة مناصفة، وبالرغم من أن طرفي المرتزِقة خضعا لتوجيهات مشغليهما في وقف المعارك نسبياً، إلا أن ذلك لم ينه الصراع ولم يضع حَــدًّا لمساعي كُـلّ طرف لإزاحة الآخر من المشهد على أكثر من صعيد.

تشكيل “المجلس الرئاسي” للمرتزِقة لا يختلف كَثيراً عن “حكومة المناصفة”، بل إنه يكرّس المزيدَ من الانقسامات، ويضع التشكيلة القديمة بمشاكلها في صدام مع التشكيلة الجديدة، وهو الأمر الذي سيؤثر حتماً على أية محاولة للملمة صفوف قوات المرتزِقة.

عضو الوفد الوطني المفاوض، عبد الملك العجري، يرى أنه: “لو أنفقت دولُ العدوان كُـلَّ نفطها لتوحيد مرتزِقتها ما وحدتهم”، ويؤكّـد أن السبب الأبرز هو أنهم “لا يملكون مشروعاً وطنياً جامعاً يمكن أن يتوحدوا عليه”.

ويضيف العجري أن دولَ العدوان تريد فقط توحيد مرتزِقتها ضد من يسمونهم “الحوثيين”، وهذه ليست قضية جامعة؛ لأَنَّها محاولة “لتوحيدهم على الحقد والكراهية لأبناء وطنهم والكراهية لم تكن يوماً مشروع توحيد، ومن يزرع الحقد لا يحصد إلَّا مثله” بحسب تعبير العجري.

هذه القراءة تصادق عليها تجارب السنوات الماضية من عمر العدوان بشكل واضح، وباعتراف العديد من قيادات المرتزِقة الذين أكّـدوا بأنفسهم أن المصالح والاعتبارات والولاءات الخَاصَّة هي ما تحكم كُـلّ تحَرّكات المرتزِقة سواء العسكرية أَو غيرها، وهذا ما تؤكّـده طبيعة وحجم الانقسام بين فصائل المرتزِقة التي يفترض أنها تقاتل في معسكر واحد، لكنها تأريخها وتكوينها بات مرتبطاً بوحشية معاركها الداخلية أكثر من أي شيء آخر.

 

وضعٌ داخلي مشتعلٌ بالصراعات

ومن المشاكل التي يجبُ أخذُها بعينِ الاعتبار عند الحديث عن محاولة توحيد صفوف المرتزِقة تحت مِظلة ما يسمى “المجلس الرئاسي”، أن هذا الأخير، وبرغم الدعايات التي حاولت تصويره كقيادة موحدة لمرتزِقة ستحل كافة مشاكلهم، لم يكن في النهاية سوى نسخة أُخرى أكثر هشاشة من الفريق السابق الذي كان الفارّ هادي على رأسه، فالعلاقة بين أعضاء “المجلس” نفسه ليست على ما يرامُ في الواقع، ومسودة “القواعد المنظمة” لعمله تؤكّـد أنها لن تكون على ما يرام أبداً.

العديدُ من المصادر ووسائل الإعلام التابعة للمرتزِقة (الذين يُفترَضُ أنه أصبحوا تحت قيادة واحدة) تتحدث منذ أَيَّـام عن تحَرّكات خَاصَّة يقوم بها المرتزِق عيدروس الزبيدي -رئيس ما يسمى “المجلس الانتقالي” التابع للإمارات، وعضو ما يسمى “مجلس القيادة الرئاسي”- يواصل من خلالها العمل على تكريس أجندة الانفصال والتحشيد والتحريض ضد “رئاسي” المرتزِقة، وضد حكومة الخائن معين عبد الملك، حتى أن بعض المصادر تستخدم توصيفَ “انقلاب” للحديث عن هذه التحَرّكات.

وتتحدث وسائلُ إعلام المرتزِقة أَيْـضاً عن خلافاتٍ بين المرتزِق العليمي نفسه، وبين السعوديّة والإمارات، وهي خلافاتٌ لا يستطيع العليمي أن يحسمها لصالحه مهما فعل؛ لأَنَّه ليس رئيساً فعلياً في نهاية الأمر، وهو الأمرُ الذي سيلقي بظلاله أَيْـضاً على بقية أعضاء “المجلس” متعددي الولاءات.

وإضافة إلى ذلك، على أرضِ الواقع، لم يستطعْ “مجلس” المرتزِقة حتى الآن أن يستقرَّ كـ”سلطة” في الداخل، ولم يستطع أن يغادرَ هو وحكومته وضع “المنفى” ومربع “الحكم عن بعد” الذي يجعل أي وعود أَو دعايات عن توحيد صفوف قوات المرتزِقة أَو تغيير الأوضاع مُجَـرّد دعايات فارغة ومكشوفة، وهو ما تؤكّـده الأوضاع المزرية التي تعيشُها المحافظاتُ المحتلّة التي كانت موعودةً بانفراجات عندما تم إعلان تشكيل “المجلس”.

وفيما يستمرُّ مسلسلُ الاغتيالات داخلَ المحافظات المحتلّة، تندلعُ موجةُ غضب شعبي ضد حكومة المرتزِق معين عبد الملك، وتلقي بظِلالها على الصراع المُستمرّ بين أطراف المرتزِقة، حَيثُ تتهم بعض وسائل إعلام حزب “الإصلاح” مليشيا الانتقالي بالوقوف وراء الاحتجاجات، فيما تنتقد المليشيا ما يسمى “المجلس الرئاسي” وحكومة معين على فشلهما في توفير الخدمات ومعالجة الوضع المعيشي والاقتصادي.

هذه المعطياتُ والأحداث تشكل مشهداً مألوفاً وغيرَ جديد يؤكّـد أنه، في أفضل الأحوال، لم يتغير أي شيء بخصوص الصراع بين المرتزِقة والفشل الذريع لدول العدوان في لملمة صفوفهم، لكن هذا الصراع لا يقف عند مستوى معين، ودائماً يتجه نحو الأسوأ.

وفي إطار هذا المشهد فَـإنَّ الحديثَ عن لملمة صفوف قوات المرتزِقة هو حديث عن محاولة تحقيق المستحيل، فحتى إن كانت هناك توجيهاتٌ من تحالف العدوان لتوحيد الجهود ضد صنعاء، فَـإنَّ هذا قد يفضي إلى تحشيد كبير للجبهات، لكنه لا يعني نهاية الصراع الداخلي والانقسامات بين المرتزِقة أنفسهم، وبالتأكيد لا يعني أنهم سيتصرفون كمنظومة واحدة ذات قيادة موحدة؛ لأَنَّ هذا يتطلب أكثر من مُجَـرّد “توجيهات”، وهو ما سيؤثر على ذلك “التحشيد” ويجعله بدون فائدة.

والحقيقةُ أن الحديثَ عن توحيد قوات المرتزِقة إعادة هيكلتها تحت قيادة واحدة لا يتعلق بالمواجهة مع صنعاء بقدر ما يتعلقُ بالمشاكل الداخلية لهذه القوات؛ لأَنَّ مهمة الهيكلة تتطلب دمجاً للتشكيلات العسكرية وجرد للإمْكَانات والأسلحة لدى كُـلّ فصيل وكشوفات موحدة، وهو أمر لا يستطيع أي مراقب لوضع قوات المرتزِقة وتكوينها أن يضع أية احتماليةٍ لتحقيقه، وقد أشار تقرير سابق صدر لفريق الخبراء الأمميين المعيين باليمن إلى أن المليشياتِ التي تم تفريخُها بدعمٍ من تحالف العدوان في اليمن، “لم تعد قابلةً للسيطرة عليها”، فهي عبارة عن تكتلات متباينة غير قادرة على التصرف كـ”جيش” ويقودها تجارُ حروب متعددو الولاءات، ويتصرفون بناءً على مصالح خَاصَّة.

 

صحيفة المسيرة