الذباب الالكتروني وإعادة تصنيع الجدران | بقلم : عبدالعزيز البغدادي
الصمود| الطابع الغالب على وسائل التواصل الاجتماعي كتويتر وفيس بوك وغيرهما أنها وسائل لاستنزاف العقل والوجدان وإيذاء الضمير الإنساني بما يمارسه غالبية المشاركين في صفحاتها بمختلف توجهاتهم وأديانهم ومذاهبهم الفكرية والدينية من شتائم وبذاءات وترويج للوقاحة واختلاق المعارك الطائفية استناداً إلى المرويات المكذوبة والخزعبلات البعيدة عن العقل وتشويه علاقة الإنسان بالعلم والدين معاً وتجنيدهما للسياسة العنصرية والتكفير بما يتبع ذلك من جرائم إرهابية واستثمار للأمية الفكرية والدينية والسياسية وسوء الأخلاق ، وهذا الواقع يعكسه حجم الإعجابات والمشاركات التي يحصدها أصحاب الفيديوهات والمنشورات والفتاوى البذيئة والتافهة أو الداعية للبذاءة والإرهاب بصورة مباشرة أو غير مباشرة من دعاة امتلاك الدين والحقيقة والمتاجرين بهما ووعاظ السلاطين ومن يوظفهم من الرؤساء ومَن دون دونهم والسلاطين بكل مواقعهم ذباباً أو كلاباً تخدم توجهاتهم ومذاهبهم الفكرية والدينية وأحلامهم وتطلعاتهم للبقاء الأبدي في السلطة باستخدام الشحنات غير المعقولة وغير المستندة لأي حق قانوني أو أخلاقي أو طبيعي بل إنها تعتمد على أكثر التفسيرات الدينية بؤساً وتخلفاً وبعداً عن روح الحرية والعدالة لتنهش هذا وتعظُّ ذاك مستبيحة الدماء والأعراض والأموال وهي أقبح الوظائف المعاصرة للكذب والتزوير وهذه ضريبة من ضرائب التطور العلمي وثورة المعلومات ، إلا أن هذه الوظيفة لا ينبغي أن تقلل من أهمية هذه الثورة وما وصلت إليه البشرية من قدرة على الحصول على المعلومات وسرعة نشرها مما ساعد على غل يد الأنظمة الاستبدادية والحد من تنمرها ورغبتها في سد الأجواء والآفاق أمام ما أفرزته هذه الثورة الحقيقية من أساليب وأدوات وأقول حقيقية لأني مع من لم يعد يؤمن بالثورة التي تستخدم العنف دون خطة واضحة تؤدي إلى نظام سياسي يقوم على تداول سلمي للسلطة بناءً على انتخابات خالية من التزوير المادي والمعنوي والتأثير المباشر أو غير المباشر على إرادة الناخب وبعيداً عن شعارات السلمية التي استخدمها المدججون بالسلاح فالتجارب أثبتت أن ذلك لم يكن سوى ذر للرماد في العيون وتفنن في ممارسة الكذب تارة باسم الدين وأخرى باسم الوطنية أو الأممية وحقوق الإنسان.
إن ثورة العنف لا تنتج سوى العنف أما ثورة العلم والمعلومات فآثارها واضحة من خلال ما قدمته وتقدمه للإنسان من خدمات وما مزقته من حجب وهدمته واخترقته من جدران كانت عالية منيعة تتحكم سلطات الاستبداد بواسطتها في حجم التبادل الثقافي والمعرفي والمعلوماتي ونوعه لتصبح سرعة تبادل المعلومات اليوم بفضل هذه الثورة المظفرة أسرع من الضوء ومخرجاتها وتطور أساليبها ماضية قدما كل عام وشهر وساعة بل وكل دقيقة وثانية نحو الجديد المتجدد.
نعم العالم يعيش حالة تطور معرفي مستمر لدرجة أننا لا نبالغ إذا قلنا بأن ما بعد كتابة هذه الحروف تختلف عما قبلها، كما تختلف الدول من حيث مستوى استفادتها من العلم باختلاف سياساتها وما إذا كانت منهمكة في وضع الخطط للخروج من حالة التخلف والبحث عن أفضل الشروط للشراكة الوطنية الحقيقية بين كل أفراد المجتمع بكل اتجاهاته وتوجهاته والقضاء على أسباب التفرقة وكل أشكال التحيز والتمييز ليعم السلام أم أنها منشغلة باجترار سلبيات الماضي والبقاء أسرى خلافاته وصراعاته الطائفية والمذهبية المتخلفة.
وفي اعتقادي أنه لا يقلل من أهمية هذا الفعل العلمي المتجدد لثورة المعلومات ما نقرأه أو نسمعه أو نشاهده اليوم من بذاءات ومحاولة التقليل من أهمية ما يستجد من ابتكارات تزيد من قدرة الإنسان على معرفة أسرار الكون وتقريب آفاقه الخيالية لتكون في متناول كل راغب في المزيد من العلم والمعرفة الذي يؤتى منه الإنسان إلا قليلا.
لقد تحولت بعض صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية العامة والخاصة إلى قنوات تافهة موظفة في الابتزاز والترويج للأنظمة الاستبدادية والعنصرية باستخدام هذه الوسائل العلمية في التجهيل و صناعة عقول تابعة أو مهيأة يسيطر عليها منهج ثقافة القطيع وبذلك يتبين لكل ذي عقل أن الاستبداد هو الاستبداد وإن اختلفت وسائل المستبدين ، ولا ينبغي أن يغيب عن الأذهان كون الوسائل العلمية الحديثة يستخدمها المستبِد بكسر الباء كما يستخدمها المستبَد بفتحها وهو ما يتطلب مستوىً أعلى من العلم والمعرفة والإحساس بالمسؤولية وابتكار أساليب جديدة للمقاومة لارتفاع نسبة غموض وسائل التضليل اليوم عنها بالأمس ولهذا يجب أن لا نعيب زماننا ونلعن أدواته التي تشكل رافعة لأهم ثورة علمية في التأريخ إنما العيب في من يحملون المعايب ويسيئون استخدام الأدوات فيما يمارسون من سلوكيات تجعلهم في موقع الانحطاط أيا كانت الأدوات والوسائل المستخدمة !.
يتلاقح الجهل بالجهل
يزرع الأرض شوكاً
يمد ضراعته للجدار
والتِيه يحتل كل العقول
عبدالعزيز البغدادي