صمود وانتصار

اليمن: أراضي الشعـوب لا تـُؤجر ولا تُباع

اليمن: أراضي الشعـوب لا تـُؤجر ولا تُباع

الصمود../

 

إن السباق الاستعماري صوب الجزر والمناطق الاستراتيجية ، يعود تاريخه بالتقدير الى ستة قرون، وقد سبق ان تابعت أزمة (جزر الفوكلاند) المستعمرة البريطانية، الغنية بالذهب الاسود والحيتان، والمتميزة بالموقع الاستراتيجي في جنوب الأطلسي ،والمسماة بالاسبانية (جزر مالفيناس)، المستعمرة الاسبانية سابقا ،والقريبة من دولة الأرجنتين التي تعتبرها جزءا من املاكها كوريثة للاستعمار الاسباني، ولأسباب داخلية قامت بغزوها دون سابق إنذار في ابريل عام 1982م وخاصة الجزء الشرقي من ارخبيل فوكلاند حيث تقع العاصمة (استانلي).. وبالتالي نشبت الحرب بين بريطانيا والأرجنتين وانتهت بهزيمة الأرجنتين.

 

وكانت النتيجة ان لجأت بريطانيا الى الاستفتاء الشعبي وجاءت نتيجته لصالحها بنسبة 99.8 ٪ ، قابله عدم اعتراف من الارجنتين باعتباره مهزلة ،لكنه قبلت به كأمر واقع على مضض .

 

ومن الملاحظ ،ان التصويت  لصالح بريطانيا لم يأت من فراغ وإنما لعوامل اللغة، والثقافة، والتوطين الاستعماري الطويل الأمد .

 

وبناء عليه، وددت ان اضع هذه الجزر كنموذج لمعاناة العالم من الاطماع الخارجية ،والتي يقاسي منها الشعب اليمني في الوقت الراهن.

 

من الجدير بالذكر ، إننا نقف امام ثالوث رهيب قائما منذ ستة قرون على اطماع دولية واقليمية لجزر، ومدن، وممرات ومواقع استراتيجية ، ويتمثل هذا الثالوث بما يلي : احتلال— إستئجار طويل المدى — إستثمار بدون ضوابط — وهي عوامل رئيسة لفرض الهيمنة.

 

في واقع الأمر، اقدم المستعمرون :- الأسبان ، والبرتغاليون، والبريطانيون ، والفرنسيون، والإيطاليون، واخيرا الاميركيون على احتلال، اواستئجار، او استتثمار أراضي الغير بدون قانون، ونظم، وقواعد، خلال السته القرون الماضيه، شملت الست القارات من ضمنها الجزيرتان (القارتان) “انتر كتيكا” في القطب الجنوبي ، واستراليا” في المحيط الهندي بحثا عن المواد الخام ،والتحكم في الممرات، والمواقع الاستراتيجية في اعالي البحار.

 

وفي هذا السياق ،أود ان استعرض باختصار اهم الجزر، والموانئ، والمواقع الاستراتيجية في العالم والتي كانت مثار تسابق المستعمرين ،لكي أصل الى غايتي من كتابة هذا المقال ، بداية من( جزر الفوكلاند) في جنوب الأطلسي ،مرورا بشبه جزيرة مستعمرة (جبل طارق) البريطانية في الطرف الجنوبي لشبه جزيرة ايبيريا (اسبانيا والبرتغال) المطلة على بوابة البحر المتوسط تليها جزر مثل ، كورسيكا ، و سبتة، ومليلة، ومالطة، وقبرص ، وصقلية، ورودوس، وسردينيا في البحر المتوسط، وجزيرتا غرينلاند الدانماركية، وايسلند في شمال القارة العجوز، ثم هونغ كونغ ،وتايوان، وماكاو، في بحر الصين،، وارخبيلا الفلبيين، واندونيسيا عبورا بماليزيا، وسنغافورة ،والمالديف ، وسيرلنكا ،وموريشيوس،  وجزرالقمر ،ومدغشقر ،وسيشيل في المحيط الهندي، ( والجزر والموانئ اليمنية :- جزر سوقطرة ،وميون ،وكمران،وزقر ، وموانئ ميدي ، والمخاء ،وعدن ، وبلحاف ،والمكلا، ونشطون، وشحن في البحر الاحمر وبحر العرب ) ، وجزر وشبه جزر (الموز) في الكاريبي، فضلا عن مواقع استراتيجية مثل : (غوانتنامو) جنوب شرق كوبا في الكاريبي(وديغوجارسيا) الموريشيوسية في المحيط الهندي ، المستأجران من قبل الولايات المتحدة الاميركية بعقود طويلة المدى تجدد تلقائيا ،،، ثم جزر : غوام ، وبابوا غينييا الجديده ، ونيو زيلند ،في المحيط الهادي…. الخ.

 

و بقيام حركات التحرر الوطني بعد الحرب العالمية الثانية نالت بعض الجزر استقلالها ، كما بقى البعض منها مستقلة في اطار رابطة دول الكومنولث ، وجز ء آخر تحت الاحتلال او الوصاية، او الحكم الذاتي، وآخرى مقيدة بعقود، واتفاقيات او تحت غطاء الاستئجار او الإستثمار غير المحكوم بضوابط قانونيه، وفي حال برزت اشكالات، تخضع للاستفتاءحسب التحكيم الدولي، ولن يغير ذلك من واقع الامر شيئا بعد ان تم تغيير ديموغرافية تلك الجزر والمواقع وتبعيتها للمحتل او الوكيل بالنيابة .

 

ومع المتغيرات السياسية، وشهوة السيطرة على مقدرات العالم، يحاول المستعمر في العقد الثالث من الألفية الثالثة إحياء السباق الاستراتيجي من جديد بالهيمنة على جزر، ومواقع، وموانئ على طرق التجارة العالمية ، والذي اخذت تمارسه كل من الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا، وفرنسا بشكل اقل ،لتامين عبور ناقلاتها النفطية، والغازية، وتجارتها واساطيلها ، و السعي الى عرقلة المنافسين التجاريين ،والاقتصاديين في مقدمتهم الصين القوة الناهضة والدول الحليفة لها في(منظمة شنغهاي للتعاون وهي منظمة دولية، سياسية، واقتصادية، وامنية) تاسست في 15 يونيو 2001م،في شنغهاي، وبلغت عضويتها حاليا 9 اعضاء (الصين، روسيا، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكيستان، اوزباكستان ، ايران ، الهند وباكستان ) ، والتي اخذت تتبلور حاليا كقوة عالمية للمنافسة الاقتصادية ، والأمنية ،وكسر الاحتكارية الاميركية الاحادية القطبية بعد انهيار (حلف وارسو) بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق عام 1990م ،، والغاية من القطبية الأحادية تقوم على ممارسة الهيمنة العالمية لغرض تنفيذ مشاريع القرن الصهيونية بشتى الطرق . ومانشهده اليوم من ارهاصات على مستوى الساحة الدولية لدليل ناصع على هذا التنافس الذي يأخذ حاليا طابعا غير اخلاقي متمثلا بالحروب الجرثومية والتدخلات السافرة بشؤون الدول .. الخ.

 

ومن هذا المنطلق ،يعمد المحور الثنائي الانكلوسكسوني الاميركي – البريطاني الى احتكار الجزر ،والموانئ والمواقع الإستراتيجية لصالحه من خلال ممارسة ضغوط على الدول او تفويض وكلائها الاقليميين في المناطق كرأس حربة للسيطرة عل جزر ومواقع بطرق غير مشروعه وذلك بعد تغييرها ديموغرافيا، وامنيا، وعسكريا تنتهي نتيجتها باستخدام ما يسمى بالاستفتاء لأهالي الجزر ، والموانئ لتقرير مصيرهم ، ولايحتاج الأمر في الغالب اكثر من 12 (اثنتي عشرة) سنة لإستفتاء شعبي يفضي الى اعلان استقلال صوري لتلك الأراضي او تبعيتها لصالح المحتل او الوكيل بالنيابة بموجب التفويض الاستعماري المشار اليه آنفا.

 

للأسف الشديد ،يحدث كل ذلك عندما يتغافل مسؤولو الدول ذات العلاقة عن اراضيهم برشاوى،واغراءات..الخ، ويتعمدون قطع صلتهم بالجزر ،والمواقع، وكانها خارج نطاق دولهم ،رضوخا للوكيل اعليها بالتفويض ، مما يعد بمثابة تنازل ،اوبيع ، او تأجير لاملاك وأراضي شعوبهم لمن لا يستحق ولا يملك ..

 

ولمعالجة هذه المشكلة، وقبل فوات الأوان ،يجب ايجاد حلول يمنية عاجلة لوضع اليمن العصيب الذي يمر في اسوأ مرحلة تاريخية بعد خراب سد مأرب.

 

وفي السياق نفسه يفترض من المسؤولين اليمنيين الغيورين على وطنهم بإختلاف مشاربهم السياسية والإجتماعية تسجيل موقف موحد امام العالم ، في الدورة السنوية القادمة للجمعية العامة للامم المتحدة خلال انعقادها في سبتمبر 2022 م في نيويورك ، وذلك بتقديم صورة جلية عن ما يحدث في اليمن ،، ومناشدة الامم المتحدة بان الجمهورية اليمنية في وضع خطير جدا تتعرض فيه لممارسات تنتهك سلامة اراضيها و بما يخالف ميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الامن القاضية بالحفاظ على سلامة وسيادة الدول على اراضيها .

 

حقا ،إن الهجمة على اليمن مهولة وشرسة.

 

و من المأمول ، وما يفرضه الواجب الوطني عدم تكرار نفس الأخطاء السابقة لمسؤولين تنازلوا عن اراض يمنية شاسعة ،مما يعتبر بحكم القانون والشرع تنازلا باطلا من اساسه ،كما يتعارض أيضا مع الاتفاقيات والقوانين الدولية التي لا تجيز اخذ اراضي الغير بالقوة او من خلال شراء ذمم او اختلاق ذرائع ومبررات.

 

جوهر القول ،إن الاوطان لا تشترى، ولا تباع، ولاتؤجر .

 

لذلك ، فلا بد من حل عاجل لانقاذ اليمن ، قبل ان يفقد الشعب اليمني جزءا غاليا آخر من تراب الوطن ، فيندمن ، ولات ساعة مندم.

 

*السفير عبدالسلام قاسم العواضي – رأي اليوم