المبعوث الأممي يواصل التمسك بتصورات العدوان: إحاطة تضليلية أخرى
المبعوث الأممي يواصل التمسك بتصورات العدوان: إحاطة تضليلية أخرى
الصمود../
في الوقت الذي ينتظر فيه الجميع مؤشرات إيجابية على توجـه العدو ورعاته نحو حلولٍ حقيقية لإنجاح الهدنة التي تعيش فترة التمديد الأخيرة، جاءت إحاطة المبعوث الأممي إلى اليمن، هانز غروندبرغ، الأخيرة أمام مجلس الأمن حاملة مؤشرات سلبية وغير مبشرة تؤكـد أن الأمم المتحدة لا زالت مصرة على التعاطي مع ملف اليمن بمنطق وتصورات ورؤى تحالف العدوان ورعاته، وهو الأمر الذي كان وما زال من أبرز العوائق أمام كـل جهود التهدئة والسلام؛ لأنه يعني أن الهدنة لا زالت مجـرد شعار يريد العدو استثماره للالتفاف على متطلبات الحل الحقيقي وخداع الرأي العام.
غروندبرغ عبر بوضوح عن تمسك منظمته الدولية بأُسلُـوب التضليل والتواطؤ مع تحالف العدوان في عدة نقاط، كان منها إنكاره لخروقات العدوّ العسكرية البرية والجوية خلال الأشهر الماضية، والتي أسفرت عن وقوع عدد من الشهداء والجرحى، في مقابل تبنيه لرواية المرتزِقة المضللة حول وقوع قصف مدفعي استهدف مدينة تعز التي لا زال المبعوث أَيْـضاً يتعاطى مع ملف فتح الطرق فيها وفقاً لتصور وخطاب دول العدوان، إذ حاول تسليط الضوء عليها بشكل حصري متغاضياً عن موقف المرتزِقة المتعنت هناك، ومتجاهلاً العديد من الطرق التي يواصل العدوّ إغلاقها في بقية محافظات أُخرى مثل مأرب، والتي يسبب إغلاقها معاناة كبيرة للمواطنين في تلك المحافظات.
هذا الأُسلُـوب يؤكّـد أن الأمم المتحدة لا زالت تحاول استثمار الهُدنة لخدمة أغراض تحالف العدوان وخلق ضغوط على صنعاء للمساومة على التزامات الاتّفاق ومتطلبات السلام، وهو ما يعبر بوضوح عن أن تحالف العدوان لم يغير موقفه المتعنت، وأن تعهدات المبعوث الأممي التي رافقت طلبات تمديد الهُدنة سابقًا لم تكن سوى دعايات للمناورة والمراوغة.
هذا ما ظهر أَيْـضاً في حديث المبعوث عن موضوع سفن الوقود والرحلات الجوية خلال إحاطته الأخيرة أَيْـضاً، حَيثُ عمد مجدّدًا إلى تجاهل استمرار قيام تحالف العدوان باحتجاز سفن الوقود ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة، برغم حصولها على تصاريح آلية التفتيش التابعة للأمم المتحدة، بل حاول أن يصور لمجلس الأمن وكأن عملية “تدفق الوقود” سلسة وطبيعية، وهو ما يعني أن تحالف العدوان ورعاته مصرين على التمسك بإجراءات الحصار التعسفية من خلال إيهام العالم بأنها لم تعد موجودة.
وفي ما يخص الرحلات الجوية، تجاهل المبعوث الأممي أَيْـضاً استمرار تحالف العدوان بمنع تشغيل رحلات بين صنعاء والقاهرة، برغم أن اتّفاق الهُدنة نص بشكل صريح وواضح على هذه الرحلات، وبدل العمل على إيقاف هذه العرقلة، اتجه غروندبرغ إلى تصوير الرحلات المحدودة التي يتم تسييرها إلى الأردن (والتي ظلت تتعرض لعراقيلَ متنوعة من قبل تحالف العدوان طيلة الأشهر الأربعة الماضية) كإنجاز كبير يحل مشكلة إغلاق المطار، وهذا يعني أن دول العدوان والأمم المتحدة لا زالت مُصرةً على إبقاء الرحلات الجوية المتفق عليها كورقة مساومة، الأمر الذي يشير بدوره إلى أن وعود إضافة وجهات جديدة وتوسيع نطاق الرحلات لا زالت مُجَـرّد دعايات لا يدعمها أي مؤشر إيجابي.
وحقيقةُ أن المبعوثَ الأممي يتعمد التضليل على عملية تنفيذ البنود المتعلقة بسفن الوقود والرحلات الجوية، تمثّلُ تأكيداً صادماً على غياب نوايا التوجّـه نحو حلول حقيقية تخفف معاناة اليمنيين وتمهد لسلام فعلي؛ لأَنَّ وصول الوقود وحق السفر من وإلى مطار صنعاء هي من أبرز الاستحقاقات الإنسانية المشروعة لليمنيين والتي لا يجب أن تربط بأية أجندة سياسية وعسكرية، والتعامل معها بهذه الطريقة الملتوية لا يبشر بنهاية إيجابية للهُدنة التي بات نجاحها مشروطاً بالتوصل إلى اتّفاق يتضمن معالجة شاملة للملف الإنساني وفصله عن الملفات العسكرية والسياسية.
القحوم: مواقفُ الأمم المتحدة ومبعوثها مشتراةٌ بالمال
عضوُ المكتب السياسي لأنصار الله، علي القحوم، علّق على إحاطةِ المبعوث الأممي إلى اليمن خلال جلسة مجلس الأمن واصفاً إياها بأنها “مضللة وغير مهتمة بمعاناة اليمنيين” مُشيراً إلى أن غروندبرغ ذهب فيها إلى “مسالك غير حقيقية بتعمد واضح ونهج معروف لمنظمة أممية تدعي الإنسانية لكنها أضاعت بوصلة الإنسانية في اليمن”.
وَأَضَـافَ القحوم أن هذا السلوك “إن دل على شيء فَـإنَّما يدل على بيع وشراء مسبق لمواقف هذه المنظمة ومبعوثها بالمال السعوديّ والإماراتي”.
وأكّـد أن جلسة مجلس الأمن “لا جديد فيها سوى تكريس التضليل وتغييب الحقائق وتسويق الأكاذيب الباطلة والإشادة بالمعتدي والوقوف مع الجلاد ضد الضحية” مُشيراً إلى أن “هذا الموقف غير جديد فهو منذ اليوم الأول للعدوان ما زال يتكرّر وهو دليل واضح أن هذا العالم تحكمه السياسة والمصلحة ولا هم ولا إدراك لمعاناة اليمنيين”.
هذه القراءة لا تتناقض مع حديث صنعاء مؤخّراً حول وجود تغير في المزاج الدولي بشأن ملف اليمن؛ لأَنَّ هذا التغيير لم يلامس أرض الواقع بعد، والميزان الحقيقي الذي سيعطي هذا التغيير قيمة معينة هو الخطوات العملية لتخفيف معاناة اليمنيين ومعالجة القضايا الإنسانية لا سِـيَّـما في ظل وجود اتّفاق واضح يمكن البدء منه وإن كان محدوداً للغاية، وَإذَا كان التعاطي الأممي مع هذا الاتّفاق لا يزال بهذه السلبية فهذا يعني أن تحالف العدوان ورعاته لا يزالون يحاولون مقاومة التغيير.
(المسيرة)