الآثار الإقتصادية لنقل البنك المركزي اليمني إلى فرع عدن على القطاعات المالية والنقدية والإقتصادية
الآثار الإقتصادية لنقل البنك المركزي اليمني إلى فرع عدن على القطاعات المالية والنقدية والإقتصادية
الصمود../
كثيرةٌ هي الآثارُ الاقتصادية الكارثية التي يعيشُها أبناءُ الشعب اليمني جراء نقل صلاحيات البنك المركزي إلى فرع عدن والذي ترتب عليها قيام حكومة العملاء طبع المزيد من العملة المزورة الجديدة والتي وصلت إلى حوالي خمسة تريليونات وثلاثمِئة وعشرين مليار ريال، حَيثُ كان لها أثرٌ على الاقتصاد الوطني أَدَّى إلى انخفاض القيمة الشرائية للعملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، مما سبب تضخماً في ارتفاع أسعار السلع والخدمات وصل إلى مستويات خيالية تفوق قدرة المواطن اليمني الشرائية لتغطية احتياجاته من السلع والمواد الأَسَاسية والضرورية، وقد شهد اليمن عدداً من المتغيرات والأحداث على الصعيد العسكري والاقتصادي والسياسي كان أهمها في الجانب الاقتصادي أزمة ارتفاع سعر الصرف وفرض وتشديد القيود على تدفق الواردات من السلع الأَسَاسية عبر موانئ الحديدة وقطع مرتبات الموظفين والسياسات والإجراءات الفاشلة المتخذة في السياسات المالية والنقدية من قبل حكومة المرتزِقة.
وقد سعت دولُ تحالف العدوان ومرتزِقته إلى التهرُّب في عدم تنفيذ ما تم الاتّفاق عليه في مفاوضات السويد بتوريد عائدات النفط والغاز المنهوبة إلى حسابٍ موحد لدى فرع البنك المركزي في الحديدة لغرض صرف جميع مرتبات الموظفين، ولا شك أن تلك العوامل مجتمعة إلى جانب استمرار العدوان والحصار والحرب الاقتصادية وتداعياتها منذ ثمان سنوات وانقسام إدارة الاقتصاد الكلي وسيطرت دول العدوان على معظم موارد البلاد الاقتصادية وخَاصَّةً عائدات النفط والغاز، وقرار نقل البنك المركزي إلى عدن قد أثر بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشر على أداء الاقتصاد القومي وعمق من تدهور الأوضاع الاقتصادية وزاد من حدة المأساة الإنسانية إلى درجة تصريح وكالات الأمم المتحدة بأن اليمن يمر بأسوأ أزمة إنسانية في العالم وتسبب العدوان بمشاكل اجتماعية واقتصادية سيعاني منها المجتمع اليمني خلال السنوات القادمة مثل تدني مؤشرات التنمية البشرية وانخفاض الإنتاجية وتباطؤ معدلات النمو، وبالتالي استمرار ارتفاع مشاكل البطالة والفقر وانعدام الأمن الغذائي.
كما يعد نشاط القطاع النقدي والمصرفي بمثابة المرآة لتدفق الموارد الحقيقية بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، حَيثُ يلعب دوراً مهماً في تحقيق الاستقرار وكبح جماح التضخم والحفاظ على استقرار سعر العملة الوطنية ويوفر النقد الأجنبي لتمويل فاتورة المجتمع من الواردات وتعمل المصارف كوسيط بين المدخرين والمستثمرين والمقترضين وبالتالي فَـإنَّ أية اختلالات أَو تحديات يتعرض لها هذا القطاع قد تهدّد الاقتصاد برمته وتزعزع استقراره، الأمر الذي ينعكس على كافة أفراد المجتمع وبالذات الفئات الفقير والأشد فقراً ويفاقم مشكلة انعدام الأمن الغذائي من قناتين وهي قناة تدهور الاقتصاد وانعكاسه على تقلص فرص العمل ومستوى الدخل وقناة الأسعار جراء تدهور سعر العملة الوطنية وارتفاع الأسعار للسلع المستوردة والمنتجة محلياً ولا شك أن العدوان والحصار الاقتصادي وتداعياتهما وما برز عنهما من أزمات قد تسبب في تدهور النشاط المصرفي واختلال الموازين النقدية ما ساهم في ارتفاع خسائر هذا القطاع التي طالت آثارها الاقتصاد الحقيقي جراء نقل البنك المركزي إلى فرع عدن.
الأثرُ على قطع مرتبات الموظفين
ويؤكّـد ذلك ما جاء في تهديدات السفير الأمريكي للوفد الوطني المفاوض بأنه سوف ينقل البنك المركزي إلى عدن ويجعل الريال اليمني لا يساوي الحبر الذي طبع عليه، حَيثُ ترتب على ذلك قطع مرتبات جميع الموظفين بالرغم من التزام الفارّ هادي أمام المجتمع الدولي بصرف جميع مرتبات الموظفين عقب تنفيذ قرار نقل صلاحيات البنك المركزي إلى عدن.
ومما لا شك فيه أن هذا دليلاً كافياً على أن دول تحالف العدوان ومرتزِقتها هي السبب الرئيسي لقطع مرتبات الموظفين كُـلّ هذه السنوات وموضوع صرف مرتبات الموظفين يعتبر من الحقوق القانونية التي نصت على وجوب استحقاقها جميع النصوص الدستورية والقانونية المحلية والدولية وتعتبر من الحقوق الملزمة والمستحقة الواجب تسليمها جراء القيام بأي عمل مقابل أجر متفق عليه في جميع الكتب والأديان السماوية كما يُعد استحقاقاً إنسانياً قبل أن يكون ورقة اقتصادية وسياسية تستخدمها دول العدوان؛ بغرض الضغط على الشعب اليمني والقيادة الثورية والسياسية.
الأثرُ على العرض النقدي
ويرى خبراءُ اقتصاد أن طباعةَ نقود دون أن يكون لها غطاءٌ قانوني يؤدي إلى نتيجة أَسَاسية وهي ارتفاع الأسعار، حَيثُ يزيد المعروض النقدي دون أن تقابله زيادة موازية في السلع والخدمات وسبب نقل وظائف البنك المركزي إلى فرع عدن وإغلاق نظام تسوية المعاملات الخارجية وقيامها بطباعة حجم نقدي كبير تعدى ما تم طباعتُه خلال أربعين عاماً، الأمر الذي كان له أثرٌ واضح في تدهور سعر صرف الريال جراء الإفراط النقدي والمضاربة بالعُملة المزوَّرة.
وقد تسببت هذه المشكلة في شل قدرة البنك المركزي على القيام بوظيفة بنك البنوك وتوفير احتياجات البنوك من السيولة مما جعل البنوك تضع شروطاً وتحدّد سقوف معينة للسحب من الودائع وهو ما دفع كثير من المتعاملين مع البنوك بالاحتفاظ بأموالهم بشكل سيولة في خزائنهم الخَاصَّة أَو القيام بالمضاربة بها في أسعار العملة في ظل عدم قدرة البنك المركزي على الدفاع عن سعر الصرف وتلبية فائض الطلب على العُملة الأجنبية الناتج عن ذلك.
الأثرُ على الاحتياطيات من النقد الأجنبي
ويعد رصيدُ الاحتياطيات الخارجية من المؤشرات الهامة التي تبين مدى قدرة الاقتصاد على الوفاء بالتزاماته الخارجية وَأَيْـضاً المحافظة على استقرار سعر صرف العُملة الوطنية خَاصَّة في بلدٍ يعتمد وبشكلٍ كبير على العالم الخارجي في توفير احتياجاته الأَسَاسية وقد جرى العرف الاقتصادي بأن مستوى الاحتياطيات من النقد الأجنبي الآمن يغطي احتياجات الاقتصاد من الواردات ما بين 3- 6 أشهر في المتوسط وخلال الفترة الماضية انحسرت موارد النقد الأجنبي للبنك المركزي اليمني في صنعاء بفعل توقف الصادرات وخَاصَّةً من النفط والغاز وتعليق تدفق المساعدات الخارجية الرسمية اللتان كانتا يعتمد عليهما في رفد رصيد احتياطياته الخارجية في ظل استمرار استخداماته لتغطية فاتورة استيراد السلع الأَسَاسية والوفاء بالتزامات الحكومة المدفوعة بالعملة الأجنبية وَأَيْـضاً الدفاع عن سعر الصرف حتى إغلاق نظام السويفت في البنك المركزي من قبل دول الاحتلال في سبتمبر 2016م، ما أَدَّى إلى استنزاف احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي.
حيث توضح المؤشرات تراجع الاحتياطيات الخارجية ونهبها من قبل حكومة المرتزِقة وأصبحت غير متاحة للبنك المركزي بصنعاء وفي هذا المجال فقد عملت حكومة الإنقاذ على مخاطبة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بعدم قانونية استيلاء حكومة المرتزِقة على تلك الاحتياطيات ومخالفتها لقواعد القانون الدولي، وعملت أَيْـضاً حكومة الإنقاذ بالاتّفاق مع جمعية البنوك والصرافين بإنشاء سلة لمتحصلات النقد الأجنبي من المصادر المتاحة وتخصيصها على السلع الأَسَاسية من خلال لجنة المصارفة، وبعد ذلك تم تشكيل لجنة أطلق عليها لجنة المدفوعات كانت مهمتها وضع موازنة لموارد النقد الأجنبي وتحديد استخداماته على أهم السلع الأَسَاسية الأمر الذي ساهم في الحد من توسع فجوة الطلب على الدولار المترتبة على الطلب الوهمي.
الأثرُ على سعر الصرف
يعد استقرار سعر صرف العملة الوطنية من أهم العوامل والمتطلبات الرئيسية لاستقرار الاقتصاد وخلال السنوات الماضية وخَاصَّة في المناطق المحتلّة شهد سعر صرف الريال في السوق الموازي هبوطاً مُستمرًّا أمام العملات الأجنبية ولكن يلاحظ أن وتيرة ذلك الهبوط ارتفعت منذ قرار نقل وظائف البنك المركزي إلى فرع عدن وإغلاق نظام السويفت؛ وذلك بسَببِ ضعف القدرات المؤسّسية لفرع عدن، إضافة إلى السياسات الفاشلة المتخذة من قبل حكومة المرتزِقة ودول الاحتلال في إطار ما يسمى بالحرب الاقتصادية ومنها المضاربة بالعملة الأجنبية ومحاصرة البنك المركزي في صنعاء وضخ مبالغ طائلة للسوق من العملة المحلية المزورة.
وما يلاحظ أن تلك المبالغ تفوق سقف النفقات التي يتوقع أن تغطيها في المناطق تحت سيطرة دول الاحتلال علاوةً على ما لديها من موارد حقيقية تتركز في مبيعات النفط والغاز إضافة إلى موارد الضرائب والجمارك، وَأَيْـضاً المنح التي تم استلامها من الخارج وبحسب ما تشير إليه وكالات أنباء تلك الدول أَو تقارير المؤسّسات الدولية، حَيثُ تجدر الإشارة إلى أن ما قامت به دول العدوان ومرتزِقتها عند نقل البنك المركزي إلى عدن وضخ العملة المطبوعة هو الاستحواذ على جزء هام من ثروة الأفراد في شكل ضريبة مستترة إلى جانب نقل جزء كبير من الثروة في بنوك الاحتلال السعوديّ والإماراتي؛ بهَدفِ زيادة الخناق على الشعب اليمني.
الأثرُ على الائتمان والمصارف
مما لا شك فيه أن القطاع المصرفي يقوم بدور الوساطة المالية بين المدخرين والمستثمرين والمقترضين، ولذا فهو يلعب دوراً حيوياً فيجذب المدخرات التي تسربت من الدورة الاقتصادية وإعادة حقنها فيها من خلال تقديم الائتمان للأنشطة الاقتصادية المختلفة بما فيها قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها ولذا فهو لاعب أَسَاسي ورئيسي في تحفيز النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار في إمدَادات السلع، ومن خلال المؤشرات يتضح أن إجمالي أصول البنوك التجارية والإسلامية قد حقّقت زيادة تركزت في الزيادة الائتمانية منها زيادة في الائتمان الممنوح للحكومة وزيادة في الائتمان الممنوح للقطاع الخاص وهذا في نفس الوقت الذي حقّقت إجمالي الودائع زيادة بفعل الزيادة في الودائع تحت الطلب، بينما كانت الزيادة في أنواع الودائع الأُخرى طفيفة جِـدًّا وهو ما رفع نسبة الائتمان إلى الودائع بعد أن تراجعت هذه النسبة جراء التراجع في الائتمان الممنوح للحكومة عام 2015م وكذلك القطاع الخاص؛ بفعل ارتفاعِ معدَّل المخاطر وشحت السيولة الأمر الذي ترتب عليه تراجع في الودائع وزيادة الاحتياطيات وتقليص الائتمان إلى جانب الحصار الذي فرض على تعاملات البنوك مع العالم الخارجي والقيود على التحويلات عبر المصارف.
إجراءاتٌ ومعالجات ضرورية
ومما سبق يجبُ على حكومة الإنقاذ اتِّخاذ إجراءات ومعالجات تتمثل في ضرورة قيام البنك المركزي برفع دعاوى جنائية وإدارية أمام البنك الدولي بعدم قانونية فرع البنك المركزي بعدن في طبع العملة الجديدة ومنعه مستقبلاً من طباعة أية عملة؛ كون ذلك يخالف ما جاء بالدستور والقانون اليمني ويخالف الجانب الإنساني الذي يلحق الأضرار بحياة الشعب اليمني ويستهدفه في حياته المعيشية؛ كون القضاء اليمني قد قال كلمته في عدم شرعية حكومة المرتزِقة.
وأيضا ضرورة قيام وزارة حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني التي تطالب بحقوق الإنسان في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وجميع الناشطين الحقوقيين المناهضين للعدوان داخل وخارج الوطن أن عليهم جميعاً التقدم إلى المجتمع الدولي برفع قضية ضد حكومة المرتزِقة بالتوقف عن طباعة العملة الجديدة وبطلان قرار نقل البنك المركزي إلى عدن وإرجاع الاحتياطات النقدية التي تم نهبها وجميع المبالغ التي تمت طباعتُها إلى الشعب اليمني الصامد في وجه العدوان الغاشم مع أهميّة مطالبة الأمم المتحدة بتحييد الاقتصاد ومنع تداول العملة الجديدة وفقاً لما طرحه قائد الثورة لتجسيد الوعي الوطني في مواجهة الحرب الاقتصادية ولما تمثله من خطورة على الاقتصاد الوطني.
وأيضاً ضرورة اتِّخاذ إجراءات لتوحيد وتنسيق جهود الحكومة وعملها ككيانٍ موحد؛ مِن أجلِ تحقيق فعاليات السياسات المتخذة وتحقيق أهدافها مع التوسع في نشر الوعي الإنتاجي والاستهلاكي في أوساط المجتمع، وبالأخص فيما يتعلق بتشجيع الصناعات الصغيرة وبترشيد الاستهلاك من السلع غير الأَسَاسية وتفعيل وتعزيز السياسات المالية الكفيلة برفع كفاءة تحصيل كافة الموارد العامة المستحقة للخزينة العامة للدولة وترشيد النفقات العامة ورفع كفاءة تخصيصها بما يساهم في الحد من مشكلة عجز الموازنة ومن ثم على الدين العام وأعبائه الباهظة.
وكذلك ضرورة تفعيل وتعزيز إدارة التجارة الداخلية، بما يكفلُ منعَ الاحتكار وإغراق السوق بالسلع غير الضرورية وضبط الأسعار وتوفر السلع الضرورية وحماية المنتج المحلي والفاقد منه وخفض تكاليف التسويق وإنعاش القطاع الزراعي والسمكي والصناعات الوطنية المتوقفة كمصنع الغزل والنسيج ومصانع الإسمنت والصناعات الحرفية وتحسين نسبة الاكتفاء الذاتي ومحاربة كافة مظاهر الفساد على كافة المستويات وفي كُـلّ المجالات.
المسيرة: د. يحيى علي السقاف
* وكيلُ وزارة المالية ، كاتبٌ وباحثٌ في الشأن الاقتصادي