صمود وانتصار

في الذكرى الحادية والعشرين للخديعة العالمية الكبرى!

مقالات|| الصمود|| عبد العزيز البغدادي

هل نلوم هذا الكائن الدولي المتوحش بعظمته (أمريكا) على عشق الأرانب والغزلان أم نلوم من عشقوا أن يكونوا كذلك وهم يشبهون البشر؟؟!

 

من المؤكد أن من يقبل بالوحش حامياً وراعياً وولياً مطاعاً مشكوك في إنسانيته لأن من علامات الإنسان الحقيقي إدراك أن طاعة الطغاة الغزاة أو الحكام المستبدين هي مصدر علل الأفراد والجماعات في كل وقت وحين لأنها تحول الحكام إلى طغاة وتقضي على إنسانيتهم وتجعل بعضهم مع الوقت يشعرون بأنهم أشباه آلهة وتتحول الطاعة العمياء والاتكالية إلى وبال على المطاع مهما كانت المصلحة التي يجنيها من هذه الطاعة التي تشبه الشيك على بياض ، وقد تكلف المطيع والمطاع أضعاف تلك المصلحة وتصبح مصدراً لزعزعة أمن المطاع الشخصي كحاكم ، أو أمن دولة الاحتلال أو الاستعمار ، فالطاعة العمياء تعني شل نصف قدرات وإمكانات المجتمع.

 

ولعل في مشهد الطائرات العسكرية الأمريكية العملاقة وهي تقلع من مطار كابول بعد أن قررت أمريكا الانسحاب من أفغانستان أو بالأصح الهروب منه وتسليمه لحليفها في السر عدوها في العلن (طالبان)! كعادتها مع كثير من الجماعات التي مكنتها من الحكم في بلدان عديدة لإدراكها بأنها ستقوم باللازم في إذلال شعوبها وانتهاك حقوقهم وكرامتهم وحريتهم بدلاً عنها فأمريكا أبرز من يجيد (أكل الثوم والبصل بفم غيرها) ، في مشهد تلك الطائرات وعملاء أمريكا يتناثرون على الأرض كالحشرات وهم يركضون ممسكين بعجلات الطائرات وأجنحتها طلباً في النجاة من أي انتقام وفيهم من خُدع باللعبة ومنهم من استفاد منها ماديا ، هذا المشهد عبرة لا أشك أنها ستدرس ضمن فلسفة السياسة البرجماتية الأمريكية في أسوأ صورها وكل الأنظمة التابعة أو الرافضة لهذه السياسة ، والفرق واضح بين من جعلوا من أنفسهم أرانب وغزلانا طمعاً في حماية الوحش الذي يشتمهم أثناء التهامهم ، وبين من يفهمون أن العلاقات الدولية السوية هي التي تقوم على الشراكة وأن الشريك الحقيقي الحر سند مؤكد لشريكه والشراكة الحقيقية بين الأحرار مصدر قوة وعزة لجميع الشركاء.

 

إن الشره الأمريكي في الهيمنة على العالم وبالذات في بلدان ما يسمى بالشرق الأوسط قد انتقل في 11سبتمبر 2001 من مرحلة المؤامرات السرية إلى مرحلة الافتضاح العلني في تسيير الأنظمة العميلة وأصبح شنها للحروب العلنية على الإرهاب الذي صنعته ودعاوى حماية حقوق الإنسان مبررة عند كثير من البشر الذين تعصف بهم الأمية السياسية لعجزهم عن الربط بين الوقائع والأحداث التي تكشف أن أمريكا مهندس إرهاب الدولة داخل الدول التابعة لها وزعيمة الإرهاب الدولي في الدول غير المطيعة أي أنها تدير بشكل أو بآخر تحركات ما يطلق عليه المجتمع الدولي المتحكم بمفاصل أغلب منظمات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

 

ولعل حالة الافتضاح التي أعقبت أحداث سبتمبر 2001 أفضل للشعوب الواقعة تحت الهيمنة الأمريكية إن كان لديها بعض إرادة للتخلص من الأنظمة العميلة والخروج من حالة التبعية أو على الأقل البحث عن شروط أفضل للتبعية أو بمعنى أليق شروط أفضل لرعاية المصالح المشتركة في ظل شراكة تراعي الحقوق الأساسية للشريك الأضعف، ونفس الوضع ينطبق على العلاقة بين الشعوب وحكامها الذين سرعان ما تشربوا الاستبداد ومارسوه بقوة وصلف لأن ثقافتهم استبدادية أصلاً أو بفعل إغراء السلطة وكلمات الإطراء والنفاق من المتمرسين في خوض بحاره.

 

إن الولايات المتحدة ومن لف لفها ما زالوا يغالطون أنفسهم ويمنونها أن بإمكانهم في هذا العصر الاستمرار في استعباد الشعوب باستخدام أنظمة تابعة متعددة الألوان ترتدي الأديان والمذاهب والأفكار المختلفة وتتخفى خلف بعض الشعارات، ولكني لا أظنها ستتمكن من تحقيق ما تتمناه، لأن هذه الشعوب أو جزءا كبيرا منها باتت تدرك أن معيار التبعية لأمريكا هو ما يمارسه النظام من ظلم واستبداد وانتهاك للحقوق والحريات وإن ادعى أنه عدو لأمريكا ، ورغم كل الخطوات التطبيعية المهينة لأعراب الخليج التي حاول الرئيس الأمريكي السابق (ترامب) أن يجعل منها عنوان من عناوين حملته الانتخابية المبتذلة لولاية ثانية إلا أن النتيجة كانت عكس ما يتمناه واليمين المتطرف الداعم له فلا هو فاز بولاية ثانية ولا أهداف انتقال حالة التطبيع مع هؤلاء الأعراب من السر إلى العلن آتت أكلها ، والفضل في هذا يعود إلى المقاومة الحقيقية للمشروع الصهيوني في فلسطين وحزب الله في لبنان وفي سوريا والعراق ، كما أن المشاريع الأمريكية في أوكرانيا وتايوان وأفغانستان والعراق وسوريا وغيرها ووصول جزء كبير من دول العالم إلى قناعة بأن الصلف الأمريكي يجب أن ينتهي وأن الطريق إلى تحقيق سلام شامل إنما يأتي عبر البحث عن نظام عالمي يقوم على تعدد الأقطاب وتوازن المصالح.

 

(لا عدل إلا إن تعادلت القوى * وتصادم الإرهاب بالإرهاب

إن السلام حقيقة مكذوبة * والعدل فلسفة اللهيب الخابي)

(أبو القاسم الشابي)