صمود وانتصار

كيف غيرت “المسيّرات” الإيرانية قواعد الاشتباك في الحرب الاوكرانية لمصلحة روسيا؟ وهل ستكون القبب الحديدية الإسرائيلية هي الرد الوشيك؟ وكيف سيرد بوتين على هذا الاستفزاز من حليفه العاق؟

كيف غيرت “المسيّرات” الإيرانية قواعد الاشتباك في الحرب الاوكرانية لمصلحة روسيا؟ وهل ستكون القبب الحديدية الإسرائيلية هي الرد الوشيك؟ وكيف سيرد بوتين على هذا الاستفزاز من حليفه العاق؟

مقالات|| الصمود|| عبدالباري عطوان

تحتل الطائرات الإيرانية المسيرة (بدون طيار) العناوين الرئيسية في أجهزة الإعلام الغربية بسبب الدور الذي لعبته وتلعبه في الانتصارات الروسية الأخيرة في الحرب الأوكرانية، وخاصة الهجوم المضاد الأخير الذي جاء ردا على قصف جسر القرم (كيرتش)، ونسف خطي انابيب غاز “نورد ستريم 1، و”نورد ستريم 2” تحت بحر البلطيق، وهو الهجوم الروسي الذي استهدف منشآت طاقة وبنى تحتية في العاصمة كييف، وكشف عن استراتيجية عسكرية روسية جديدة مع وصول القائد الروسي الجديد.

 

الطائرات الإيرانية المسيرة، وحسب البيانات الرسمية الأوكرانية أوقفت تقدم الجيش الاوكراني في الإقليم الأربعة جنوب وشرق أوكرانيا واقدمت القيادة الروسية الى ضمها، وابلت بلاء حسنا في قصف البنى التحتية في العاصة وتوعدت بصقيع قارص للأوكرانيين، الأمر الذي جعل من هذه المسيرات، صداعا مزمنا للحكومات الأوروبية، حتى ان هذه الحكومات دعت الى اجتماع طارئ لقياداتها غدا الخميس، لبحث فرض عقوبات مشتركة صارمة على ايران، بينما لجأت الولايات المتحدة الى مجلس الامن الدولي داعية الى عقد جلسة مغلقة لمناقشة هذا الخطر.

مسيرة “شاهد 136” الإيرانية دخلت التاريخ كأول سلاح أجنبي تستخدمه القوات الروسية في حرب أوكرانيا تحديدا، وتعكس تفوقا غير مسبوق على الأسلحة الغربية المتطورة في هذه الحرب، لان من أبرز مميزاتها انها صغيرة، وغير مكلفة، ويمكن اطلاقها من مسافات بعيدة، وتحلق على ارتفاع منخفض مما يجعل من الصعب على الرادارات رصدها، والأهم من ذلك أنها مزودة برأس متفجر يصل وزنه الى 40 كيلوغراما قادر على إحداث اضرار كبيرة جدا في الأهداف التي يصيبها ومحيطها.

هذه المسيرات التي فاجأت حلف الناتو وجعلت روسيا تلجأ اليها لوقف تقدم الجيش الاوكراني كبديل مواز لصواريخها الباليستية حفاظا على كمية مخزونها والحيلولة دون نفاده، غيرت قواعد الاشتباك والكثير من المعادلات العسكرية ليس في أوكرانيا فقط، وانما في أوساط صناعة السلاح الغربية، وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية.

 

ومن المفارقة ان السيد علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية لخص المحنة التي تواجهها الدول الغربية بقوله اثناء استقباله طلبة كليات الاختراع العسكري “من كان يسخر من الطائرات الإيرانية المسيرة، ويقول ان صورها “مفبركة” ومعدلة في “الفوتوشوب” يحذر الآن وبصوت عال من خطورتها”.

 

اللافت ان دول الاتحاد الأوروبي ومعها الولايات المتحدة التي أرسلت ما قيمته 60 مليار دولار من الأسلحة والمعدات الثقيلة والمنظومات الدفاعية الجوية المتقدمة الى أوكرانيا حتى الآن، “تصرخ” من ارسال ايران هذه الطائرات المسيرة الى حليفها الروسي، وتهدد بفرض عقوبات عليها، أي انه حلال عليها ان ترسل هذه الأسلحة، وبهذه الكميات الضخمة، وحرام على ايران التي تخضع للحصار والتجويع والتدخلات الغربية التخريبية في شؤونها على مدى 40 عاما ان تقدم هذه الطائرات لحليفها الروسي، ومن سخريات القدر ان هذا الحليف، وبضغط من امريكا والغرب والتزاما بقرار “دولي” امتنع عن تزويد ايران بمنظومات صواريخ “اس 400” الروسية الدفاعية، ولكن ايران لم تتعامل مع روسيا بالمثل، ولبت النداء فورا، وأظهرت اخلاقيات عالية جدا في إعانة الصديق وقت الضيق، والتسامي عن بعض المرارات بالتالي.

 

قلناها، ونكررها، ان هذه الحرب الأوكرانية ستكون نقطة تحول تاريخية، وستسقط كل الأقنعة، وتفضح هشاشة الغطرسة الغربية والأمريكية، وتميط اللثام عن الوجه الإسرائيلي المتلون والحيادي الكاذب في هذه الحرب، فالمفاوضات جارية وبكثافة بين كييف وتل ابيب هذه الأيام لتزويد الاولى بمنظومات دفاعية جوية ورادارات وقبب حديدية إسرائيلية لمواجهة المسيّرات الإيرانية التي ثبت عمليا وفي الجبهات ان منظومات دفاعية جوية أوروبية لم تكن على درجة من الفعالية المطلوبة لإسقاطها.

 

ما يؤكد ما نقول ان الجنرال بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي صرح اليوم الأربعاء “ان إسرائيل قد تساعد كييف عبر تزويدها بأنظمة انذار مبكر لإنقاذ الأرواح” الأوكرانية، وقال “إسرائيل تدعم أوكرانيا بالمساعدات الإنسانية والمعدات الدفاعية المنقذة للحياة”، في محاولة لخداع روسيا مجددا، والادعاء باستمرار الحيادية في الحرب الأوكرانية، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود.

 

لا نعرف كيف سيكون رد الرئيس فلاديمير بوتين على هذه التصريحات الإسرائيلية المخادعة والمضللة، التي تعكس تدخلا عسكريا إسرائيليا مباشرا في الحرب الأوكرانية ضد قواته، وأثر هذا الاعتراف المباشر والموثق على العلاقات القوية الإسرائيلية الروسية التي جعلت من روسيا تحرم الحليف السوري من استخدام منظومات صواريخ “اس 300” المضادة للطائرات للدفاع عن نفسه وترابه في مواجهة الغارات الإسرائيلية المتواصلة طوال السنوات الخمس الماضية.

الزمن يتغير والقوى الغربية الكبرى تتقزم امام القوى الجديدة الصاعدة التي تتنافس على زعامة العالم، فمن كان يحلم ان دولة محاصرة ومستهدفة أمريكيا واسرائيليا منذ أربعين عاما مثل ايران، توظف هذا الحصار بصمت وبتواضع مطلق، لتطوير قدراتها العسكرية الصاروخية والطائرات المسيرة، وتطلق اقمارا صناعية في الفضاء، وتملك 60 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بدرجات عليا (هذا المعترف به فقط) يمكّنها من انتاج رؤوس نووية في أقصر مدة ممكنة، وآلاف أجهزة الطرد المركزي المصنعة محليا في أكثر من مؤسسة نووية تحت الأرض وفوقها؟

 

من يريد ان ينافس ايران، وهذا حق وطموح مشروعان، عليه ان يكون مثلها، وان يسير على نهجها، خاصة في مجالات الاكتفاء الذاتي العسكري.