صمود وانتصار

العرس الجماعي الثالث.. أفراح ينغصها ارتفاع تكاليف الزواج والمغالاة في المهور

الصمود||

تزويج أكثر من عشرة آلاف شاب وشابة إنجاز لا يكتمل إلا بتيسير الزواج وتخفيض تكاليفه

عشرات الآلاف من الشباب ما زالوا محرومين بسبب المبالغة في التكاليف والمغالاة في المهور

جاء العرس الجماعي الأكبر الذي شهدته صنعاء يوم أمس الأول ليملأ الأرجاء بالأفراح ابتهاجا بتزويج عشرة آلاف شاب وشابة من كل أنحاء اليمن بتمويل من هيئة الزكاة، وبقدر ما أضافه العرس من فرحة عمت الأنحاء بقدر ما وضع اليد على معاناة عشرات الآلاف من الشباب والشابات ينتظرون قطار أفراحهم المؤجلة جراء المبالغة في تكاليف الزواج والمغالاة في المهور.

وقد نظمت هيئة الزكاة العرس الجماعي الثالث تحت شعار «معا لتيسيير الزواج»، والمناسبة بقدر ما ملأت اليمن بالأفراح بتزويج 10 آلاف شاب وشابة من الفقراء والعاجزين وغيرهم، بقدر ما فتحت أبواب الأمل أمام عشرات الآلاف إن لم يكونوا مئات الآلاف من الشباب والشابات ما زالوا عاجزين عن الزواج بسبب ارتفاع التكاليف والإنفاقات العبثية في الأعراس، والمغالاة في المهور.

وقد أطلق العرس الجماعي دعوة جادة ومسؤولة للمجتمع في تخفيف التكاليف وتخفيض المهور لتكتمل الفرحة للجميع، وهو الأمر الذي أكد عليه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في كلمته التي بارك فيها للعرسان يوم أمس الأول، ودعا إلى توقيع مواثيق مكتوبة لتخفيض التكاليف والمهور من الجميع ولمصلحة الجميع.

وأكد على مضامين كلمة مفتي اليمن العلامة شمس الدين شرف الدين التي ركزت على مسؤولية المجتمع لإنهاء هذه الظاهرة الدخيلة، ودعت إلى التحلي بالمسؤولية في تخفيف وتيسير الزواج، وهو الأمر الذي باركه قائد الثورة وأكد عليه وأضاف عليه بضرورة أن تكون هناك قواعد والتزامات مكتوبة موقعة من الجميع.. والسؤول هل سيستجيب الجميع لذلك؟

 

دعوة تقتضي التحرك

في كلمته التي ألقاها في العرس الجماعي قال قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي:

«أيضاً من المهم في هذا المقام أن نؤكِّد على أبناء مجتمعنا الاهتمام بتيسير الزواج، وتخفيض تكاليفه على مستوى المهور وبقية التكاليف، هذه مسألة مهمة؛ لأن كثيراً من العادات والالتزامات التي تضاف على مسألة الزواج، هي أعباء كبيرة، تشق على الفئة الكبيرة من أبناء المجتمع، وهم الفقراء.

وأضاف «وتعسِّر مسألة الزواج، وهذا ما يريده أعداء الإسلام والمسلمين؛ لأنهم يسعون إلى نشر الفساد في الأرض، ويحاولون أن يستغلوا تعقيدات مسألة الزواج، ومسألة الحلال، فيحاولون أن ينشروا الفساد من خلال حربهم المسماة بالحرب الناعمة، هي حرب شيطانية، مفسدة.

وأردف في كلمته «فتيسير تكاليف الزواج مسألة مهمة جداً، نقتدي فيها برسول الله «صلوات الله عليه وعلى آله»، وهو قدوتنا وأسوتنا كما قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: الآية21]، هو الأسوة والقدوة في تيسير تكاليف الزواج، والحث على ذلك، وتقديم النموذج في ذلك، وهذا شيءٌ معروفٌ في السيرة النبوية.

وأضاف حفظه الله «فنحن من واجبنا أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار، ولأنه يدخل من باب البر والتقوى، والتعاون على البر والتقوى، والحفاظ على صلاح المجتمع، والحفاظ على هويته الإيمانية، وهو أيضاً يجسِّد القيم الإيمانية، في الإحسان، والتعاون، والتراحم، والتواصي بالمرحمة، وهذا شيءٌ مهم، ونحن نؤكِّد على ما ذكره سماحة المفتي «حفظه الله» في توصيته بأن يهتم المعنيون في مختلف المحافظات، من سلطات محلية، وشخصيات اجتماعية… وغيرهم، في هذا الأمر، في أن يكون هناك التزامات مكتوبة، ووثائق تتضمن بنوداً واضحة في الالتزام بذلك، وعمل على تطبيق ذلك، والالتزام بذلك، هذا مهمٌ جداً لمجتمعنا في التصدي لمساعي الأعداء لإفساده، ولتدمير حياته، وللتضييق عليه في معيشته، هذه مسألة في غاية الأهمية».

دعوة السيد اشتملت على جوانب عدة، وهي تتطلب خطوات عملية منتظرة من السلطات المحلية والشخصيات والجهات المعنية لترجمة ما تضمنته كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، فقد بين مخاطر هذه الظاهرة، وأوضح ما يترتب عليها من مخاطر كبيرة تفتح الأبواب أمام الأعداء لإفساد الناس من خلال حربهم الشيطانية التي تتوافر اتساع مخاطرها من خلال المبالغة في تكاليف الزواج، والمغالاة في المهور.

ثم وضع قائد الثورة القدوة الحسنة المتمثلة في رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم، والذي سهل ويسر تكاليف الزواج حينما زوج فاطمة الزهراء سلام الله عليها، ووجه المسلمين بذلك، وما علينا هو ترك الاقتداء بالجار الذي بالغ في نفقات زواج ابنته ورفع مهرها واشترط الملايين لتزويجها، وفي إشارة قائد الثورة للقدوة الحسنة معالجة للظاهرة السلبية المتمثلة في التأثر الذي يحصل في أوساط المجتمع بين الأقارب والجيران، فهذا زوج ابنته بمبلغ كبير وذاك اشترط مبلغا مماثلا وهكذا يحصل التأثير والتأثر.

والسؤال اليوم يبحث عن من يحوز شرف السبق وفضيلة الالتزام، بالمبادرة بتخفيض وتخفيف نفقات زواج ابنته وتخفيض مهرها، منطلقا من القدوة الحسنة رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم، ومبادرا في وضع سنة حسنة له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.

 

وثائق والتزامات مكتوبة

كانت قد شهدت عددا من المحافظات تحركات جماعية لإقراء وثيقة الزواج وتحديد المهور، وقد نجحت إلى حد كبير، وبقدر نجاحها كان المخالفون لها يمضون في الطريق المضاد، والمؤسف أن ظواهر جديدة طرأت على المجتمع في مراسيم الأعراس المبالغ فيها، وفي مبالغ وتسميات ما أنزل الله بها من سلطان، مع الاستمرار في المغالاة للمهور، وذلك كله أعاق مئات الآلاف من الرجال والنساء عن الزواج.

ما ينتظر اليوم من السلطات المحلية والشخصيات والجهات المعنية ومن المجتمع أيضا الانطلاق في تجسيد تلك التوجيهات بخطوات عملية تضع قواعد والتزامات وتحدد سقوفا للمهور وتضع حدا لتفشي الظواهر الدخيلة، والبناء على ما تم إنجازه في الفترات الماضية من خطوات مهمة باتجاه تيسير الزواج ومحاربة العنوسة.

ومثلما شهدنا عرسا جماعيا هو الأكبر في العالم ربما، يجب أن نشهد زواجا لعشرات الآلاف ممن تعثروا بسبب غلاء النفقات والمهور، ومن المؤكد أن يتزوج الجميع وأن يفرح الجميع وأن تعم الأعراس كل اليمن، وأن نجسد سيرة رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم، وأن نعالج قضية العنوسة في أوساط شبابنا وشاباتنا وأن نفتح أبواب الزواج أمام مئات الآلاف منهم.

ويقع على العلماء والوجهاء والمشائخ والشخصيات الاجتماعية والأعيان دور كبير لوضع حد للمغالاة في المهور بمبادرة تجسد توجيهات قائد الثورة المباركة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي – حفظه الله – في تسهيل زواج الشباب وإكمال نصف دينهم.

في السياق يتأكد دور السلطات المحلية في ضرورة اضطلاعها بالدور الفاعل في ترسيخ قواعد تخفيض التكاليف والمهور، ووضع معالجات لمن يخالف ذلك، قبل ذلك إقرار وثائق بهذا الخصوص والتي ستسهم في تحصين الشباب وإكمال نصف دينهم والتخفيف من الأعباء الباهظة جراء نفقات الأعراس.
ولاقت مبادرات تخفيض المهور في محافظات حجة والحديدة وتعز وعمران التي أقرت سابقا ترحيبا واسعا وتأييدا شعبيا كبيرا لدى شريحة واسعة من أبناء المجتمع، ومن المهم الإشارة إلى السيد القائد عبدالملك الحوثي لم يتوقف عن إطلاق دعواته وتوجيهاته بضرورة تيسير الزواج أمام الشباب، لكنها اليوم باتت قواعد ملزمة للجميع وأن تتحرك الجهود نحو توقيع وثيقة تخفيض المهور وتحديد تكاليف الزواج وتيسير أموره وفقا لتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف والحد من ظاهرة غلاء المهور، وفي تنفيذ هذه القواعد.

مخاطر غلاء الزواج والمهور

نظراً إلى المبالغة في نفقات الزواج، والمغالاة في المهور، لم يعد بمقدور آلاف الشبان توفير مبالغ تغطي نفقات زواجهم، الشروط التي يضعها بعض الآباء عند تزويج بناتهم حرمت عشرات الألاف من الشباب من الزواج، وحرمت رقما مماثلا من الشابات.

الكثير بسبب معاناته تحوّل الزواج لديه إلى مشروع مستحيل التنفيذ من جرّاء غلاء المهور، فلم يعد المهر المرتفع هو العائق أمامه فحسب، بل ويضاف لها شروط بعض الآباء من 40 غرام ذهب بمليونَي ريال، تُضاف إليها تكاليف صالة الزفاف، ومستلزماتها الأخرى وكذلك أثاث شقة جديدة واليوم ظهرت خطوبة الأيفون، وأسبوع الزفاف ونفقاته وكلّ هذه التكاليف في حاجة إلى مبالغ طائلة، فمن يدفع المهر يعجز عن الملحقات، ومن يتمكن من جميعها يتزوج بعد أن يبيع كل ما يملك ويتحول إلى فقير من اليوم الثاني.

كان المتعارف عليه سابقا أن يحدد المهر ومنه كل تكاليف الزواج، لكن مؤخرا لجأ أولياء الأمور إلى المبالغة في المهر، وتحميل العريس كلّ النفقات، بعدما كانت الأعراف المعمول بها سابقاً تقتضي دفع مبلغ معين يتم منه مواجهة النفقات ومبلغ مؤجل إلى حين، على أن يتكفل الآباء بتحمّل نفقات الزواج وشراء المجوهرات لها بحسب قناعتها بالكمية المتاحة، غير أن ذلك قد تضاعف اليوم حتى بلغ ملايين الريالات.

تعتبر ظاهرة المغالاة في المهور التي تتفشى في المجتمع سببا رئيسا في ارتفاع نسبة العنوسة، ومع تزايد مخاطر الحرب الشيطانية على المجتمعات يسبب ارتفاع حالة العنوسة الكثير من مظاهر الفساد الأخلاقي والسقوط في مستنقعات الرذيلة، علاوة على ما يسببه ذلك من انتشار للتيه في أوساط الشباب الذين يعجزون عن الزواج بسبب غلاء المهور، حيث يغرق الشباب الذين لا يستطيعون توفير المهر المرتفع في دوامة الديون والقروض، والبعض يصاب بالجنون.

وبحسب آخر تقرير أعدّه جهاز الإحصاء في اليمن عام 2014، يقدّر عدد الفتيات اللواتي لم يتزوجن في البلاد بأكثر من مليونين، بينهن أكثر من نصف مليون ممن تجاوزن سنّ الثلاثين.

الحفاظ على مجتمعنا والقضاء على ظاهرة العنوسة، وصون الشباب من الوقوع في الرذيلة وارتكاب المحرمات التي تسبب الأمراض المزمنة وتضر بالسلم الاجتماعي، تتطلب من الجميع التزاما بتخفيض نفقات الزواج وتيسيره وخفض المهور، ليكون مجتمعنا مجسدا للهوية الإيمانية.

 

المعالجة مطلوبة

تعد ظاهرة المبالغة في تكاليف الزواج ظاهرة دخيلة تضاف إلى ظاهرة غلاء المهور، وهي مشكلة كبيرة حالت دون تمكن الآلاف من الشباب اليمنيين من الزواج وإكمال نصف دينهم، وتعد هذه المشكلة ظاهرة تسبب تزايد العنوسة في أوساط النساء وفي أوساط الشباب أيضا، علاوة على الإنفاق المبالغ به في الأعراس وفي مصاريف الزفاف والتي تبلغ حدا لا يطاق على وجه أخص في العاصمة صنعاء.

طُرحت الكثير من الحلول لمواجهة هذه الظواهر منها تخصيص جمعيات تهتم بزواج العازبين، وقامت الزكاة بمشاريع زواج جماعي عدة مرات، كما أن هيئة الزكاة قامت مشكورة بتدشين العديد من مشاريع الزواج، وحتى مع وجود هذا التوجه لدى هيئة الزكاة وأي جهات أخرى تتبنى مشاريع زواج الشباب، فإن التكاليف الباهظة للزواج بدءاً بالمهور المرتفعة التي تفرضها بعض الأسر على من يتقدمون للزواج منها، ثم النفقات المبالغ فيها للأعراس والمطالب التي لا تنتهي، تجعل من المشكلة مستمرة ومتفاقمة.

 

الحل

يقول قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي – حفظه الله:
«من المهم جداً السعي لتيسير أمور الزواج، هناك مبادرات بدأت في بعض المحافظات، ومنها محافظة حجة، مبادرات جيدة وممتازة من أجل تيسير تكاليف الزواج، بدءاً من تحديد مستوى المهر والتكاليف الأخرى بسقفٍ معقول وممكن وميسر، إضافةً إلى حل الكثير من التعقيدات التي دخلت في إطار عادات جديدة، وكذلك شروط ومتطلبات إضافية لا ضرورة لها، ولا تراعي الظروف الصعبة للناس، من المهم جداً أن تتكرر مثل هذه المبادرات في مختلف المحافظات، وأن يسعى الجميع لتيسير تكاليف الزواج؛ حتى يتمكن الشباب والشابات والمحتاجون للزواج من الزواج، ومن تأسيس أسرهم، ومن أن يكوِّنوا لبنات جديدة في هذا المجتمع اليمني المؤمن العظيم».

ما ينبغي هو الاهتمام بهذا الجانب وتوسعة المبادرات المجتمعية على تخفيض المهور، كما دعا لذلك السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وألا يقتصر الجهد في هذا المجال على تقديم الدعم المادي فحسب، بل والتحرك المجتمعي لتيسير الزواج وتخفيض المهور، وهذه المهمة منوطة بالخطباء والعلماء وقادة الرأي والإعلاميين والمثقفين والتربويين وبكل فئات المجتمع.