والأخطر أنهم نصبوا أنفسهم وعوائلهم وطناً بديلاً تُجبى إليه ثمرات كل شيء
الصمود|| مقالات|| عبدالرحمن الأهنومي
خلال الأيام الماضية انتشرت عشرات الوثائق التي كشفت بالأسماء والأرقام الفساد المروع لمرتزقة العدوان في منح الابتعاث إلى الخارج، والتي حصرت فقط في أبناء كبار العملاء والمرتزقة وبناتهم دون بقية اليمنيين، لكن المسألة لم تعد اليوم تقتصر على فساد مجرد بمعناه السرقة للمال العام والاستحواذ على المناصب وتقاسم المقاولات وتجارة النفط والغاز والإنشاءات وغيرها، الأمر أخطر من ذلك بكثير.
ثمة فساد يحدث اليوم هو الأكثر ترويعا وقبحا يمكن وصفه أكبر عمليات الاحتيال والنصب في التاريخ البشري ، حين بات الوطن هم المرتزقة في العواصم الأجنبية ، وبات الشعب هم عوائل وأبناء وبنات وأحفاد هؤلاء اللصوص ، لا مرتبات يحصل عليها موظفو الدولة اليمنية في كل محافظات اليمن، لكن اللصوص والمرتزقة يتقاضون مخصصات شهرية بالدولارات تذهب إلى حيث يسكنون في أي عاصمة كانت في أوروبا أو في الهند أو في الشرق أو في مصر أو في تركيا وفي غيرها.
يطحن اليمنيين الجوع والفاقة والأمراض والفقر ويعانون من جراء الحرب العدوانية والحصار وانهيار العملات وانقطاع الرواتب وتدمير البنى، فيما يعيش المرتزقة وعوائلهم كبارا وصغارا في رغد من العيش والبذخ ، ويقيمون في عواصم الخارج في أغلى أماكن الإقامة والسكن ويقطنون الفلل الفارهة التي اشتروها حديثا في النيل والفرات وفي إسطنبول وفي شواطئ جدة وفي وفي وفي ما لا نعرف.
قبل أسابيع نشر الصحفي سامي غالب منشورا قال فيه إن 192 مليون ريال يمني هو مخصص رشاد العليمي ، ومثل المبلغ لكل عضو من أعضاء مجلسه ، علاوة على مخصص من السعودية لهؤلاء المرتزقة تصل 500 الف ريال سعودي للعضو شهرياً من قبل السعودية ، حسب الصحفي غالب ، وأضاف:
“أرقام خيالية لكن حقيقية!
لا يصدقها اليمني العادي لكن إذا تأمل حال بلده ومن جلب هؤلاء وما مصلحته أكيد سيصدق!”
من أين لنجل المرتزق معين عبدالملك هذه الأموال الضخمة التي مكنته من شراء عقارات في القاهرة بأكثر من 20 مليون دولار ، ومن أين لنجل المرتزق رشاد العليمي ليتحول إلى تاجر عابر للقارات ، ومن أين لنجل المرتزق صغير بن عزيز ليقيم ذلك الحفل المرصع بأفخر الموائد والمشروبات وفي أغلى الصالات لزفافه، ومن أين ومن أين ومن أين؟
هل تعلمون أن عرسا حضره السفير الأمريكي وسفراء آخرون أقيم في جدة لنجلي حميد الأحمر وجازم الحدي كلف أكثر من عشرة ملايين ريال سعودي ، وقيل أكثر من هذا المبلغ بكثير ، فيما يعاني اليمنيون الفقر ويعتصرهم الحصار والجوع ، بينما أظهرت الصور فخامة القاعات وموائد الطعام الضخمة التي دعي إليها كبار المرتزقة وسفراء العدوان ، غير تذاكر الطيران وحجوزات الفنادق الضخمة ومستحقات التغطية الإعلامية لهذا الحدث.
ليس عرس ابن حميد الأحمر وحده ، ففي كل فترة نتابع حفلا باذخا يقيمه مرتزق من هؤلاء في عاصمة من عواصم الدول الخارجية ، يجلب إليه أكبر المطربين وأشهر المغنيات والراقصات ويدعو إليه كبار المرتزقة من كل العواصم ليشهدوا تلك المناسبات.
مؤخرا قام مرتزقة العدوان برفع نسبة ضرائب الأرباح على الواردات من السلع الأساسية كالقمح والزيت والحليب والأرز وغيرها ، قبل ذلك قاموا برفع سعر الدولار الجمركي الذي يقدر ما ينهبه المرتزقة بأكثر من تريليون ريال كل ربع سنة ، قبل ذلك نقلوا البنك المركزي إلى عدن وطبعوا أكثر من 5 تريليونات ريال عملات ورقية جديدة ذهبت إلى جيوبهم ، أما عائدات النفط والغاز فقد بلغت أكثر من 14 مليار دولار ، كل هذه الأموال لا تذهب إلى بنوك اليمن ولا إلى حسابات اليمنيين ولا إلى مصالح البلاد ولا إلى رواتب الموظفين في اليمن ، بل تذهب إلى فنادق الرياض والقاهرة وأديس وإسطنبول وغيرها ، وتوزع على كبار المرتزقة وصغارهم وعلى عوائلهم وأسرهم وأبنائهم كمخصصات شهرية يتقاضى أصغر مرتزق من هذه المخصصات ما يفوق أكبر مرتب لأعلى هرم وظيفي في الدولة!
وليست المنح الدراسية التي تمنحها الدول الصديقة لليمنيين وحدها التي سرقها هؤلاء اللصوص لأبنائهم وبناتهم ، بل وسرقوا على اليمنيين المساعدات والتبرعات التي تمنح من المنظمات ، وقاموا بإنشاء منظمات وهيئات مزيفة تعمل بالشراكة مع المانحين الدوليين في لهف وسرقة ونهب مبالغ المساعدات.
يفتقر اليمن إلى الحد الأدنى من البنية التحتية الأساسية التي تعزز فرص البقاء على قيد الحياة ، فيما تذهب عوائد الثروات النفطية والغازية والضرائب والجمارك ومنافذ البحار والجو والبر والطيران إلى فنادق وفلل وشاليهات الرياض والقاهرة وغيرها ، وإلى حسابات المرتزقة في البنوك الأجنبية.
لقد نصَّب هؤلاء اللصوص أنفسهم في عواصم الشتات وطنا بديلا تُجبى إليهم ثمرات وثروات وعائدات كل شيء ، كومة من اللصوص العملاء والمرتزقة يتحدرون من بطون فساد ونهب ترعرعت وكبرت وتوارثت أجيالها هذا الإرث حتى وصل إلى ما وصل إليه ، صارت اليوم تقدم نفسها على أنها الوطن والشعب والأمة والدولة ، تسرق كل شيء وحتى الهوية والأسماء كلها!
في الأسبوع الماضي نشرت بعض الأرقام لحجم الأرصدة والعقارات التي اشتراها نجل المرتزق معين عبدالملك ، وقبل ذلك نشرت بعض الأرقام لما بات يمتلكه محمد رشاد نجل المرتزق العليمي ، وقبل أشهر نشرت صحف تركية لحجم مشتريات المرتزقة اليمنيين للعقارات في تركيا والتي تصدرت الرقم الأول من بين بقية أجناس العالم داخل تركيا طبعا ، أما في القاهرة التي باتت هي أشبه بحانوت لبيع وشراء العقارات والفلل بين عوائل كبار المرتزقة فتسجل الرقم الأول ، ولا تختلف عن القاهرة أديس أبابا ، والأمر لا يختلف كثيرا عن عواصم أخرى يقيم فيها مرتزقة وعملاء العدوان ممن تُجبى إليهم ثمرات وثروات اليمن.
لقد تحدرت هذه الكومة الفاسدة من أصول فساد سنوات سابقة ، كان توفيق عفاش مثلا يتربع على قطاع التبغ والكبريت ، وكان أحمد عفاش يتربع على عقارات ومعسكرات ومقدرات الجيش ويقود الحرس والقوات الخاصة في وقت واحد ، كان أولاد عبدالله الأحمر يتقاسمون مع أولاد علي محسن وأولاد علي عفاش وأبناء أخيه الشركات النفطية وتجارة النفط والغاز ، كانت هذه اللوثة الحقيرة من الفاسدين والنهابة واللصوص حينها تتقاسم الوطن والتجارة والمقاولات والنفط والمناصب والجيش والأمن والتبغ والكبريت وحتى المنح الدراسية والتعليم والكهرباء وحتى المقاولات وعقود التجارة والاستيراد وسمعنا عن أبناء الذوات وهم يفوزون بالمناقصات الضخمة في الإنشاءات وفي وفي وفي ، وكدنا أن ننسى بأن هؤلاء هم أنفسهم الذين باتوا يعيشون الرفاهية في الشتات اليوم وينهبون ويسرقون وتُجبى إليهم ثرواتنا تحت حماية ترسانة العدوان وهم أنفسهم من كانوا سابقا يتقاسموننا في بلادنا.
سابقا كانت هذه الكومة الحقيرة من النهابة واللصوص يتقاسمون المناصب والثروات والأموال والتجارة والاستيرادات ويحدثونا عن باني نهضة اليمن الابن البار والزعيم المخلص ، ويحاضروننا في الديمقراطية والازدهار والحريات والانتخابات والتداول السلمي للسلطة والحقيقة أن ما حدث هو تداول سلمي للنهب والسرق والفساد والعمالة والخيانة للبلاد والوطن.
كل تلك كانت عناوين زائفة لأكبر عمليات فساد ونهب في التاريخ البشري ، واليوم بذات الأساليب يحدثون اليمنيين عن الشرعية والدولة ويحاضرون عن الجمهورية ويلهفون ثمرات وثروات اليمن إلى حيث يقيمون في الخارج ، وهم منذ سنوات لم يطأوا أرض اليمن دقيقة واحدة.
قل ما تشاء أيها اليمني الذي يتشارك الأرض والهوية والمعاناة والموقف الوطني اليوم فيمن نصبوا أنفسهم بديلا عن الوطن وجيروه إلى إقطاعية ينتظرون خراجها نهاية كل شهر تأتي إليهم في فنادق القاهرة والرياض وتركيا وغيرها ، قل ما تشاء فإن اللصوص والعملاء قد سرقوا ونهبوا ما تتوقعه وما لا تتوقعه وما لا يخطر في بال أحد..إننا أمام أبشع وأقبح عملية فساد ونهب واحتيال ونصب في تاريخ البشرية.
والمخرج أن نحرر بلادنا وثرواتنا وحقوقنا ونستعيدها إلى اليمن ولليمنيين من هذه اللوثة القبيحة والفاسدة المتكدرة من عهود سابقة وماضية ، والمخرج أن نقطع وصل هذه اللوثة المشتتة في البقاع والعواصم, باليمن وباليمنيين ونخلص حقوقنا من براثنها وبالعاجل وليس الآجل ، أما هؤلاء اللصوص فقد امتلكوا ما يمكنهم وعشرة أجيال من أبنائهم وأحفادهم من العيش في الخارج ، ولا سبيل إلا بقطع وصلهم وهويتهم باليمن بتاتا ، وننسف هذه المعادلة الاحتيالية المارقة.