صمود وانتصار

السيدة الزهراء النموذج الأرقى والقدوة الحسنة

الصمود|| تقارير||

اختير يوم ميلاد سيدة نساء العالمين فاطمة بن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وزوج وصي رسول الله الإمام علي (عليه السلام) وأم سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين (عليهما السلام) ليكون يوما عالميا للمرأة المؤمنة، والذي يصادف العشرين من جماد الثاني في كل عام وهي مناسبة مهمة لاستلهام الدروس والعبر، ونقطة انطلاق للتزود من نبع الأخلاق المحمدية، ومنهل الفضائل النبوية.

 

فالسيدة الزهراء الصدّيقة الطاهرة تعتبر أرقى نموذج للمرأة عموما، فقد تجسدت فيها كل الفضائل والقيم ومكارم الأخلاق، فهي -سلام الله عليها-قد ارتقت في معراج الكمال الإيماني، والسمو الروحي، وهذا الارتقاء والسمو يحمل العديد من الدلائل المهمة التي نستلهمها سلوكا عمليا في واقعنا كمجتمع، نذكر منها:

 

مكانة المرأة في الإسلام:

كرّم الله -سبحانه وتعالى- المرأة، في كل الكتب السماوية، وفي كافة الرسالات التي حملها أنبياء الله للبشرية على مدار التاريخ، فكان للمرأة دورها ومكانتها المرموقة وتستطيع الارتقاء في معراج السلم الإيماني والأخلاقي كما هو الحال بالنسبة للرجل سواءً بسواء قال تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) .

 

وضمن لها كافة حقوقها وعدم ضياع أي عمل تقدمه المرأة وجعل ثوابها على أعمالها لا يختلف عن ثواب الرجل، قال تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ).

 

مقدار السمو والكرامة هو بمقدار الإيمان والعمل الصالح

السّمو الروحي، والكرامة في المقام، والعزة في الحياة -من وجهة نظر الدين الإسلامي الحنيف- لا يتحقق أيٌ مها بمقدار ما تمتلكه المرأة من أموال، ولا بالأنساب والأحساب، ولا بمكانة أسرتها أو أسرة زوجها، وإنما تحظى المرأة بالسمو والعزة والكرامة بما تحمله من الإيمان، وبما تمتلكه من رصيد من الأعمال الصالحة، وبما تتحلى به من مكارم الأخلاق، فإذا كانت المرأة كذلك؛ استطاعت أن تنهض بدورها، والقيام بمسؤولياتها من منطلق إيمانيٍّ، وبدافع أخلاقيات دينها التي تصونها وتحفظ لها كرامتها وتحميها من المساعي الشيطانية اليهودية التي تهدف إلى الإساءة إليها، وإفسادها، واستغلالها أسوأ استغلال.

 

المرأة -عموماً والمرأة المسلمة خصوصاً-تواجه كل أشكال الاستهداف من قبل القوى الشيطانية ومن يسير على منهجهم، وبكافة الأساليب والوسائل، وتحت عناوين براقة، تسعى من خلالها إفساد المرأة والعمل على استغلالها، وفي المقدمة السعي الدؤوب للحط من كرامتها، ها من أخلاقها.

 

 

السيدة الزهراء النموذج الأرقى

وحتى تحتفظ المرأة بمكانتها، ومنزلتها التي أرادها الله لها، وهيأها لها، لا بد من أن يكون لها قدوة تقتدي بها، وأسوة تتأسى بها، هذا النموذج الراقي يتمثل بالسيدة الزهراء -سلام الله عليها- حتى تتمكن  المرأة المسلمة من أن تنال قيمتها ومكانتها من خلال التزامها بأخلاقيات وتعاليم الله سبحانه وتعالى، لتحظى بالمنزلة الرفيعة بقدر ما ترتقي به من الوعي والإدراك، وينعكس ذلك في واقعها التزاماً خلقياً، وتطبيقاً سلوكيا، وتحملاً للمسؤولية.

 

يوم المرأة المسلمة …دروس وعبر

وهنا نجد أهمية أن نستفيد من إحياء مثل هذه المناسبة، فنحن عندما نحيي هذه المناسبة فإننا نتحدث عن المرأة المؤمنة في أرقى وأسمى نموذج قدمه الإسلام للمرأة الصالحة، للمرأة المؤمنة، نتحدث عن أرقى نموذج للمرأة ليس على مستوى المجتمع المسلم فحسب بل على مستوى المجتمع العالمي، ومن أهم ما نستمده من الاقتداء والتأسي بها ما يلي:

 

الثبات والصمود

ونحن على مشارف عام ثامن من العدوان على شعبنا وعلى وطننا واستهدافه بكل آلات الدمار، مع ما يرافقه من إطباق الحصار على كافة المنافذ، بهدف إخضاعنا لقوى الهيمنة والاستكبار الأمريكي، يجب أن نعيَ أن جزءاً كبيراً من معركتنا مع أعداء الأمة يتجه إلى معركة التصدي للغزو الثقافي والفكري،  والذي يهدف إلى استهداف هذه الأمة في مبادئها وقيمها وأخلاقها، استهداف للأمة في إيمانها، وهذه معركة مهمة وخطيرة للغاية، ومن أجل مواجهة هذا الغزو يجب استحضار النماذج الصحيحة، والارتباط بالقدوات الحسنة، فهذا الجانب جانب رئيسي وأساسي للصمود في هذه المعركة، وللتماسك وللثبات في هذه المواجهة في هذا الميدان

 

المرأة المؤمنة …الدور والشواهد

في مسيرة الدين وعبر التاريخ وحتى في ظل الرسل والأنبياء برز دور المرأة المؤمنة مرتبطاً معاً بدور الرجل ككيانٍ واحد وكان دوراً مهماً وأساسياً وعظيماً، لأن المرأة تؤدي دورها دائماً كدور تكامليٍ مع الرجل وهو كذلك يؤدي دوراً تكاملياً مع المرأة، فليس هناك استقلالٌ في مسار الحياة والمسؤولية لا للرجل عن المرأة ولا للمرأة عن الرجل.

 

القرآن الكريم قدم نماذج متعددة وعلى مرِّ التاريخ يمثل كلٌ منها نموذجاً للمرأة المؤمنة التي تتحمل دوراً مهماً وكبيراً وتنهض بمسؤوليةٍ مهمة يترتب عليها أمرٌ كبيرٌ وعظيم، والذي يتلخص في خلاص الأمة وفرجها واستنقاذها من الظلم والطغيان، ومن تلك الشواهد المهمة على سبيل المثال لا الحصر:

 

-أم موسى (ع)

فضِمن تلك الترتيبات الإلهية لرسالة نبي الله موسى(ع)أوحى الله سبحانه وتعالى إلى أم موسى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) أوحى إليها بطبيعة المهمة الكبيرة والدور الأساسي الذي عهد به إليها ووصلت التعليمات من الله سبحانه وتعالى إليها عن طريق الوحي، دورٌ مهم ودورٌ أساس – يرتبط به فرج أمةٍ وخلاصها وانعتاقها من ويلات الظلم والطغيان ، فكانت الخطوة الأولى من خلال امرأة، وهي خطوةً أساسية، وخطوةً مهمة.

 

-امرأة فرعون آسيا بنت مزاحم

 

أيضاً وفي نفس السياق كان هناك دور مهم وأساس لامرأة، ومن خلال امرأة هي امرأة فرعون والتي كانت صالحةً وتحدّث عنها القرآن الكريم عن إيمانها بموسى (عليه السلام) وعن صلاحها وكانت فعلاً امرأةً تمثّل نموذجاً راقياً في إيمانها ووعيها وصلاحها، فبعد أن ألقته أمه في النهر، وبعد أن التقطه آل فرعون، برز دور امرأة فرعون (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) فاستلمت الدور واستقبلت موسى في قصر فرعون.

 

-أخت موسى 

وهنا برز دورٌ آخر، دورٌ لامرأةٍ أخرى (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) ابحثي عنه وانظري حاله (فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) قامت أيضاً بدورٍ آخر ودورٍ مهم والذي من خلاله سيتحقق الوعد الإلهي بإعادة موسى إلى أمه وإلى أحضانها لتربيه هي {فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ11 وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ12 فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ13} [القصص] تتضمن هذه الآيات المباركة الكثير من الدروس والعبر والدلائل على أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به المرأة المؤمنة حتى في المراحل الخطرة والظروف الحساسة والمسئولية التي يمكن أن تنهض بها في مواجهة الطغيان والظالمين.

 

– امرأة نبي الله عمران

نموذج آخر أيضاً تحدث عنه القرآن الكريم هو امرأة نبي الله عمران، فقد تحدث عنها كيف كانت على مستوىً عالٍ من الإيمان؛ وكيف كانت في إيمانها ومحبتها لله حريصةً على أن تقدِّم لله سبحانه وتعالى أغلى ما لديها وأغلى ما عندها وأعز شيءٍ عليها {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. وفي نهاية المطاف وبعد ولادتها كان حملها هو مريم عليها السلام.

 

-الصديقة مريم بنت عمران (ع)

كذلك مريم كانت نموذجاً متميزاً على درجةٍ عاليةٍ من الكمال الإنساني والإيماني، امرأةً زكيةً طاهرةً راقيةً والله سبحانه وتعالى تحدث كثيراً في القرآن الكريم عنها، لدرجة أنه سمى سورةً باسمها (سورة مريم)، ويقول الله سبحانه وتعالى:{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ } خاطبتها الملائكة ونادتها وأخبرتها أن الله اصطفاها وأن الله طهرها وأن الله اصطفاها لتكون أماً لعيسى (عليه السلام) الذي هو نبي الله وعبده وروحه وكلمته واصطفاها كذلك على نساء العالمين في مسؤوليةٍ مهمة جسدت من خلالها قيم الدين القيم والأخلاق المثلى لدين الله سبحانه وتعالى.

 

-أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام

نموذج آخر هو (خديجة بنت خويلد) تلك المرأة الزكية المَرْضِيّة التي كانت منذ بداية الرسالة مع زوجها رسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) فكانت السبّاقة إلى الإسلام أول من سبق إلى الإسلام وآمن بالرسول محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وكانت في إيمانها على درجةٍ عاليةٍ من التقوى والإخلاص والصدق ، كانت ناصرةً وكانت مُعِينةً له، وقدمت ما تملك من المال حتى قيل أن من مقومات الدعوة الرسالة للنبي محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) في حركته في البداية “مال خديجة” كان إحدى المقومات المهمة لقيام الإسلام مال خديجة . وهكذا كانت نموذجاً متميزةً في تاريخ الرسالة الإلهية.

 

كانت خديجة بما تمتلك من قيم وأخلاق وإيمان وصدق وإخلاص ونصح ونصرة ومعونة، تتحرك بكل ما تستطيع من أجل إقامة الحق من أجل نصرة الدين تقف بكل صدق مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مواسيةً مُعِيَنةً مناصرة، وللمرتبة التي وصلت إليها خديجة (رضوان الله عليها) فقد نزل الوحي إلى النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) -فيما روي-مُبَلِّغاً عن الله السلام إليها فنزل جبريل (ع) وأبلغ النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يبلغها من الله السلام وأن يبشرها ببيتٍ في الجنة من قصب لا نصب فيه ولا صخب “.

 

-سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام

النموذج الآخر النموذج أيضاً الأرقى والأكثر تميزاً كان فاطمة، فاطمة بنت رسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وابنة خديجة (رضوان الله عليها)، فاطمة التي قال عنها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أنها سيدة نساء العالمين وأنها بضعةٌ منه من آذاها فقد آذاه، ليس هذا فحسب بل من خلال طريقة النبي في التعامل معها بما يدل، وبما يكشِف مقامها عند الله سبحانه وتعالى؛ كان -فيما روي عنه-أنها إذا أتت إليه إلى المنزل يقوم لها من مجلسه ويجلسها بكل إكبار وتقدير. وإذا غاب عن المدينة في سفر كان عادةً ما يكون آخر عهده بها فيودعها؛ وعندما يقدم إلى المدينة فأول ما يذهب إليها، وكل هذا يدلنا على عظيم المقام الإيماني الذي وصلت إليه.

 

السيدة الزهراء ربة منزل على أرقى مستوى

حياة فاطمة الزهراء جديرة جداً بالتأمل والدراسة، وهي في موقع القدوة للمرأة المؤمنة، فما أحوج أخواتنا المؤمنات إلى الاطلاع على سيرتها كيف كانت في حياتها على مستوى المسؤولية الدينية والأسرية، كانت تهتم بكل شؤون البيت تربي أولادها. تقوم بكل متطلبات الحياة والمعيشة، تطبخ، تنظف، تفعل كل شيء كأي امرأة أخرى عادية.

 

 

السيدة الزهراء …دروس في الإيثار

 تواجه أحياناً الظروف الصعبة وتواجهها بمستوى عالٍ جداً جداً من الأخلاق، الإيثار بالطعام بعد يوم من الصيام. الإيثار بالطعام في وقتٍ هي وزوجها وأسرتها أحوج ما تكون إلى ذلك الطعام، واستمر ذلك العطاء على مدار ثلاثة أيام. وهي بذلك تقدم الدرس المهم للمرأة المؤمنة كيف تكون في واقع الحياة في إطار مسؤولياتها المتعددة وفي مواجهة أعباء الحياة في كل الاتجاهات والمجالات.

 

السيدة الزهراء…عبادة وانقطاع إلى الله

وعلى المستوى الإيماني والعبادي كانت هي التي سميت “بالبتول” منقطعةً إلى الله سبحانه وتعالى متبتلةً منقطعةً إلى الله، عابدةً متوجهةً بصدق إلى الله -سبحانه وتعالى-ورغم ما هي عليه من علم ومعرفة وزكاء وطهارة وتقوى تلك المرأة المحسنة التي تحسن إلى الآخرين وتهتم بالآخرين، مصدر عطاءٍ، وينبوع خيرٍ، ومصدر إحسان لكنها لم تكن بذلك منعزلةً عن الحياة، وفي كل ظروف الحياة.

 

هكذا كانت فاطمة(ع) القدوة، وهكذا يريد الله للمرأة المؤمنة أن تكون مصدراً للعطاء والخير والإحسان.