الدور الصهيوني في اليمن : أبعاد جيوستراتيجية
الدور الصهيوني في اليمن : أبعاد جيوستراتيجية
الصمود../
كشف اليمنيون عن بعضٍ القدرات العسكرية خلال فترة الهدنة مع التحالف السعودي، ومنها القدرات الصاروخية على وجه الخصوص؛ وهذا ما أقلق السعودية و”الكيان الصهيوني”.
خلفية تاريخية
لم يشكّل صعود حركة أنصار الله في اليمن، قبل عدّة سنوات، مفاجأة غير سارّة للسعودية، جارة اليمن التاريخية، فقط. فقد صُدِم “الكيان الصهيوني” كذلك بما جرى في العام 2015 في اليمن؛ وهي بادرت منذ ذلك الوقت إلى التصدّي لعدوّها الجديد، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها العرب في المنطقة، بموازاة تخطيطها المستقبلي أو بعيد المدى لمواجهة هذا الخطر اليمني الداهم!
وبالمقابل، فإن حالة العداء الشديد لـ “الكيان الصهيوني”، التي يعبّر عنها اليمنيون في هذه الأيام، في مختلف المناسبات الدينية والسياسية، وكذلك مواقف وتهديدات قادتهم السياسيين والعسكريين، وعلى رأسهم السيد عبد الملك الحوثي، قائد حركة “أنصار الله”، هذه الحالة ليست طارئة أو انفعالية أو دعائية؛ بل هي تجسّد صراعاً دفيناً أو خفياً، برز خلال السنوات الأخيرة إلى العلن، بفعل العدوان السعودي على الشعب اليمني، في آذار/مارس من العام 2015.
هذا العدوان حظِي بمشاركة أو مباركة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ودول غربية وعربية عديدة؛ وكان الكيان الإسرائيلي من بينها، ولو من وراء ستار؛ مع الإشارة إلى أن التدخّل الصهيوني في اليمن ليس جديداً، بل هو يعود إلى تاريخ تأسيس الكيان في العام 1948، حين هجّرت الوكالة اليهودية 65 ألف يهودي يمني إلى فلسطين، في إطار عملية سريّة سُمّيت (بساط الريح).
ومثلما سعت السعودية إلى فرض هيمنتها على اليمن بواسطة الحروب الشاملة والممنهجة، لتحقيق أهدافها التاريخية والسياسية والاقتصادية في هذا البلد، الغني بالنفط والغاز والذهب، فضلاً عن موقعه الاستراتيجي، كانت لـ”إسرائيل” أيضاً أهداف أو طموحات تاريخية في اليمن، وقد بدأت تُفصح عنها تباعاً مع تفاقم الأوضاع وصعود القوى اليمنية المعادية لها هناك؛ مع العلم بأنها محدّدة منذ عقود، ولكن تتغيّر أساليب تحقيقها فحسب*.
ومع وجود أبعاد عديدة للعداء اليمني لـ “إسرائيل”، وأساسها الاحتلال الصهيوني في فلسطين ومشاريع الهيمنة الغربية – الصهيونية في المنطقة، فإنّ “إسرائيل” تركّز منذ نشوب الحرب الأخيرة بين السعودية واليمن على قضية أمن الممرّات المائية أو البحرية هناك كأولوية لها وللعالم، حيث تمرّ سفن وبواخر إسرائيلية يومياً عبر مضيق باب المندب، باتجاه دول أوروبا وأفريقيا والصين والهند (لنقل الأسلحة والبضائع)، ومن هذه الدول نحو الكيان، مع سعي “إسرائيل” لإضفاء طابع أمني واقتصادي بحت على التهديد اليمني لها، وذلك لتثبيت انطباع بأنها لا تكنّ العداء للشعب اليمني، وأنها تريد فقط العيش بسلام مع العرب، على عكس ما يضمره “أنصار الله” ومحور المقاومة لها!
لذا، سنعرض أوّلاً لمحدّدات الاستراتيجية الصهيونيه تجاه اليمن، في إطار تاريخي وراهن، وفي طليعتها أمن الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والتحركات الإسرائيلية العدوانية في هذا الإطار؛ ومن ثمّ نحلّل أبعاد إعلان السيد عبد الملك الحوثي أن اليمن المحرّر بات طرفاً من أطراف محور المقاومة في المنطقة، وردود الفعل الكيان الإسرائيلي حياله.
أوّلاً: محدّدات الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه اليمن
1) العمق الحيوي: البحر الأحمر ومضيق باب المندب
سعت “إسرائيل” منذ احتلالها لفلسطين في العام 1948، إلى تأمين عمق حيوي واستراتيجي لها كونها تفتقد للمساحة أو الامتداد الجغرافي الكافي، في ظل محيطٍ معادٍ لها بشدّة، وبما يؤمّن لها دفاعاً ناجحاً في وجه أي تهديد فلسطيني أو عربي وإسلامي، مهما كانت طبيعته أو مستواه؛ ومن ضمن ركائز هذا العمق الحيوي، والذي يربطها بما يسمّى العالم الحر، حماية خطوط النقل البحرية التجارية، عبر البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وأهمها مضيق باب المندب، الذي عملت “إسرائيل” على تكريسه، وبالتنسيق مع راعيتها الولايات المتحدة الأميركية، خلال العقود الماضية، كممرّ استراتيجي “قانوني” بالنسبة إليها، مثل باقي دول المنطقة، ولا يمكن السماح لأحد بإقفاله أو تهديد حركة الملاحة فيه مهما كلّف الأمر؛ وهي لا تريد تكرار سيناريو إغلاق القوات اليمنية (والمصرية) للمضيق أمام السفن والبواخر الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر 1973.
فالمضيق، بموقعه الجغرافي الاستراتيجي، صنع أهمية تجارية واقتصادية قصوى، جلبت معها حساسية عسكرية لهذا الممرّ المائي العالمي، الذي يُعدّ أحد أهم الممرّات المائية في العالم بعد إنشاء قناة السويس عام 1869، وأصبح يربط بينها وبين مضيق هرمز كنقطة وصل لطريق التجارة العالمي، الممتدّ من البحر الأبيض المتوسط مروراً بالبحر الأحمر، وخليج عدن، والمحيط الهندي، والخليج؛ وهو أكثر ممرّ تسير فيه السفن التجارية وناقلات النفط، حيث يستحوذ على 7% من الملاحة العالمية، و13% من إنتاج النفط العالمي، بحوالى 3.8 ملايين برميل نفط في اليوم، و21 ألف سفينة وناقلة تمرّ في الاتجاهين، بواقع 57 سفينة يومياً، وتعبر منه نحو 12 مليون حاوية سنوياً(1).
ولا يَخفى على أحد أن “إسرائيل” كانت قد شنّت حرب حزيران/يونيو 1967 بذريعة إغلاق مضائق تيران في وجه ملاحتها البحرية. وهي ترى البحر الأحمر، بما في ذلك مضيق باب المندب، ممراً بحرياً لتجارتها مع الهند والصين وجنوب أفريقيا ودول متعددة أخرى، ازدادت مع الوقت(2).
وفي الأعوام الأخيرة، اكتسب البحر الأحمر أهمية مضاعَفة في نظر “إسرائيل” بسبب صراعها مع إيران، وشنّ الحرب السعودية – الإماراتية على اليمن، وتنافُس كلّ القوى المتصارعة في السيطرة على الموانئ اليمنية ومضيق باب المندب اليمني(3).
اللافت هنا أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية كانت قد أبلغت، قبيل شنّ السعودية حربها الأخيرة على اليمن، قبل سنوات، كلّ شركات السفن الإسرائيلية بالتعامل مع سواحل اليمن بوصفها سواحل دولة معادية، ما يفرض عليها اتخاذ إجراءات متشدّدة على مستوى الحماية والتأهّب عند عبورها مضيق باب المندب.
وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية أن “ثمّة خشية سائدة داخل المؤسسة الأمنية في إسرائيل من أن يحاول الإيرانيون الذين سيطروا على أجزاء واسعة من اليمن، إغلاق المضيق أو التعرّض للسفن الإسرائيلية بواسطة صواريخ تُطلَق من الساحل” (4).
ويمثّل مضيق باب المندب مساراً بحرياً رئيسياً بالنسبة إلى الأسطول التجاري الإسرائيلي، إذ يُعدّ بوّابة الدخول إلى البحر الأحمر، الذي يمثّل معبراً حيوياً للسفن في طريقها من الشرق الأقصى إلى ميناء إيلات أو قناة السويس(5).
2) تحالف إسرائيلي-إماراتي في باب المندب
انطلاقاً من “المخاوف” المذكورة، بدأت “إسرائيل”، في موازاة مواقفها التهديدية لـ”أنصار الله”، بسلسلة من الإجراءات الأمنية والعسكرية التي ترتبط بها مباشرة، أو عبر تفعيل تحالفها مع الإمارات التي تسيطر على مناطق وجزر يمنية مهمة، من أجل ضمان استخدامها الآمن لمضيق باب المندب، بل والتحكم به، خاصة مع التطوّر المذهل للقدرات العسكرية والصاروخية للقوات اليمنية، وصولاً إلى إعلان جماعة “أنصار الله” أخيراً عن اقترابهم من السيطرة الكاملة على المضيق وبقية الممرّات البحرية بالنار، مع تثبيت وجودهم في المناطق التي تمّ تحريرها خلال السنوات الماضية، في ظلّ الهدنة التي عُقِدت مع السعودية منذ عدة أشهر (نيسان/أبريل 2022).
وفي السياق، كشف الخبير العسكري مجيب شمسان عن مشروع الاحتلال الإسرائيلي لتدويل مضيق باب المندب وجزيرة ميون من أجل تأمين ملاحته البحرية، بعد انتصارات للجيش اليمني واللجان الشعبية في الميدان (6).
وقال شمسان إن تحالف العدوان، بعد الهزيمة في معركة مأرب وسيطرة الجيش اليمني واللجان الشعبية على أكثر المناطق في الشمال اليمني، يريد جرّ المعركة إلى الساحل الغربي انطلاقاً من الأهمية الاستراتيجية التي يمثّلها مضيق باب المندب والبحر الأحمر بالنسبة للكيان الصهيوني، الذي ينظر إليه الاحتلال الإسرائيلي كقضية أمن قومي، على اعتبار أن أكثر من 18% من وارداته تدخل عبر المضيق، وهو منفذه إلى العالم(7).
وكانت الإمارات قد قامت باستقطاع وعزل مساحة جغرافية وبحرية مهمة في اليمن، والممتدة من مدينة المخا الساحلية غرب تعز إلى منطقة ذوباب والجزيرة اليمنية الاستراتيجية “ميون” أو “بريم” المطلّة على باب المندب. وبعد كلّ هذه الفترة الزمنية، فجّرت شريكة السعودية في تحالف الحرب في اليمن إعلانها تطبيعاً كاملاً للعلاقة مع “الكيان الصهيوني”.
ويرى مراقبون وخبراء أن اليمن أحد المحاور الرئيسية في التحالف الإماراتي- الصهيوني الجديد للسيطرة على البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن، وعلى أهم ممر يربط بحر العرب بالبحر الأحمر، وهو مضيق باب المندب الذي يُشرف على أهم الطرق الدولية التي تصل شرق العالم بغربه(8).
وقبل عدة أسابيع، كشفت مصادر استخباراتية أن الولايات المتحدة تدعم خليّة أمنيّة مشتركة بين الإمارات والكيان الإسرائيلي، ضمن خطّتها لإقامة تعاون أمني دائم بين حلفائها في الشرق الأوسط؛ يُشرف على هذه الخليّة مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد، ونجل رئيس الإمارات خالد بن محمد بن زايد، مع نظرائهما في جهاز الاستخبارات الخارجية للكيان الإسرائيلي (الموساد)، ويرأسها قائد القوات الجوية الإماراتية إبراهيم ناصر محمد العلوي، بحسب موقع “إنتليجنس أونلاين” الفرنسي المعني بالشأن الاستخباراتي، والذي ذكر أن تركيز عمل الخليّة ينصبّ بشكل رئيس على مضيق باب المندب(9).
ويقول الخبير العسكري زين العابدين عثمان: إن الاتفاقات التي أبرمتها الإمارات مع قيادات من مرتزقتها (اليمنيين)، أو ما يسمّى بمجلس العليمي، وفي طليعتهم من يسمّى وزير الدفاع، التي عقدت اتفاقات عسكرية وأمنية، هي في طبيعتها تأتي في مسار المخطّط المرسوم أميركياً وإسرائيلياً..(10).
يضيف عثمان أن “الأهداف هي تمكين “إسرائيل” من احتلال الجنوب وترجمة الغايات والطموحات التي يسعى إليها الصهاينة في اليمن، والتي تتمثل في إحكام السيطرة على باب المندب والسواحل والجزر بشكل مباشر وتحويلها إلى مستوطنات وقواعد دائمة لبحرية الكيان الصهيوني ، وجعل جزيرة سقطرى وميون والسواحل مركزاً رئيساً لتنفيذ أعمال التجسس والاستخبارات ضد اليمن ودول محور المقاومة، وإيران في المقدّمة، وتحويلها إلى محطات استراتيجية لإحكام السيطرة على بحر العرب والمحيط الهندي والأحمر، والسيطرة على خط التجارة والملاحة الدولية، على امتداد بحر العرب ومضيق باب المندب إلى البحر الأحمر، وجعلها تحت تصرّف هيمنتها الأمنية والعسكرية”(11).
3) مواقف إسرائيلية.. واستعدادات
في منتصف العام 2018، وبعد استهداف القوات اليمنية لسفينتين سعوديتين في مضيق باب المندب، حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طهران من أي محاولات لإغلاق باب المندب. وقال نتنياهو: “شهدنا صداماً حاداً مع وكلاء إيرانيين حاولوا إعاقة الملاحة الدولية في المضيق عند مدخل البحر الأحمر. وإذا حاولت إيران إغلاق باب المندب، فأنا مقتنع أنها ستجد نفسها تواجه تحالفاً دولياً حازماً لمنع ذلك، هذا التحالف سيشمل أيضاً إسرائيل وكلّ أفرع جيشها”.
وحول أهمية هذا الممرّ المائي لـ “إسرائيل”، قال نتنياهو: “يوفّر لنا البحر العديد من الفرص، إنه فوق كلّ شيء يزيد من الحجم الصغير لدولة إسرائيل، ويسمح لنا بنشر سفننا فوق وتحت الأمواج عبر منطقة شاسعة؛ وهذا يمنح إسرائيل قوّة كبيرة”(12).
وفي إطار الاستعدادات الإسرائيلية للمواجهة مع “أنصار الله” وحلفائهم، كشف مصدر مطّلع عن خطط إسرائيلية لضرب منشآت ومواقع حسّاسة ل “أنصار الله” اليمنية وحزب الله اللبناني، قرب مضيق باب المندب الاستراتيجي الواصل بين البحر الأحمر وخليج عدن.
وأوضح المصدر أن جهاز “الموساد” والاستخبارات العسكرية في “إسرائيل” رصدا في الآونة الأخيرة تحرّكات كثيرة ومحاولات نقل أسلحة وقطع صواريخ ومنصّات وقوارب مسيّرة، إلى جانب طائرات مسيّرة “درون”، وجميعها من إيران، بهدف القيام بعمليات ضد حركة الملاحة من البحر الأحمر وإليه، قبالة السواحل اليمنية المطلّة على باب المندب(13).
وأكد المصدر أن تل أبيب شاركت المعلومات التي بحوزتها أطرافاً عربية لها منافذ وموانئ على البحر الأحمر، ومصالحها قد تتضرّر في حال وقوع تلك العمليات.. وقد قامت “إسرائيل” بإطلاع الولايات المتحدة على التطورات وزوّدتها بالمعلومات حول القطع البحرية المسيّرة التي تحاول الجمهورية الإسلامية نقلها إلى منطقة باب المندب(14).
ثانياً: اليمن ظهير محور المقاومة
لم تتوقّع “إسرائيل” أن يتحوّل اليمن، وبسرعة، إلى ظهير حقيقي لمحور المقاومة في المنطقة، في ظلّ الحرب السعودية-الإماراتية الشرسة عليه، والتي دمّرت بُناه التحتية وقتلت وجرحت عشرات الآلاف من الشعب اليمني، وهجّرت ملايين اليمنيين أو جوّعتهم، وذلك خلال سنوات قليلة فقط.
1) التزام صنعاء بمحور المقاومة يُخيف “الكيان الصهيوني”
أتاحت الهدنة الأخيرة الهشّة بين اليمنيين “أنصار الله” وبين السعودية، والمستمرة منذ مطلع شهر نيسان/أبريل 2022، استكمال بناء القدرات العسكرية والبشرية والاستراتيجية للجيش واللجان الشعبية في صنعاء وبقية المحافظات التي تسيطر عليها حركة “أنصار الله”؛ وقد كشف اليمنيون عن بعضٍ من هذه القدرات، الصاروخية منها على وجه الخصوص؛ وهذا ما أقلق السعودية و”إسرائيل”، سواء لجهة تهديد تلك الصواريخ، المختلفة المديات والفعالية، للأمن البحري في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، أو لجهة مدى تأثيرها في أي حرب مقبلة بين محور المقاومة الذي بات يضم “اليمن المحرّر” من الناحية الواقعية، وبين الكيان الإسرائيلي.
ناهيك عن الإمداد البشري والنوعي الذي وعد اليمنيون بتقديمه في تلك الحرب، من عشرات آلاف المقاتلين الذين يمتلكون خبرات ميدانية كبيرة. حيث شدّد السيد عبد الملك الحوثي، قائد حركة “أنصار الله”، على استعداد اليمن إرسال آلاف المقاتلين لدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة العدو الإسرائيلي(15).
ولعلّ خروج المسيّرات المليونيّة في صنعاء وبقيّة المدن اليمنية لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة لمؤشّرٌ على ذلك؛ ويحفظ الشعب الفلسطيني في ضميره تصريح عبد الملك الحوثي “أن اليمن رغم ما يمرّ فيه من مصاعب مستعدٌ لاقتسام لقمة العيش مع الشعب الفلسطيني”.
وسبق أن أعلنت القيادة اليمنية أن ميناء إيلات ليس بعيداً عن مرمى الصواريخ اليمنية؛ في حين رأت وسائل إعلامية إسرائيلية بأن الصواريخ والمسيّرات التي ضربت الإمارات هي “بروفة” لقصف “إيلات”، خاصةً وأن المسافة التي قطعتها الصواريخ من اليمن إلى الإمارات هي المسافة نفسها التي يمكن أن تقطعها تجاه الكيان الصهيوني، والمقدّرة بـ 1500 كيلو متر(16).
2) صواريخ ومسيّرات.. تطوّق الكيان
خلال العدوان على اليمن من قِبل التحالف السعودي والعمليات العديدة للوحدات الصاروخية للجيش واللجان الشعبية اليمنية ضد السعودية والإمارات، فضلاً عن العرض الأخير للقوات المسلّحة اليمنية، تمّ الكشف عن صواريخ توجد أمثلة مماثلة لها أيضاً في القوات المسلّحة الإيرانية، مما عزّز التكهّنات بشأن التعاون بين إيران ومحور المقاومة في مجال الصواريخ.
لكنّ النقطة الجديرة بالملاحظة في هذا المجال هي أن قوات المقاومة في كلٍ من اليمن ولبنان اليوم مزوّدة بصواريخ باليستية مضادة للسفن وصواريخ كروز. وهي صواريخ قادرة على ضرب جميع أنواع السفن في نطاقات مختلفة، بدقّة مناسبة وقوّة تدميرية؛ وإذا تم استخدام التكتيكات المناسبة، فهي أيضاً قادرة على اجتياز أنظمة دفاع السفن القتالية(17).
ويبدو أنه بعد تشكيل شبكة موحّدة للطائرات المسيّرة في محور المقاومة، سعت إيران إلى تشكيل شبكة صواريخ موحّدة؛ وإذا تم تحقيق هذا الأمر، فستتم تغطية أهم منطقة في العالم، أي منطقة غرب آسيا، بمظلّة شبكة إيران وحلفائها الصاروخية والمسيّرة الموحّدة، وستشكّل تحدياً جديداً لأميركا وداعميها الإقليميين(18).
3) تهديدات متبادلة.. وقصف لصنعاء
في أوضح موقف سياسي له من الصراع في المنطقة، أكد قائد حركة “أنصار الله” في اليمن، السيد عبد الملك الحوثي، أنه “جزء لا يتجزّأ من المعادلة التي أعلنها السيد حسن نصر الله، وأن التهديد للقدس يعني حرباً إقليمية في إطار محور المقاومة”. وقال الحوثي إنّ أميركا اعتمدت أحداث 11 أيلول/سبتمبر ذريعة للسيطرة على مقدّرات وثروات الدول العربية والإسلامية(19).
وحول هذا “التحوّل اليمني”، وفي حديث إلى موقع “إيلاف” السعودي، قال هيداي زيلبرمان، المتحدّث بلسان جيش العدو، إن بلاده تراقب تحرّكات إيران في المنطقة، متوقّعاً أن يأتي الخطر على “إسرائيل” من العراق واليمن، لافتاً إلى أن “لدينا معلومات عن أن إيران تُطوّر هناك طائرات مسيّرة وصواريخ ذكية تستطيع الوصول إلى إسرائيل”(20).
وأوضح زيلبرمان أن قائد الأركان الإسرائيلي، أفيف كوخافي، عندما تحدّث عن “الدائرة الثانية” من الدول، في معرض تهديداته لإيران، كان يقصد اليمن والعراق مِن بَعد “الدائرة الأولى” المُتمثّلة في لبنان وسوريا، مشيراً إلى أن إيران كانت قد هاجمت منشآت “أرامكو” السعودية في أيلول/سبتمبر 2019 من اليمن والعراق، مستخدمةً عشرات الطائرات المُسيّرة والصواريخ المُوجّهة عن بُعد من دون أن يكشفها أحد، “وهذا يدلّ على قدرة إيرانية كبيرة في هذا المجال”(21).
ميدانياً، قالت رواية كيان الاحتلال الرسمية إن الكيان هاجم دولة ثالثة بالتزامن مع عملية العدوان على غزة (آب/أغسطس 2022). ولا تحدّد هذه الرواية ما هي الدولة الثالثة؛ لكن وسائل إعلام الكيان ووسائل إعلام السعودية تقول إن هذه الدولة هي اليمن؛ وتعتمد في تفسيرها على حدوث انفجارين في صنعاء عقب ساعات من دخول اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين كيان الاحتلال وحركة الجهاد الفلسطينية حيّز التنفيذ.
ويقول موقع “ديبكا” الاستخباراتي العسكري التابع لكيان العدو،- اعتمد في روايته أيضاً على وسائل الإعلام السعودية- إن غارتين إسرائيليتين استهدفتا معسكر الحفا جنوبي العاصمة صنعاء. وينقل الموقع افتراض مصدر عسكري في الكيان أن الغارتين نفّذتا بطائرة من دون طيّار. كما يقول الموقع إن هذا الهجوم في حال كان بالفعل قد وقع في اليمن، فيبدو أنه استباق لأي خطة لدى صنعاء لإطلاق طائرات من دون طيّار مسلّحة ضد أهداف إسرائيلية كدعمٍ لحلفائها الفلسطينيين(22).
إن الحضور الصهيوني في الحرب على اليمن غير مخفي. وفي حال كان الهجوم قد وقع بالفعل، فإنه ليس الأوّل؛ ففي العام 2021، نقل موقع themideastbeast التابع لكيان العدو، عن قائد سرب في سلاح الجو السعودي قوله إنه بينما كان يستعد لضرب هدف في اليمن، قاطعته طائرة عليها النجمة الإسرائيلية وسبقته في ضرب الهدف(23).
خاتمة
تؤشّر المعطيات السياسية والميدانية فيما يخص الملف الإسرائيلي-اليمني، على أن المواجهة المباشرة أو المفتوحة بين الكيان الإسرائيلي والمكوّن اليمني المقاوم باتت واردة أكثر من أي وقت مضى، ولو أنها لا تبدو حتمية أو قريبة؛ فهي ترتبط بمصالح واستراتيجيات الأطراف المعنيّة، أي بدول وقوى محور المقاومة ودول محور التبعية للولايات المتحدة، وليس باليمن و”إسرائيل” وحدهما.
وبكلام آخر، فإن أسس المواجهة أو المعركة المرتقبة بين اليمن “المقاوم” وكيان الاحتلال قد تبلورت خلال السنوات الأخيرة، على خلفية العدوان السعودي-الإماراتي المدعوم غربياً، وفي ظل تدخل إسرائيلي خطير ومستتر، بانتظار الظروف المواتية أو الدافعة باتجاه المواجهة، والتي يرجح أن تكون شاملة وألّا تقتصر على اليمن والكيان فقط؛ كما أنها قد تشمل مختلف الميادين أو الساحات، العسكرية والأمنية والاقتصادية، بشكل فجائي أو متدحرج.
من جهة الكيان الإسرائيلي تحديداً، ومن خلال مراقبة أدائه السياسي والعملي فيما يخص الحرب السعودية-اليمنية، كما مرّ ذكره، واستناداً إلى استراتيجيته المعلنة -والمحدّثة- لمواجهة الأعداء المحيطين به، والذين يزدادون قوّة يوماً بعد يوم (×)، يمكن الخروج بالاستنتاجات الآتية:
-أوّلاً: تعمل “إسرائيل” بشكل حثيث على تحجيم أو إضعاف قدرات “العدو اليمني” الجديد، بمختلف الوسائل العسكرية والأمنية والسياسية المتاحة، مع لحظ الفوارق الجوهرية بين دائرة اليمن الحالي (كعدو قويّ نسبياً ولكن بعيد جغرافياً، وهو ليس بدولة ولا تنظيم عادي)، ودوائر الأعداء الآخرين، الواقعيين أو المفترضين للكيان، بدءاً من حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، وصولاً إلى سوريا والعراق وإيران.
-ثانياً: تدعم “إسرائيل” التحالف السعودي-الإماراتي، استخباراتياً وعملياتياً، فضلاً عن الدعم السياسي والإعلامي، لأن هزيمة “أنصار الله” الموالين أو المتحالفين مع إيران وحزب الله هي غاية مشتركة ومعلنة بين السعودية وكيان الاحتلال. وفي هذا الصدد نُشرت تقارير حول اغتيالات وعمليات تفجير خطيرة نفّذتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في اليمن لصالح تحالف العدوان وإضعاف إمكانات وقدرات “أنصار الله” المختلفة.
-ثالثاً: توسّع “الكسان الصهيوني” من دائرة انتشارها العسكري والأمني والعملياتي في الدول (والجزر) المحيطة باليمن، مثل إريتريا وإثيوبيا وجيبوتي، ناهيك عن الجزء الجنوبي من اليمن الذي تحتلّه الإمارات عبر أدوات يمنية، والمناطق اليمنية التي تحتلّها السعودية. وهذا الانتشار المدروس يؤدّي أدواراً خطيرة في الحرب الحالية داخل اليمن، إضافة إلى استهدافاته التجسسية والأمنية لقدرات إيران وجماعة “أنصار الله” في منطقة الخليج والبحر الأحمر وباب المندب.
في الختام، ونظراً للأبعاد الجيوستراتيجية للتدخل الكيان الإسرائيلي المتصاعد في حرب اليمن، والذي يهدّد أمن ومصالح كل دول المنطقة، ويستهدف السيطرة على الممرّات البحرية الحيوية فيها، والاستيلاء على مقدّرات تلك الدول وقرارها السياسي، فإن دول وشعوب المنطقة-وفي طليعتها الشعب اليمني بمختلف أطيافه، قبل محور المقاومة-باتت مُلزمة بالتعاطي وفق رؤية استراتيجية مع الخطر الإسرائيلي المتفاقم، والذي أصبح طرفاً رئيساً في التحالف الخليجي-الغربي الذي شنّ العدوان على اليمن قبل نحو 8 سنوات.. ولم يرتوِ بعد من دماء اليمنيين ومعاناتهم الطويلة حتى تاريخه.
*المصدر : الميادين نت