تبعية أوروبا للهيمنة الأمريكية.. واقع مرير
تبعية أوروبا للهيمنة الأمريكية.. واقع مرير
الصمود../
أزمات كثيرة تعصف بالقارة العجوز، أزمة الطاقة، وأزمة اقتصادية، وأزمة مالية، وأزمة سياسية، لكن يبدو أن تورط دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في الحرب الروسية الأوكرانية تبعا للقرار الأمريكي سيزيد الطين بلة.
وبحسب المُحللين فلا أحد يمتلك الحل لإخراج أوروبا من ورطتها على الإطلاق، لقد وقعت في فخ المصيدة الأمريكية، وبين كماشتها، تعصرها لتنشف عروقها، وما من مخرج هناك يعيد تدفق حيويتها.
فقد كشف هذا التورط بشكل جلي أن الاتحاد الأوروبي مؤسسة هشة، وتابعا للقرار الأمريكي، فتدخلها في الحرب في أوكرانيا كان بإيعاز من واشنطن، إذ كيف لقارة ترتبط مع جارتها روسيا بمصالح اقتصادية وتجارية ودبلوماسية، وتوافق على توريط نفسها في الحرب في أكرانيا والموافقة على عقوبات اقتصادية على روسيا وهي أول المتضررين منها.
ويمكن أن يكون هذا القرار مجديا بالنسبة للولايات المتحدة، لأن مصالحها الاقتصادية مع روسيا محدودة، بينما يختلف الحال بالنسبة لأوروبا حيث بدت تبعات ذلك ظاهرة، في الحياة الخانقة، والمظاهرات التي جابت شوارع باريس ولندن والمانيا وبروكسل وغيرها بحسب المحللين.
وتتأرجح مواقف الحكومات الأوروبية من الأزمة في أوكرانيا، وقد أعلن البعض نقدا صريحا لأمريكا التي باعتهم الغاز بأربعة أضعاف السعر، وأنها تستغل الأزمة لتكسب منها خصما في علاقاتها بحلفائها وتعميقا لأزمات داخل أوروبا.
وتُعد ألمانيا أكبر الخاسرين فهي تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 45 في المائة، فقط الآن أدرك الجميع بأن مقاطعتهم لواردات الطاقة الروسية، كان خطأً استراتيجيا قاتلاً، وأن تدمير خطي أنابيب نقل الغاز الروسي في بحر البلطيق، يكشف بجلاء عن المستفيد الحقيقي من وراء ذلك.
وبحسب المراقبين فإن استراتيجية دفع سكان أوكرانيا نحو أوروبا سلاح روسي خطير سيؤدي إذا ما استمر الروس في استهداف البنية التحتية إلى تعميق مشاكل أوروبا، ليس مع ارتفاع أسعار الطاقة والغلاء فحسب، ولكن سيتجاوز ذلك إلى إفقار أوروبا، وإلى تعميق الأزمة الاقتصادية بأزمة ديموغرافية مركبة، ستجعل أوروبا مثقلة بتحمل أزمة إنسانية ليس بمقدورها على تحملها وهذا هو الذي سيجعلها تتخلى عن نرجسية دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا بالإنابة عنها، في حين أن أمريكا لن تستدعي منهم، ولن تفتح لهم باب النزوح إليها، ولن تقدم أي مساعدات لإيوائهم.
وإطالة أمد الحرب الروسية -الأوكرانية هو هدف أمريكي بحت تدفع كلفته دول الاتحاد الأوروبي بينما تعلن في الوقت نفسه أمريكا زيادة الدعم لأوكرانيا، وتزداد المخاوف الأوروبية في كلفة دفع صفقات الأسلحة مع حجم انفاقها الأموال الباهظة، وكل ذلك يعمل على تدمير الاقتصادات الأوروبية، بدلا من الدعوة إلى حوار سياسي يمكن أن ينهي العمليات العسكرية ويحقق الاستقرار ولتأخذ السياسة دورها في مناقشة كل محددات الأزمة، ووضع الحلول والمعالجات في توافق بين أطراف الحرب، لاسيما مع دعوة الرئيس بوتين لكييف العودة لمائدة التفاوض، لم يقبل الرئيس الأوكراني زيلينسكي، فهو يستجيب لما ستقوله أمريكا التي تعد من أكبر المستفيدين من الحرب.
وبعد الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة أكبر المستفيدين من مشروع إعادة إعمار أوروبا الذي اسمته “مشروع مارشال”، على حساب أوروبا، فضلا عن استمرارية ربط القارة الأوروبية بمصالحها الاقتصادية أمدا طويلا، إذ أن أمريكا لا قيمة لها بدون أوروبا، حتى في الجانب العسكري، فالأوروبيون تشكل نسبتهم الأكبر في عضوية حلف الناتو.
وبهذا يتضح للعيان كيف أن الامبريالية الاستعمارية الرأسمالية الامريكية تصنع واقع العالم من خلال زيادة حجم التوتر، وصولا إلى اشعال الحروب بانتقالها عبر الفضاءات من مجال إلى آخر، بحيث تصبح سياسة إنتاج الحروب عابرة للقارات…!
وعندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن تغير الإدارة في واشنطن لا يعني تغيراً كبيراً في الاستراتيجية الأساسية، ولكن في الخطاب السائد.. فالضغوط الجيوسياسية والمصالح الإستراتيجية لا تتغير إلّا ببطء شديد، مثلها مثل التحالفات والشراكات القائمة.
وكانت الأطراف الأوروبية تأمل في عودة الوضع القديم إلى طبيعته السابقة مع وصول الديمقراطي جو بايدن إلى سَدَّة الحكم ويتمنون وضع نهاية للسياسة المتقلبة والنهج غير المنتظم للولايات المتحدة، والعودة إلى سياسة تحترم الاتفاقات المتبادلة ولا تضحي بالشراكات طويلة الأمد من أجل المصالح الآنية.
وهكذا تظهر تبعية أوروبا للولايات المتحدة، من خلال ما وصفته صحيفة “التايمز” البريطانية بشأن ما وصفته بأنه مناورات دبلوماسية وحالة أخذ ورد بشأن إرسال دبابات ليوبارد الألمانية إلى كييف، انتهت كما هو متوقع بانصياع برلين لرغبات واشنطن والمخاطرة بعلاقاتها مع روسيا.
وأكدت الصحيفة البريطانية مجددا أن هذه الأحداث تكشف مرة أخرى اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة في مساعدة أوكرانيا ضد روسيا، وأنها تظل عرضة لتقلبات السياسة الداخلية الأمريكية، حيث قررت الحكومة البريطانية الشهر الجاري إرسال سرب من دبابات “تشالنجر 2” ومدفعية إضافية إلى كييف، لتشجيع الحلفاء الأوروبيين على زيادة دعمهم لأوكرانيا جزئياً، بسبب القلق من عدم قدرة بايدن على الاستمرار بالحصول على دعم الحزبين لتدفق المساعدات بمليارات الدولارات إلى كييف.
ووفقا للصحيفة يرى الحلفاء الأوروبيون أن النزاع في أوكرانيا كشف عن فشل أوروبا في تطوير ما يسميه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاعتماد الذاتي الاستراتيجي على الرغم من الخوف، بعد أن هدد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانسحاب من الناتو، واضطرت ألمانيا إلى قطع مسافة طويلة في نظرتها الاستراتيجية منذ بدء الأزمة الأوكرانية.
*سبأ: عبد العزيز الحزي