كشف حجم الخلاف السعودي – المصري
كشف حجم الخلاف السعودي – المصري
الصمود../
عقب المقال اللاذع الذي نشره رئيس تحرير صحيفة الجمهورية المصريّة (الحكوميّة) الكاتب عبد الرزاق توفيق، والذي حمل “عنوان الأشجار المثمرة.. وحجارة اللئام والأندال”، وأقام الدنيا ولم يقعدها في دول الخليج، واعتبر نيلاً “مصريّا” من تلك الدول تحديداً السعودية إثر تعليقات إعلاميين ومسؤولين سعوديين على الوضع في مصر، وانتقادهم هيمنة العسكر على الدولة، أعاد الكاتب نفسه مؤخراً نشر مقال بعنوان “القاهرة والرياض القلب النابض للوطن العربي”، الشيء الذي فُسر على أنّه بأوامر من السلطات التي تحدثت بما أرادته ولم تشأ تدهور العلاقات بين البلدين أكثر، وخاصة مع تزايد التكهنات حول أزمة بين الرياض والقاهرة تتجلى في العلاقات بين كبار الشخصيات في كلا البلدين.
افتتح الكاتب المصريّ مقاله الجديد بعبارات: “العلاقات بين مصر والسعودية علاقات تاريخية وأزلية، وهي ركيزة أمن واستقرار المنطقة وصمام الأمان للأمة العربية بأسرها، فما بين البلدين من روابط وقواسم مشتركة ومواقف مضيئة وعطاء متبادل، وما تشهدانه من تطوير وتحديث وبناء وتنمية وتقدم يسعد قلوب كل العرب ويبعث فيهم الأمل والاطمئنان على بقاء وقوة هذه الأمة”، وهذا ما يناقض بشكل تام المقال السابق الذي استهله رئيس تحرير صحيفة الجمهورية الحكومية بالإشادة بالجيش المصري وتأكيده أنه “عصب الوجود ليس لمصر فحسب، بل لكل دول الأمة العربية، وهو عمود الخيمة والدرع والحصن والسند الذي يرتكز عليه الجميع”، موجهاً كلامه إلى دول الخليج تلميحا أقرب إلى التصريح بقوله: “لا يجب على الحفاة العراة الذين ارتدوا أفخر الثياب مؤخرا التطاول على مصر زينة وأم الدنيا”.
وعقب وصفه مسؤولي الخليج بأشنع الأوصاف بقوله: “ليس من حق اللئام والأندال ومحدثي النعمة أن يتطاولوا على أسيادهم، فهم مجرد هواء وفراغ يتلاشى بمجرد هبوب عواصف بسيطة، لكن مصر هي الجبال الراسيات الشامخات ليس من حق دويلات عمرها لا يزيد على عمر أصغر أبنائي أن تتحدث عن مصر إلا بالأدب والإجلال والاحترام”، عاد الصحفيّ المصريّ المعروف في مقاله الجديد ووصف توفيق العلاقات المصريّة – السعوديّة بأنها علاقات تاريخية وأزلية”، ولفت إلى أن الدولة المصرية ــ قيادة وشعبًا ــ تعتز بعلاقاتها مع الرياض وتحفظ لها مواقفها الداعمة والمساندة، وما بينهما من روابط وقواسم مشتركة وشراكة استراتيجية وتنسيق وتشاور وتكاتف ووحدة لمجابهة التحديات والمتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم الذي يموج بالصراعات والأزمات وهو ما ينعكس على كل الدول العربية”.
ورغم حديثه في المقال السابق أنّ “مصر أكبر وأعظم من أحاديث الإفك التي يروجها الأندال والأقزام واللئام والحاقدون”، شدّد في مقاله الجديد على أن العلاقات المصرية ــ السعودية تعيش فيما قال إنّه “أوج ازدهارها وقوتها” في كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة بفضل جهود القيادتين السياسيتين في البلدين الشقيقين، وحرصهما الدائم على التواصل والتنسيق والتشاور وهو ما تجسده لقاءات وزيارات واتصالات مكثفة في إطار العمل العربي المشترك، مضيفاً إنّ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يولى العلاقات «المصرية ــ العربية»، وبالأخص العلاقات «المصرية ــ السعودية» اهتمامًا غير مسبوق، وتستحوذ زياراته ولقاءاته واتصالاته واجتماعاته مع الأشقاء العرب، حيزًا غير مسبوق فى سياسات مصر الدولية في كل مجالات التعاون والتنسيق.
إضافة إلى ما ذُكر، أشار عبد الرزاق توفيق إلى اعتزاز وتقدير وحب المصريين للمملكة العربية السعودية، قائلاً: “هذا ليس مجرد كلام إنشائي، بل يرتكز على واقع ونهج استراتيجي، وحب وهوى وقدسية للسعودية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومواقف مضيئة وداعمة ومساندة تدرك قيمة علاقة البلدين الشقيقين الراسخة وكونهما روح وقلب وعقل الأمة” حسب وصفه، مُذكراً بانتفاضة بلاد الحرمين قيادة وشعباً لدعم إرادة المصريين في ثورة 30 يونيو/ حزيران عام 2013، واصفا موقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز حينها بأنه “موقف تاريخيّ مُضيء لا يمكن أن ينساه المصريون”، ما يناقض بشكل كامل مقاله السابق الذي أكّد فيه أنّ “كل شيء في مصر يمضي إلى الأمام على طريق تحقيق أهدافها وتطلعات شعبها”، وشكراً للمحن والشدائد والأزمات لأنها تعرّفنا الفرسان من الأنذال، من أولاد الأصول من اللقطاء، من الشبعان إلى محدث النعمة”.
وتعرض الكاتب والإعلامي المصريّ لانتقادات داخليّة كثيرة عقب نشر المقال الجدي بعنوان “توضيح واجب واعتزاز وإجلال راسخ، مصر و السعودية ركيزتا الأمة وصمام أمنها واستقرارها”، فعقب هجوم الكاتب الذي اعتبر منبراً للسلطات المصريّة على دول الخليج اتجه في مقاله الآخر نحو جماعة الإخوان المتشدّدة ووصفهم بـ “المجرمين”، قائلاً: “هم مجرد أدوات للخيانة ونشر الانقسام، وأدوات الوقيعة بين دولنا، بالتزييف والتشويه واجتزاء الأحاديث، لأن غايتهم إضعاف وإسقاط الأمة والنيل من وحدتها التي تشكل علاقة القاهرة والرياض سر أسرار قوتها وخلودها”.
وفي الوقت الذي غضّ توفيق الطرف عن كل ما جاء في مقاله السابق ذكر أنّ “وطنيتي وعروبيتي لا تسمحان لي أبدًا بالإساءة إلى أي دولة عربية شقيقة، وأكن كل الاحترام والتقدير والإجلال والاعتزاز للمملكة العربية السعودية وما يربطها ببلادي من علاقات ووحدة مصير وماض وحاضر ومستقبل وقواسم مشتركة، والشراكة لكونهما عصب الأمة وصمام الأمن والاستقرار والتقدم لدولها وشعوبها، تقديرًا وإجلالًا نابعًا من إيمان عميق واعتزاز وفخر بالمواقف المضيئة والمشرقة المتبادلة بين هذين البلدين وسائر الدول العربية”، وختم رئيس صحيفة الجمهورية مقاله بعبارة “كل التقدير والإجلال والاعتزاز بالمملكة العربية السعودية قيادة وشعباً نابعاً عن قناعة وإيمان راسخ بدور ومكانة وعظمة الرياض وعطائها لأمتها، تجسيدًا لعقيدة مصر ونهجها الثابت والراسخ التي لا تحيد أبدًا عن عروبتها واعتبار أن أمنها القومي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربيّ وهو ما تمثل فيه «مصر والسعودية» حجر الزاوية وصمام الأمن والأمان”.
وقد طفت التوترات حسب تقارير إعلامية على السطح خلال الأزمة الاقتصادية الخطيرة في مصر منذ غزو روسيا لأوكرانيا قبل عام تقريباً، وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان قد صرح في 18 يناير الفائت بتصريحات اعتبرها البعض سببا في تأجيج الأزمة، حيث قال خلال مشاركته في منتدى “دافوس” الاقتصادي العالمي: إننا اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة من دون شروط، ونحن نغير ذلك، نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه، وأن يبذلوا جهدًا، نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم”، ما يوحي بحجم التوتر الخفي بين البلدين.
في الختام، انتقادات كثيرة تعرضت لها وسائل الإعلام المصريّة وبالأخص صحيفة “الجمهورية” ورئيس تحريرها، حيث اعتبر كثيرون أنّ ما نشره الكاتب المصري في المقالين الأول والثاني لا يعبر لا من قريب ولا من بعيد عن وجهة نظره، بل هو مجرد “حجر شطرنج” إعلاميّ نفذ ما أوعز به من السلطات التي ترأس صحيفته، في ظل الخلاف الإعلامي المستعر بين السعوديين والمصريين والذي “تجاوز كل حدود الأخلاق” وفقاً لمراقبين أوضحوا أنّ المقال الأخير كان بمباركة القيادة المصرية، ما يدل على وجود شرخ عميق في العلاقة بين البلدين، متسائلين بقولهم: “لو كانت القيادة السعودية وافقت على استمرار المساعدات للقاهرة، هل كنا سنقرأ مثل هذا المقال؟”.
المصدر: موقع الوقت التحليلي