الشواهد التي أسقطت الذرائع الأمريكية في العدوان على اليمن
الشواهد التي أسقطت الذرائع الأمريكية في العدوان على اليمن
الصمود../
من اللحظة الأولى للعدوان اعتمدت أمريكا على استراتيجية وضع الذرائع لشن عدوانها وفرض حصارها واحتلال الأرض اليمنية ونهب ثرواتها.
كان المنطلق تصوير وإشاعة القول بأن الحرب أهلية بين اليمنيين، فيما يدحض هذا المبرر غير الواقعي وغير المنطقي أن من أعلن عن العدوان كان السفير الأمريكي في أمريكا وان المكان الذي شهد الإعلان عن الحرب كانت ساحة البيت الأبيض في واشطن.
الذريعة الثانية التي جعلتها أمريكا حاملة للعدوان الحديث عن التمدد الإيراني حيث حاولت تصوير إيران بأنه وحش المنطقة وتحاول زعزعة استقرار المنطقة إلى آخر الأسطوانة التي ثبت أنها مشروخة وصوتها مبحوح فمختلف قوى العالم ذهب للترحيب بالتقارب بين الرياض وطهران قبل أيام ما يؤكد زيف الذريعة وسقوطها بشكل مريع وفظيع.
مع ذلك ظلت أمريكا تعزف على ذات الأسطوانة لتعبر عن إحباطها من تطبيع علاقة الخليج مع إيران، خصوصا مع ما تلى ذاك الإعلان من مساعي تقارب بين الإمارات والبحرين كل على حدة مع إيران.
قبل أيام كانت ذكرى الغزو الأمريكي للعراق لتكون المناسبة فرصة لفضح الذريعة التي اتخذتها أمريكا لهذا الغزو الذي كان الهدف منه السيطرة على البلاد ونهب الثروات.
ومثل الأمر كان مع سوريا، وهي القواعد الأمريكية تنتشر في العراق وسوريا بذرائعها التي تبين زيفها، ليؤكد ذلك أن أمريكا اعتادت دائما على اختلاق الذرائع بقصد السيطرة على الشعوب العربية والإسلامية كما أكد ذلك السيد القائد يوم أمس.
بالعودة إلى ذرائع أمريكا لمحاولة الاشتغال على مؤامرة الشرق الأوسط، لا تزال المدمرة كول الشاهد الأول للمساعي العملية الأمريكية في السيطرة على اليمن، ويؤكّـد الباحثون في الشؤون العسكرية أن بداية التحَرّك العسكري الفعلي في تنفيذ المخطّط الأمريكي في اليمن كان عام 2000م، بعد تفجير المدمّـرة كول في عدن، حَيثُ بدأت أمريكا بالتدخل السياسي، وكانت الحادثة مرتكَزاً في فرض سيطرتها العسكرية والأمنية والسياسية على اليمن، حَيثُ تحكمت وفرضت سيطرتها على الأجواء اليمنية والتحكم بالسواحل وإنشاء قواعدَ عسكرية لمحاربة الإرهاب، حَيثُ وافق النظام الحاكم في ذلك الوقت على انتهاكات السيادة اليمنية، من خلال اختراق الأجواء اليمنية بالطائرات بشكل يومي والإنزال الجوي في بعض المحافظات الجنوبية المحتلّة، حَيثُ كانت الطائرات بدون طيار الأمريكية تنفذ غارات ضمن برنامج سري، وتحلق وترصد في صنعاء وبقية المحافظات بصورة يومية؛ إذ تمكّنت أمريكا من التغلغل السياسي والعسكري والأمني عن طريق السفير الأمريكي، وبمساندة وتواطؤ من النظام السابق الذي كان له دور كبير في تسهيل سيطرة أمريكا على جميع القطاعات الدفاعية والسيادية والحيوية في اليمن، وقدم لهم التسهيلات في جميع المجالات.
ولهذا كان اليمن مسرحاً للعمليات الأمريكية، وكان اليمنيون ضحايا لهذه الحرب، حَيثُ تمت استباحةُ سيادتها، وكان النظام الحاكم أدَاةً لهذا النفوذ ولتغطية هذه الاستباحة.
وتركز التحركات الأمريكية ومعها بريطانيا على المناطق النفطية لعلمهما بما يختزنه جوف الأرض اليمن من الثروات، وقد أكدت الدراسات والتقارير وجود خزان نفطي كبير يحتوي على كميات هائلة من النفط التجاري، في تلك المناطق التي جرت عليها المسوحات، أَو تلك التي بقيت في طي الكتمان والسرية، فضلاً عن أن حضرموت تشكل خزاناً للمياه الجوفية التي يمكن أن تغطي اليمن لعشرات السنين.
وكانت حضرموت تاريخيًّا هدفاً ومطمعاً لقوى الاستعمار الأمريكي الذي يحومُ حولها، حتى وجد الغزو والاحتلال الأمريكي فرصتَه للانقضاض على المحافظات الجنوبية في العدوان على اليمن في العام 2015 عبرَ تسهيلات عملاء ومرتزِقة الداخل لبسط نفوذه عليها والسيطرة على مناطق الطاقة.
ولعل الزياراتِ المتكرّرة للسفير الأمريكي إلى حضرموت والمهرة، تأتي في إطار هذه الأجندات، ويؤكّـدُها أَيْـضاً تواجُدَ القوات الأمريكية في عدد من مدن المحافظة، بالإضافة إلى القاعدة الأمريكية –البريطانية في الغيضة، وارتباط ذلك بالانتشار العسكري البحري لقوات الأسطول الأمريكي الخامس، بالإضافة إلى قوات بريطانية وفرنسية في بحر العرب، وخليج عدن والبحر الأحمر والمحيط الهندي.
من اجل ذلك أمريكا تعمل على تغذية العدوان، بل وتختلق الأعذار لعدم تمرير هدنة تتحقق معه الاستحقاقات الإنسانية لليمنيين.
أكد السيد قائد الثورة في كلمته أمس بأن اليمن لم تكن تشكل يوما مصدر خطر على أحد من جيرانه، ويثبت ذلك أن النوايا الأمريكية التي كانت مبيتة تتعارض مع ذرائعها في العدوان على اليمن.
مشهد آخر من المشاهد التي تؤكد أن مطامع ونوايا ومخططات أمريكية كانت استعمارية ومحاول لبسط نفوذ أمريكي طويل الام على البلاد، مخططها لتدمير القوة الدفاعية اليمنية، ففي العام 2003م بدأت أمريكا بوضع خططها لتدمير المنظومة العسكرية اليمنية وعلى رأسها منظومة الدفاع الجوي.
وفي العام 2005م وجهت واشنطن نظام صالح بضرورة التخلص من الترسانة العسكرية لليمن، بذريعة أن اليمن لا يحتاج إلى هذا الكم من السلاح، وأنه أصبح قديما ولا فائدة منه في ظل التطور الذي تشهده الأسلحة وأن ما هو موجود لا يمكنه التصدي لأنظمة الأسلحة المتطورة، كما تعللت واشنطن أيضا بخشيتها من وقوع تلك الأسلحة في أيدي عناصر التنظيمات الإرهابية، التي كانت في الأساس صنيعة المخابرات الأمريكية ومبررها لفرض تواجد عسكري أمريكي على أي بلد تريده واشنطن.
وعلى الفور استجاب نظام صالح للطلب الأمريكي وباشر بالتنفيذ، لكن واشنطن لم تكتفِ بذلك فقررت أن تشرف بنفسها على تدمير هذا السلاح، وبدأت بتدمير صواريخ الدفاع الجوي، لتصبح اليمن عاجزة كليا عن التصدي لأي هجوم جوي خارجي على اليمن، وأصبحت أي طائرة حربية تابعة لأي دولة أجنبية قادرة على استباحة الأجواء اليمنية وضرب أي هدف تريد دون أن يعترضها شيء، كما حصل في عملية المعجلة، وعملية الإنزال الجوي الأمريكي في البيضاء، بالإضافة إلى الطيران الأمريكي المسير الذي كان ينفذ عمليات مستمرة حتى دون التنسيق مع السلطات المختصة في البلاد.
وتمثلت بدايات التخلص من الأسطول الجوي لليمن من خلال تعطيل أجزاء داخلية لدى معظم الطائرات الحربية، ما أدى إلى تساقط هذه الطائرات أثناء تنفيذها مهمات تدريبية اعتيادية، بهدف إخلاء اليمن وإفراغه من منظومته الدفاعية ومن سلاح الجو، في سياق خطة ضرب المنظومة العسكرية اليمنية بشكل كامل.
وخلال تسع سنوات فقط دمرت أمريكا وبإشراف مباشر منها وتنفيذ مشترك مع مسؤولين كبار في النظام السابق أكثر من 27 طائرة عسكرية ما بين (حربية ونقل عسكري ومروحيات عمودية)، كما خسرت اليمن خلال هذه الفترة 16 طياراً ومساعد طيار و23 مدرباً وفنياً وملاحاً.
وشهدت الفترة 2011 – 2013م، سقوط أكبر عدد من الطائرات الحربية اليمنية، حيث شهد العام 2011م لوحده 8 حوادث إسقاط طائرات عسكرية.
وقبل 2011م لم تكن الصورة واضحة بشكل كبير، وكان يُعتقد أن تساقط الطائرات اليمنية سببه الإهمال وعدم الصيانة، ولم يكن الرأي العام حينها يدرك أن ما يحدث هو استهداف مدروس وممنهج لتدمير الجيش اليمني وترسانته العسكرية بما فيها الأسطول الجوي الذي كان يتم تدميره بوتيرة متسارعة.
في 25أكتوبر 2011م انفجرت طائرة عسكرية روسية من نوع “أنتينوف” في قاعدة “العند” بمحافظة لحج جنوب اليمن، مودية بحياة ثمانية طيارين سوريين وجرح أربعة آخرين، وطيار يمني، ويومها عزت وزارة الدفاع السبب حينها إلى ثقل الأسلحة التي كانت تقلها الطائرة.
وبعدها بخمسة أيام كان سلاح الجو اليمني على موعد مع مذبحة مروعة عشية اليوم الأخير من أكتوبر 2011م، إذ دمرت ثلاث مقاتلات وأصيبت رابعة بأضرار بالغة في انفجار عبوات ناسفة زرعت في الطائرات أثناء ربوضها في قاعدة الديلمي الجوية، وأعلنت حالة الطوارئ في القاعدة.
وفي 4 مارس 2012م شهدت قاعدة الديلمي انفجار طائرة شحن عسكرية روسية من طراز “أنتينوف في 4”، بينما كانت القاعدة الجوية تشهد احتجاجات واسعة تطالب بإقالة قائد القوات الجوية اللواء محمد صالح الأحمر.
وفي 21 نوفمبر 2012م سقطت طائرة عسكرية من طراز (أنتينوف أم 24) في منطقة الحصبة شمال العاصمة وتوفي قائدها وتسعة متدربين وأفراد طاقمها.
وفي 19 فبراير 2012م سقطت طائرة عسكرية من طراز “سوخوي22” في حي الزراعة، وادعت وزارة الدفاع أن نتائج فحص الصندوق الأسود كشفت أن السقوط نتج عن خلل مصنعي، رغم أن الطائرة دخلت الخدمة قبل 22 سنة، وسخر الجانب الروسي المشارك في فحص الصندوق الأسود للطائرة من تهمة الخلل المصنعي.
وفي 13 مايو 2013م تحطمت مقاتلة من طراز “سوخوي22” في شارع الخمسين جنوب صنعاء وقتل قائدها، غير أن حطام الطائرة التي كانت عائدة من مهمة تدريبية ظهر عليه 6 طلقات نارية، أحدها أصاب خزان الوقود، وهو ما فسّر انفجارها في الجو وتناثرها إلى أشلاء.
الانهيار والتدمير المتلاحق لسلاح الجو اليمني كشف وفق المراقبين عن وجود سيناريو خارجي خطير تنفذه أياد يمنية يراد منه تحييد القوات الجوية وهو ما تجلى لاحقا بوضوح كبير، حيث كانت خطة تدمير سلاح الجو اليمني أمريكية نفذها رأس النظام السابق.
قبل أكثر من عامين جرى الكشف عن وثائق دبلوماسية أمريكية سربت إلى موقع ويكيليكس، وكشفت بأن الولايات المتحدة كانت تشتبه في 2009م بأن اليمن أخفى عنها وجود مخزون من الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات، يمكن أن تتحول إلى سلاح خطير إذا وقعت في أياد “سيئة” بحسب الوثيقة.
وفي برقية “سرية” تعود إلى الرابع من أغسطس 2009م ونشرتها صحيفة نيويورك تايمز، يقول مخبر أمريكي شطب اسمه، لضباط أن “وزارة الدفاع اليمنية تملك فعلا هذه الصواريخ المحمولة لكنها لا تتحدث عنها باعتبارها من أسرار الدولة”.
وهذا النوع من الصواريخ المضادة للطائرات استخدمه الأفغان في الثمانينيات، ضد الاتحاد السوفيتي سابقا، ومكنتهم من استعادة المبادرة ضد الجيش السوفياتي وإجباره على الانسحاب.
ولذلك برز القلق الأمريكي بشكل واضح من وجود وبقاء هذا النوع من الصواريخ في اليمن، وأنه سيشكل خطرا على مصالحها، فسارعت جاهدة للوصول إليها والتخلص منها بتواطؤ من النظام السابق.
المهم في هذا الأمر أن هذه الوثائق وغيرها كشفت، حجم المتابعة والمراقبة الأمريكيتين لليمن، وتتبع كل ما يدور فيها عن قرب من خلال تواجدها وتدخلاتها المباشرة عبر سفيرها وقواعدها العسكرية وكللتها بعدوانها الغاشم، الذي لم يكن، وفق مراقبين وخبراء عسكريين، بحاجة لعنصر “المفاجأة” لإخراج سلاح الجو اليمني من المعادلة، فقد سبقه تدمير لقدرات اليمن الجوية بسلاح “الفساد” من قبل “محمد صالح الأحمر”.
وفي البحر رفعت أمريكا عناوين زائفة بقصد السيطرة على البحر والمنافذ البحرية بما يساعد الكيان الصهيوني من السيطرة على المنطقة فحينا ادعت أن حركة تهريب للأسلحة وحينا كانت تتحدث عن عجز اليمن عن حماية المياه الإقليمية الدولية وحينا كانت تجعل من موجة القراصنة الصوماليين ذريعة للتواجد في المياه وقد تبين أن أعمال القرصنة كانت تقوم بدعم ورعاية أمريكية كما هو الحال في التنظيمات الإرهابية التي تبين أن أمريكا هي من تقف خلفها نشأة ورعاية وتمويلا، وفي هذا السياق اكد السيد القائد في كلمته يوم امس بأن اليمنيين «قادمون بالطيران المسير متجاوزة كل الدفاعات الجوية، وبقدرات بحرية تطال كل هدف في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي وكافة الجزر».
*الثورة / وديع العبسي