مجزرة تنومة.. الجريمة الأبشع دموية للنظام السعودي
الصمود||تقرير||
ارتكب نظام آل سعود في يوم السبت 17 ذو القعدة 1341 هجرية مجزرة تنومة بحق الحجاج اليمنيين، وسقط خلالها أكثر من ثلاثة آلاف يمني كانوا في طريقهم إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج وفق مصادر تاريخية.
لم تكن مجزرة تنومة هي الوحيدة بل تبعتها سلسلة جرائم وصولاً إلى المجازر الوحشية والمروعة على مدى الثمان السنوات الماضية من العدوان السعودي بدعم أمريكي وبريطاني وصهيوني.
ترجح المصادر في كتب التاريخ ومنها كتاب “هجَر العلم ومعاقله في اليمن” للقاضي إسماعيل بن علي الأكوع، أن جنوداً سعوديين ومجاميع تكفيرية مسلحة بقيادة السلطان بجاد العتيبي أقدمت على إطلاق النار على الحجاج اليمنيين في وادي تنومة، رغم معرفتهم أن اليمنيين كغيرهم من الحجاج لا يمتلكون أي سلاح.
مجزرة تنومة، التي كانت أول جريمة يرتكبها نظام آل سعود بحق الشعب اليمني، لم تحظ بالتغطية الإعلامية الكافية وتسليط الضوء عليها من قبل الرأي العالم العربي والدولي نظراً لإخفاء النظام السعودي آثار جريمته، ورغم ذلك لن ينساها اليمنيون مهما طال الزمن.
وتعددت الآراء وتباينت حول مجزرة تنومة، إلا أن الجميع يقر بوحشيتها ويمكن تسميتها بمذبحة القرن العشرين، ما جعلها خالدة في أذهان اليمنيين، يتذكرونها أثناء موسم الحج في كل عام من خلال إقامة الندوات والمحاضرات التي تسلط الضوء على أسبابها وتداعياتها.
وفي كل عام تتجلى معطيات جديدة عن المذبحة سواء من حيث الإعداد والتخطيط لها من قبل النظام السعودي، أو من حيث المكان والزمان الذي حدثت فيه ومدى بشاعة هذه الجريمة التي ساهمت في ارتكابها قوى الهيمنة والاستكبار العالمي.
وفي الذكرى الثالثة بعد المائة، تؤكد مجزرة تنومة على تأّصل حقد النظام السعودي على الشعب اليمني أرضاً وإنساناً، ويتجلى ذلك بشن العدوان منذ 2015م بتحالف دولي تجاوز كل الحدود في بشاعته لا لشيء وإنما خدمة للصهيونية العالمية.
النهج الدموي الذي تأسس عليه النظام السعودي بدعم استعماري منذ ما يسمى بالدولة السعودية الأولى هو نهج مستمر، وصولاً إلى سلوك داعش البشع والمروع الذي تنتهجه أسرة آل سعود وسلطتها حتى اليوم.
ذكر الرحالة والمؤرخ السوري نزيه مؤيد العظم الذي زار اليمن عام 1927م، في كتابه “رحلة في الجزيرة العربية السعيدة” أن عدد شهداء مجزرة تنومة تراوح بين خمسة آلاف أو ستة آلاف يمني، في حين أن إحصائية دقيقة نقلها يحيى بن علي الضاري في مخطوطة في المسجد الكبير بصنعاء، أن العلامة أحمد الوشلي وصل من مكة وذكر أن عدد الحجاج الذين تمت تصفيتهم في مجزرة تنومة ثلاثة آلاف و105 حجاج.
وتنوعت الندوات المكرسة للحديث عن مجزرة تنومة، وتداعياتها وأسبابها، من قبل باحثين في المجال السياسي والفكري والعسكري والاجتماعي.
حيث تناول رئيس تكتل الأحزاب السياسية المناهضة للعدوان المهندس لطف الجرموزي في ورقة عمل مقدمة لندوة بعنوان “مذبحة تنومة .. سيل الدم ومنابع الإرهاب”، مشاهد وشواهد من المجزرة والمتغيرات السياسية في المنطقة خلال الفترة التي وقعت فيها ومنها إنهاء الحكم العثماني واحتلال فلسطين ودور بريطانيا في تلك التحولات، خاصة تمكينها لآل سعود من الاستيلاء على الحجاز والإعداد والتنفيذ المشترك لقتل اليمنيين في تنومة.
وتطرق إلى الأبعاد السياسية والعقائدية والاقتصادية لمجزرة تنومة بتنفيذ النظام السعودي سياسة بريطانيا في الوطن العربي وتأسيس الفكر الوهابي القائم على مبدأ التكفير واستباحة الدم ودوره في إفراغ الحج من محتواه ومنع المسلمين من أداء هذه الفريضة.
وسرد المهندس الجرموزي محطات وشواهد تاريخية لمجازر عديدة ارتكبها نظام آل سعود في المنطقة العربية تنفيذاً للمشروع الوهابي البريطاني.
فيما أكد الباحث في الشؤون العسكرية العميد الركن عابد الثور أن مجزرة تنومة، جريمة بحق الإنسانية لا تسقط بالتقادم، مشيراً إلى فتح ملف مجزرة تنومة لأول مرة في تاريخ اليمن الحديث، كجريمة كبرى ارتكبت بحق الحجاج اليمنيين.
ودعا الجهات القانونية إلى فتح ملف تنومة أمام المحاكم الدولية والجهات القانونية في العالم لمحاسبة وملاحقة النظام السعودي إزاء ما ارتكبه من جرائم بحق الشعب اليمني ماضياً وحاضراً.
من جهته رأى أستاذ تاريخ اليمن الحديث والمعاصر بجامعة صنعاء الدكتور فؤاد الشامي، أن مجزرة تنومة تعرضت للتغييب في المراجع والمصادر اليمنية والعربية، بما فيها ذاكرة اليمنيين باستثناء ذاكرة أهالي الضحايا الذين يحملون ذكريات أليمة إزاء الجُرم الذي لحق بهم.
وأشار إلى أن النظام السعودي حرص على تغييب هذه المجزرة وعدم إثارتها باستخدام كافة الوسائل والأساليب ومنها احتواء كثير من المؤرخين والباحثين والكتّاب العرب والأجانب ودفع مبالغ مالية ومنحهم هدايا وامتيازات بهدف إسكاتهم عن التعاطي مع هذه الجريمة وممارسة سياسة الترغيب والترهيب بحقهم.
وأكد الدكتور الشامي أن السياسة السعودية كان لها دوراً رئيسياً في تغييب مجزرة الحجاج الكبرى “تنومة” على كافة المستويات، ما يتطلب من الباحثين والمؤرخين والكتّاب الكشف عن الحقائق المغيبة واستعادة الذاكرة اليمنية للوصول إلى حقيقة ما حدث في تنومة.
استشهد في مجزرة تنومة، العديد من خيرة أعلام اليمن وعلمائها الأجلاء الذين كانوا في طريقهم ضمن قافلة الحجاج اليمنيين للعام 1341م إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج.
ويتحدث الباحث والمؤرخ حمود الأهنومي صاحب كتاب “مجزرة الحجاج الكبرى في تنومة وسدوان”، عن المجزرة بقوله : “قضى في هذه المجزرة خيرة أعلام اليمن، وممن استشهد فيها السيد العلامة الحسين بن يحيى حورية المؤيدي، والسيد العلامة يحيى بن أحمد بن قاسم حميد الدين، والحاج حسين القريطي والد الشيخ المقرئ محمد حسين القريطي، والحاج محمد مصلح الوشاح، أحد أهالي صنعاء”.
ستظل مجزرة تنومة شاهداً حياً على دموية النظام السعودي بحق الشعب اليمني منذ أكثر من قرن من الزمن، والتي لم تكن آخر الجرائم، بل كانت الأبشع وما جاء بعدها من عدوان وحرب إبادة بحق اليمنيين كان الأفظع عبر التاريخ المعاصر.