صمود وانتصار

طول أمد العدوان يزيد الكلفة على المعتدين..قد ينتهي الصبر

الصمود|

ثلاثة آلاف يوم من القتال أجهدت مشعلي المعركة، وأصابت داعميهم بخيبة وتململ، وأحالت المعركة تخبطاً عبثياً. نتيجة أوصل إليها الصمود الأسطوري للمقاتل اليمني، ومِن خلفه شعب لا يزال ثابتاً رغماً عن الموت والدمار الذي ينشره تحالف العدوان.

 

تدرك قوى العدوان جيداً، أن أهدافها الشيطانية ومخططاتها في بسط السيطرة على  اليمن ونهب ثرواته قد أصبح من الماضي، فهناك واقع جديد رسمه ثبات وصمود شعب الإيمان والحكمة حين قرروا مواجهة الأخطار والتحديات وعدم الاستسلام والرضوخ لقوى البغي.

 

لم تكن المعارك التي خاضها المقاتل اليمني طيلة ثلاثة آلاف يوم جولة من «العنف الاعتيادي»، تمضي كما يريد الأقوياء بسرعة وصمت، صنعاء بعيدة، والجيش اليمني هو من يحدد ملامح المرحلة ويرسم خطط الحرب والسلام، وبات المعتدون يستجدون السلام ويتهافتون على من تربطه علاقة ود مع صنعاء ليكون لهم شفيعاً.

 

 بالنسبة لطرف العدوان هم وصلوا بوضوح إلى قناعة بأنهم لن ينجزوا أي هدف عسكري في اليمن، ولو كان رمزياً (فضلاً عن السيطرة على البلد من جديد)، وينصبّ اهتمامهم منذ فترة على طريقٍ سياسي للخروج بماء الوجه، ولكن دهاة الحرب في صنعاء برزوا عباقرة في الجانب السياسي وتغلبوا على ألاعيب المعتدين والتفافاته ومكره وخداعه وأوصلوه إلى نقطة واحدة وطريق واحد فقط للخروج من المستنقع اليمني تمثل في عدة نقاط ( إنهاء العدوان، رفع الحصار، خروج القوات الأجنبية، تحمّل تبعات الحرب) وما لم تنفذ هذه الخطوات، فالقوات المسلحة اليمنية على أتم الجهوزية لتنفيذها ولكن بطريقة ستندم عليها دول العدوان أشد الندم.

 

حينما ينتقم الفقير

إذا كانت الحرب قد انتهت بالنسبة لتحالف العدوان، فإنها لم تنتهِ بالنسبة إلى اليمنيين، والأيام المقبلة ستثبت للغزاة أن حرباً أرادوها «ساحقة وسريعة» تنتهي خلال أسابيع، ستكون ورطة سيدفعون كلفتها لعقود قادمة.

 

 لمن كان يتساءل عن سبب تكديس الأنظمة الخليجية للسلاح، ومعنى مئات الطائرات الأمريكية التي يركنونها في مطاراتهم، فإن المعركة في اليمن قدّمت الإجابة: هذه الترسانة كلّها كانت لتدمير شعوب المنطقة العربية بالتشارك مع أميركا و”إسرائيل”، ولكن اليمن خاض معركة الأمة وتولى مهمة التصدي لتلك المؤامرة وإنقاذ الشعوب.

 

في هذا الجانب تعي قوى العدوان أن اليمنيين لا يستمعون في القرارات الأساسية إلى أحد، وهم حين يقرّرون، يفعلون من دون اعتبار لتحذير أو نصيحة، فلا أحد غيرهم يعرف ماذا يخطّطون ضدّ من استباح أرضهم، وكيف يرون آخر الطريق معه، كما يقول أحد المفكرين، فإن نشوء الدول الحقيقية يكون في أتون الحرب، والحدود الحقيقية يرسمها السلاح، واليمنيون ـــ رغم الألم والتضحيات ـــ قد بنوا أساساً جديداً وصلباً لمستقبلهم، سيكون له أثرٌ على الأمة جمعاء.

 

الأمريكي في مرمى النيران

واليوم، فإن صمودنا الفذّ وبسالة مواجهتنا لتحالف قوى العدوان العالمي قد كشفت الدور الأمريكي، وأرغمته على البروز من العتمة إلى واجهة المشهد قسراً تحت وطأة الهزائم المتلاحقة التي تجاوزت الأدوات المباشرة لتطال المدير التنفيذي القابع في الكواليس، فأمريكا باتت اليوم في صدارة المشهد، وحين ارتضت لنفسها هذا الدور فإن عليها تحمل تبعاته، وأن تعلم أن أي تصعيد جديد فإن جنودها وقواعها العسكرية وبوارجها الحربية ستكون أولى الأهداف ومثلما استطاع شعب اليمن إخماد أنفاس أكبر الخونة في الداخل، وتنكيس رايات غرور الرياض وأبو ظبي بعدة عمليات أحالت منشآتها النفطية إلى دخان يصّعّد في السماء، فإنه – بعون الله – قادر على إذلال الأمريكان وتركيعهم وإخراجهم من أرضه ومياهه الإقليمية وهم أذلة صاغرون، ولنا في حديث القائد حين قال للأمريكان والبريطانيين محذراً لهم من عرقلة السلام: ” ارحلوا من بلدنا “، فإن المعركة معهم لن تنتهي وفيهم عرق ينبض في أرضنا أو في مياهنا بقوة الله وجبروته.

 

الكلفة تتضاعف

وبمناسبة مرور ثلاثة آلاف يوم من العدوان، عقد المجلس السياسي الأعلى اجتماعاً، أقر في بدايته التمديد للرئيس مهدي محمد المشاط ونائبه صادق أمين أبو راس لثلاث فترات رئاسية وفقاً للائحة الداخلية للمجلس تبدأ من غرة محرم 1445هـ وتنتهي في نهاية شهر ذي الحجة 1445هـ.

 

إثر ذلك استمع المجلس إلى إيضاحات من الرئيس المشاط، حول المستجدات السياسية المتعلقة بملف المفاوضات والاتصالات الجارية والعراقيل القائمة والأدوار المختلفة التي يتبادلها تحالف العدوان ورعاته.

 

الاجتماع أكد أن اليمن بمرور ثلاثة آلاف يوم أكثر استعداداً للسلام العادل والمشرف، وأكثر استعداداً للدفاع عن نفسه وسيادته واستقلاله ومقدراته، وأن استحقاقات الشعب اليمني تتضاعف على كاهل المعتدين كلما طال أمد العدوان الأمريكي السعودي، وأن الصمود اليمني وجسيم التضحيات وحجم المعاناة سيثمر نصرا عزيزاً لليمن مهما تكالبت قوى الشر والعدوان.

 

وفي هذا الصدد فإن الخناق يضيق أكثر على المعتدين، لأنه بالنظر إلى ما تعده صنعاء خلال فترة التهدئة الحالية، فإن الخسائر ستعظم على المعتدين، فمعسكرات التدريب تمتلئ بالمجاهدين، ليتزودوا بالعلوم والمعارف العسكرية، لصقل مواهبهم ودراسة سير المعارك طيلة الفترة الماضية والاستفادة من الإخفاقات السابقة وردم العوامل المؤدية لها.

 

وفي ذات الوقت، فإن العمل جار لإعادة التقييم لكل الجبهات، عبر إعادة رفع الجهوزية ووضع الخطط الاستراتيجية الكفيلة ـ بعون الله ـ بالتغلب على كل الصعوبات وتجاوز كل الأخطار والتحديات، فالمعركة المقبلة لن تقف عند حد التصدي لقوات العدو، بل ملاحقة فلولها وتدميرها والفتك بها وإخراجها عن الجهوزية بشكل كامل بإذن الله، هذا على الصعيد المحلي، أما على الصعيد الدولي فإن الخطر محدق بالمنشآت الحيوية لقوى العدوان فوزارة الدفاع ألنت أكثر من مرة الجهوزية الكاملة لكافة وحداتها خاصة الصاروخية وسلاح الجو المسير والأسلحة البحرية ولن تقدر أي قوة في الأرض أن تمنع المقاتل اليمني من الاقتصاص من قاتليه.

 

المجلس السياسي الأعلى أيضاً في اجتماعه حيّا بكل فخر الصمود الأسطوري لأحرار الشعب اليمني وعلى رأسهم أسر الشهداء والأسرى والمفقودين والجرحى، والعلماء الأجلاء وكل العاملين في مؤسسات الدولة والمدرسين وأساتذة الجامعات والجبهة الإعلامية والمزارعين والتجار والعمال وكل فئات الشعب اليمني العظيم.. فالشعب اليمني يستحق الثناء، لما سطره طيلة الفترة الماضية من ملاحم بطولية عجزت عن تحقيها أعتى الجيوش وأكثرها تسليحاً وتدريباً.

 

اجتماع السياسي الأعلى أكد أن الشعب اليمني بوعيه وبصيرته يدرك اليوم أن أمريكا مثلما تصدرت العدوان على اليمن، فهي اليوم تعمل جاهدة على استمرار العدوان وتشديد الحصار الخانق على الشعب اليمني ومنع المواطنين من تصدير منتجاتهم المحلية للخارج لمضاعفة معاناتهم وتجويعهم ونهب ثرواتهم النفطية والغازية، وتمنع صرف مرتبات موظفي الدولة من ثرواتهم وتسعى لإعاقة أي حلول للسلام إلا وفق رؤيتها وأجندتها الاستعمارية.

 

وفي هذه الفقرة بالذات من اجتماع السياسي الأعلى رسالة للولايات المتحدة الأمريكية أن الشعب متحد مع قيادته الثورية والسياسية في أنها وراء عرقلة السلام وأنها من يجب أن تدفع الكلفة ولن تكون في مأمن من أي تصعيد قادم، فالكلمة واحدة والخيار واحد، والسلاح جاهز.

 

أما ما يتعلق بالأوراق التي تلعب عليها قوى العدوان للضغط على صنعاء مثل (الانفصال)، فأكد السياسي الأعلى أنها مؤامرات المحتل الأمريكي لشرعنة تواجده في تلك المناطق، وفرض سياساته.. لكن السياسي الأعلى أكد في نفس الوقت أن اليمن بقيادته وجيشه وشعبه لن يتنازل أو يساوم على سيادته الكاملة براً وبحراً وجواً، ولن يقبل باستمرار العدوان والحصار، كما أن الجيش اليمني سيحمي كافة ثروات الشعب اليمني في كل شبر من تراب اليمن.

 

رد السياسي الأعلى على ألاعيب العدوان في هذا الجانب يؤكد مدى الحكمة في تشخيص المشاكل وكيفية التعامل معها، لذلك فإن تحميل دول العدوان مسؤولية ما يحدث في المناطق المحتلة يدخل المعتدين في مأزق جديد لا مخرج لهم منه إلا بتسويته وإصلاح ما أفسدوا، فصنعاء، وهذه الخطوة ستعقد الأمور على المعتدين أكثر مما مضى وتسهل الطريق أمام صنعاء لبسط سيطرتها على كل شبر من أرض الوطن، بما فيه من خيرات وثروات.

 

الفشل الأمريكي يفتح باب المفاجآت

بعد ثلاثة آلاف يوم، عملياً لم تتحقّق لا “المصالح المشتركة” بين دول تحالف العدوان وأمريكا، ولا مصالح أمريكا الخَاصَّة المتعلقة بالحرب، والسبب الأبرز كان أن الحسابات المشتركة والخَاصَّة لأطراف معسكر العدوّ، عجزت عن التعامل مع الخصم.

 

لقد وزّعت واشنطن الأدوار، وضمنت انطلاق الحرب واستمرارها بأدوات إقليمية ومحلية، لكنها جعلت “الحسمَ” متعلقاً بهذه الحسابات، وتجاهلت الطرف المقابل في الحرب؛ اعتماداً على تقديرات بأنه حتى إن حدثت مقاومةٌ شرسة فَــإنَّها ستظل في إطار محدود يمكن السيطرة عليه، والحقيقةُ أنها حتى لو كانت توقعت أكثرَ من ذلك فلن يؤثر ذلك على ما نتج؛ لأَنَّ كُـلَّ الأطراف في معسكر العدوّ -بما في ذلك أمريكا- قد اندفعت بأقصى طاقاتها ولم تدخر جُهداً في محاولة تحقيق الحسم.

 

ما حدث هو أن الولاياتِ المتحدة لم تتوقعْ أصلاً حجمَ ونوعيةَ المقاومة اليمنية للعدوان، كما أن هذه المقاومة لم تكن محكومة بالمعادلات التي تبني عليها الولايات المتحدة توقعاتِها وتقديراتها؛ وهذا هو التفسير الوحيد المنطقي لفشل ترسانة الخبرات والإمْكَانات والمال التي تملكها دول العدوان في حسم المعركة غير المتكافئة، ثم عجزها عن وقف تصاعُدِ وتعاظم قدرات الجيش اليمني.

 

صحيحُ أن الفشلَ لم يقتصرْ على الجانب العسكري، لكنه عادةً الجانب الذي يمكن إخضاعُه للحسابات والمعادلات، وبالنظر إلى حجم إمْكَانات العدوّ فَــإنَّ فشله في تحقيق أهدافه يعتبر نتيجةً صادمة، وحتى إن تم الالتفاف على هذه الحقيقة، فَــإنَّ الفشل في مواكبة تطور قدرات صنعاء (التي بدأت من الصفر وفي ظروف صعبة ومتواضعة) لا تفسير له سوى أن المقاومة اليمنية جاءت بمعادلات وحسابات جديدة غير تقليدية وليست مفهومة للخصم، وهذه النتيجة صادمة بالتأكيد؛ لأَنَّها لا تؤكّـد حتمية فشل العدوان في اليمن، بل تبقي باب المفاجآت مفتوحاً على نتائجَ أُخرى تأثيرُها أوسعُ وأطولُ أمداً؛ وهو ما يجعل قرارَ الحرب أكثرَ من مُجَـرّد خطأ في التقدير بالنسبة للعدو.. إنه بوابة جهنم.

 

العواقب وخيمة

ما يتجلى من خلال المواقف الأمريكية وتحَرّكاتها في المنطقة بأنها لا تريد لليمنيين أن يصلوا إلى حَـلّ أَو أن يتمكّن اليمنيون من انتزاع حقوقهم وتحقيق الانتصار كما هو قائم اليوم من خلال كُـلّ المعطيات الواضحة على الساحة.. فالأمريكيون اليوم -سواءً من خلال زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي أَو من خلال زيارة المبعوث الأمريكي وزيارات أمريكية للرياض ما بين سرية وعلنية- يتحَرّكون لإجهاض كُـلّ فرص السلام وإظهار أدواتهم في المنطقة وكأنها خارجة عن إرادتهم بينما هي جزء من المخطّط الحقيقي لعرقلة السلام في اليمن والمنطقة خدمة للمصالح الأمريكية.

 

لم تصمت صنعاء أمام التحركات الأمريكية ووجهت العديد من الرسائل منها رسائل الرئيس المشاط للمبعوث الأممي وخلال زيارته إلى محافظة حجة والتي حذر فيها العدو بأن أية محاولة للتصعيد أَو التفكير بالانقلاب على ما تم الاتّفاق عليه فَــإنَّ نتائج ذلك ستكون كارثية، وأول المتضررين من ذلك سيكون الأُورُوبيون والأمريكيون وأن تداعيات الوضع والرد من اليمنيين لن تقف تأثيراتها وصداها عند حدود المنطقة وسوف تتعداها إلى ما هو أبعد من ذلك سواءً من حَيثُ طبيعة الأزمة التي يعيشها العالم نتيجة أزمة الطاقة أَو من حَيثُ طبيعة الضربات التي ستوجّـهها صنعاء إلى العمقين السعوديّ والإماراتي، إضافة إلى ذلك بيان المجلس السياسي الأعلى قبل أيام والتي أكد فيه أن الوقت ليس في صالح المعتدين وأن الكلفة تتضاعف بطول أمد العدوان.

 

هذه الرسائل واضحة لتحالف العدوان بأن اليمنيين لا يمكن أن يقبلوا الاستمرار بهذه الوضعية والتلاعب بالملف الإنساني واستمرار العدوان والحصار واستخدام مثل هذه الاستراتيجية لمماطلة الحقوق الأَسَاسية التي تم الاتّفاق عليها.

 

وخلاصة الكلام فالتحذير واضح لقوى العدوان من نفاد صبر صنعاء التي كانت واضحةً في تحذيرات الرئيس المشاط، وتحذيرات أَيْـضاً السيد القائد، فالقيادة فتحت لتحالف العدوان وللأمريكي وكلّ من لف لَـفَّهم البابَ مشرعاً لكل فرصة يمكن أن تكونَ بصيصَ أمل للسلام؛ ومع ذلك لم يجد الشعب اليمني الجدية الحقيقية من قبل تحالف العدوان ومن قبل الأمريكي والسعوديّ أَو غيرهم ممن يشاركون في هذا العدوان.

 

قيادة الشعب اليمني لا يمكنُ أن تقبلَ باستمرار وضعية اللا حرب واللا سلم، وهناك سقف محدود وعندما ينتهي هذا السقف الذي طرحته على الأمريكي وعلى البريطاني وعلى الأُورُوبي وعلى أدواتهم أَيْـضاً فَــإنَّ النتائجَ والعواقب وخيمة، وأن الخيارات مفتوحة وقواتنا المسلحة في مستوى مطلوب من الجاهزية التامة، الحرب والرد اليمني سيطال أهمَّ الأهداف الحساسة والحيوية، خَاصَّة في ظروف لا يمكن للأُورُوبي أن يتحمَّلَها في ضوء أزمة الطاقة القائمة.

 

هذه الرسائل عززها وزير الدفاع اللواء الركن  محمد ناصر العاطفي خلال افتتاح هيئة التدريب والتأهيل بوزارة الدفاع  الدورة القيادية للعمليات في جامعة الرسول الأعظم للعلوم العسكرية، حيث أوضح وزير الدفاع أن القيادة السياسية والثورية يفاوضون دول العدوان من مصدر قوة معتمدين بعد الله على أبطال القوات المسلحة الذين منحوا الوفد المفاوض هذه القوة بالانتصارات المتتالية في الميدان والتي ركعت الأعداء.

 

وبعث العاطفي رسلة لقوى العدوان “نحن مستعدون لكل شيء فإن أردتم السلام فنحن أهله وإن أردتم الحرب فنحن مستعدون وجاهزون”.