يوم الحج الأكبر.. بين جنايات آل سعود على الحجاج والاستغلال السياسي للفريضة
الصمود|| مقالات|| إبراهيم محمد الهمداني
طالما قدم آل سعود أنفسهم، بوصفهم خدام الحرمين الشريفين، وخدام ضيوف الرحمن، من الطائفين والعاكفين والركع السجود، وبالتالي فهم حماة الدين، المحافظين على شريعة سيد المرسلين، وقد جنَّدوا لهذه المهمة، عتاولة السوابق الإجرامية، الذين مثلوا ما سمي “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، في مرجعيتها الفكرية الأصولية المتشددة، ممثلة بما سمي “أخوان من أطاع الله”، الذين أصبحوا فيما بعد عماد “جيش الغطغط”، الجناح العسكري لابن سعود، الذين قامت بريطانيا، بإعدادهم وتدريبهم لهذا الغرض، وتاريخهم مشهور بالمذابح والمجازر، وحروب الإبادات الجماعية بحق أبناء القبائل العربية، الذين كانوا يرفضون تقديم البيعة لعبدالعزيز بن سعود، نظرا لاعتبارات دينية، أكثر من كونها اجتماعية أو سياسية، الأمر الذي جعلهم عرضة لانتقام وتوحش “جيش الغطغط”، الذي لم يتوان لحظة واحدة، في إنزال أقسى أنواع الانتقام والإبادة الشاملة، بحق الرافضين إمامة ابن سعود عليهم، وهو المشكوك في دينه، المجهول في أصله ونسبه.
كان “جيش الغطغط” أو “إخوان من أطاع الله”، هم القوة الضاربة، والسيف المسلط، الذي قامت بفضله مملكة بن سعود، وبواسطته تم القضاء على عدد كبير، من القرى والقبائل والتجمعات السكنية، من عرب صحراء شبه الجزيرة العربية، وتم محو كل خصوم ابن سعود، الواقعيين والافتراضيين، أو المحتمل كونهم كذلك، وبعد انتهاء مهمة هذا الجيش، الذي أسرف قائده سلطان بن بجاد التميمي، في ارتكاب أبشع الجرائم والانتهاكات والإبادات الجماعية الوحشية، وتثبيت أركان مملكة بن سعود، وترسيم حدودها النهائية آنذاك، أوعزت بريطانيا إلى عبدالعزيز بن سعود، بضرورة التخلص من سلطان بن بجاد التميمي، مع أبرز قاداته الموالين له مطلقا، وتخويف من تبقى من ذلك الجيش، وضمهم إلى الجيش السعودي النظامي، بعد إجراء بعض التحديثات عليهم، وتخفيف عقيدتهم المعادية للآخر مطلقا، وتطويع نهجهم التكفيري الخالص، لرغبة “طويل العمر”، وحسب توجيهاته يتم تفعيل النهج التكفيري أو إيقافه، تبعا لتوجيهات المندوب السامي البريطاني، سيد ابن سعود وولي نعمته، ومعلمه وموجهه وقائده، الذي أقسم على طاعته، حتى تصيح الساعة، وكانت “مجزرة تنومة”، التي قضى فيها ثلاثة ألاف حاج يمني، إحدى تلك الأوامر البريطانية، التي نفذها ابن سعود، بكل تفان وإخلاص، بواسطة قوات المهام الخاصة، من جماعات “جيش الغطغط” التكفيرية، وغيرها الكثير الكثير من الجرائم والانتهاكات الفظيعة، التي نفذتها فرق الموت الإرهابية، الخاصة بابن سعود، تلبية لأوامر المندوب السامي البريطاني، أو من يقوم مقامه، طمعا في نيل رضى بريطانيا واليهود الغاصبين.
تحول من تبقى من “إخوان من أطاع الله”، بنهجهم التكفيري، وعقيدتهم المحرفة، إلى جماعات دينية وظيفية، تسعى من خلال مركزيتها السلطوية، إلى فرض سلطة آل سعود، بوصفها حقا إلهيا، سواء من خلال إمامة الحرمين والإفتاء ونشر الإسلام – حسب زعمهم -، أو من خلال ممارسة التسلط الديني، تحت مسمى “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، والخروج على مقتضيات الطاعة المطلقة، للملك ونظام حكمه المستبد، الذي يعد جريمة عظيمة، وكبيرة من الكبائر، التي لا تندرج تحت شفاعة رسول الله، لأهل الكبائر من أمته.
هكذا قدم آل سعود أنفسهم، وهكذا قدمهم أعوانهم من فقهاء البلاط، وطالما استطاع إعلامهم المؤدلج، خداع البسطاء من الناس، بصورة الملك وولي عهده واتباعهم، وهم يغسلون الكعبة، أو يجددون كسوتها، الأمر الذي يجعل أعين أولئك البسطاء تفيض بالدمع، حتى تعمى عن رؤية أحذية أولئك المستكبرين، تدنس أرضية الحرم، وجوف الكعبة المشرفة، كما أن تعاطف أولئك البسطاء مع المشهد، يجعلهم يغفلون تماما عن التساؤل، ما الرسالة التي يريد الملك – أو يريد منه أسياده – إيصالها، من ظهوره الإعلامي الواسع، وهو يصلي مع حاشيته داخل الكعبة المشرفة، رغم إجماع المسلمين قاطبة، على حرمة ذلك، ما الذي يريد قوله للمسلمين من ناحية، ولأسياده اليهود والنصارى من ناحية ثانية؟، لماذا لم يكتف بتدنيس أطهر بقاع الأرض، حتى يقوم بانتهاك حرمتها، بفعل ما لا يجوز قطعا فعله فيها؟!.
إن كيان آل سعود الإجرامي الوظيفي، لم يتورع عن ارتكاب كل المحرمات، في ظل صمت وتواطؤ معظم الحكام العرب، أما خوفا من سطوته وتسلط أسياده، أو طمعا في فتات أمواله، ورغم سخط جميع الشعوب العربية والإسلامية المقموعة، إلا أن الاستسلام والعجز والتخاذل، كان سيد الموقف، وكأن تلك المشاعر المقدسة، والفرائض الدينية المرتبطة بها، قد أصبحت ضمن أملاك الملك الخاصة، يتصرف بها كيف يشاء ومتى شاء، ولا يُسألُ المالك فيما ملك، وبناء على هذه التحولات، تحول معظم الغضب الشعبي الإسلامي، على الملك من أجل المقدسات، إلى امتنان وشكر وثناء لجلالته، إذ سمح لهم بالحج في ممتلكاته، وقدم لهم الخدمات الهزيلة، التي لا تساوي شيئا، مقابل ما ابتزهم من الأموال الباهظة.
يمكن القول إن نظام آل سعود (المتصهين)، قد انتهك قداسة المكان/ الحرمين الشريفين، بأقذر وأحط وسائل وطرق الانتهاك والتدنيس، التي كان السماح لليهود بدخولها علنا، أقل مظاهر انتهاكها، كما انتهك قداسة الإنسان/ ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والطائفين والعاكفين، ولم يتورع عن قتلهم، وإراقة الدم الحرام في البلد الحرام، سواء بالتدافع أو سقوط الرافعات أو القتل المباشر أو الاعتقال أو غير ذلك، كما لم يتورع عن انتهاك حرمة الزمان/ أوقات العمرة والحج، سواء من خلال تحويلها إلى مواسم استثمار سياحي، أو بتوظيفها في سياق التحريض السياسي، وإشاعة الفرقة والعداء بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة، وتنفيذ السياسة الاستعمارية، وخدمة المشروع الصهيوني علنا، ومادامت الجرائم بحق الحجاج، التي لم يخل منها عام من الأعوام، غير كافية لجعل المسلمين يحجمون عن الإقبال – المتزايد كل عام – لأداء هذه الفريضة العظيمة، ومادامت المضايقات والانتهاكات، لم تحد من شوق ولهفة الملايين، للانضمام إلى ضيافة الله، في بيته العتيق، استجابة لدعوته الكريمة، فقد لجأ نظام آل سعود إلى فرض الرسوم الباهظة، بالإضافة إلى تقنين وتحديد إعداد الحجاج والمعتمرين، وتقليل العدد الكلي تدريجيا، بحجة عدم القدرة على تقديم الخدمات اللازمة لهم، وعلاوة على ذلك لا يتحرج النظام السعودي، عن إقحام فريضة الحج في مواقفه ومزاجه الشخصي، والانتقام من خصومه بمنعهم من أداء هذه الفريضة، والتعامل مع الحرمين الشريفين، بوصفهما ملكية خاصة لآل سعود، يبيحهما لمن رضيت عنه أمريكا وإسرائيل، ويمنعهما لمن سخطوا عنه، ولم تسلم دولة من الدول العربية والإسلامية، من تلك الهيمنة السعودية، وربما طالت الجميع أوامر المنع من حج بيت الله، بسبب خلافات سياسية محضة، والأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة، من إيران إلى ليبيا إلى العراق إلى اليمن، إلى ما لا نهاية لمظاهر تلك العنجهية والهمجية والاستبداد، وهذا يؤكد انطباق قوله تعالى عليهم، “وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ”.
لم يعد خافيا على أحد، زيف دعاوى آل سعود، عن خدمتهم للحرمين الشريفين، واستضافتهم المزعومة لضيوف الرحمن، وقد سقط القناع مؤخرا، وتبين مدى تفاني آل سعود في خدمة المثليين والشواذ والراقصات، واستغراقهم في حماية وتأمين وتفعيل كل مظاهر الانحلال والانحراف والإلحاد، وما “هيئة الترفية” إلا بعض مظاهر ذلك الاستهداف الممنهج للدين الإسلامي الحنيف، كما أن ذلك النظام الشيطاني الخبيث، لم يتورع عن تشويه صورة الدين، وتحريف مفاهيمه وقيمه ومبادئه وثوابته، وتقديمه في صورة مشوهة، ليتسنى لهم دمجه فيما يسمى “البيت الإبراهيمي”، الذي لا يعدو كونه مشروعا صهيونيا، يهدف إلى تكريس عبادة الشيطان، وهو ما تجلت بعض مظاهره في التوجه السياسي العام، لدويلة الإمارات المتحدة وأخواتها، وهذا الأمر ذاته، تسعى مملكة آل سعود، إلى فرضه وتعميمه على جميع المسلمين، من خلال مركزيتها السلطوية الدينية، الأمر الذي يحتم على جميع شعوب المسلمين، الوقوف صفا واحد في مواجهتها وردعها، وعزل ولايتها عن المشاعر المقدسة، خاصة بعد ما تبين من مواقفها العدائية المعلنة، تجاه الإسلام والمسلمين عامة، حيث أصبح عزلها عن ولاية المقدسات والمشاعر، واجبا دينيا جمعيا، وضرورة سياسية لا مناص منها، وإن لم يكن اليوم، فهو كائن غدا لا محالة، وإن غدا لناظره قريب.