صمود وانتصار

محمد بن سلمان في واشنطن

عبد العزيز بدر القطّان
مفكر وكاتب كويتي

زيارة ولي ولي العهد السعودي لواشنطن تحمل في طياتها عناصر متعددة ومتصارعة وهي تسابق الأحداث والقرارات، مما أدى الى نوع من الهرولة.

الغرب ماكر وخبيث ويمثل دور الحليف، في الوقت الذي لا يمانع فيه توجيه طعنة قاتلة لحليفه. ولا يدافع عن حليف عندما يقتنع بأن الحليف أصبح عبئاً عليه، فهو لا يريد أن يتحمل هذا التعب.

والغرب مشهور بالقول الشهير :”لا يوجد شيء مقدس”، وذلك لتدبير التدخل من تعهدات قطعت أو اتفاقيات وقّعت، أو حتى سرقة أموال إيران التي كانت قد جمدت بناءً على قرارٍ غربي.

ناهيك عن تبرير نهب أموال العراق وليبيا، واستهلاك مداخل النفط العربية بفرض عمليات شراء ضخمة بأسعارٍ تفوق الأسعار الحقيقية، والحصول على عقود بناء ومشاريع إنمائية بأسعارٍ مضخمةٍ، من دون أن تمر العقود على جدول المناقصات الدولية .

زيارة الأمير محمد بن سلمان، تأتي في محاولة لمنع التدهور الكبير الذي يتسارع في العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة الأميركية (وهذا يعني تسارع التدهور في علاقات أوروبا بالمملكة). فقد أدرج اسم المملكة على اللائحة السوداء في تقرير الأمم المتحدة، لقتلها المدنيين والأطفال، ثم تراجعت الأمم المتحدة .

والجميع يعلم أن هذا التراجع-الفضيحة له ثمن باهظ .فالولايات المتحدة ربما أمرت بوضع اسم السعودية على اللائحة السوداء، وأمرت بإزالته بعد أن قبضت الثمن، والثمن متشعب في النوع والكم.

وتأتي عملية فلوريدا (المثيرة للجدل) لتجدد الحملة على الإسلام والمسلمين، ولرفع الأصوات مرةً أخرى حول دور النظام السعودي أو مسؤوليته عن أحداث 11 سبتمبر .فتلك الأحداث الإجرامية كانت من ارتكاب القاعدة، والقاعدة أنشاتها الولايات المتحدة بأموالٍ ورجال سعوديين.

الأمير سلمان بالذات هو الذي كان مسؤولاً عن إنشاء القاعدة لمحاربة “الكفار الروس” في أفغانستان، وأرسل أسامة بن لادن ليقود القاعدة ويقاتل “الكفار الروس”.

وقد تكون هذه الشراكة الأميركية-السعودية هي سبب الغموض في تحميل السعودية مسؤولية تلك الأحداث الإجرامية .

فلا بد أن الشريك السعودي لديه ما يكشف عنه أيضاً حول شريكه الأميركي، ما سيحدث زلزالاً في الولايات المتحدة .

وينتمي متين الأفغاني لذلك الجيل الذي نظمته الشراكة الأميركية-السعودية للإرهاب (تنظيم القاعدة من السلفية الجهادية الوهابية)، فهو لم يحصل على الجنسية الاميركية ، بل حصل فقط على ترخيص بحمل السلاح! وقد تظهر الأيام أن متين هو خريج مدرسة “السي آي إيه”، لم لا؟ والأحداث تظهر أن سلمان أسس شركة جعلت من تنظيم القاعدة رافداً من روافدها. وضم هو والشريك الأكبر (الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها إسرائيل).

مرتزقة من كل أنحاء العالم لتنفيذ المخطط ثم الذي يستخدم ضد الإسلام كرسالةٍ إلهيةٍ وضد وحدة ووجود الأمة العربية وللقضاء على قضية فلسطين .

زيارة محمد بن سلمان تأتي في ظروف بدأت فيها بعض دول الخليج تتيقن بخطورة مغطس اليمن واحتمالات الموقف .فاليمن هو أكبر بلد عربي جنوب الحجاز، كما هو العراق أكبر بلدٍ عربي شمال الجزيرة .والاستمرار في تدمير اليمن وقتل أبنائه سوف يحرك اليمنيين حيثما كانوا .

من مانشستر وكارديف في إنجلترا الى ديترويت في الولايات المتحدة الى الجزيرة العربية والدول التي ولدها الغرب الماكر والخبيث والذي يؤمن بأن: “لا شيء مقدس”.

استخدمت وسائل الإعلام الأميركية تعابير خادعة أيضاً مثلما جاء ولي العهد السعودي لإقناع واشنطن بتزويدها بالقنابل العنقودية .وهذه محاولة لتنصل الولايات المتحدة من الجرائم التي ارتكبها السعوديون بقنابلهم العنقودية، التي ألقيت على المدن والقرى اليمنية .وهي أيضاً لإظهار عدم رضى الإدارة الأميركية عن قصف السعودية للمدنيين.

لكن الأمر أبعد وأعقد من ذلك .فالولايات المتحدة مقبلة على انتخابات وقد أصبح واضحاً أن المتنافسين فيها على البيت الأبيض هما ترامب وكلينتون. ترامب عبر عن نفسه بوضوح كسفاحٍ معادٍ للإسلام، صهيوني حتى النخاع، ويستغل جرائم أميركا للهجوم على المسلمين وعلى الإسلام، وهو يعاني من مرض العنصرية القاتل حتى أنه يصبغ شعره بلون يميل للإحمرار للإبتعاد قدر الإمكان عن أي لونٍ داكن.

أما كلينتون فهي لا تخرج عن ولائها للصهيونية، لكنها قالت بوضوح: آن الأوان لأنظمة الخليج أن تتغير وتغير.

ترامب لن يحاور ولن يقبل أن يكون شريكه السعودي نداً له، بل على شريكه السعودي أن يطيعه طاعةً عمياء .ولا يستغرب المرء إن ضرب ترامب عرض الحائط بكل القوانين والمعاهدات، وتصرف كرجل عصاباتٍ مع هذه الدول التي لن تستطيع الشكوى .فقد صنعت آلة الجريمة شراكة واستخدمت شراكة.

أما كلينتون فستلجأ لإسرائيل وللـ”سي آي إيه”، لإحداث تغييرات في هذه الدول تحت عنوان إصلاحاتٍ ديموقراطية.

لكن الحقيقة أن الأمر سيكون استمرار مخطط التمزيق، ليطال الجزيرة ويطال ليبيا ويطال دولاً أخرى، لفرض هيمنة إسرائيل على المنطقة، لضمان النهب اللامتناهي لثروات الأمة العربية .

محمد بن سلمان توجه الى واشنطن ليلمس حقيقة الموقف الأميركي، وهو لا يدري أنهم يتهامشون عليه ويخدعونه ويخططون للهيمنة على الجزيرة هيمنة صهيونية .هو لا يدري أن ما خلقته تصرفات النظام السعودي وجرائمه تجعل كل أميركي يشمئز منه .وأن الصهاينة يحولونه الى اشمئزاز من الإسلام.