الهدنة المشلولة بين إنعاش صنعاء وتعنت دول العدوان
الصمود|| مقالات|| منير الشامي
مضى عام ونصف العام من عمر هدنة مشلولة من جانب الرياض ونافذة من جانب صنعاء، ولدت مشلولة بعد مخاض طال أمده، تلقى خلاله نظام الرياض عمليات طلق تحفيزية لولادة تلك الهدنة من قوات صنعاء، كان آخرها ثلاث عمليات قوية سميت بعمليات كسر الحصار حاولت قيادة صنعاء من خلالها تحفيزه على ولادة تلك الهُدنة، فولدها فعلاً بعد يوم واحد من عملية كسر الحصار الثالثة مجبَرًا لا بطلًا، لكنه سرعان ما تبرأ منها بمراوغته ومماطلته عن تنفيذ أي شرط من شروطها فأصابها بشلل نصفي من جانبه وجعلها عقيمة بعكس قيادة صنعاء التي خصتها بعناية مركزة على مدار الساعة من أول فترة لها، وبذلت أقصى جهودها وطاقتها طوال فترات تجديدها التالية، وقدمت كُـلّ التسهيلات، واستعانت بكل الأطراف الوسيطة، وسخرت كُـلّ ما هو متاح بيدها لعل وعسى الحياة تدب في نصفها المشلول، حتى انقضى عام كامل دون أن يتغير حالها الميؤوس منه؛ بسَببِ تعمد نظام الرياض إبقاءَها على هذا الحال؛ فلا يريد موتها ولا يريد تعافي نصفها وظهورها كهُدنة حقيقية يفي كُـلّ طرف بالتزاماته فيها، بل أكّـد إصراره على التعنت والمراوغة وسعى بكل طاقته لإطالة واستمرار هدنة مشلولة من جانبه وسارية من جانب صنعاء، ومع ذلك لم تفقد قيادة صنعاء أملها في أن تتفتح في تلك الهدنة مسام المصداقية والإرادَة الجادة لتحقيق السلام من جانب الرياض، وتخرجها من حالة الشلل بإعلان رسمي عن وقف الحرب، ووقف نزيف الدم وتفوح منها بوادر حُسن النية، وتُجسد الرياض ذلك بتحَرّكات صادقة بمنح الشعب اليمني استحقاقاته الإنسانية المشروعة ووقف العدوان وكلّ الأعمال العدائية ورفع الحصار وفتح المنافذ الإنسانية ورفع الحظر كليًّا عن مطار صنعاء وإعادة أمواله المجمعة في البنك الأهلي السعوديّ من نفطه وغازه وثرواته المنهوبة، لصرف مرتبات الموظفين المحرومين من رواتبهم منذ أواخر العام 2016م.
ثم الانسحاب غير المشروط لقوات العدوان من كافة الأراضي اليمنية وجزرها وبحارها، ثم الشروع بجبر الضرر وإعادة الإعمار، ودفع التعويضات العادلة العامة والخَاصَّة عن مختلف الأضرار الناجمة عن عدوان تحالفه المشؤوم وحربه وحصاره للشعب اليمني لثماني سنوات، فصبرت طويلاً إلا أن ذلك لم يتحقّق منه حتى خطوة واحدة، وهو الأمر الذي جعل قيادة صنعاء تصل إلى قناعة أكيدة بأن نظام الرياض عاجز أصلاً عن الدخول في هدنة حقيقية نافذة؛ لأَنَّه لا يملك قرارها ولا يملك الحق حتى في قرار مصلحته أصلاً؛ لأَنَّ من يملك قرار الهدنة ويملك القرار السعوديّ برمته هو الأمريكي والبريطاني، وهو ما ظهر منهما جهاراً نهاراً، وما أثبتته وقائع ومستجدات التفاوض معه خلال الفترة من تاريخ الاتّفاق على سريان الهدنة وإلى اليوم، حَيثُ تجلى ذلك بتحَرّك الأمريكي والبريطاني إلى السعوديّة عقب أي تقدم أحرزته الوساطة العمانية لإنجاح الهدنة لعرقلة تحقيق ذلك التقدم وتوجيههم للسعوديّة بعدم تنفيذ التزاماتها التي نص عليها اتّفاق التوقيع على الهدنة وسعيهما الحثيث لإفشال أي نجاح لمساعي الوساطة العمانية؛ الأمر الذي جعل قيادة صنعاء تقتنع تماماً بحقيقة أن سكوتها على هذا الحال من المحال، وأنه يستحيل أن تستمر أكثر في هكذا وضع، وأن أية هدنة مع النظام السعوديّ هدنة مشلولة وهدنة عقيمة لن تثمر ما دام أنه يبادر في تنفيذ التوجيهات الأمريكية والبريطانية، ويتراجع عن تنفيذ التزاماته تجاه بنود الهدنة إرضاء لهم وتقرباً إليهم.
هذه الحقيقة عبرت عنها قيادة صنعاء بتصريحات تحذيرية واضحة ومتعددة خلال الشهور الماضية على لسان قائد الثورة -يحفظه الله ويرعاه- شخصيًّا، وعلى لسان فخامة الرئيس المشير مهدي المشاط، ووزير الدفاع أَيْـضاً والعميد سريع الناطق الرسمي للقوات المسلحة، وكذلك أَيْـضاً على لسان رئيس الوفد المفاوض الأُستاذ محمد عبدالسلام.
وهو ما يقودنا إلى استنتاج يؤكّـد أن قيادة صنعاء قد حدّدت بداية النهاية لهذه الهدنة العميقة واستكملت كُـلّ ترتيباتها، وأن سبب تأخرها في إعلان قرارها التاريخي يرجع إلى مراعاتها لاعتبارات زمنية معينة لها خصوصية شرعية وإنسانية، وقد أوشكت على الانقضاء، وهو ما يجب أن تعيه السعوديّة ودول العدوان، ويجب عليهم أَيْـضاً أن يعلموا أن زمن التعنت والتسويف سينقضي بانقضاء زمن تلك الاعتبارات التي راعتها قيادة صنعاء، فلن تنفعهم المراوغة بعدها، وأن هدنتهم العقيمة والمشلولة في آخر لحظات الاحتضار إن لم يبادروا بالتنفيذ الكامل والفوري وَغير المشروط للشروط التي طرحتها قيادة صنعاء، والأيّام القادمة عندها الخبر اليقين، ومن عاش خبّر.