اليمن في حضرة الذات المحمدية
الصمود||مقالات|| دينا الرميمة
تلبيةٌ وذكرٌ وَصلواتٌ تُتلى وسيرةٌ تُحيا؛ تعزيراً وتوقيراً هنا على الأرض اليمنية، التي تسابق الزمان وَكُـلّ جغرافيا الأرض بوقت ليس بالقليل استقبالاً لذكرى ولادة الحبيب المصطفى الذي بولادته انكسر إيوان كسرى وَانطفأت نيران فارس التي لم تخمد منذ ألف عام، وَهزم الله جيش أبرهة وَالأحباش وبحجارة من سجيل رماهم مع فيلهم حتى جعلهم كعصف مأكول، في دلالة واضحة على أنه خير البشر برسالته المحمدية، التي جاءت في وقت يعيش العالم جاهلية الخرافة وَتسلط الطغاة وَالظالمين، زمن الأسياد وَالعبيد وَجاهلية عبادة الأحجار وَالأوثان.
فاستبدلت ذاك الجهل وعياً وَإدراكاً وَاستنقذت الناس من غياهب الظلم وَالظلمات إلى نور الهداية وَالتوحيد، وَملأت الأرض عدلاً ومساواة، فلا فرق بين أبيض وَأسود أَو عربي وأعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح.
لذا فإحياء هذا اليوم هو اعتراف بمنّة الله على الأُمَّــة وَنعمته التي تعد من أفضل النعم، خَاصَّة في زمن بدعت فيه الوهَّـابية إحياء المناسبات الدينية وعدوا تعظيم شخص النبي الكريم وحبه وإحياء يوم مولده كفراً وَغلواً وإسرافاً، بينما هو من عظيم الإيمان وَجزيل الشكر والاعتراف بفضل من كان سبباً في الهداية وَمن هو نور أحيا الروح الإنسانية وأعطاها قيمتها،
و قد تفرد اليمنيون بالحب المحمدي وإحياء يوم مولده، فعروة ارتباطهم به وثقى، وهم من استبدل الله بهم قريش التي حاربت الرسول وَرسالته وَأذاقت أصحابه أشد العذاب وضيقت عليه وعلى دعوته الخناق، فكان اليمنيون هم من أوائل المتبعين للرسالة، بل إن منهم من هاجر إلى الحجاز قبل ميلاد الرسول بزمن لانتظار الرسول المرتقب ولادته عليها، ومع بزوغ فجر دعوته أتوه مبايعين على السمع والطاعة، وأن يمنعوا عنه ما يمنعونه عن أنفسهم، وَكانوا له السند في نشر دعوته والمدد في محاربة المارقين عنها وَالمحاربين لها، حتى تأسست الدولة الإسلامية العظمى، التي انتشرت قيمها في جميع أصقاع الأرض.
وظل اليمنيون يتوارثون هذا الحب والولاء، محافظين على عهد الأجداد للنبي الكريم، وصارت أرضهم مستقراً ومقاماً للكثير من آل بيت النبوة، الذين دائماً ما كانوا سفينة النجاة التي تستنقذ اليمن وشعبها من عبثية الضلال وَعداوة أعداء الدين.
وها هم اليوم الأكثر فرحاً وَاحتفاء بذكرى مولد نبيهم، حتى صار العالم يرمق أرضهم بغبطة، وهي ترتدي حلتها الخضراء وتتزين كُـلّ بقاعها باسم الرسول الكريم استقبالاً لليوم الموعود، ولأيام يصبح ويمسي أهلها بذكر نبيهم وتدارس سيرته ومنهجيته؛ إحياء للروح المحمدية في نفوسهم، التي كلما ضاق بها العيش إثر الحرب والحصار تأتي هذه المناسبة لتخرجها من محراب الحزن وَمن بين ركام الوجع فيعم القلوب الفرح والبهجة؛ حتى صاروا موضع قُدوة للكثير من أبناء الأُمَّــة وصار البعض يحاكي بعض احتفالاتهم، ويمتدح شعباً أرهقه الحصار وَخبث الغارات، وَما زال يخرج مجدّدًا عهده لنبيه بالولاء والنصرة ضد كُـلّ من يحاول تشويهه والانتقاص منه.
وفيها رسالة لكل أعداء النبي وَدينه وَأمته بأن محمداً حي فينا ما حيينا، وَبنهجه وَبسيرته وقيمه ننير ظلمات هذا العالم، الذي غدا فيه القابض على دينه كالقابض على جمرة، زمن المثلية وَالانحلال الأخلاقي والقيمي وَالتطبيع وَالولاء لليهود والتقرب لهم زلفى، زمن غابت فيه القُدوة الحقة واتبعت القدوات الهشة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وَلا سلامة من ذلك ولا نجاة إلا بالعودة الحقيقية للقيم المحمدية وَالأخلاق النبوية، والتي ما بعث الحبيب المصطفى إلا لإتمامها.
فلبيك يا رسول الله، بيوم مولدك، وفي كُـلّ يوم ولحظة.