صمود وانتصار

21 سبتمبر .. ثورة الخلاص من الهيمنة الخارجية واستعادة السيادة اليمنية

الصمود||تقرير|| احمد السعيدي

القوى والأحزاب السياسية استسلمت للسفير الأمريكي وساهمت في هيمنة قراره على العملية السياسية

وثائق سرية كشفت عن قاعدة عسكرية للمارينز داخل السفارة الأمريكية

هيكلة الجيش قرار وتنفيذ أمريكي بقيادة السفير جيرالد فايرستاين

السفير الأمريكي قاد المفاوضات بين الأطراف اليمنية في 2011م وأحضر قيادات المؤتمر والمعارضة للتوقيع على الاتفاق

جميع الشعارات التي كانت تُرفع قبل ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر عن السيادة الوطنية وامتلاك القرار السياسي ورفض التدخل الخارجي، بما في ذلك رفض الوصاية الإقليمية والتحكم في ثروات البلاد، كانت مجرد (هرطقات) إعلامية، خدرت بها الأنظمة السابقة أفئدة الشعب المغلوب على أمره والذي كان يحلم بإقامة دولة عادلة وحرة يتمكّن اليمنيون من خلالها استعادة سيادة بلدهم والحد من التدخلات الخارجية واستغلال منافذ اليمن البحرية والجوية والبرية بطريقة غير مشروعة كما تفعل دول العالم لكن لا جديد، فقد بلغ الخنوع والتفريط في سيادة الوطن ذروته مع حلول العام 2010م وأصبح السفير الأمريكي المتحكم الفعلي بكل صغيرة وكبيرة في البلاد وصار يصول ويجول في مرافق الدولة السيادية وعلى رأسها المعسكرات والاجتماعات الأمنية وحتى طائرات بلاده تنتهك الأجواء اليمنية وتضرب أهدافها دون أذن حكومي أو علم رئاسي، اما الجارة السعودية فتمكنت بأموالها من شراء ذمم كل من له وزن حتى صارت تعتبر اليمن مجرد حديقة خلفية ومدينة تابعة لمملكتها.
وأتت ثورة 21 سبتمبر لإنقاذ ما تبقى من كرامة وحرية وقرار، وبالفعل حزم الأمريكي والسعودي حقائبهما وغادرا صاغرين ليعودا بعدها بعدوان شامل على اليمن.
“الثورة” تستعرض اهم المراحل لتلك الوصاية الأمريكية السعودية على اليمن طيلة عقدين من الزمن:


انبطاح القوى السياسية
كانت اليمن خلال فترة ما قبل ثورة 21 سبتمبر تعيش مرحلة من الوصاية الخارجية التي من خلالها فرطت القوى السياسية باستقلال البلاد، ما ترتبت على ذلك نتائج كارثية كادت ان تصل بالوضع إلى الانهيار التام والاحتلال الكامل لليمن…إفلاس القوى السياسية قبل الثورة شجع على استهداف اليمن في كل المجالات ولو استمر الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني على ما كان عليه قبل الثورة فإن اليمن كان ذاهبا نحو التفكك والانهيار التام، ولولا الثورة لتوسعت القواعد والهيمنة الأمريكية حتى في الأجيال اليمنية، حيث عمد الأمريكيون إلى استهداف المناهج التعليمية، وعملوا على تقديم بدائل تخدم مشروعهم”.

وتكشف الكثير من الوثائق والوقائع والأحداث تسليم الأحزاب السياسية أمرها للسفير الأمريكي، باعتراف قادتها الذين أكدوا مدى هيمنة القرار الأمريكي على سير العملية السياسية في اليمن، كيف لا وقد أصبح السفير والدبلوماسيون الأمريكيون من أقرب المقربين للنظام ولقيادات الأحزاب في تلك الفترة وأضحت مقرات أحزاب اللقاء المشترك ومنازل قياداتها تستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي وأمريكا.

 

السفراء الأمريكيون
السفراء في اليمن كان لهم الدور الرئيسي في تنفيذ ما يريده البيت الأبيض في اليمن، وبدأ ذلك الدور عبر سفير أمريكا في صنعاء خلال الفترة بين عامي 2001 إلى 2004م بتنفيذ العديد من الزيارات إلى المعسكرات ومقرات الاستخبارات العسكرية والأمن السياسي، أما نائبه نبيل الخوري فكان لا يدع مقيلاً أو عرساً في صنعاء إلا وذهب إليه للمقيل، اما السفير الأمريكي برنان ليفي فقد كشف عن علاقة علي محسن الأحمر بالجماعات التكفيرية، وكذا ارتباط جامعة الإيمان التي يديرها عبدالمجيد الزنداني بتلك الجماعات، وغالبا ما كان يلتقي بالجنرال العجوز ويذهب لزيارته في مقر الفرقة الأولى مدرع، وقد تناولت صحف عربية عديدة منها صحيفة (السفير العربي) اللبنانية، في 2010م، أن السفير الأمريكي فريدمان أسس في العاصمة صنعاء أهم غرفة استخبارات أمريكية بالشرق الأوسط وأن معظم المخططات والمشاريع الأمريكية في المنطقة العربية كانت تدار من هذه الغرفة، وتولى السفير الأمريكي السابق جيرالد فايرستاين بعد ذلك زمام الأمور في اليمن وأصبح اللاعب الرئيسي في سياسة البلد، سيما بعد محاولة اغتيال “علي عبدالله صلح ” في جامع النهدين بدار الرئاسة، حيث منع قوات النظام من اتخاذ أي موقف ضد مسلحي حميد الأحمر، كما عقد لقاء مع قيادات المشترك في منزل الرئيس الدوري لأحزاب اللقاء المشترك حينذاك الدكتور ياسين نعمان، جرى فيه التأكيد على ضرورة التوافق على قيادة “عبدربه” لضبط الأمور حسب زعمه،
كما لا يمكن في هذا الاتجاه تجاهل دور السفارة الأمريكية في تفكيك الجيش اليمني، حيث وجهت بسرعة إصدار قرارات رئاسية بتعيين عدد من القادة العسكريين في مناصب مختلفة بينها قائد جديد لقوات العمليات الخاصة، ونائب له، ونائب لرئيس هيئة الأركان العامة.

 

الشأن السياسي
وفي الشأن السياسي أيضا باتت تحركات السفير الأمريكي تتم في إطار أربعة اتجاهات هي المعارضة وهادي والسفارة السعودية والإماراتية وهذا ما يتضح من خلال ما ذكره في حواره مع أحد مراكز الدراسات الذي نشر بتاريخ 30 ديسمبر 2020م حيث أشار إلى قيادته للمفاوضات بين الأطراف اليمنية خلال الفترة من مارس 2011م وقال: وصلنا إلى شهر مايو 2011م عندما أُبرم اتفاق بين المؤتمر والمعارضة، حيث وافق كلا الجانبين، المؤتمر الشعبي العام وتكتل أحزاب اللقاء المشترك (تحالف المعارضة) على شروط انتقال السلطة.
ويذكر انه أحضر شخصيات المعارضة للتوقيع على الاتفاق، وكان ذلك بتاريخ 21 مايو، إلا أن صالح أصر حينها على توقيع الاتفاق في اليوم الموافق للعيد الوطني (ذكرى إعلان الوحدة بين شطري اليمن)، وبعد عودته من الرياض عقب تلقيه العلاج جراء إصابته في حادثة جامع النهدين اضطر صالح الى التوقيع في سبتمبر من العام 2011م بناء على رغبة الملك السعودي عبدالله.

 

مرحلة جديدة من الوصاية
الفار “هادي” منذ أن تولى مقاليد الحكم سار في طريق سلفه صالح وسارع للخضوع لأمريكا وتنفيذ كل ما يلزم لكسب الولاء الأمريكي، ففي سبتمبر 2012م سافر “هادي” إلى أمريكا والتقى الرئيس الأمريكي حينها أوباما وهي أول زيارة له إلى أمريكا بعد تسلمه السلطة، جاء اللقاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وفي هذا اللقاء أعاد “هادي” التأكيد على التزامات سلفه “علي صالح” وما رسمه السفير الأمريكي من توجهات، وفي ذات الشهر أكد السفير الأمريكي “جيرالد فايرستاين” أن “مجموعة صغيرة” من قوات المارينز الأمريكية وصلت صنعاء وفقا لمشاورات تمت مع “حكومة الوفاق”، وبعد عام من زيارة “هادي” لأمريكا، نفذت الولايات المتحدة تدخلا عسكريا ميدانيا مباشرا، حيث اقتحمت فرقة من قوات المارينز الأمريكي بعض بيوت المواطنين في محافظة لحج اليمنية، وفي أبريل 2013م إمعاناً للتدخلات الأمريكية المباشرة في الشأن العسكري اليمني، التقى وزير الدفاع اليمني محمد ناصر احمد بوزير الدفاع الأمريكي “تشاك هيغل” في مبنى وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” بواشنطن، “لبحث العلاقات اليمنية- الأمريكية (علاقات التبعية والوصاية) “ وفي غضون عام التقى “هادي” بالرئيس أوباما ووزير الدفاع الأمريكي “تشاك هيغل”، بحث اللقاء مسألة دعم عسكري لليمن، والعلاقات الأمنية بين البلدين لمحاربة تنظيم “القاعدة”، -حسبما جاء في الخطاب الرسمي- فيما هي فعليا علاقة تبعية يمنية لأمريكا، لا علاقة صداقة وشركاء وحلفاء وأنداد، وفي سبتمبر من ذات العام 2013م أمريكا تستبيح السيادة اليمنية بمباركة من النظام العميل، و”هادي” يمتدح دقة إصابة الطائرات الأمريكية المسيَّرة، ويقول إنها اعجوبة فنية وإن كل غارة تتم بموافقته، فيما قال وزير الخارجية –حينذاك- أبو بكر القربي:” إن الهجمات بطائرات دون طيار شر لا بد منه، وتجري بتنسيق مع الحكومة”، وبعد امتداح “هادي” لدقة الطيران الدرونز العدواني الأمريكي، في 12 ديسمبر 2013م أطلقت طائرة أمريكية بدون طيار أربعة صواريخ هيلفاير على موكب عرس من 11 سيارة في البيضاء، قتلت الغارة ما لا يقل عن 12 رجلاً وألحقت إصابات بـ 15 آخرين على الأقل، وفي ذات الشهر ديسمبر 2013م استمرار التدخل في الوظائف السيادية اليمنية منها الأمنية.

 

استماتة أمريكية ثم استسلام
وعندما اشتعلت ثورة 21 سبتمبر وادرك الأمريكيون أنهم لا يستطيعون السيطرة على الساحات التي خرجت ضد أدواتهم، عملت أمريكا على وضع اليمن تحت الاحتلال الدولي المباشر، حيث صدر قرار مجلس الأمن 2140، الذي وضع اليمن تحت الفصل السابع، وجاء فيه “الحالة في اليمن تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين في المنطقة”، والتهديد بفرض عقوبات على من سيعرقلون عملية الانتقال السياسي، ومع ذلك استمر زخم الثورة وخرجت الحشود الهائلة الى ساحات الاعتصام، وكانت القوى الحاكمة قبل الثورة قد تواطأت مع قرار مجلس الأمن، ليتصدر السفير الأمريكي دور المنفذ، ليتحكم بقرار البلد، وسفارة واشنطن أصبحت بديلا عن الرئاسة بشكل واضح وجلي”، وفي 10 فبراير من العام 2015م اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بأن ما سمته بالاضطرابات السياسية في اليمن تؤثر على قدرتها وأكدت أن السفارة الأمريكية في اليمن ستغلق أبوابها، وقد شرعت البعثة الأمريكية حينها بالتخلص من الوثائق والأسلحة، وأبلغ السفير الأمريكي الموظفين أن واشنطن قد تطلب من سفارة تركيا أو الجزائر في صنعاء رعاية مصالح الولايات المتحدة في اليمن بعد إغلاق السفارة.

كما كانت ثورة 21 سبتمبر سبباً في الكشف عن غرفة عمليات استخباراتية داخل مبنى رئاسة الوزراء يديرها ضباط ومسؤولون من السفارة الأمريكية، وقال رئيس الوفد الوطني حينها: “قبل ثورة 21 سبتمبر كان يتواجد أكثر من 120 جنديا من المارينز الأمريكي داخل السفارة الأمريكية في صنعاء، وكان لهم جناح خاص في المطار، إضافة لسيطرتهم على قاعدة العند”، ومن هنا يتضح ان قيادات الثورة كانت حكيمة في إنهاء دابر الوصاية واستطاعت أن تغلق كل غرف العمليات والاستخبارات التي كانت تديرها أيادي الموساد والمارينز الملوثة بدماء الشعب اليمني، وعرتها أمام العالم، وأصبحت صنعاء اليوم تسير بخطى واثقة نحو مستقبل جميل تضيء سبيله ثورة ميلاد عهد جديد مزَّق أوصال الوصاية التي كانت تمارسها السفارات الأجنبية، واستطاعت ثورة 21 سبتمبر الإطاحة بالوصاية الدولية التي عاثت فسادا في اليمن عبر منظومة صالح وعبدربه منصور هادي وعلي محسن الأحمر وتركيبة متعددة الاضلاع من شركاء النظام السابق من سياسيين وقبليين وشخصيات تشاركت في إدارة تلك المرحلة بإشراف أمريكي سعودي، وبالتالي كان حراك اليمنيين بقيادة “أنصار الله” ينطلق من دون أي رعاية خارجية ورفضا لأي استدعاء خارجي أو وصاية من أحد ونجحت في ذلك رغم الطوق المحكم الأمريكي الخليجي عبر تلك المبادرة الوصاية – المشؤومة.

 

وثائق سرية
كل يوم بعد ثورة الخلاص من الوصاية كان يأتي بكشف جديد لأبناء الشعب اليمني عن حقائق جديدة حول الدور الأمريكي في اليمن، حيث عرضت قناة المسيرة الفضائية قبل عام تقريباً وثائق سرية كشفت الوصاية الأجنبية على اليمن وقراراته السيادية قبل ثورة 21 سبتمبر، الوثائق التي تم عرضها موسومة بـ”سري للغاية”، بعضها صادرة عن السفارة الأمريكية بصنعاء وأخرى عن جهاز الأمن القومي في فترة ما قبل ثورة 21 سبتمبر، وتضمنت الوثائق الصادرة عن السفارة الأمريكية توجيهات من السفير الأمريكي الأسبق جيرالد فايرستيان للرئاسة بنقل ما يسمى “وحدات مكافحة الإرهاب” من وزارة الداخلية إلى الدفاع، كما تضمنت الوثائق توجيهات أمريكية بالاقتصار على وحدات رمزية لتكون قوات أمن للحدود اليمنية البرية والبحرية، وحسبما ورد في الوثائق فإن السفارة الأمريكية وجهت بسرعة إصدار قرارات رئاسية بتعيين عدد من القادة العسكريين في مناصب مختلفة بينها قائد جديد لقوات العمليات الخاصة، ونائب له، ونائب لرئيس هيئة الأركان العامة، وكشفت الوثائق الصادرة عن جهاز الأمن القومي في النظام السابق عن استمرار تدمير منظومات الدفاع الجوي وعلى رأسها صواريخ ستريلا وصواريخ سام، فيما كشفت الوثائق الصادرة عن جهاز الأمن القومي أن جمع وإتلاف صواريخ سام وستريلا جرى بتنسيق وإشراف أمريكي كامل، وأظهرت الوثائق الصادرة عن جهاز الأمن القومي أن الجانب الأمريكي وجه نشاطه في مسارات محددة تخدم مصالح الأمن القومي الأمريكي دون اكتراث لمصالح اليمن.

 

الانهيار الأمني
مثّل الانهيار الأمني خلال الفترة (2011 – 2014م) انعكاسا لحالة الوصاية الأمريكية والتحكم في الملفين الأمني والعسكري وأيضا السياسي في اليمن، وتلك هي نتيجة تراكمية للتدخلات الأمريكية وانعكاس لحالة الوصاية التي سادت حينها، وقد تعززت التدخلات الأمريكية خلال فترة 2011 – 2014م بفعل الانفلات الأمني وحالة الصراع الحزبي كذلك، وعلى الرغم من تغير الشخوص المعروضة في واجهة السُلطة من علي صالح إلى عبدربه منصور هادي، فإن السفير الأمريكي – كما كان عليه الوضع سابقاً – ظل هو الحاكم الفعلي لليمن، وإن برز في فترة الأخير بشكل أوضح مما كان عليه الحال في عهد سلفه، ففي مرحلة ما بعد 2011م اقترنت السيطرة الأمنية العسكرية الأمريكية مع السيطرة السياسية كذلك، وعمد الأمريكيون إلى توجيه الانتقال السياسي داخل ذات المنظومة الحاكمة والتي انقسمت على نفسها في نهاية المطاف، حزب المؤتمر الحاكم وأسرة علي صالح وحزب الإصلاح الذي يتزعم المعارضة وعائلة الأحمر، ومعهم هادي والشريحة الجديدة التي تربت على يد المعهد الديمقراطي الأمريكي والمنظمات الموازية لها، ويتفق سياسيون وخبراء أمنيون ومراقبون على أن الانهيار الأمني الذي شهدته اليمن منذ نهاية العام 2011م إلى نهاية العام 2014 م، وخلف آلاف القتلى والضحايا مرده الوصاية الأمريكية التي كانت قائمة -آنذاك- من قبل السفارة الأمريكية، وتحكم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سي آي إيه التي نقلت إلى صنعاء المنطقة الإقليمية للوكالة وحولتها إلى عاصمة إقليمية تدير منها الأوضاع الأمنية في القرن الأفريقي والخليج، وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قد أنشأت محطتها في صنعاء في أواخر عهد علي عبدالله صالح، وفقاً لاعتراف صالح نفسه في مقابلة قالها قبيل اندلاع ثورة 2011م.
صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، نقلا عن مسؤولين أمنيين أمريكيين حاليين وسابقين، قالت في فبراير من العام 2015م، إن الـ”سي آي إيه” أجلت العشرات من عناصرها في اليمن يوم 11 فبراير 2015م حين غادر السفير الأمريكي العاصمة صنعاء، ضمن حوالي 200 عنصر مدني وعسكري، كانوا يعملون في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء قبيل إغلاقها، الانفلات الأمني الذي ضرب اليمن خلال فترة الوصاية الأمريكية التي برزت بشكل واضح وغير مسبوق بعد أحداث 2011م كانت له مقدمات في العشرة الأعوام التي سبقته منذ 2001م، ووفق إحصائية رسمية فإن الانفلات الأمني شهد تطورا متصاعدا منذ نهاية العام 2011م حتى 2014م حين تفجرت ثورة 21 سبتمبر، وبمقارنة حوادث الاغتيالات والتفجيرات وغيرها نجد أن العام 2014م سجل رقما أكبر بكثير من العام 2013م الذي سجل رقما أكبر من العام الذي سبقه، آلاف الاغتيالات والتفجيرات واقتحام المعسكرات والأعمال التخريبية للكهرباء وأنابيب النفط ، شهدتها الأعوام المذكورة ، ولم تقم السلطة الحاكمة حينها بأي إجراء للتحقيق أو ملاحقة المجرمين، وهو الأمر الذي أكد أن الانفلات الأمني حينها كانت تديره جهة تتحكم بالأجهزة الأمنية وبالقرار السيادي بشكل عام، وهذه الجهة هي السفارة الأمريكية، ودائما كانت السفارة الأمريكية تربط السبب الذي أدى إلى حالة الانفلات الأمني التي تصاعدت في اليمن، إلى الانقسام السياسي، لكن الانقسام نفسه كان مضبوطا بسقوف السفير الأمريكي الذي كان يضع نفسه حكما بين الأحزاب التي ارتهنت كليا لسلطته.
خروج السفارة الأمريكية في بداية العام 2015م تحت ضغط الثورة كان له التأثير الإيجابي الواضح على الواقع الأمني الذي شهد تطورا ملحوظا بشكل متصاعد وصولا إلى ما نشهده اليوم من استقرار أمني متميز.

 

استهداف الجيش
بعد التفاف النظام الفاسد على ثورة الشباب السلمية وتهافت الأطراف السياسية لتقاسم السلطة، كان هناك مشروع أمريكي يلوح في الأفق، هدفه تمزيق اليمن وإنهاك قواته المسلحة وتسخير أمنه لتحقيق الأطماع الأمريكية، فتضعف الدولة وتعم الفوضى الأمنية التي تجعل البلد عبارة عن مقصلة لكل أبنائه، لقد شكّل موضوع خلخلة الجيش هاجساً لدى الرئيس التوافقي –آنذاك- فبادر في الـ 4 من ديسمبر 2011م إلى إصدار قرار بتشكيل لجنة عسكرية وأمنية تتولى إعادة هيكلة القوات المسلحة، بناء على ما تم الاتفاق عليه في المبادرة الخليجية التي سرقت الثورة، وفي الـ 16 من أبريل 2012م، وصل فريق فني أمريكي إلى اليمن، وترأس السفير الأمريكي جيرالد فايرستاين، اجتماعاً ضم اللجنة العسكرية والأمنية التي شكلها هادي والوفد الأمريكي، وفي اللقاء تسلم الأمريكيون كافة بيانات القوات المسلحة وأرقامها وأنواع السلاح الذي تمتلكه، وأسماء القيادات العسكرية ووضعها وكافة هياكل القوات المسلحة وبياناتها ووضعها، إضافة إلى تقارير ما حققته القوات اليمنية من نجاحات ميدانية في “الحرب على أنصار الشريعة في أبين”، ضمن عمليات عسكرية كان يقودها العقيد سالم قطن، وبعد شهرين فقط من تسلم الأمريكيين ملف القوات المسلحة اغتيل سالم قطن، وكان اغتيال قطن بمثابة تدشين مشروع التصفيات في اليمن، حيث بلغ عدد من تمت تصفيتهم خلال أربعة أشهر فقط أكثر من 110 ضباط.. قبل ذلك عقد السفير الأمريكي مؤتمراً صحفياً في صنعاء، جاء فيه: «إن هناك وحدات عسكرية لديها بعض الإشكاليات وسيتم حلها ومعالجتها».

 

عدوان على الثورة
حاول الأعداء القضاء على ثورة 21 سبتمبر العظيمة في المهد وقاموا بأعتى عدوان عليها؛ بعد ان أفقدتهم مصالحهم بل وباتت تهدّدُ مشاريعهم، وتم القضاء من خلالها على أيديهم وعملائهم في الداخل، فحاولوا إعادة هؤلاء عن طريق القوة والآلة العسكرية، لكنهم لم يستطيعوا القضاء على هذه الثورة، فالثورة ما زالت مستمرة ومنتصرة إلى اليوم وستنتصر؛ لأَنَّها تستند إلى شعب لم يعد الخنوع والخضوع والاستسلام شأنه فقد رفضه وسيرفضه إلى الأبد.
بعد نجاح ثورة 21 سبتمبر بأيامٍ، خرج الساسةُ الصهاينة والأمريكان ليصرِّحوا بشكل علني وباعتراف صريح أن نجاحَ الثورة شكّل ضربةً قاضيةً لمصالحهم في اليمن والمنطقة، وأن سقوط القوى التابعة لهم في اليمن يشكّل خطراً كبيراً على مصالحهم في اليمن، حيث أعلن رئيسُ الوزراء الصهيوني أن نجاح ثورة 21 سبتمبر، وانتزاع الشعب اليمني سيادته المسلوبة والتي كانت تتحكم بها إسرائيل وأمريكا عبر أدواتهما في اليمن يشكل خطراً كبيراً على الكيان الصهيوني، خصوصاً بعد سيطرتهم على باب المندب والمناطق الساحلية، وكذا المناطق النفطية في الشمال والجنوب، وأكّـد الساسة الأمريكيون بدورهم وعبر وسائل الإعلام أن انهيارَ القوى المتحالفة مع الإدارة الأمريكية وسقوط سُلطتها في اليمن يهدّدُ المصالح الأمريكية هناك، ويقضي على الأهداف -الأطماع – الأمريكية في البلد، وهو ما لن تسمحَ به، واعترف المستشارُ السعودي الجنرال أنور عشقي بكل صراحة أن هناك ثرواتٍ طائلة جِـدًّا في اليمن وآباراً نفطية عملاقة في الجوف وباب المندب!، وأن هذه الثروات ستستخرج عبر تحالف أمريكي صهيوني سعودي وأن ثورة الـ 21 سبتمبر قضت على هذا المخطّط والمشاريع؛ لأَنَّ الشعبَ اليمني انتزع قرار سيادته من القوى المحلية والتي كانت تحقّق تلك الأهداف، ودعا وزيرُ حرب الكيان الصهيوني والمسؤولون الصهاينة إلى مواجهة الثورة الشعبيّة سياسياً وعسكرياً واستعادة الهيمنة على اليمن؛ من أجل تحقيق المخطّطات والأهداف المشتركة بين الكيان وأمريكا، داعين نظام آل سعود للتحَرّك السريع من أجل استعادة الهيمنة وإعادة اليمن إلى التحكم السعودي الأمريكي، وعدم السماح للشعب اليمني بمواصلة الثورة وتحقيق الأمن والازدهار.

وبذريعة إعادة ما اسموها “الشرعية” سعت أمريكا وحلفاؤها في المنطقة للقضاء على الثورة الشعبيّة التي أسموها “الانقلابَ”، ومع بدء العدوان على اليمن بمشاركة أكثرَ من 15 دولةً، على رأسها أمريكا وإسرائيل والسعودية والإمارات أعلن الساسة الأمريكيون والسعوديون وبكل بحاجة وفي مختلف وسائل الإعلام الدولية، أن أمريكا والسعودية لن تسمحا للشعب اليمني بالخروج عن سيطرتهما وطاعتهما، مهما كلّف الثمن؛ لأَنَّ اليمنَ -حسب تعبيرهم- بوابة خلفية لهما، ويجبُ أن تكون تحت سيطرتهما السياسية والعسكرية، وليس من حق الشعب اليمني أن يقرّرَ مصيره وحقَّه في العيش؛ فهذا يتعارضُ مع مصالحهما.