“سلاح اليمن الاستراتيجي في غزة” فما هو.. ؟
“سلاح اليمن الاستراتيجي في غزة” فما هو.. ؟
الصمود||تقرير|| محمد الجبلي
تعرضنا لعدوان 17 دولة لمدة 9 سنوات ومع ذلك لم نلجأ إلى خيار معاقبة تلك الدول عبر باب المندب، رغم القدرة على ضرب أي هدف.
حاصرونا لأكثر من 9 سنوات وحرمونا من الغذاء والدواء والوقود وكان باستطاعتنا معاقبة تلك الدول لكننا فضلنا أن نتحمل ونعاني لنحافظ على الأمن البحري.
لكن مع غزة الأمر مختلف تماماً
– هنا بعض المحطات القاسية التي مرت بها اليمن والتي كانت كافية لتأديب كل دول العالم سواء المعتدية أم المساندة أو بالأدنى استخدام هذه الورقة لإيقاف الحصار وجرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب اليمني خلال هذه الفترة.
منذ مارس 2015م حتى قبل أقل من عام تقريباً واليمن يتصدى لأبشع عدوان على امتداد جغرافيته، أكثر من 50 جبهة مشتعلة وقصف جوي ضرب المدن والقرى والأسواق والطرقات والمستشفيات والمدارس والمطارات والموانئ وأجهز على معظم البنى التحتية للبلد في كل المحافظات ومن البحر قصفت البوارج محطات المياة والكهرباء وتدمير المنشآت وضرب المدن.
رافق هذا العدوان حصار خانق جوي وبحري، ولمدة ثمان سنوات واليمن يعاني من اسوأ الأزمات التي فرضها العدوان بحصاره البحري.
طوال هذه الفترة لا تدخل سفن الوقود إلا بالقطارة وبعد ضغط كبير، بحيث يتم احتجاز هذه السفن لعدة أشهر في البحر لمضاعفة الكلفة ضمن سياسة التركيع والتجويع.
سفن الوقود هذه للإحاطة ليست مساعدات من أي بلد، وإنما شراء عبر تجار محددين، ولا تبحر إلا من موانئ الإمارات وهي الدولة الثانية ذات الثقل الأكبر في العدوان على اليمن.
في بعض الأحيان تضطر القيادة مع اشتداد الحصار إلى تقديم تنازلات كبيرة من أجل إدخال سفينة وقود واحدة وهذا لا يعلمه الكثير.
على الرغم من المناشدات الدولية وحكومة صنعاء بتحييد الملف الإنساني عن الصراع إلا أن هذه المناشدات تقابل بتشديد الخناق ويراها العدو على أنها استسلام.
توقفت المستشفيات ومات الآلاف من المرضى وانتشرت الأوبئة بسبب انعدام الوقود.
اتخذ العدو من هذه الكارثة التي صنعها فسحة للتلذذ بالمعاناة والانتقام الجماعي من هذا الشعب.
في هذه الظروف كنا نشاهد السفن التجارية المحملة بالوقود والغذاء تمر بكل أريحية وسلام من أمام شواطئنا حتى في أشد مراحل التصعيد كانت هذه السفن تبحر ولم تتعرض لأي تهديد أو حتى توقف لبعض الوقت.
في المقابل قواتنا البحرية والدفاع الساحلي كانت لديها القدرة لإنهاء هذه الكارثة بضربة واحدة فقط.
خضنا أعنف المعارك على امتداد الشريط الساحلي من باب المندب وحتى الحديدة، تعرضت قواتنا لأعنف الغارات بالقنابل الفسفورية المحرمة في باب المندب في حرب غير متكافئة ومن البحر شاركت البوارج في العدوان وعليها نقلت الأسلحة وعبرها دخل المرتزقة إلى الساحل الغربي.
وحتى أن الزحف الكبير على مدينة الحديدة ومحطات التراجع لم تدفع القيادة إلى اتخاذ قرار مثل هذا القرار المدفوع بمجريات الأحداث في غزة والعدوان الوحشي على أطفالها والنساء بسلاح أمريكا ودول الغرب الكافر.
القيادة الحكيمة وفي أصعب الظروف واشتداد الحصار وتوحش العدوان بحق شعبنا اليمني لم تلجأ إلى هذا الخيار أو حتى لمجرد التلويح به . لأن هذا الخيار سيخلق أزمة عالمية وستكون الدول الفقيرة أكثر تضرراً في حال مهاجمة بعض الأهداف في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
– الأهمية الاستراتيجية
مضيق باب المندب هو ثالث أكبر الممرات العالمية، حيث أن 12% من التجارة العالمية تمر من باب المندب والبحر الأحمر.
يمرّ عبر باب المندب نحو 6.2 ملايين برميل نفط يومياً، مجمل التدفقات النفطية عبر هذا المضيق تمثّل نحو 9% من إجمالي النفط المنقول بحراً. وعبره أيضاً تتحرّك نحو 3.6 ملايين برميل يومياً شمالاً نحو أوروبا، بينما يتدفّق 2.6 مليون برميل يومياً في الاتجاه المعاكس بشكل رئيسي إلى الأسواق الآسيوية مثل سنغافورة والصين والهند.
تعبر المضيق سنوياً، أكثر من 21 ألف سفينة بحرية بمعدل 57 سفينة يومياً، تقدر بنحو 700 مليار سنويا من حجم التجارة العالمية، علماً بأن 98% من البضائع والسفن الداخلة التي تمر عبر السويس تمر أيضاً من خلال باب المندب.
وأهمية هذا المضيق أنه ممر إجباري لتقليص أكلاف شحن السلع والنفط. فهو الأقصر طريقاً بين منابع النفط ودول الاستهلاك.
الطريق الرديف عبر الرجاء الصالح سيزيد مسافة الرحلة من الفجيرة عند مخرج الخليج العربي، إلى هيوستن، بنحو 2660 ميلاً بحرياً، أو 28%. وستزيد المسافة نحو روتردام بهولندا بنحو 4800 ميل بحري، أو 78%، في حين أن المسافة نحو أوغوستا في إيطاليا ستكون أطول بثلاث مرات تقريباً، أي 10860 ميلاً بحرياً.
تستغرق الرحلة من المملكة العربية السعودية إلى روتردام نحو 22 يوماً عبر باب المندب وقناة السويس، مقارنة بـ 39 يوماً حول إفريقيا، بحسب البيانات التي جمعت من تتبع ناقلات بلومبرغ.
– يمثل مضيق باب المندب أهمية بالغة لمصر، لأن نحو 98 في المائة من البضائع والسفن الداخلة التي تمر عبر السويس تمر من خلال المضيق عبر البحر الأحمر.
السفن التجارية حتى وبعض السفن ذات الطابع العسكري كانت تمر وما زالت بسلام، وهناك تحاشي لبعض الأهداف حتى لا تتوقف حركة الملاحة في البحر الأحمر. وحرصت القيادة أن يكون هذا الممر خالٍ من التهديدات وأثبتت طوال هذه السنوات أنها جديرة بتأمين هذا الخط الدولي حتى في أسوأ الأحوال.
اليمن تحمّل الحصار وعايش أشد الأزمات سواء في أزمات الغاز أو الديزل والبنزين وما ترتب على ذلك من تبعات في تحمل التكلفة المظاعفة نتيجة القرصنة البحرية من قبل دول العدوان على السفن التي تحمل تصاريح الدخول إلى ميناء الحديدة من الأمم المتحدة بعد تفتيشها.
أكثر من ألف صنف من البضائع التي كانت تستورد قبل العدوان لم يسمح بدخولها إلى اليمن ناصفتها مواد أساسية، بينما سفن العالم محملة بجميع أصناف المواد التجارية كانت تبحر أمام أعين اليمنيين إلى كل دول العالم بما فيها السفن الصهيونية أيضاً.
هذه المعاناة التي عاشها شعبنا وما زالت إلى اليوم تحملها اليمنيون في سبيل الآخرين، لنتخيل.. لا غذاء ولا دواء ولا وقود وأنت تشاهد سفن العالم تعبر في مياهنا الإقليمية ولم تتعرض خلال هذه الفترة لأي مخاطر مع أنه كان بالاستطاعة معاقبة العالم أو بالحد الأدنى تلك الدول المشاركة في العدوان على اليمن، مع ذلك كانت القيادة تتمتع بنفس طويل وبحكمة في توقيت الخيارات.
العدوان على غزة هذه المرة تجاوز الخطوط الحمراء، وكان قائد الثورة قد كشف في كلمة بعد أيام من العدوان الصهيوني عن تنسيق مشترك بين محور المقاومة وأن هناك خطوط حمراء ستدفع اليمن إلى التدخل المباشر في المعركة في حال تجاوزها.
لأول مرة تتخذ القيادة قرار من هذا النوع وهو استهداف السفن التابعة لكيان العدو الإسرائيلي، مع الحرص الشديد على أن تبقى حركة الملاحة مستمرة وآمنة لكل الدول، وسبق هذا القرار تحذيرات وتحديدات، البحر الأحمر آمن ما عدى لسفن العدو الإسرائيلي والمرتبطة به بشكل مباشر أو غير مباشر.
القوات المسلحة اليمنية كانت واضحة وطمأنت الجميع وأكدت حرصها على سلامة الملاحة وأخذت تدابير حكيمة لتنفيذ عملياتها في البحر ضد السفن المحظورة بحيث لا يتضرر أحد.
اتُخذ هذا الخيار الاستراتيجي في وقت حساس للغاية واليمن في مرحلة خفض التصعيد، والقيادة تعي أن مثل هذا الخيار الاستراتيجي قد يؤثر على سير المفاوضات مع تحالف العدوان، خصوصاً وأن أمريكا هددت بإستئناف العدوان على اليمن في حال تدخلت اليمن بشكل مباشر في المعركة مع محور الجهاد والمقاومة ضد الكيان الإسرائيلي، كما أن مثل هذه الخطوة قد تسبب مشاكل كثيرة وأيضاً ردود أفعال عسكرية أو إعادة فرض الحصار كما كان قبل مرحلة خفض التصعيد.. كل هذه الأمور كانت بالحسبان..
وكل عوامل الضغط هذه لم ولن تؤثر في موقف اليمن، اتُخذت هذه الخطوة المعلنة لمعاقبة الكيان الصهيوني المجرم على جرائمه الوحشية في قطاع غزة، وتوُجت بإحتجاز سفينة إسرائيلية بعد الرصد والتعقب.
لا يستبعد أن تتجه الأمور إلى توسيع دائرة الحظر في حال استمر الغرب الكافر بمد الكيان الإسرائيلي بالأسلحة المحرمة أو استمرار التواطؤ والتغطية على تحركات الصهاينة أو لا سمح الله تورطت القوى المستكبرة في عدوان جديد على اليمن.
في كلمتة الأخيرة بمناسبة تدشين فعاليات ذكرى الشهيد والتضامن مع فلسطين.. أكد السيد القائد على أن كل الخيارات مطروحة والأعين مفتوحة للتنكيل بالصهاينة، وكشف عن حالة القلق التي ظهرت من خلال تعاملهم بجدية مع موقف اليمن فلجأ العدو إلى عمليات التفافية تمارسها السفن الصهيونية في البحر الأحمر مثل إطفاء أجهزة التعارف والتموية برفع أعلام دول أخرى حتى لا تقع في المصيدة، لكن القائد الشجاع أكد أنه ومع هذا السلوك المتخفي والجبان والضعف على أن اليمن ستضفر بسفن العدو، ومن نتائج هذا الخيار النوعي الضفر بسفينة إسرائيلية.
من هذه الخطوة الشجاعة التي بعثت روح الحمية لدى الشعوب العربية وكسرت الغطرسة الصهيونية، وهشّمت صورة الكيان الغاصب ومن خلفه الدول الغربية كانت رسالة اليمن واضحة لكل العالم مفادها “ سنتحمل التبعات ولا نكترث بالتهديدات فموقفنا الأخلاقي والديني لا يقبل بأن تصطف دول الغرب الكافر مع العدو الإسرائيلي المجرم وهو ظالم ونحن لا نعمل شيء مع الشعب الفلسطيني هو المظلوم “ .. فلسطين قضيتنا وهي بالنسبة لنا خط أحمر، هذه الخطوة رسمت موقف اليمن الواضح وخاطبت دول العالم بلغة واضحة..
إلى هنا ويكفي توحش وإجرام، من يهدد الأمن القومي العربي والملاحة البحرية العالمية هو الكيان المجرم وأمريكا، إذا كنتم حريصون على ألا يتمدد الصراع فعليكم بإقناع أمريكا بالتوقف فوراً عن الجرائم الوحشية بحق شعبنا في غزة وعن إرسال أسلحتها الفتاكة للعدو المجرم.
بالنسبة لنا فقد عرفتم سلوكنا خلال ثمان سنوات رغم جميع الاستفزازات والمعاناة التي تحملناها وكيف حافظنا على سلامة الملاحة، لكن حينما يتعلق الأمر بفلسطين فمن الآن يجب أن تعرفوا سلوكنا الذي لم تعهدوه.
ثمان سنوات واليمن محتفظ بسلاحه الأقوى والاستراتيجي رغم تعرضه لعدوان كوني وحصار خلف ركام هائل من الأزمات التي مازالت تداعياتها إلى اليوم مثل توقف الرواتب وتدني مستوى المعيشة وازدياد رقعة الفقر بسبب إنعدام الموارد وإغلاق ميناء الحديدة ونهب الثروة النفطية، وبما أن فلسطين هي قضية اليمن الأولى ومن أجلها تحملت اليمن ثمن موقفها بعدوان وحصار لهذه السنوات وقدمت مئات الآلاف من الشهداء فلن تقدم تنازلات عن كل هذه التضحيات، فلسطين هي العين، والعين مفتوحة والعمليات الصاروخية والعسكرية مستمرة.
ضجيج العالم والتهديدات تجاوزناها في بداية انطلاقة المشروع، لذلك لا جديد.. والجديد فقط هو فيما نقول ونفعل.. ( تقول اليمن ).