سيلعنهم التاريخ
الصمود||مقالات|| وديع العبسي
أكثر من عشرين ألف شهيد فلسطيني – حسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أمس – خلال أقل من خمسين يوماً، والضعف من ذلك مصابين، رقم مرعب يكشف حجم المأساة الإنسانية الذي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على أيدي عصابة متجردة من كل القيم.
فاجعة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة لا تقف مسؤوليتها على العدو الصهيوني وحسب وانما على المنظمات الدولية التي يفترض أنها راعية للإنسانية، وحامية القوانين والأعراف الدولية، ومنظِمة للعلاقات، في مقدمتها مجلس الأمن الذي انتهك بسلبيته – تجاه ما تعيشه الأراضي الفلسطينية المحتلة من بطش صهيوني – طبيعة وجوده.
صار الأكيد أن هذا المجلس أصبح أداة لتمرير رغبات المستكبرين والمتغطرسين، لا دور له إلا شرعنة طموحات الدول الكبرى في فرض الهيمنة وتقييد حركة الشعوب الطامحة للأمن والاستقرار، ومنذ فترة ليست بالقليلة صار طرح مراجعة واقع هذا المجلس على الطاولة حاجة ضرورية يفرضها هذا العبث الحاصل في حق الشعوب المستضعفة بأن تعيش على أرضها بأمان.
أكثر من شهر ونصف والتنكيل متواصل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وآلة البطش الصهيوأمريكية لا تتوقف عن سفك دماء الأطفال والنساء والعجزة والمرضى والنازحين، ولو لم يكن مجلس الأمن بهذه الوضعية المسلوبة، لما كان لهذا الكيان أن يبطش بهذا القدر من الحرية والأريحية.
معاناة ربما لا يمكن تخيلها، ويكفي أن نعرف أن جيش الاحتلال، منع عن الناس في غزة خلال أيام العدوان كل وسائل الحياة، وعلى رأسها الماء والدواء، والعالم من حول القطاع يشاهد ويتحسر ولا يفعل شيئا، وأمريكا ترسل المال والسلاح إلى جيش نتنياهو، وترسل البوارج وحاملات الطائرات إلى المنطقة لمنع أي تدخل حتى ينتهي الصهيوني من مهمته في إبادة الشعب الفلسطيني، أي أخلاق هذه التي صار عليها العالم اليوم؟!.
ثم يجري تحديد أربعة أيام فقط كهدنة، يسمونها إنسانية، منظمات “العفو الدولية” و”أطباء العالم” و”هانديكاب إنترناشونال” وأخرى، أكدت أنه خلال هذه الفترة ربما يتمكنون من إدخال الدواء لكنهم لن يجدوا الوقت لتوزيعه، فيما جيش الاحتلال يستعد لمعاودة العدوان بصورة أكبر وأبشع، كما أفاد بذلك متحدثه الرسمي أمس.
فهل يعقل ترك الصهاينة يواصلون ممارسة هوايتهم الدموية في قتل الأبرياء؟ وهل يعقل إلا يكون هناك رادع لهذا الكيان؟ ما هو حجم الكارثة المطلوب حتى يكون هناك تحرك عملي يفرض على هذا العدوان أن يتوقف؟.. الجميع يتحدث عن بشاعة ما يحدث وعن ضرورة توقف العدوان، والجميع يتحدث عن أن الوقت قد حان لإنهاء الاحتلال وأن يكون للفلسطينيين دولتهم، وإسرائيل تضرب بكل هذا الحديث عرض الحائط، دون أي اعتبار لأي قوانين ومواثيق، فمن ذا الذي يفترض به تحويل كل هذا الحديث إلى فعل؟..
برأيي أنه الوقت الذي يمكن فعلا لدول الصف الأول – اثبات تغيّر قطبية العالم الأمريكية، التي بات وأصبح معروفا أنها مظلة لكل الشر في العالم – لأن تتحرك وتفرض إرادتها في الانتصار للقيم الإنسانية وأن تسجل لنفسها حضورا ملموسا وسحب البساط من تحت الهيمنة الأمريكية التي تمثل خط الحماية الأوحد للكيان الصهيوني، وأن تخرج هذه الدول من دائرة الحديث.
ولعله من السذاجة أن تتوقع هذه الدول بأن تتراجع أمريكا خطوة للخلف لصالح ظهور هذه الدول ما لم تكن هي بمستوى أن تكون البديل عن واشنطن في فرض النظام على العالم بما يعنيه ذلك من العمل باستحقاقات هذا الطموح، وإلا فإنها ستظل تراوح في ذات المساحة من الحديث عن أن هناك نظاما عالميا جديدا يتخلق، ولا يظهر، وستظل أمريكا ترعى الظلم والجبروت والبطش بالإنسانية.
يمكن لهذه الدول التي قطعت مسافة كبيرة في الاستقلال وامتلاك أدوات المنافسة القوية أن تدعم على الأقل التحركات الهادفة لإصلاح مجلس الأمن، كحال ما تعرف بمجموعة العشر التابعة للاتحاد الأفريقي والمعنية بملف إصلاح مجلس الأمن، والتي بلغ رقم قممها الـ 15، ولا تزال بعيدة عن التأثير.