الأمم القاتلة .. الأمم المخادعة
الصمود||مقالات|| عبد الكريم الوشلي
بخصوص القضية الفلسطينية ينبئنا التاريخ بكل إفصاح ووضوح عن ٧٦٥ قراراً للجمعية العامة ..و٩٨ قرارا لمجلس الأمن ..أيْ قرابة ٩٠٠قرارٍ صادرٍ عن المنظمة العالمية الأكبر التي تُدعى (الأممَ المتحدة)، والتي يُفترض – حسبما يقول نظامها الأساسي أو ميثاقُها – أنها حامي حمى القانون الدولي وسادنُ السلم والأمن الدوليين، ولكن أين واقعها الفعلي من دورها المفترض أو مهامِّها النظرية التي تبقى محضَ نظرية حتى إشعار آخر ..
في الإجابة لا نحتاج إلى مجهود غير اعتيادي لنعرف أن هذه الأمم المتحدة ليست سوى عامل تنظيف يعمل بالأجر اليومي لدى قوى الإجرام والهيمنة الكبرى، وفي صدارتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وتدأب ليلا ونهارا في مهمة الغسيل القانوني ومنح غطاء «المشروعية» لجرائم هذه الدول القاتلة المتوحشة والدول والأطراف الدائرة في فلكها، بحق الشعوب المذبوحة وأولها الشعب الفلسطيني.. بما يعني- بكل بساطة- أن هذه المنظمة الأممية «الكبرى» تحولت ،عمليا، إلى إدارة ملحقة بوزارتي الخارجية والحرب لكلٍّ من تلك الدول الضارية والمفترسة لكل ما يقع بين مخالبها من حقوق ومقدرات وأرواح ونفوس الشعوب المستضعفة، على امتداد عالمنا بطُوله وعُرضه، وخصوصا شعوب منطقتنا العربية الإسلامية..
هذه هي الأمم المتحدة التي رأيناها في اليمن على مدى سنوات العدوان(الذي لمَّا يتوقف بعد)، وكيف كانت شاهد زور، بل متواطئة مع المعتدين في كل جرائمهم، ومبيِّضا لسواد سجلهم الإجرامي المربز بالمذابح في حق الأطفال والنساء والمدنيين والتدمير البربري لكل ما له صلة بالحياة الإنسانية، وكان موقفها متناهيا في فضائحيته وخزيه حين أقدمت على شطب القاتل السعودي من قائمة قتلة الأطفال، لأن مالَه القذر وراعيَه الأمريكي أرادا ذلك !
ورأينا منظماتها، على نقيض غلالة” التقوى” الإنسانية الكهنوتية التي تتلطى بها، تشكل ذراعاً إضافياً للعدوان يحاول قتل اليمنيين بالأدوية والأغذية الفاسدة ومنتهية الصلاحية..
ورأيناها في السودان شريكة في مؤامرة سلخ جنوبه عن الوطن الأم بتبريكها التشريعي والقانوني لهذه الجريمة ، كما رأيناها قبل ذلك وتحديدا العام ١٩٩٩م وهي تمنح الغطاء الشرعي «الأممي» لفصل إقليم تيمور الشرقية عن دولته التي هي أكبر الدول الإسلامية في عدد السكان (إندونيسيا) تنفيذا لمؤامرة الغرب الصهيوني الهادفة لإضعاف هذا البلد الإسلامي الكبير والاستئثار بالثروات الهائلة في ذلك الإقليم وحرمان الشعب الإندونيسي منها، وكثيرة هي الأمثلة على أدوار الأمم المتحدة ومنظماتها المتواطئة والموظفة في خدمة سياسات أمريكا العدوانية والغرب المهيمن المستكبر ..
واليوم نرى المنظمة الأممية وأصابعها المختلفة الناشطة تحت العناوين الإنسانية المضللة تلعب الأدوار نفسها، أدوار التواطؤ مع القتلة، ولا يُستغرب -في السياق- موقفُ مجلس الأمن السلبي والفاضح من العمليات اليمنية المشروعة المساندة لغزة ومقاومتها، خصوصا تلك المستهدِفة لسفن العدو الصهيوني في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.. وهذا موقف يضع الفاعل الأممي في موقف لا يُحسد عليه من الخزي والسقوط المهني والأخلاقي وحتى القانوني، خصوصا أنه لم ينبس ببنت شفة جادة ومسؤولة إزاء شهرين ونيف حتى الآن من الذبح السادي الصهيوني الأمريكي للأطفال والأجنة بما وصلت أرقامُه إلى الآلاف المؤلفة خلال هذه الفترة الوجيزة، وهذه جريمة لامثيل لها في التاريخ البشري..
وهنا لا بد من العودة إلى ما بدأنا به من ضوء كاشف لحقيقة الأمم المتحدة وكونها أخصائيَّ تخدير على مشرحة أمريكا ودول الهيمنة الكبرى، التي يتم فيها ذبح الشعوب المظلومة والمضطهدة، على غير قِبلة !مستذكرين أنه لم ينفَّذ من قرارات الأمم المتحدة ومجلس أمنها الـ٨٦٣ المشار إليها بخصوص القضية الفلسطينية ، على مدى ٧٥ عاما، قرارٌ واحد ، ولم تطبق “إسرائيل” قرارا واحدا منها ..!
فأي خبال وأي منطق معطوب يُراد لنا أن نُبتلى بهما حتى نثق في وعود الغرب المنافق القاتل الفاجر، وعلى رأسه أمريكا وبريطانيا وفرنسا.. ؟
ومَن يصدق أن (الأمم المتحدة) هي-بالفعل- حامية الأمن والسلم العالمي، والحارس الأمين لـ”القانون الدولي” ، وليست -كما هو حاصل عمليا- أكبرَ حاملة «قانونية» لمؤامرات وجرائم قوى الطغيان العالمية الظلامية الكبرى، التي أنشأتها وتهيمن على نشاطها وقراراتها .