معادلات السيد عبدالملك الحوثي لنصرة غزة.. الموقف العظيم يتكرس بالمفاجآت
الصمود||مقالات|| عبدالرحمن الأهنومي
-
الحلقة الأولى: من خطاب الخطوط الحمر ، إلى خطاب إعلان الحرب على أمريكا “سيد القول والفعل”
جاء خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله الذي يعتبر هو الخطاب الثالث في سياق موقف اليمن المباركة والمشرف في نصرة غزة ، وقد جاء الخطاب محتشدا بكثافة بالحقائق والمعادلات الكبرى ، وحافلا بأدوات الحرب في اتجاهي ، تصعيد الحرب على العدو الصهيوني نصرة لغزة ، وإعلانه حربا مباشرة على أمريكا لردع التهديدات والتحركات التي تسعى بها إلى إثناء اليمن عن موقفه في نصرة غزة.
وقد حمل الخطاب الثالث الذي جاء في سياق نصرة اليمن لغزة ، رسائل تصعيد أوسع مما في سابقيه ، وكان مشبعا بالقوة والعزة ، من موقع اقتدار اليمن وتمكنه في المجابهات السابقة ، ومن موقفه الإنساني والأخلاقي والديني في نصرة غزة ، ومن واقع توكله على الله وثقته الكاملة بقوته ونصره لعباده المؤمنين في مجابهة كل التهديدات الراهنة والقادمة.
وبكل موضوعية ، لم نسمع ولم تسمع شعوب امتنا منذ قرون خطاب عزة وقوة يتجسد فيه قوة الإسلام وعزة المسلمين كما يجب ، كهذا الخطاب العظيم الذي ألقاه السيد القائد حفظه الله يوم أمس الأول وكل خطاباته كذلك لكن لخصوصية في هذا الخطاب تتعلق بالسياق وطبيعة القضايا التي جاءت فيه” ، ولم تسمع منذ احتلال العدو الصهيوني لفلسطين قائدا عربيا مسلما يحتشد بقوة الموقف والفعل العسكري في الحرب على العدو الصهيوني ، ويفرض حصارا بحريا عليه كما يفعل السيد القائد حفظه الله اليوم نصرة لغزة.
لقد كان السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يتحدث بلسان وباسم الأمة العربيّة والإسلاميّة وإليها ، لا باسم الشعب اليمني فقط ، وقد رد الاعتبار وبقُوة إلى ديننا الذي أعز الله به العرب والمسلمين ، فبالإضافة إلى المواقف المشرفة التي قدمها وكرسها في مواجهة أعداء الأمة ، فقد أعلن في آن واحد ، توسيع الحرب على كيان العدو الصهيوني ، والحرب على أمريكا ، وكان بمثابة إعلان الحرب على أمريكا التي يعتبرها الناس “عصا غليظة” ويخشونها ويخافون سطوتها.
السيد القائد حفظه الله ينطلق في موقفه من قوة الدين الإسلامي الذي يجسده بالموقف والعمل والتحرك ، ومن الثقة بالله وبقوته التي يحملها حفظه الله ، ولذلك وجدناه يهدد أمريكا بحرب لا مثيل لها ، وليس التهديد مجردا بل هو معادلة أعلنها سيد القول والفعل حفظه الله ، وهو هنا يكسر حالة الرهبة التي تستبد بالزعماء والقادة العرب والمسلمين من أمريكا وغطرستها ، ويردع أمريكا كذلك على نحو لا سابق له.
هذا الخطاب التاريخي جاء استكمالا لخطابين اثنين سبقا منذ بدأت معركة طوفان الأقصى ، إنه خطاب القائد الإسلامي القوي والعزيز ، يكرس عزة الإسلام والمسلمين من البحر إلى النهر ، ويكرس الموقف القوي في ميادين المواجهة الكبرى ، ولنتذكر كل مضمون في هذا الخطاب جيدا لأن كل ما ورد فيه سيتم ترجمته على الأرض ، وتذكروا جملته ” إذا أراد أن يرسل جنوده إلى اليمن، فإنما سيواجهه في اليمن- ليعرف، وليفهم، وليتيقن، وبإذن الله تعالى- سيكون أقسى بكثير مما واجهه في أفغانستان، ومما عانى منه في فيتنام” ، وتذكرا قوله أيضا” إذا صعد الأمريكي.. فلن نقف مكتوفي الأيدي سنستهدفه هو، سنجعل البارجات الأمريكية، والمصالح الأمريكية، وكذلك الحركة الملاحية الأمريكية، هدفاً لصواريخنا، وطائراتنا المسيرة، وعملياتنا العسكرية، نحن لسنا ممن يقف مكتوف الأيدي والعدو يضربه، نحن شعب نأبى الضيم، نتوكل على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، نحن لا يمكن أن نخاف من التهديد الأمريكي” ، وتذكروا جيدا كذلك قوله ”إذا أراد الأمريكي أن يدخل في حربٍ مباشرة، وعدوانٍ مباشرٍ على بلدنا، ما نتمناه، وكنا نتمناه منذ اليوم الأول: أن تكون الحرب مباشرة بيننا وبين الأمريكي والإسرائيلي”.
ولتتذكّروا مضمون هذا الخِطاب جيّدًا لأنّ كُل ما ورد فيه سيتم ترجمته على الأرض، وتذكّروا أيضًا جملته التي قال فيها “إذا تورط الأمريكي في أي حماقة فإنها سيورط نفسه ، ولا يمكنه أن ينفذ ضربة هنا أو هناك ثم يرسل الوساطات ، إذا تورط سيتورط وسنرد عليه مباشرة بعون الله” ، فهذا الخِطاب التاريخي يؤسس لمرحلة جديد من عزة الأمة وقوتها وقوة مواقفها.
- قائد المعادلات والمفاجآت
بقدر ما يتدرج السيد حفظه الله في نصرة غزة بتسلسل حكيم ومدروس ، نجده يفاجئ العالم – عدوا وصديقا – بمعادلات كبرى يسجل بها سوابق غير معهودة من زعماء وقادة لا في الوقت الراهن ، ولا في التاريخ الماضي ، ثم يفاجئ العالم ثانية حينما يتبع القول بالفعل ، ويفاجئ العالم ثالثة حينما ينفذ الفعل على نحو لا يشبه ما يفعله الأخرون ، بل بما يمظهر المعنى والمبنى والحقيقة المطلقة لكل قول أو قرار أو معادلة يعلنه/ها، السيد القائد حفظه الله.
فقد جاء الخطاب التاريخي للسيد القائد حفظه الله يوم أمس رقم “3” ليوسع معادلات نصرة اليمن لغزة بالبناء على معادلات الخطابين السابقين ، 10 أكتوبر – 14 نوفمبر- ، وليضيف عليهما ، وبحكمة فائضة يتحشد ويحشد كل المعادلات في سبيل وقف العدوان على غزة ، ولفرض معادلات انتصارها.
إذ أن خطابه الأول الذي ألقاه في 10 تشرين أكتوبر ، بعد ثلاثة أيام من بدء معركة طوفان الأقصى ، وضع السيد القائد حفظه الله خطوطا حمراء للحرب الصهيوأمريكية على غزة ، علق بها دخول اليمن إلى الحرب العسكرية المباشرة على العدو الصهيوني ، وحددها بالمشاركة الأمريكية المباشرة في الحرب على غزة ، وتطور الأوضاع العسكرية في قطاع غزة ، واكد الاستعداد لتنفيذ ما يتطلبه الموقف الميداني للمقاومة في غزة ، وعمل كل ما يساندها في المعركة ضد العدوان الصهيوأمريكي.
وفيما لم يكن العالم مهتما بالخطاب الأول كما هو حاله مع الخطاب الثالث ، لكنه أصبح مهما حينما أعلن البنتاغون عن اعتراض صواريخ ومسيرات في البحر الأحمر تتجه إلى الأراضي المحتلة ، ووصف مراقبون في البنتاغون بأن العملية كانت عبارة عن إمطار بالصواريخ والمسيرات استمرت لتسع ساعات ، كان ذلك في 18 أكتوبر بعد مجزرة المستشفى المعمداني بيوم واحد ، وكانت ترجمة عملية للخطوط الحمر التي أعلنها السيد القائد حفظه الله فيما يتعلق بتطورات الأوضاع في غزة ، وقتذاك كانت الحرب الصهيونية على غزة قد أخذت منحى وشكل الإبادة الجماعية.
دخل اليمن على خط المعركة العسكرية دون استئذان من أحد، وأعلن الحرب رسميا على العدو الصهيوني ، وشن ضربات واسعة توالت على أم الرشراش المحتلة وتصاعدت وسجلت مفاعيلها أثارا كبيرة داخل الكيان الصهيوني ، وفيما كان الصهاينة والأمريكيون ومعهم والغرب يعكفون على دراسة احتواء نذر حرب الصواريخ البعيدة المدى ، فاجأهم السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله بإعلان الحرب على السفن الصهيونية في البحر الأحمر وباب المندب.
أعلن السيد القائد حفظه الله عن إغلاق البحر الأحمر وباب المندب في خطابه الثاني أو الخطاب رقم “2” يوم ال14 من نوفمبر ، مؤكدا “سنستهدف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب ، وسننكل بها وسنغرقها بإذن الله” ، وكرس جبهة البحر الأحمر في شقها الأول كمعادلة عسكرية “حتى يوقف العدو الصهيوني الحرب على غزة ويكف عن جرائمه في غزة والضفة الغربية”.
فيما كان القادة الإسرائيليون والأمريكيون والغربيون يعكفون على دراسة احتمالات التنفيذ لما أعلنه السيد القائد حفظه الله ومدى جدية التهديدات وخطورتها ، أعلنت القوات المسلحة الاستيلاء على سفينة شحن صهيونية “جلاكسي ليدر” ، وتحديدا بعد ستة أيام من الخطاب رقم 2 ، ثم شاهد العالم كله فيديوهات تنفيذ العملية بدء من هبوط المروحية اليمنية على متنها ، ثم اقتياد السفينة إلى موانئ الحديدة.
تصاعدت العمليات على السفن الإسرائيلية بضربات استهداف بحرية أحكمت الخناق على شركات الشحن الإسرائيلية وجعلتها تدور حول رأس الرجاء الصالح إلى مضيق جبل طارق أو بنما بدلا من المرور من البحر الأحمر وباب المندب ، وسيستمر البحر الأحمر محرما على سفن الإسرائيليين حتى يتوقفوا عن جرائمهم في غزة والضفة الغربية ويوقفوا عدوانهم أيضا.
في الشق الثاني من المعادلة البحرية ، ومع اشتداد ضراوة الحصار الإجرامي على غزة ، ومع ورود تقارير عن انتشار الجوع في اوساط أهلنا وشعبنا المظلومين في غزة ، وجه قائد الثورة بإغلاق بحري كامل أمام السفن الإسرائيلية وكل السفن المتوجهة إلى الكيان الصهيوني ، وأعلنت القوات المسلحة في بيان رسمي متلفز بتاريخ 9 ديسمبر 2023 منعِ مرورِ السُّفُنِ المتجهةِ إلى الكيانِ الصهيونيِّ من أيِّ جنسيةٍ كانتْ، إذا لم يدخلْ لقطاعٍ غزةَ حاجتُهُ من الغذاءِ والدواءٍ ، وبعد نجاحها في منع مرور السفن الصهيونية في البحرينِ الأحمرِ والعربي ، ونتيجةً لاستمرارِ العدوِّ الصهيونيِّ في ارتكابِ المجازرِ المروعةِ وحربِ الإبادةِ الجماعيةِ والحصارِ بحقِّ الأشقاء في غزة، فإنها تعلن منعِ مرورِ السُّفُنِ المتجهةِ إلى الكيانِ الصهيونيِّ من أيِّ جنسيةٍ كانتْ، وستصبحُ هدفًا مشروعًا لها، إذا لم يدخلْ لقطاعٍ غزةَ حاجتُهُ من الغذاءِ والدواءٍ.
بإعلانها أحدثت المعادلة البحرية في شقها الثاني هزة مدوية ليس داخل كيان العدو الصهيوني فحسب ، بل وداخل أروقة الإدارة الامريكية الراعي الرسمي للكيان ، وداخل الحكومات الغربية المتصهينة أيضا ، وشعر كيان العدو الصهيوني بأن اليمن يطوقه بحصار بحري كامل ، شعور تعزز مع تنفيذ القوات المسلحة والبحرية اليمنية للقرار على نحو صارم باستهداف أكثر من عشر سفن حتى الآن ، ونجاحها في منع كل السفن من التوجه إلى الموانئ الصهيونية ، ولم يمر إلا أسبوعين منذ إعلان هذه المعادلة حتى ألغت شركات الشحن العالمية عملياتها إلى الكيان الصهيوني ، وقاطعت شركات أخرى التعامل مع البضائع الصهيونية ، وبدأت مفاعيل هذا الحصار اليمني على الكيان الصهيوني تفرض واقعا اقتصاديا وتجاريا صعبا على الصهاينة وتكبدهم خسائر فادحة.
خلال الأسابيع الماضية ردت القيادة في صنعاء على اتصالات ورسائل عديدة أجريت من جهات دولية عديدة بأن رفع الحصار عن غزة وإدخال الاحتياجات هي مطلب إنساني وقانوني وحق مشروع ، وهو الأمر الذي سيسمح للسفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية بالمرور في البحر الأحمر وباب المندب والبحر العربي ، وأن على الجانب الأمريكي مناقشة ذلك مع قيادة المقاومة في غزة ، فاستبدلت أمريكا هذا المسار بحشد التهديدات وصعدت تحركاتها العسكرية في البحار وذهبت إلى إعلان تشكيل تحالف بحري ضد اليمن بهدف ردعه وإثنائه عن موقفه في نصرة غزة.
جاء خطاب السيد القائد حفظه الله رقم “3” ، يوم الأربعاء 20 ديسمبر ، ليقلب حسابات الحرب ومعادلاتها رأسا على عقب ، وليعلن الحرب المباشرة استباقيا ضد أي خطوات تصعيدية أمريكية على اليمن ، وليثبت معادلة الحرب اليمنية على الكيان الصهيوني ويضيف إليها ، ويعلن الحرب على أمريكا بمجرد أن تتورط في حماقة ضد اليمن ستكون الصواريخ والطائرات والعمليات العسكرية اليمنية متجهة على سفنها وملاحتها ومصالحها وكل وجودها في المياه وفي البراري ، ومهددا بأسوأ من فيتنام وأفغانستان ، مفاجئة قلبت شكل وصورة أمريكا التي يُنظر لها كعصا غليظة ، لتجعل منها قشة لا هيبة لها.
سنكمل في حلقات قادمة.. إذ لا يتسع المقال هذا لتحليل الخطاب التاريخي ، وقراءة مضامينه ، ورسائل الردع والمفاجآت الشاملة التي جاءت فيه ، وسيكون محور حديثنا في المقال رقم “2” ، والمقال رقم 3.من هذه السلسلة..والله الموفق.