الخطاب الثالث ومعادلات السيد عبدالملك الحوثي لنصرة غزة.. الموقف العظيم يتكرس بالمفاجآت الحلقة الثانية
الصمود||مقالات|| عبدالرحمن الأهنومي
الخطاب الثالث من خطابات قائد الثورة المباركة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي- حفظه الله – منذ بداية الحرب على غزة كان خطابا تاريخيا ومفصليا ، محتشدا بالحقائق وبكثافات المعادلات وحافلا بأدوات الردع الحاسمة في مجابهة التحركات الأمريكية والغربية التي تسعى إلى تطويق موقف اليمن في نصرة غزة ، ومشبعا بالحقائق حول إجرام العدوان الصهيوني في غزة وبشاعته ووحشيته والتأصيل لذلك ، وكاشفا حقيقة أمريكا ورعايتها للكيان الصهيوني وأدوارها الشيطانية في حرب الإبادة على غزة ، وكاشفا كذلك لحقيقة الحكومات الأوروبية التي تتمطى بعناوين إنسانية وحضارية عقودا طويلة ، لكنها في الحرب على غزة أظهرت وجهها البشع والإجرامي ، ومذكرا كذلك بحروب الاستعمار الغربي على المسلمين وشعوب العالم.
وفي مقابل الاحتشاد الأمريكي الغربي لدعم حرب الإبادة التي يشنها كيان العدو الصهيوني على غزة رغم ما فيها من مذابح ووحشية وفظاعات وقتل جماعي ، وفي مقابل التحرك الأمريكي والغربي من المسافات البعيدة إلى منطقتنا لدعم حرب إبادة وحشية كهذه ، كان الموقف اليمني في نصرة غزة هو الموقف الأحق والصحيح والصائب ، فهو جهاد في سبيل الله ودفاع عن الشعب الفلسطيني وكان الأحرى بالأمة أن تقف نفس الموقف لنصرة غزة.
وفي سياق الاحتشاد الأمريكي جاء الخطاب عقب إعلان تشكيل تحالف حماية السفن الإسرائيلية ، الذي سبقته حملات دعائية أمريكية غربية تسعى لتوصيف عمليات القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر بأنها قرصنة وتهديد للملاحة الدولية ، فجاء الخطاب التاريخي للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ليسقط الدعاية بقوة الخطاب المحتشد بالشواهد والحقائق القوية وعلى طريقته حفظه الله في سردها أسقط الدعاية على رغم حجمها ، وعلى إثر الخطاب لمسنا تحولا في سرديات الإعلام العالمي ، ولمسنا كذلك تعاطيا شبه واقعي مع ما تقوم به القوات المسلحة من عمليات ضد السفن الإسرائيلية والمتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية فقط.
وعمليا فقد أسقط الخطاب التاريخي التحالف الأمريكي لحماية السفن الإسرائيلية بتعريته أولا ، وثانيا بما تضمنه الخطاب من موقف قوي وحاسم لمواجهة التحالف وأطرافه ، والتهديد غير المسبوق لأمريكا التي تخيط هذا التحالف.
على إثر الخطاب عدلت أمريكا منطق التهديد ضد اليمن الذي عزفت عليه لمدة أسبوعين، وظلت آلة الدعاية الأمريكية تضخ يوميا أخبارا وتصريحات مسؤولين أمريكيين من قبيل «أن أمريكا تدرس توجيه ضربة عسكرية على اليمن ، وأنها تبحث ذلك ، ثم تقول بأن البنتاغون رفع بالمقترح إلى بايدن» وتعيدها يوميا بمضامين وإرهاصات جديدة على طريقة أمريكا التي تستخدم هذا النوع من الحروب النفسية في كل حروبها ، غير أن هذا المنطق اختفى تماما بعد خطاب السيد القائد حفظه الله ، واستبدلته أمريكا بتصعيد لغة التهم مع التخلي التام عن التهديد والوعيد.
ومن جانب آخر شجع الخطاب التاريخي وما فيه من رسائل تهديد وتحذير وإنذار للأمريكيين وللأطراف المنخرطة في تحالف حماية السفن الإسرائيلية شجع أطرافا كثيرة في رفض الضغوط الأمريكية بالانخراط في تحالف حماية السفن الإسرائيلية ، وشجعت الكثير لإعلان مواقف غير منحازة لدعايتها حول الملاحة الدولية ، وفي المجمل أسقط الهيمنة الأمريكية التي تجمع لتكريسها بين الترهيب الدعائي ، وبين لغة الاستعراض بالأسلحة والمعدات والحاملات والمدمرات والطائرات ، وبين تنفيذ هجمات عقابية على البلدان التي تتصدى لغطرستها ، وشن الحروب المدمرة أيضا ضد أي طرف يحاول أن يتحرر من هيمنتها.
لقد وجدت أمريكا نفسها أمام خطاب حرب من نوع لم تعهده من قبل ، فهي وإن كانت قد سمعت تهديدات من زعيم أو زعيمين فيما سبق من تاريخها ، لكنها سمعت من قائد الثورة المباركة حفظه الله تهديدا جديا ومن واقع معركة قائمة ، ومن واقع اقتدار عسكري جيد ، ومن واقع موقف صلب وراسخ ، ولهذا أدركت مفاعيل التهديدات التي أطلقها قائد الثورة ، وحسبت ألف حساب لها.
وقد كرس السيد القائد في خطابه التاريخي صلابة ورسوخ الموقف الإيماني الثابت والذي إحدى ركائزه «الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل» ، وقال إن المعركة المباشرة مع الأمريكيين والإسرائيليين هو أملنا من زمن بعيد ، وكان أملنا على الدوام أن تكون مواجهتنا مباشرة مع الأمريكيين والإسرائيليين ، بدلا من مواجهة العملاء والأدوات ، وهنا يجسد السيد القائد حفظه الله جذور ورسوخ الثقة بالله والتوكل عليه ، وبقدر ما يخشى العالم أجمع خوض مواجهة مباشرة مع أمريكا ، فإن أمل قائد المسيرة القرآنية هو أن تصبح مواجهتنا مباشرة مع الأمريكيين والإسرائيليين في آن واحد ، وهذه تعتبر قمة العزة بالله وبدينه وبكتابه ، والثقة به ، والرهان على شعب أهله أولو بأس وقوة تتجذر بهويته القرآنية وبصلابته الإيمانية أيضا.
ولجهة الموقف اليمني لنصرة غزة كرس خطاب السيد القائد حقيقة توسع فاعلية هذا الموقف ، ولجهة الإجماع الذي يحظى به هذا الموقف في أوساط الشعب اليمني كله ، ولجهة ما فرضه هذا الموقف من تحولات ميدانية وسياسية إيجابية على وضع المقاومة والشعب الصامد في غزة ، ولجهة صلابة هذا الموقف ورسوخه أنه جاء في أعقاب نهوض القوة اليمنية من بين ركام حرب السنوات التسع ، لتأخذ هذه القوة الجهادية مكانتها في حمل قضية الأمة وموقفها معززة متمكنة في أعقاب دحر العدوان على اليمن، وفي ظل إيمان الشعب اليمني بأكمله بهذه القضية الجامعة ، فقد اجتمع اليمنيون في المناطق الحرة وحتى المناطق المحتلة على نصرة غزة والوقوف معها.
وقد رد السيد القائد حفظه الله في الخطاب التاريخي بكل وضوح بأن هذا الموقف لا يمكن أن يتغير لا بالتهديد ولا بتشكيل الأحلاف الأمريكية ولن يتغير مهما كان الثمن ، وهو بذلك يكسر عصا التهديدات التي تهدف إلى إضعاف الموقف اليمني في نصرة غزة ، ويحسم آمال أمريكا وحلف الاستكبار.
وفي الرد على التهديدات الأمريكية فقد أنذر السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ، الأمريكي المتغطرس القادم لتشكيل الأحلاف بهدف حماية الصهيونية ، بأن الرد على أي حماقة أو ضربة هنا أو هناك سيكون الانتقال فورا إلى توجيه الصواريخ والطائرات المسيَّرة والعمليات العسكرية اليمنية على السفن الأمريكية والملاحة والمصالح والقواعد والجنود في كل مكان ، أما إذا ذهب الأمريكي إلى شن حرب على الشعب اليمني فإن ما ينتظره سيكون أسوأ مما تعرض له في فيتنام وأفغانستان ، وفي الرد والإنذار صفعتان ، واحدة للعدو الصهيوني الذي استجدى بالأمريكيين ويستجديهم لحمايته في البحر الأحمر ، والثانية للأمريكي الذي ظن أن اليمن اليوم بقيادة هذا القائد العظيم كيمن الأمس بدون هذا القائد ، وأن اليمن المجروح بحرب التسع السنوات سيستسلم تحت ضغط المعاناة ، غير مدرك أن هذا اليمن الذي عركته حروب العصف والقصف والحصار هو أقوى مما كان بألف مرة ، وأن قوته يستمدها من إيمانه بالله وثقته به وبنصره.
كما أن الخطاب جاء برسائل ردع جديدة قوية وواضحة تجاه تحالف حماية السفن الصهيونية ، أولا بإنذار أمريكا وكل الأطراف المنخرطة في هذا التحالف بأنها لن تنجو من العقاب ، وقد جاء كلام السيد القائد لناحية تحالف حماية السفن الإسرائيلية قاطعا وجازما بأن التعامل معه سيكون على هذا الأساس ، وجازما بأن أي عمل يقوم به في البحر الأحمر يعتبر تدخلا وقحا في شؤون المنطقة وبالأخص الدول المشاطئة للبحر الاحمر ، وبلغة زاجرة قالها السيد حفظه «لن نقف مكتوفي الأيدي» وكررها مرارا في الخطاب ، ثم زاد ذلك بأن الأمريكي سيكون هدفا للصواريخ والطائرات إن ارتكب أي حماقة ، ثم أعاد استعراض سرد المشاركة الأمريكية في حرب الإبادة الإجرامية على غزة على رغم وحشيتها ، وعدد المواقف الأمريكية في إبقاء الحصار الإجرامي على غزة ، وفي إبقاء العدوان الإجرامي متواصلا ، وفي حماية العدو الصهيوني من أي ردة فعل مشروعة ، وفي إمداده بالذخائر والأسلحة ، ثم في هرولته من القارة الأمريكية إلى المنطقة مع الدول الغربية ليفعل هذا الإجرام وليُخضع المنطقة للكيان الصهيوني، فليخرس الأميركي المجرم وعار على أمريكا أن تفعل كل ما تفعله من مذابح في غزة ، وهي التي يجب أن تخجل أما اليمن فموقفه مشرف وصحيح ولديه القدرة على فعل ما يوجع أمريكا والصهاينة.
أما بشأن الحرب على غزة فقد سقفها السيد القائد بأنها حرب محكومة بالفشل ، وسيسقطها المجاهدون في غزة ، وسيسقطها صمود الشعب الفلسطيني في غزة ، وستسقطها التضحيات مع الصبر والمعاناة التي هي بعين الله ، وسيسقطها الله بقوته وعونه.. والصبر مطلوب وعلى الأمة أن تراجع حساباتها.
للحديث بقية في الحلقة الثالثة.