في البحر الأحمر .. عينٌ على القرآن وعينٌ على الطوفان
الصمود||مقالات|| شهاب الرميمة
تتوالى الأحداث ويحتدم الصراع وتزداد وتيرته وينكشف الغطاء وتنتزع الأقنعة وتتباين المواقف وردود الأفعال على المستوى العربي والدولي عُمُـومًا تجاه القضية الفلسطينية.
عملية “طُـوفان الأقصى” وما حملته معها من انتصار للقضية الفلسطينية، عمدته دماء الآلاف من الشهداء والجرحى، وسطرته حركات الجهاد وفصائل المقاومة في غزة بانتصارات وتضحيات وصمود أثبتت فشل قوات العدوّ الإسرائيلي بعملية الزحف العسكري البري، وعجزه تحقيق أي نصر ميداني يذكر على الأرض؛ ما دفعه لتعويض تلك الانتكاسة والفشل بارتكاب المزيد من المجازر المروعة بحق المدنيين من النساء والأطفال.
إضافة إلى استهداف البنية التحتية والمرافق الخدمية أهمها القطاع الصحي وفرض حصار مطبق، مستغلاً الصمت الأممي المخزي والخذلان العربي الرهيب، وأمام هذه المستجدات كان على أحرار الأُمَّــة العربية والإسلامية في محور المقاومة دون غيرهم أن يتحملوا شرَّف القيام بمسؤوليتهم الدينية والأخلاقية لنصرة غزة وفلسطين عُمُـومًا، والمساهمة بشكل كبير في فرض معادلة الضغط على العدوّ ما أمكن والعمل على خنقه اقتصادياً وضربه عسكريًّا، حتى يوقف جرائمه ويرفع حصاره عن غزة والذهاب نحو توسيع دائرة الحرب على مستوى المنطقة كاملة، شاملة الأهداف العسكرية والحيوية للكيان والقواعد الأمريكية المساندة له المتمركزة في ربوع المعمورة، وجعلها مسرحاً للعمليات العسكرية للمحور.
وهذا ما يخشى العدوّ وقوعه لما له من آثار كبيرة على تواجده وتقريب سقوط هيمنته التي عمل على تعزيزها طيلة عقود، ومن على عتبات باب المندب في البحر الأحمر بأمواجه المتلاطمة المستنفرة بحممه البركانية المسجورة شرعت العمليات العسكرية المساندة لأبناء فلسطين تحت قيادة قوم أولي قوة وأولي بأس شديد.
“القوات البحرية اليمنية الأشاوس” في تحَرّك يعبر عن شجاعة وإيمان القيادة الثورية والسياسية وقواتها المسلحة عمليات عسكرية ضيقت الخناق على العدوّ وفرضت معادلة الحصار بالحصار تلقف سفنه التجارية والعسكرية وما يأفكون وتمنع كُـلّ ما له صلة به، ليعلن فرعون أمريكا وسحرته تحالفاً ظاهره المعلن “حراس الازدهار” وباطنه وغايته حماية الكيان ليستمر بارتكاب جرائمه بحق أبناء الأرض المقدسة.
الحضور الأمريكي ودعوته لإنشاء هذا التحالف فتح باب المزاد العلني للارتزاق المأجور وتم تسويقه بصورة ترهيب وترغيب لبعض الدول القابعة اقتصاديًّا للهيمنة الأمريكية وسطوته العسكرية.
تحالف مدفوع الأجر وموعود بالقرب إن كانوا هم الغالبين، من بقايا موائد البيت الأبيض شكلاً، الأسود فعالاً، المطلب نفسه الذي عقد وأبرم مع فرعون وسحرته لتشكيل حلفاً في مواجهة نبي الله موسى وآياته: “إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَٰلِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ”، فرعون اليوم نفسه فرعون بني إسرائيل سابقًا، لمع الهدف نفسه وساحت الحرب والمصير ذاته.
ليطمئن الأمريكي منتشياً بهذا التحالف المزعوم، وبعلو واستكبار يوجه جنوده ليستبيحوا حرمة البحر الأحمر، متوجاً هذا التواجد فيما بعد على صوب الأُمَّــة العربية ورد نصه في صفقتهم تحت بند “سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْىِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ”، ليبدأ موعد النزال وتقرع طبول الحرب في يوم الزينة “رأس السنة الميلادية” وعلى مرأى ومسمع جمع من الناس حاشرين.
وبكل صلف وحقد ارتكب العدوّ حماقته باستهداف وقتل رجال البحرية اليمنية في أثناء تأدية مهامهم الأخلاقية والوطنية المشروعة على المياه الإقليمية، وفي حالة ترقب من العالم المنافق لبلوغ فرعون الكونجرس أسباب السماوات والأرض من على صرح هامان “حاملات الطائرات” ألقوا عصيهم وحبالهم “بوارج وغواصات وسفن حربية” وسحروا أعين الأعراب واسترهبوهم، وقالوا بعزة أمريكا إنا لنحن الغالبون.
ويأبى الله ذلك ويأذن لربابين البحر تسطير آيات النصر الإلهي وتشكيل حروف الكَلِم والقول السديد للسيد القائد، وترجمة وعده الصادق على ساحة النزال بما يتناسب مع لغات الأعداء ومستوى إدراكهم وتحملهم لصدمة تحقّق آيات الله في قوله “وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ”.
حضرت عصا موسى بيد القوات البحرية “طائرات مسيّرات أبابيل بحجارة من سجيل”، صواريخ براكين تضرب البحر الأحمر فإذا هو مسجور يلقف ويدمّـر ويغرق ما كان يصنع الكبتاجون وجنودهم وما كانوا يعرشون، لتبرز ثمرة التحَرّك في مواجهة المستكبرين ونصرة المستضعفين كما جاء في الوعد الإلهي المبين: “وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ”.
هذا المشهد المرتقب والاحتمال الوارد لما يجنيه هذا التحالف الموؤد قبل ولادته في معركة الطوفان والبحر المسجور.