(نص) كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حول آخر التطورات والمستجدات 26 شعبان 1445هـ
الصمود|
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت : 1-3]، صَدَقَ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.
في الشهر السادس، وعلى مقربةٍ من نصف عام، وللأسبوع الثاني والعشرين، ولليوم المائة والثالث والخمسين، يستمر العدوان الإسرائيلي الأمريكي على الشعب الفلسطيني في غزة، وهذا توصيفٌ واقعي: عدوانٌ إسرائيليٌ أمريكي مشترك على الشعب الفلسطيني في غزة، معتمداً في سلوكه الإجرامي الوحشي الهمجي على ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، بكل وسائل الإبادة، من مجازر قتلٍ جماعية، بالقنابل الأمريكية الفتَّاكة، وبالسلاح المُحَرَّمِ دولياً، وأيضاً بالتجويع الشامل، التجويع للأهالي بكلهم: للأطفال والنساء، والكبار والصغار، وأيضاً بالأوبئة، وتدمير البنية الصحية والإمكانات الصحية.
الإجرام الإسرائيلي الأمريكي، بالإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة، هو إجرامٌ مشهود، يمارسونه على البث المباشر، بمرأى ومسمع من شعوب العالم، ومن مختلف الأنظمة والمؤسسات الدولية، والمنظمات التي تدَّعي أنها ذات اهتمام بحقوق الإنسان، والاهتمام بشؤون الإنسان، على مرأى ومسمع من الجميع، وباعترافٍ واضح، وأيضاً كل هذا يحدث في عصرٍ حاول الغرب في المقدمة، وتحاول كل دول العالم أن تُقَدِّم نفسها أنها في هذا العصر في الذروة من الاهتمام بالقيم والأخلاق، وأنها دولٌ حضارية، ولها قيمٌ حضارية، وحاول الغرب أن يعزز نفوذه في مختلف البلدان والدول تحت عنوان القيم الحضارية.
ما يحدث من إجرامٍ مشهود، بجريمة إبادةٍ جماعيةٍ يومية، وبمرأى ومسمع من كل الشعوب، والمنظمات، والمؤسسات، هو يسيء إلى الإنسانية، إلى المجتمع البشري، هو مُخزٍ ومَعيب بحق الإنسانية أن تتفرج عليه، ولا تسعى لمنعه، ولا تتحرك لإيقافه، وهو أيضاً إجرامٌ متواصل، بحجمه الشنيع والبشع جدّاً، يتفنن فيه العدو الإسرائيلي- بمشاركةٍ أمريكيةٍ مباشرة- يتفنن فيه وينوع ويبتكر جرائم جديدة، بأشكال جديدة، ويستخدم فيه كل أساليب القتل والإبادة، بكل جرأة، وبكل وحشية:
• جرائم القتل الجماعي، والإعدامات، الإعدامات حتى للأطفال أمام ذويهم.
• الاستهداف حتى للأطفال الرُّضَّعِ وَالخُدَّج.
• القتل للنساء وللأطفال في الطرقات، وهم يتحركون في نزوحهم، وفي خروجهم للبحث عن الطعام والغذاء، يقتلهم بِتَعَمُّد حتى بالقناصة، وبالدبابات، وبكل وسائل القتل.
• يختطف الأطفال الرُّضَّع، ويتجه بهم إلى مصيرٍ مجهول.
• يستخدم التجويع وبشكلٍ بشع كوسيلة إبادة بشكلٍ مباشر، يسعى إلى أن يُجَوِّع الفلسطينيين في قطاع غزة؛ حتى يموتوا من الجوع، وحصلت وفيات يومية نتيجةً للجوع وسوء التغذية.
• ويسعى أيضاً لاستخدام التجويع وسيلة للقتل، عند تجمع الأهالي الجائعين جدّاً، المعانين، على الشاحنات التي تدخل بكميات محدودة، وحالات نادرة، وعندما يجتمعون للحصول على الطحين، والحصول على الغذاء، يباشر جريمة القتل لهم، والاستهداف لهم أثناء تجمعهم للحصول على الغذاء؛ فيقتل منهم ويجرح المئات منهم، فجعل ذلك أيضاً وسيلة لقتلهم أثناء تجمعهم.
• كذلك عند إسقاط بعض الوجبات، التي تُسقطها البعض من الطائرات، في كميات ضئيلة جدّاً، عندما يتجمع الأهالي للحصول عليها يباشر العدو الإسرائيلي بالاستهداف لهم بالقتل والجرح.
• كما يقتل أيضاً المتجمعين على أبواب المستشفيات، المستشفيات التي هي باقية وهي قليلة، عندما يتجمع الأهالي للعلاج فيها، أو لنقل الجرحى إليها، يقتلهم أثناء تجمعهم.
• يقتلهم أيضاً في مخيماتهم، يستهدفهم بشكلٍ مباشر، في المدارس، يستهدفهم في كل مكان، لم يعد هناك من مكانٍ آمن، كل شيءٍ في غزة مستهدف بالتدمير، مستهدف بالسلاح المحرم دولياً، بالقنابل والقذائف، وهكذا يستهدفهم في كل مكان.
بلغ عدد المجازر الجماعية: ما يقارب الـ(ألفين وسبعمائة وثمانين مجزرة)، عدد رهيب جدّاً خلال هذه الفترة، بل خلال هذا الأسبوع رفع العدو من وتيرة المجازر الجماعية وجرائم الإبادة الجماعية، بمتوسط (سبع مجازر كل أربعة وعشرين ساعة) على الأقل، ويوم الأحد الماضي وصلت المجازر إلى (ثلاثة عشر مجزرة إبادة جماعية)، منها مجزرة (دوار الكويت) المروعة، التي استهدف بها الجائعين المنتظرين للمساعدات، كذلك استهدف خيمة نازحين بشكل مباشر، قَصَفَ تجمع المواطنين أمام بوابة مستشفى (تل السلطان) غرب مدينة رفح، وغير ذلك.
والجرائم هو يستهدف بها- جرائم الإبادة الجماعية والمجازر الجماعية- يستهدف بها النازحين، ويستهدف بها الجائعين، ويستهدف كل شيء في قطاع غزة بشكلٍ مستمر: المساجد، المساكن، الأسواق، كل الأماكن، جرائم الإبادة للشعب الفلسطيني في الطرقات والشوارع والمدارس، لا مكان آمن حتى للأطفال، فما بالك ببقية الأهالي.
ولذلك ومع الاستمرار في جرائم القتل، جرائم الاستهداف بكل أنواع السلاح، جرائم الاختطاف والأسر، فقد بلغ عدد الشهداء والجرحى والأسرى: أكثر من (مائة واثنان وعشرون ألف وأربعمائة واثنان وأربعون فلسطيني)، وطبعاً الأغلبية من الشهداء والجرحى الأغلبية من الأطفال والنساء.
مع القتل، ومع الجراحة، ومع المرض، هناك معاناة شديدة جدّاً للشعب الفلسطيني من التجويع، واستمرار الحصار الخانق، وكذلك كما شرحنا الاستهداف للأهالي عند تجمعهم الحصول على المساعدات الغذائية، أو أثناء بحثهم عن الطعام، استهداف أيضاً للذين يخرجون لمحاولة الصيد في البحر، البعض ممن كانوا يمارسون مهنة الصيد في الماضي، وغيرهم من الجائعين ممن يحاول أن يخرج إلى البحر ليصطاد، هناك قوات إسرائيلية في البحر تستهدفهم على الفور، وتباشر السعي لقتلهم ولجرحهم.
كل هذه المعاناة، كل هذه الجرائم الرهيبة جدّاً، التي من المعيب على المجتمع البشري أن يسكت عنها، أو أن يتجاهلها، أو أن يقف تجاهها بمجرد الإدانة والتعاطف دون خطوات عملية لإيقافها، مع العار والخزي لأمريكا التي لها الدور الأول في الإبادة والتجويع.
الدور الأساس والدور الأول هو للأمريكي، حتى أكثر من الإسرائيلي، الإسرائيلي لولا الدور الأمريكي لم يكن ليستمر كل هذه المدة، لم يكن ليتمكّن من فعل ما فعله حتى الآن، لا بحجم ما فعل، ولا بمستوى الاستمرار لفعل ذلك، هو فعل ما فعل بهذا المستوى من التدمير والقتل، وارتكاب جرائم الإبادة والحصار، بهذا الحجم، وبالاستمرار كل هذه المدة؛ نتيجةً للدور الأمريكي، والمساندة الأمريكية، وكذلك الاشتراك الأمريكي، فالأمريكي يتحمل أكبر الوزر، والعار، والخزي، وله الدور الأول في كل ذلك، مع هذا يحاول- وهو مفضوح في ذلك، وواضح في ذلك؛ هو الذي منع صدور أي قرار لإيقاف العدوان على غزة، هو الذي منع الدخول الإغاثة إلى أهل غزة، وأعاق ذلك، وهو الذي ثبَّط الكثير من الأنظمة العربية والإسلامية عن أي موقفٍ جاد، حتى على المستوى الإنساني في إيصال الغذاء والدواء إلى الشعب الفلسطيني في غزة، جعل الكثير منهم يتفرجون، ويصدرون بيانات ضعيفة، لا تُسمِن ولا تُغني من جوع، وليس لها أي تأثير في الواقع- مع كل ذلك يحاول أن يغطي على جرائمه المفضوحة، وأن يخادع الشعوب، عندما قام بإلقاء قليل من الوجبات الغذائية بالطائرات إلى قطاع غزة، كميات ضئيلة ومحدودة، بمجموعها لا تصل إلى مستوى حمولة ثلاث أو أربع شاحنات، كمية ضئيلة جدّاً يلقيها، ومع تنسيقٍ عملياتيٍ مسبقٍ مع العدو الإسرائيلي؛ لقتل الذين يتجمعون للحصول عليها، فهو يتصرف بطريقة عدوانية ضد الشعب الفلسطيني، لا يحترم الكرامة الإنسانية.
الأمريكي الذي قدَّم بكل سخاء عشرات الآلاف من القنابل، وعشرات الآلاف من الأطنان المتفجرة؛ لِتُلقَى على رؤوس الشعب الفلسطيني في غزة، لِتُلقى على رؤوس الأطفال والنساء في غزة، يأتي ليلقي القليل القليل من وجبات الغذاء، عبر الطائرات إلى غزة، مع تنسيقٍ عملياتيٍ مسبق مع العدو الإسرائيلي؛ لقتل من يتجمعون عليها، ويحاولون الحصول عليها، وليحاول أيضاً أن يُقَدِّم هذه الطريقة، التي ليس لها أي أثر يذكر في حل معاناة الشعب الفلسطيني وجوعه، يحاول أن يجعلها بديلاً عن الاستحقاق المشروع الواضح للشعب الفلسطيني، في دخول ما يحتاج إليه من الغذاء والدواء، عبر الممرات البرية والبحرية، هناك ممرات واضحة ومعروفة من فلسطين نفسها (فلسطين المحتلة) إلى غزة، وهناك ممرات من مصر، ممرات برية يمكن أن تدخل عبرها الشاحنات، التي تحمل ما يحتاج إليه الشعب الفلسطيني في غزة، من غذاء ودواء واحتياجات إنسانية، بما يلبي احتياجه، وبما يسد جوعه، بما يشبع مجاعته، ولكن الأمريكي يحول دون ذلك، ويعيق ذلك، بدلاً من أن تتحرك المساعدات الإنسانية، وتدخل الكميات المحتاج إليها في غزة من الغذاء والدواء، عبر الممرات البرية، وعبر الممرات البحرية التي يمكن أن تضاف إلى ذلك، وعبر المطارات، إنزال كميات إلى الأرض في المطارات، وليس عبر إلقاء وجبات ضئيلة محدودة، كثيرٌ منها يذهب باتجاه البحر، والقليل من تلك الوجبات القليلة يصل إلى البر، إلى مئات وآلاف الجائعين، الذين لا تساوي شيئاً، لا بحساب أعدادهم، ولا بحسب جوعهم ومعاناتهم، إساءة وامتهان للكرامة الإنسانية، خداع مفضوح للشعوب، سعي لتضييع استحقاقات مشروعة، استحقاقات إنسانية وقانونية، استحقاقات أخلاقية وإنسانية، لوصول الكمية التي يجب أن تصل عبر الممرات إلى داخل غزة، وإمعان في امتهان الكرامة الإنسانية، يريد أن يلقي القليل جدّاً من الوجبات بين مئات الآلاف من الجائعين، هل يريد أن يقتتلوا عليها، أو أن يتنازعوا عليها؟ أسلوب مخادع، أسلوب سيء؛ أمَّا القنابل فيقدمها بسخاء، بما يغطي سماء غزة وأرض غزة، بما يشمل خرابها ودمارها وقتلها كل مساحات مدن غزة، والوجبات بتلك الطريقة امتهان للكرامة، والتفاف على الاستحقاقات المعروفة، والإجراءات المفترضة لإدخال المواد الغذائية، وخداع لِلسُّدَّج.
تُقَدِّم أمريكا مائة صفقة سلاح مجانية، وكلها فيها عشرات الآلاف من القنابل والقذائف، لقتل الشعب الفلسطيني، عشرات الآلاف من الأطنان المتفجرة لقتل الشعب الفلسطيني، تعيق أي خطوات جادة لإيصال الغذاء والدواء، وَتُثَبِّط الذين يرتبطون بها من الأنظمة والحكام من أي نشاط جاد، وأي تحرك ومسعى جاد لإدخال الغذاء والدواء إلى الشعب الفلسطيني، ثم تتصرف بتلك الطريقة، التي تجعل منها أيضاً وسيلة من وسائل تعذيب الشعب الفلسطيني، واضطهاد الشعب الفلسطيني، واستهداف الشعب الفلسطيني.
أمَّا على مستوى الوضع الصحي، فهو يعيش حالة انهيار شامل، يطاله الانهيار الشامل، ويشمل المنظومة الصحية بكلها في القطاع، الشهداء من الكوادر الصحية بالمئات، الأسرى منهم بالمئات، المنشآت الصحية مدمرة، القليل من المستشفيات المتبقية تعاني من مشكلة الحصول على الوقود من أجل الكهرباء، وتزدحم جدّاً بالجرحى والمرضى، ولا تمتلك الأدوية الكافية، الإحصائيات في بعض التقارير تتحدث عن مليون إصابة بالأمراض المعدية بين أوساط الأهالي، دون توفر الدواء، وهكذا معاناة شاملة.
أمَّا على مستوى الدمار والخراب، فقد تحولت المدن في قطاع غزة إلى أطلال وركام، وإحدى الصحف الغربية وصفت حجم الدمار الهائل في قطاع غزة: بأنه أكثر من المدن الأوروبية الأكثر تدميراً أثناء الحرب العالمية الثانية، وفعلاً من يشاهد حجم الدمار يرى أنه لا مثيل له في أي بلد من البلدان التي تشهد عدواناً، أو حروباً، أو دماراً، دمار شامل، دمار كبير جدّاً، أكثر من سبعين ألف طن من القنابل والمتفجرات أُلقيت على الشعب الفلسطيني في مدنه ومساكنه.
مع كل هذا المستوى من التدمير، والقتل، والإجرام، والتجويع، والإبادة الجماعية، ومع تحريك العدو الإسرائيلي لأكثر من ثلاثمائة ألف مقاتل من جنوده، للهجوم على قطاع غزة، فهناك إخفاق وفشل مستمر وعجز للعدو الإسرائيلي في تحقيق أهدافه المعلنة، عجز في استعادة الأسرى، وفشل تام وواضح؛ وإنما هو يقتلهم في غاراته الجوية العشوائية، وأيضاً فشل في إنهاء القتال، والسيطرة على المقاتلين المجاهدين في قطاع غزة، الذين يخوضون معركةً مشرفة عن الأمة بكلها، الإخوة المجاهدون في قطاع غزة يقاتلون في سبيل الله باستبسالٍ منقطع النظير، منقطع النظير فعلاً، استبسال وصمود وتفانٍ عظيم.
العدو فشل في أن يحقق أي صورةٍ للنصر: في القضاء على المجاهدين، أو في استعادة الأسرى، فشل في تحقيق أهدافه المعلنة، وهو يتكبد خسائر مستمرة، والإخوة المجاهدون يواصلون القتال ببسالة، وبتفانٍ، وبتكبيد للعدو الخسائر، قتلى وجرحى في صفوف العدو كل يوم، وهم يواصلون القتال في كل محاور القتال: في خان يونس، في حي الزيتون، في أطراف تل الهوى، في غزة، في كل محاور القتال، في الشمال والوسط، والجنوب في غزة، يقاتلون بفاعلية، ويُكَبِّدون العدو الخسائر، ويوقعون به في كمائن الموت، التي باتت تقلق العدو جدّاً، يستمرون في إطلاق الصواريخ إلى ما يطلق عليه بـ(غلاف غزة)، وهذه خطوة متقدمة، تدل وتشهد على فاعليتهم، وتماسكهم، وثباتهم.
وأيضاً ينكلون بالعدو في مسألة التدمير المستمر لآلياته العسكرية، التي قد بلغت: (ألف ومائتين آلية) مما تمكنوا من استهدافها وإصابتها، وربما هي أكثر من ذلك، هذا بحسب بعض الإحصائيات، هناك أيضاً إسقاط لِمُسَيَّرات العدو، لطائراته المُسَيَّرة، يعني: هم يقاتلون بفاعلية، وَيُكَبِّدون العدو خسائر كبيرة في معداته العسكرية، وفي جنوده قتلى وجرحى بالمئات والآلاف، وأيضاً الآلاف منهم ممن يصابون بالمرض النفسي والهلوسة، وبعضهم بالاختلال العقلي، العدو يخسر خسارةً كبيرة في الروح المعنوية المدمرة لجنوده، وهذه خسارة كبيرة بالنسبة للعدو، الآلاف من جنوده يصابون بالأمراض النفسية، وتُضرب عندهم الروح المعنوية بشكلٍ تام، والبعض يضطر لتسريحهم من الخدمة، وأصبح العدو يواجه مشكلة في مسألة العديد والمقاتلين؛ ولذلك يتجه إلى تجنيد من كانوا سابقاً معفيين من الخدمة العسكرية، يتجه إلى الزامهم بالخدمة العسكرية، ويواجه مشكلة داخلية بسبب هذه المسألة بنفسها، وهي تدل على أزمته، ومشكلته الكبيرة التي يعاني منها في المقاتلين، بل أكثر من ذلك، هو يستورد مرتزقة للقتال معه، يعني: يواجه مشكلة كبيرة في هذا الجانب. الجرحى والإعاقات بالآلاف، وهناك أيضاً استمرار في النزوح واستمرار في الهجرة المعاكسة، وهناك خلافات داخلية تعصف بالعدو الإسرائيلي من داخله، وتظهر للعلن بشكلٍ كبير.
أمَّا خسائره الاقتصادية فهي مستمرة ومتصاعدة بمئات المليارات من الدولارات، استنزاف كبير جدّاً، بالرغم من الدعم الأمريكي والغربي، لكنه يُستنزف بشكلٍ كبير في تكاليف الحرب، وما يتعلق بذلك، وأيضاً الأضرار الناتجة عن العدوان، أضرار كبيرة جدّاً عليه في وضعه الاقتصادي، فيما يتكبده من خسائر؛ نتيجةً لتعطل الكثير من الشركات والمنشآت الحيوية، التي كان يعتمد عليها في إيرادها الاقتصادي، ونتائج كذلك لتأثيرات على المستثمرين، الذين كانوا يستثمرون في فلسطين المحتلة، ويستفيد العدو الإسرائيلي من استثماراتهم، وغير ذلك، وهناك أيضاً تأثير كبير للعمليات البحرية اليمنية، في إلحاق خسائر اقتصادية كبيرة بالعدو الإسرائيلي.
هناك خيبة أمل إسرائيلية وأمريكية مشتركة، بالرغم من حجم الإجرام، والعدوان، والدمار، والخراب، والقتل، والتجويع، لكنَّ ذلك لم يكسر إرادة الشعب الفلسطيني، ولا مجاهديه الأبطال، الذين يواصلون الجهاد في سبيل الله والقتال في سبيل الله ببسالة، وثبات، وتماسك، وفاعلية، فهناك خيبة أمل لدى الأعداء كبيرة جدّاً، إلى درجة أنهم يتحدثون في وسائلهم الإعلامية- منهم من هم منتمون للمؤسسات العسكرية لديهم، ومنهم من هم سياسيون وغير ذلك- يتحدثون عن أن أهدافهم في القضاء على حركات المقاومة في غزة أهداف غير واقعية، غير ممكنة التنفيذ، لا يمكن أن تتحقق، وخيبة أملهم في هذه المسألة واضحة، بل يعتبرون أنفسهم أصبحوا متورطين في غزة بقدر ما كانوا متورطين في لبنان، عندما كانوا يتكبدون الخسائر بشكلٍ يومي؛ حتى انهزموا هزيمةً ساحقة في العام 2000، فخيبة أملهم يُعَبِّرون عنها، ويصفون أهدافهم بأنها غير واقعية؛ ولذلك ليس لديهم أمل في أن يحققوا صورةً لنصرٍ حاسم في قطاع غزة، هم يكابرون، ويستخدمون أسلوب الإبادة الجماعية، وارتكاب الجرائم بحق الأهالي؛ ليُعَوِّضوا عن فشلهم في تحقيق نصرٍ عسكريٍ حاسم، يحقق أهدافهم المعلنة، وهذا ليس بنصر، إذا قدموه كإنجازات ليس بإنجاز، رصيد هائل من الإجرام، من الوحشية، من العار والخزي، من الطغيان، يُعَبِّر عن فشل، يُعَبِّر عن خيبة أمل، يُعَبِّر عن إفلاس حقيقي في ما هم عليه، من آمالهم في تحقيق أهدافهم الاستراتيجية، يتجهون إلى القتل الجماعي، ويحاولون أن يكسروا بذلك إرادة الشعب الفلسطيني، الذي لم تنكسر إرادته، ولا إرادة مجاهديه.
الأمريكي والإسرائيلي في مقابل ذلك الفشل والعار والخزي، وفي مقابل الموقف العالمي، المجمع على إجرامية ووحشية ما يفعلونه، والمطالب بوقف العدوان على غزة، في كل أنحاء العالم، كل الدول ما عدا (أمريكا، وبريطانيا، وإسرائيل)، إسرائيل ليست بدولة، (أمريكا، وبريطانيا) فقط من بين كل دول العالم؛ أمَّا بقية دول العالم فكلها تنادي وتطالب بوقف العدوان على غزة، ومع ذلك هناك مكابرة، بالرغم مما يحصل في داخل أمريكا نفسها، من احتجاج متصاعد، وتذمر ينتشر حتى في أوساط المؤسسات الرسمية، واحتجاج واضح، حتى في المحافل الانتخابية، تبرز الاحتجاجات والأصوات المنددة باستمرار العدوان على غزة، وبالدور الأمريكي المباشر في العدوان على غزة، وفي ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، في المحافل الانتخابية لـ(بايدن)، في التجمعات والمناسبات الأخرى، تظهر احتجاجات من بين أوساط الجماهير.
هناك فشل، هناك تذمر، هناك إخفاق، هناك فضيحة مدوية في كل العالم، هناك إجرام يندد به كل العالم بمستويات مختلفة، هناك من له صوت أقوى، وموقف مُشَرِّف أكثر، حتى في بعض الدول غير الإسلامية، كما هو موقف البرازيل، وموقف الرئيس البرازيلي، الذي هو أكثر وضوحاً وجرأة من موقف بعض الزعماء العرب، موقف كولومبيا، ورئيسها كذلك الذي هو صريح وأكثر جرأة من كثيرٍ من الزعماء في العالم الإسلامي والعربي، أيضاً فنزويلا، موقف جنوب أفريقيا، دول لها مواقف متقدمة من خارج العالم الإسلامي، ولها إجراءات عملية، في قطع العلاقات مع العدو الإسرائيلي، ومستوى متقدم من المواقف، لم يصل إلى مثله بعض الأنظمة وبعض الحكام في العالم العربي والإسلامي.
مع كل ذلك يحاول الأمريكي والإسرائيلي- من جهة فشل، ومن جهة فضيحة كبيرة وعار وخزي، وتصاعد للأصوات في كل العالم، حتى في داخل المجتمع الأمريكي، والمجتمع البريطاني، وفي أوروبا بشكلٍ عام- يحاولون الالتفاف تجاه ذلك، الالتفاف بدلاً من الاستحقاق الإنساني، بدلاً مما عليهم أن يعملوه، وهو: الوقف التام للعدوان والحصار، والانسحاب الكامل من غزة، يحاولون أن يلتفوا على ذلك، وأن يتحركوا تحت عنوان (هدنة مؤقتة) لشهر رمضان فقط، يريدون أن يستمروا في احتلالهم في قطاع غزة، في جرائمهم، يريدون أن يوظِّفُوا هذا العنوان (هدنة مؤقتة) أن يُوَظِّفُوه بما يحقق لهم أهدافاً عسكرية، بما يخدمهم لعمليات لاحقة؛ لأنهم في حالة فشل، في حالة فضيحة، في حالة خزي وعار، في حالة تندد بهم كل شعوب العالم، لها موقفٌ من جرائمهم، استياء شعبي واسع في كل الدول، مع ذلك يحاولون أن يغطوا على ذلك، وبما يخدم جرائمهم في الميدان وأهدافهم العدوانية، فيحاولون الالتفاف بدلاً من إيقاف العدوان تحت عنوان (هدنة مؤقتة)، يعيقون فيها وصول الغذاء والدواء؛ كي لا يصل بالكميات المحتاج إليها في قطاع غزة، ولكي يكونوا متحكمين بكل شيء.
هناك تجاه ما يحصل مسؤولية كبيرة على المستوى الإنساني، وعلى مستوى العالم الإسلامي، البيانات لا تكفي، التعبير عن الاستياء لا يكفي، التنديد في البيانات والوسائل الإعلامية لا يكفي، لابدَّ من خطوات عملية ضاغطة، الخطوات التي قامت بها بعض الدول في غير العالم الإسلامي، من قطع للعلاقات مع العدو الإسرائيلي، هي مواقف متقدمة وخطوات عملية، خطوات عملية، ينبغي أن تتحرك كل الدول في العالم، كل المنظمات والمؤسسات الدولية؛ لكي تُعَبِّر عن نفسها بما يحفظ لها ماء وجهها؛ لأن كل من لم يكن له موقف، تجاه العدوان الإسرائيلي الأمريكي على غزة، فهو يفضح نفسه، هو يسيء إلى نفسه، هو يفضح كل العناوين التي ينتمي إليها على أنها عناوين إنسانية، أو أخلاقية، أو قيمية، الإنسان كشخص، أو على المستوى الجماعي كأنظمة ودول، أو حتى كمؤسسات ومنظمات، من لا يتجه في إطار مواقف عملية، فعليه وزر كبير تجاه ما يحصل في قطاع غزة، تجاه المظلومية الكبرى للشعب الفلسطيني؛ ولذلك لابدَّ من خطوات عملية، أن يكون هناك توجه لخطوات عملية؛ لمنع الاستمرار في الإجرام الأمريكي والإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
المسلمين- وفي المقدمة العرب- عليهم مسؤولية مضاعفة، مسؤولية إنسانية، مسؤولية دينية وإسلامية وإيمانية، مسؤولية أيضاً باعتبار مصالحهم، وأمنهم القومي، وباعتبار الشعب الفلسطيني جزءاً منهم، عليهم مسؤولية مضاعفة أن يتحركوا بِجِدِّيَّة؛ من أجل وقف الإجرام الصهيوني على غزة.
العدو الإسرائيلي، بكل وحشيته التي تَجَلَّت بوضوح، وهي كانت واضحة في كل ما قد مضى، وَتَجَلَّت أكثر في عدوانه هذا على قطاع غزة، ومعه الأمريكي، الذي يشترك معه في الإجرام والوزر، ويحمي إجرامه ليستمر، وَيُقَدِّم له الإمكانات؛ ليكون إجرامه بذلك الحجم، بذلك المستوى البشع جدّاً، والفظيع للغاية، هم خطر على كل أمتنا، بكل ذلك الإجرام، بكل تلك العدوانية، بكل تلك الوحشية، هم خطر حقيقي على أمتنا الإسلامية بكلها، على العالم العربي بأجمعه، وليس فقط على بلد دون بلد.
عندما نرى تلك الجرائم الرهيبة، والبشعة، والمروِّعة، التي استهدفت شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، ومأساة الشعب الفلسطيني في كل فلسطين؛ إنما باعتبار هذا التصعيد بهذا المستوى، بذلك الحجم على قطاع غزة، عندما نرى تلك المشاهد المأساوية لمظلومية الشعب الفلسطيني، فلنعرف ولنتيقن أن العدو الإسرائيلي، ومعه الأمريكي، هم خطر على كل أمتنا، وعلى كل شعوب المنطقة دون استثناء، ليس هناك في توجهاتهم، ولا في سياساتهم، ولا في خططهم، ولا في استراتيجياتهم، أي توجُّه وُدِّي، أو للسلام الحقيقي، مع أي دولة عربية، أو دولة مسلمة، أو أي شعب من شعوب المنطقة، هم عدوانيون بذلك المستوى الذي نشاهده، وهم خطر بكل ما تعنيه الكلمة.
ولذلك يفترض أن يكون من آثار تلك الأحداث، تلك المظلومية الرهيبة، تلك المأساة، تلك الجرائم التي يمارسونها ضد الشعب الفلسطيني، في وعي هذه الأمة، في وعي شعوبها، أن يكون هناك فهم لهذا العدو: كيف هو، كيف هو إجرامه، عدوانيته، طغيانه، وحشيته، تحدثنا في الأسبوع الماضي أن لذلك خلفية راسخة لديهم، كمعتقد ديني، وكرؤية سياسية واستراتيجية، وأيضاً كبرنامج عمل؛ ولذلك حتى برنامجهم مع الدول، أو مع الحكومات والأنظمة التي اتجهت للتطبيع معهم، ليست وُدِّيَّة أبداً، وليست للسلام ولا لأجل السلام.
الإسرائيلي والأمريكي ينظرون فقط إلى مصالحهم من جهة، وإلى ما يُدَمِّر هذه البلدان، وإلى ما يُحْكِم السيطرة عليها من جانبٍ آخر، يعني: لا يرغبون حتى في الحصول على مصالح بطريقة مشروعة، تُراعى فيها حقوق شعوب هذه المنطقة، ومصالح هذه الأمة، على قاعدة (مصالح مشتركة)، لا، لا يريدون هذا.
العدو الإسرائيلي هو ذلك الذي لا مشروعية له أساساً في تواجده في فلسطين، هو محتل، وغاصب، ومجرم، وكيان لا مشروعية له، وعدو لهذه الأمة، والأمريكي هو ذلك الذي يتجه بنظرة معينة، هي: استعمارية، عدوانية، وأيضاً يرعى دائماً مصالح العدو الإسرائيلي، وما يُمَكِّنُهُ من السيطرة كوكيل حصري له في هذه الأمة، في هذه المنطقة، فيما فرضه من احتلالٍ له وسيطرة على جزءٍ من بلاد العرب، من بلاد المسلمين، هذه هي الحقيقة.
ولهذا من المعروف حالياً أن البرنامج الغربي الإسرائيلي الأمريكي تجاه الدول المطبعة، تجاه الأنظمة المطبعة، هو: العمل على السيطرة عليها، لكن بطريقة أخرى، بطريقة أخرى: استغلال للعلاقات، والذين يدخلون- تحت عنوان التطبيع- في علاقات مع العدو الإسرائيلي دخلوها بطريقة غريبة، ساذجة وغبية للغاية، فتحوا المجال للعدو الإسرائيلي في كل شيء؛ ليتغلغل في كل شيء: في الوضع الاقتصادي، في الوضع الرسمي، في كل شيء:
• فتحوا المجال للتجنيس، لتجنيس الإسرائيليين؛ ليتمكنوا من خلال التجنيس إلى التغلغل في الأجهزة الرسمية وفي كل شيء، ليكون لهم المجال مفتوحاً لفعل كل شيء، هناك برنامج واسع للسيطرة على الدول المطبعة، من خلال، ونعني الأنظمة المُطَبِّعَة، ولكن تُمَكِّن من السيطرة على الدول نفسها.
• هناك أيضاً سعي للتأثير على البنية العقائدية والهوية والانتماء في تلك البلدان، من خلال عملية المسخ للأخلاق والقيم، وضرب الروحية الإسلامية، والانتماء الإسلامي، والإفساد للمجتمع وللجهات الرسمية، وللسيطرة على المواقع المهمة والحساسة، والسيطرة على الذين فيها، السيطرة عليهم بمسخهم، باستغلالهم، بالإيقاع بهم في المفاسد والرذائل، والسيطرة عليهم واستقطابهم، وسائل كثيرة للسيطرة، وأمر بسيط ومتاح، بالنسبة للطريقة الإسرائيلية والأمريكية المعروفة في التعامل مع مثل هذه الأمور: في الاستقطاب، والإيقاع، والسيطرة على الأشخاص.
• هناك سعي لتغيير (ديمُغْرَافي) في بعض البلدان، وأصبح من المعروف فيها أن نسبة أهاليها الأصليين ليسوا سوى عدد قليل، والباقي سكان من دول أخرى يتوافدون بازدحام كبير جدّاً، هناك أيضاً شراء وَتَمَلُّك لأهم العقارات، ولمواقع مهمة جغرافية بشكل كبير.
برنامج واسع يعملون عليه من أجل السيطرة والاستحواذ، يفضي في نهاية المطاف إلى سيطرة على كل شيء: على الوضع السياسي، على الوضع الاقتصادي، على الوضع بشكلٍ عام، والاختراق لكل المجالات؛ ولذلك ليس هناك أي تَوَجُّه وُدِّي، الإسرائيلي والأمريكي بما يفعلونه كشفوا، ويكشفون، وكشفوا سابقاً، عن حجم خطورتهم على هذه الأمة وعلى شعوبها؛ ولذلك لا خيار للأمة ولا نجاة لها إلَّا بالتَّحَرُّكِ الجاد، لدعم الشعب الفلسطيني من جهة، وللتعامل بما يبني هذه الأمة في مواجهة ذلك الخطر الحقيقي عليها.
المواقف الرسمية في العالم الإسلامي والعربي لا تزال ضعيفة جدّاً، يعني: لم تصل إلى مستوى الموقف الفعلي، في كل الاجتماعات حتى خلال هذا الأسبوع، اجتماعات ومؤتمرات تخرج فقط ببيانات، ولا تتجاوز البيانات إلى مواقف عملية وخطوات عملية؛ إنما تقتصر فقط على إصدار بيانات، ماذا تُؤَثِّر البيانات؟ ماذا تُفيد البيانات لوحدها دون مواقف عملية، دون إجراءات عملية؟ وهذا شيءٌ مؤسفٌ جدّاً ومطمعٌ للعدو! حتى البيانات في صيغتها، عندما تتناول عدة مواضيع، تتناول الموضوع الفلسطيني بلهجة معينة، بمستوى معين، وعندما تتعرض لمواضيع أخرى تكون أكثر شدة وقسوة وحدة تجاهها، حتى عندما يشيرون إلى الوضع في اليمن، أو يتحدثون عنَّا، بل حتى في توصيف العمليات البحرية، التي يُنَفِّذُها اليمن إسناداً للشعب الفلسطيني، يتحدثون عنها بطريقة سلبية، بالطريقة التي يرغب بها العدو الإسرائيلي، وَيُوَصِّفُهَا بها العدو الإسرائيلي، وهذا مؤسف!
على المستوى الشعبي، من المفترض أن يكون لما تشاهده الشعوب العربية والإسلامية من مأساة كبيرة، ومظلومية رهيبة للشعب الفلسطيني، ومن عدوانية وإجرام من جهة العدو الإسرائيلي، أن يكون لذلك أثر في الوعي، في استفاقة الضمير، في التَّحَرُّكِ العملي، نحن قلنا عن الشعوب المكبوتة، المعانية، المغلوبة على أمرها، التي لا تستطيع أن تتحرك حتى على مستوى مظاهرات، أن تتحرك بِجِديِّة في مسألة المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، وكان من المفترض أن تكون شركات كبرى أمريكية وإسرائيلية، وشركات أخرى التي هي واضحة في أنها تدعم العدو الإسرائيلي، أن تكون قد أفلست، من تلك الشركات التي تعتمد بشكلٍ أساسي على أسواق عربية وإسلامية؛ لأن هناك شركات أمريكية، وهناك شركات صهيونية، وهناك شركات داعمة للعدو الإسرائيلي بوضوح، وهي تعتمد بشكلٍ كبير على السوق العربية، على أسواق العرب، على أموال العرب، يفترض أن تكون تلك الشركات قد أفلست لو أن هناك توجُّه واعٍ، يُحِسُّ بالمسؤولية، يتجه للمقاطعة، والمقاطعة أمر متاح، قرار يستطيع أن يتخذه كل مواطن عربي، كل مواطن في العالم الإسلامي، لا أحد يستطيع أن يجبره على شراء البضائع الأمريكية أو الإسرائيلية، وهناك بدائل لها، لكن هناك تقصير في مستوى التَّحَرُّك حتى إلى مستوى هذه الخطوة، هناك نقص في الوعي بالمسؤولية.
على الجميع أن يدرك أن هناك مسؤولية دينية، المسؤولية الدينية تعني أن هذا جزء من الالتزام الإيماني الأخلاقي والديني، الذي يُسأل عنه الإنسان يوم القيامة، المسؤولية الدينية يعني أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” سيحاسبك يوم القيامة، فيما يحاسبك عليه، ويسألك عنه، ويجازيك عليه، عن موقفك العملي تجاه مظلومية الشعب الفلسطيني، هذه مظلوميةٌ تعنيك، أنت من هذه الأمة، تعنيك بحكم ما عليك من مسؤوليات تجاه أمتك، مسؤوليات في مواجهة الظلم، والطغيان، والإجرام، والعدوان، والباطل، والمنكر، مسؤوليات تعنيك أنت؛ لأنك جزءٌ من هذه الأمة، ما يحصل عليها يحصل عليك، له آثاره وتبعاته عليك أنت في نهاية المطاف، والمسألة مسألة مراحل.
الأخوة المجاهدون في فلسطين، وحزب الله في لبنان، هم في الخندق الأول والمترس الأول، يجاهدون في سبيل الله، ويقدمون خدمة كبيرة لأمتهم بكلها، لو لا جهاد المجاهدين في فلسطين، وجهاد المجاهدين في لبنان، لكان العدو الإسرائيلي قد تمكَّن من إلحاق أضرار كبيرة بالأمة، وحقق الكثير من أهدافه في استهداف بقية الشعوب، لكنَّ أولئك كانوا يقارعونه- ولا يزالون- بفاعلية عالية ومتصاعدة، وعلى مدى عقود طويلة من الزمن، خمسة وسبعين عاماً والأحداث مستمرة لا تتوقف.
فالمسؤولية كبيرة، وهي مسؤولية دينية، المسؤولية هي: الجهاد في سبيل الله بكل ما يمكن، لم تصل المسألة إلى درجة أن يكون الإنسان معفياً بشكلٍ تام؛ لأن هناك مجال لأي موقف، في أي مستوى، بحسب واقع الشعوب وظروفها، والشعوب التي لديها فرص أكبر لأن تتحرك بشكل أكبر، أيضاً اللوم عليها أكبر، والمسؤولية عليها أكبر لماذا لا تتحرك بمستوى المسؤولية، بما يليق بها، وبمستوى ما تستطيع فعله، ما تتمكن من فعله، هذه مسألة مهمة جدّاً، الكل أمام اختبار أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران: من الآية179].
ما الذي يمكن أن يؤثر في البعض من الناس، إذا لم يكن ما يحصل في فلسطين من قتل، وإبادة جمعية، وظلم رهيب جدّاً، ومآسٍ، وتدمير للمساجد، وإحراق للمصاحف، ومساس بالكرامة الإنسانية من خلال الاغتصاب، وجرائم الاغتصاب، وانتهاك الحرمات والأعراض، كل أنواع الجرائم، وأبشع أنواع الجرائم، إذا لم يكن شيءٌ منها يُغضِبُك ولا يستفزك، ولا يُثير مشاعرك، ولا يُحَرِّك فيك الشعور بالمسؤولية، فما هو الذي يمكن أن يغضبك، أو أن يُحَرِّكَ ويحيي فيك الشعور بالمسؤولية؟! هذا معيار لمستوى ما بقي لدى الإنسان، من ضمير إنساني، ومشاعر إيمانية، ومشاعر إنسانية، وقيم وأخلاق إنسانية ودينية، متى تغضب؟! متى تتحرك؟! متى تشعر بمسؤوليتك، إذا لم يُحَرِّك فيك ما يحصل هناك أي شيءٍ من ذلك؟! هذه مسألة مهمة جدّاً.
ولهذا حينما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، الأحداث تكشف وتُمَيِّز الخبيث من الطَّيِّب، من بقي لديه مشاعر إنسانية وإيمانية، وقيم، وأخلاق، وضمير حي، كيف هو موقفه، كيف يتحرك، كيف هو إحساسه وتفاعله ونظرته إلى الأحداث.
ولذلك هذه المظلومية للشعب الفلسطيني لها علاقتها بواقع الأمة، وبمستقبل الأمة، والأمة معنية تجاهها، سواءً بما تستفيده من الوعي، وتكتشفه من الحقائق، ويترسخ لديها من تلك الحقائق المهمة جدّاً، أو بحساب التبعات والنتائج والآثار، في المسألة عواقبها، لها نتائجها، لها آثارها ما بين هذه الأمة وبين الله، وفي واقعها، في مستقبلها، وفي حاضرها، وفي الدنيا والآخرة.
في محيط الخذلان الكبير، والتقصير الكبير، هناك جبهات الإسناد بالموقف الفعلي، وفي مقدمتها جبهة حزب الله، التي تستمر بزخم كمي ونوعي، وفاعلية وتأثير، واشتباك مباشر، جبهة حزب الله في لبنان هي جبهة إسناد قوية للشعب الفلسطيني، ومباشرة في مواجهة العدو الإسرائيلي، ولها تأثيرها الكبير والواضح، وما يتعلق بهذه الجبهة من آثار، ونتائج، وعمليات، يتم الإعلان عنها من جهة الإخوة في حزب الله في كل يوم.
هناك الجبهة العراقية مستمرة في الاستهداف للعدو الإسرائيلي، والأمل أن تتصاعد عملياتها أكثر، هذا ما يُؤَمَّل من الإخوة المجاهدين في العراق.
جبهتنا في اليمن مستمرة بفاعلية كبيرة بتوفيق الله ومعونة الله، ونحن نقول فيما يتعلق بجبهة اليمن: أن أكبر تَحَرُّكٍ شعبي للشعب اليمني، تجاه أي قضية قد واجهها، هو تحركه لإسناد الشعب الفلسطيني، تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة في هذه المرحلة، لم يسبق لشعبنا اليمني أن تَحَرَّك بمثل هذا المستوى من التَّحَرُّك، في المظاهرات والمسيرات، في الفعاليات والأنشطة المتنوعة، على كل المستويات بمثل هذا التَّحرُّك، هذه نعمة كبيرة، وهذا توفيق الهي كبير، وهذا أيضاً من مصاديق الحديث النبوي الشريف: ((الإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، في كل ما قد مضى لم يسبق أن يخرج الشعب اليمني في ميدان السبعين في كل أسبوع خروجاً مليونياً، بذلك الحضور الجماهيري، والزخم الجماهيري الكبير، أسبوعاً بعد أسبوع، دون كلل، ولا ملل، ولا فتور، وأيضاً في بقية المحافظات والساحات، الخروج المليوني في كل أسبوع، وبشكلٍ متوالٍ، حتى في ذروة العدوان الأمريكي السعودي على بلدنا، وبلدنا يقدِّم الشهداء يومياً، ويعاني من الدمار يومياً على مدى ثمان سنوات، لم يكن التحرك بهذا المستوى، لم يخرج الشعب في ميدان السبعين مليونياً في كل أسبوع، كانت حالات نادرة، في العام مرة أو مرتين يخرج بذلك المستوى الكبير، لكن هناك تفاعل شعبي، هناك إحساس بالمسؤولية، هناك مشاعر إنسانية مفعمة تتحرك، وهناك إحساس كبير بمظلومية ومعاناة الشعب الفلسطيني، يعني: هذا شعبٌ حي، تحرك بشكلٍ منقطع النظير، حتى في بقية البلدان ليس هناك أي شعب يخرج بهذا المستوى المليوني، والزخم الجماهيري، وهذا الكم الهائل من الأنشطة والفعاليات: المسيرات في ميدان السبعين، الفعاليات والوقفات والأنشطة غير مسبوقة، التحرك على مستوى التأهيل والتعبئة غير مسبوق في هذه الفترة الزمنية بهذا القياس.
إطلاق الصواريخ، لم يتم إطلاق الصواريخ خلال ثمان سنوات من العدوان الأمريكي السعودي على بلدنا إلى السعودية، ولا إلى الإمارات، خلال ثمان سنوات، بمقدار ما أطلقته القوة الصاروخية في عملياتها البحرية، وإلى فلسطين المحتلة، في الخمسة أشهر، يعني: قارنوا بين ما أطلقته القوة الصاروخية في ثمان سنوات إلى السعودية والإمارات، وبين ما أطلقته القوة الصاروخية في خمسة أشهر فقط في العمليات البحرية، وإلى فلسطين المحتلة، عدد الصواريخ في الخمسة أشهر أكثر مما تم إطلاقه إلى السعودية والإمارات في ثمان سنوات، يعني: هناك اهتمام وجديَّة كبيرة، وسعي للعمليات الفاعلة والمؤثرة بزخمٍ جيد.
أمَّا على مستوى المقارنة الزمنية، يعني: عندما نقارن خمسة أشهر، تحرَّكت فيها القوات المسلحة في عملياتها بالطائرات المسيَّرة، والصاروخية، والبحرية، فالزخم للعمليات في تلك العمليات، لا يماثله أي فترة زمنية مساوية خلال فترة عدوان الثمان سنوات على بلدنا، بمعنى: أننا نسعى لأن نقدِّم مع فلسطين، وأن نعمل مع فلسطين، أكثر مما قدَّمناه لأنفسنا، وبلدنا، وشعبنا.
شعبنا تحرَّك لمساندة القضية الفلسطينية بأكثر مما تحرَّك لقضيته ونفسه، ومظلوميته، وهو مظلوم، ومعتدى عليه، القوات المسلحة تحرَّكت بفاعلية وزخم بأكثر مما سبق خلال المراحل الماضية، فللقضية الفلسطينية هذه الأهمية، والإحساس بالمسؤولية تجاهها كبير، وشعبنا العزيز ارتقى في وعيه وإحساسه بالمسؤولية، وارتقى في قدراته وإمكاناته، وارتقى في نشاطه العملي خلال كل المرحلة الماضية، مرحلة الثمان السنوات، التي كان الأعداء يسعون أن يقضوا على كل ما يقوم به هذا الشعب، ويحيي هذا الشعب، ويبني هذا الشعب، في بدايتها، وفي أسابيعها الأولى، لكنهم فشلوا، هذا الشعب ارتقى في كل شيء: في وعيه، في إيمانه، في إحساسه بالمسؤولية، في نشاطه وفاعليته، في رشده، ازداد رشداً ووعياً وحكمةً، وهذه من الحكمة، التفاعل الراشد مع الأحداث، مع المظلومية، مع قضايا الأمة، هذه من الحكمة.
هناك شعوب أكبر تفاعلها وتأثرها هو مع كرة القدم، بأكبر من أي قضية في العالم، بأكبر من مظلومية الشعب الفلسطيني، بأكبر من أي نكبة أو مأساة على شعب، التفاعل الكبير جداً في الحضور، في المتابعة، في بذل المال، التفاعل النفسي والوجداني والشعوري، إلى درجة أنَّ البعض يمزق ثيابه، ويخدش وجهه، والبعض يغمى عليه حينما ينهزم فريق في لعبة كرة قدم، في لعبة كرة قدم! يعني: تفاعل أعلى مستوى من التفاعل في مثل تلك الأمور، نحن لا نعني أن نتخذ موقف من مثل الأنشطة الرياضية، لكن مستوى التفاعل، نحن نتحدث عن مستوى التفاعل الذي يعبِّر عن مستوى الرشد لدى الشعوب.
كما رأينا الإيمان في شعبنا في مدى إحساسه بالمسؤولية، رأينا الرشد والحكمة في مستوى التفاعل الراشد، والواعي، والناضج، مع القضايا، مع المواقف، مع الأمور، وهذا هو اللائق بهذا الشعب.
ولذلك كانت العمليات (عمليات الإسناد) المنفَّذة من بداية معركة طوفان الأقصى وإلى اليوم، بلغت: (ستة وتسعين عملية) نُفِّذت، هذا بالنسبة للصاروخية والمسيَّرة، (ستة وتسعين عملية) نُفِّذت بـ (أربعمائة وثلاثة من الصواريخ البالستية والمجنحة والطائرات المسيَّرة)، تم خلالها استهداف (واحد وستين سفينة).
طبعاً استهداف السفن في البحر عملية معقَّدة، يعني: ليست عمليات بسيطة؛ ولهذا هي بالنسبة للأعداء مُحيِّرة، أولاً: السفن وهي تتحرك في أوساط البحر، بل تنأى بنفسها إلى حيث تكون أكثر بُعداً عن السواحل اليمنية، والبعض منها بعيدٌ أصلاً، يعني: مثل ما هو حال السفن التي تُستهدف في البحر العربي، هناك محافظات محتلة، تفصل ما بين القوة الصاروخية وبين السواحل فيها، هناك مثلاً العمليات التي تتم في خليج عدن، في البحر الأحمر نفسه تبتعد السفن إلى أقصى ما تستطيعه عن ساحل محافظة الحديدة، فبُعدها، وتحركها، وتمويهها، ومحاولاتها أن تموِّه من خلال- على المستوى التقني والفني- من خلال إطفاء أجهزة التعارف… وغيرها، وبوسائل كثيرة، ثم التمويه في المعلومات، ومحاولة الخداع في المعلومات في المواقع على الإنترنت، كل ذلك تم تجاوزه، واستهدافها وهي في حركة سير في البحر، اكتشافها، واستهدافها، وإصابتها بدقة، وبصواريخ بالستية، في أول مرة تستهدف فيها السفن بصواريخ بالستية، كل هذا إنجاز بكل ما تعنيه الكلمة، وأيضاً إنجاز على المستوى التقني، على المستوى الصناعي، وإنجاز على المستوى التكتيكي، والأمريكي يعرف ذلك، وهو اعترف بذلك، هناك تصريحات لعسكريين أمريكيين يعبِّرون عن اندهاشهم، واعترافهم أيضاً بأنَّ هذا يعتبر إنجازاً حقيقياً، واختراقاً كبيراً، وفعلاً لم يكونوا يتوقعونه، فهو على المستوى التقني وعلى المستوى التكتيكي أيضاً عمل كبير، وعمل مؤثر، الاستهداف لسفينة أكبر من مسألة استهداف آلية عسكرية في البر، يعني: فارق كبير جدّاً ما بين أن تستهدف دبابة في الأرض، أو سفينة أو بارجة في البحر، فهذا أيضاً له أهمية كبيرة، واعتبار كبير، وله حسابه عند الأعداء، تأثيره عليهم، نظرتهم إليه.
(واحد وستين سفينة) المستهدفة، بينها بارجات ومدمِّرات، العمليات: (ستةٌ وتسعون عملية)، الصواريخ والمسيَّرات: (أربعمائة وثلاثة) ما بين صاروخ وطائرة مسيَّرة، إسقاط طائرات متقدِّمة على العدو، سفن مستهدفة تحدثنا عن عددها، العمليات المنفَّذة في البحرين الأحمر والعربي: (أربعة وستون عملية)، العمليات المنفَّذة إلى فلسطين المحتلة: (اثنان وثلاثون عملية) بالصواريخ البالستية والمجنحة.
عمليات الإسناد المنفَّذة في هذا الأسبوع فقط: تم بعون الله تنفيذ (ثمان عمليات)، استهدفت خلالها (سبع سفن) في البحر الأحمر، والعربي، وخليج عدن، وباب المندب، بـ(تسعة عشر صاروخاً وطائرة مسيَّرة)، كان من أبرزها استهداف السفينتين الأمريكية والإسرائيلية، الذي أدَّى إلى اشتعال النيران فيهما، وإخلاء طاقمي السفينة منهما، هذا من الجمعة إلى الخميس، يعني: إلى اليوم، هذا العدد المؤثر والمتصاعد، والذي تُستخدم فيه أيضاً أسلحة جديدة، يتفاجأ بها الأمريكي والبريطاني، ويعجزون عن الحد من هذه العمليات، هم حتى بالرغم من محاولاتهم لمنعها، أو الحد منها، لكنهم فشلوا بكل ما تعنيه الكلمة. أيضاً يحاولون التشويه لها وسنتحدث عن هذه المسألة فيما بقي من الحديث.
على مستوى الفعاليات، والمسيرات، والمظاهرات، والوقفات، وهي جزءٌ أساسيٌ من الموقف، هي تتكامل مع العمليات العسكرية، وهي ظهر للعمليات العسكرية، وسند للعمليات العسكرية، وذات أهمية قصوى:
• المسيرات والمظاهرات: بلغت إلى (ألفين وخمسمائة وتسعة وثلاثين مظاهرة ومسيرة).
• الفعاليات: بلغت إلى (ستة وعشرين ألف وسبعمائة وسبعين فعالية).
• الوقفات الشعبية والمجتمعية: بلغت إلى (ستة وسبعين ألف وواحد وخمسين وقفة شعبية ومجتمعية).
• الوقفات الطلابية في الجامعات والمدارس: بلغت إلى (مائة ثمانية وأربعين ألف ومائتين وتسعة وتسعين وقفة طلابية في الجامعة والمدارس).
• الأمسيات: بلغت إلى (أربعين ألف وتسعمائة وتسعة وستين أمسية).
هذا كله نشاط داعم للشعب الفلسطيني في غزة، ومتفاعل مع مظلومية الشعب الفلسطيني في غزة.
على مستوى الأنشطة النسائية، وهي ضمن الأنشطة الحاضرة والأساسية، وجزءٌ أساسيٌ من موقف شعبنا العزيز، برجاله ونسائه، بكباره وصغاره، تشاهدون في المظاهرات والمسيرات من هم من كبار السن، الطاعنين في السن، الحاضرين في الساحات بالرغم من كبرهم في السن، الحاضرين بشيبتهم الزكية، يحضرون بكل عزة، بكل شموخ، بكل إباء، لم يبحثوا عن المبررات والأعذار للبقاء في البيوت، تشاهدون الأطفال الذين يحضرون، هذا شرف لهذا الشعب، أنَّه يتفاعل بهذا المستوى، بكل أبنائه، بالكبار والصغار، بالرجال والنساء، بحرائره المؤمنات، الأنشطة النسائية:
• بلغت الفعاليات والوقفات النسائية: (ألفان وأربعمائة واثنان وعشرون فعالية ووقفة نسائية).
• وهناك وقفات نسائية مركزية: (مائتين واثنين وثلاثين وقفة).
• وندوات نسائية: (أحد عشر ألف وثمانمائة وثمانية وثلاثين ندوة نسائية).
• وقوافل العطاء والإنفاق: (اثنان وأربعون قافلة نسائية).
فهناك تَحَرُّك وتفاعل لا نجد له مثيلاً في أي شعب، ولا في أي بلد، نحن لا نقول هذا بقصد التقليل من أي جهد في أي بلد؛ وإنما أيضاً لنضع الأمور في مواضعها، وأيضاً لنشيد ونحفِّز ونشجِّع الكل للتحرك الذي ينبغي، والذي يليق بمستوى المسؤولية، وحجم المظلومية للشعب الفلسطيني.
على مستوى الفعاليات والمسيرات والمظاهرات والوقفات خلال أسبوعين فقط:
• المسيرات والمظاهرات: (ثلاثمائة وثمانية وخمسين مسيرة).
• الفعاليات: (ثلاثة ألف واثنين وثلاثين فعالية).
• الوقفات الشعبية والمجتمعية: (خمسة ألف وثلاثمائة واثنان وسبعين وقفة).
يعني: أنَّ هناك أيضاً تصعيد في التحرك الشعبي.
• الوقفات الطلابية في الجامعات والمدارس: (ستة آلاف وتسعمائة وتسعة وثلاثين).
• الأمسيات: (عشرة ألف وثلاثمائة وثمانية وتسعين أمسية).
هذا التحرك على مستوى أسبوعين فقط.
الإيجابية في هذا التحرك والنشاط الشعبي: أنه بهذا المستوى الواسع والكبير، وبزخمه الهائل، على مستوى الحضور والتفاعل الشعبي من حيث العدد، والحضور الجماهيري، ومن حيث العدد، ميزته أيضاً المهمة جدّاً هي الثبات والاستمرار؛ لأنه في الحالة العربية بالدرجة الأولى، هناك مشكلة تحدثنا عنها منذ اليوم الأول من العدوان الإسرائيلي على غزة، وهي: التفاعل اللحظي والآني، ثم البرود، وانعدام الاحساس بالمسؤولية، والملل، والفتور، وانعدام التفاعل، وهذه حالة مؤسفة جدّاً، هي تُعَبِّر عن ضعف كبير في مستوى ما يحمله الإنسان من إيمان، ووعي، ورشد، وحافز ودافع إنساني.
إذا كان الإنسان لا يتفاعل إلَّا للحظة، ثم يتروَّض ويتعوَّد، وتصبح مشاهد المأساة الكبرى للشعب الفلسطيني، والمظلومية التي لا مثيل لها التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، تصبح بالنسبة للإنسان أمراً عادياً واعتيادياً، ومشهداً اعتيادياً روتينياً، هذا يعبِّر عن حالة هابطة جدّاً من الرشد، والأخلاق، والقيم، والمشاعر الإنسانية، إذا كان تفاعل الإنسان للحظة في بداية الأمر، ثم انتهى كل شيء.
الاستمرار والثبات مسألة مهمة جدّاً، ذات أهمية وقيمة إنسانية، وأخلاقية، وإيمانية، تعبِّر وتشهد وتدل وتجلِّي واقع الإنسان فيما يحمله من مشاعر إنسانية، وأخلاق، وقيم، وضمير حي، وإحساس عالٍ بالمسؤولية، وبما هو عليه من رشد، ومستوى الوعي لديه، وهذه مسألة مهمة جدّاً، وذات أهمية كبيرة جدّاً للموقف؛ لأن العدو يطمع بمن لديهم ذلك المستوى الهابط من التفاعل، الذين يتحرَّكون في بداية الأمر، ثم لا يلبثون أن يفتروا، وأن يهملوا، وأن يتنصَّلوا عن المسؤولية، إمَّا أن ييأسوا ويحبطوا، وإمَّا أن يفقدوا الشعور بأهمية ما يحصل، والتأثر تجاه ما يحصل، والتفاعل تجاه ما يحدث، والذي يحدث ليس بالأمر الهين، أمر فظيع وكبير، جرائم رهيبة جدّاً، وطغيان رهيب جدّاً، ومظلومية للشعب الفلسطيني لا مثيل لها، والمسؤولية كبيرة تجاه ذلك، فالاستمرار والثبات، والعمل المتصاعد، هو الذي- فعلاً- يدل على الإيمان، والوعي، والرشد، والحكمة، ويعبِّر عن الإحساس بالمسؤولية، ويشهد على مدى الإحساس بالمسؤولية.
في التعبئة وهي ذات أهمية كبيرة جدّاً، التعبئة فيها تدريب عسكري، وتأهيل عسكري، وجهوزية قتالية، مع أنَّ شعبنا العزيز- كما قلنا في معظم الكلمات السابقة- هو شعب مجاهد، ومسلَّح، وجاهز للقتال، ولكن مع ذلك للتدريب القتالي أهميته، وللتأهيل العسكري أهميته الكبيرة، والدورات في ذلك مستمرة، والمخرجات كثيرة:
• المخرجات لتلك الورش والدورات: قد بلغت إلى أكثر من (مائتين واثنين وثمانين ألف متدرب) خلال هذه الفترة فقط.
• العروض العسكرية: قد بلغت إلى (ثلاثمائة وخمسين عرض عسكري).
• والمناورات: إلى (سبعمائة وتسعة عشر مناورة).
• والمسير العسكري: إلى (ستمائة واثنين وخمسين مسير عسكري).
هذا على مستوى أنشطة التعبئة القتالية، مع الاستمرار فيما يتعلَّق بالإنفاق والتبرعات المالية، والإنفاق في سبيل الله.
أمَّا من جهة الأمريكي في عدوانه على بلدنا؛ لإسناد العدو الإسرائيلي، ولحماية الإجرام الإسرائيلي في غزة، فهو مستمر، والقصف الأمريكي والبريطاني على بلدنا خلال هذا الأسبوع: بلغ (ثمانية عشر غارة وقصف بحري)، وكلها- بحمد الله- فاشلة، كلها لا تأثير لها، نتج عن العدوان في خلال المرحلة هذه: ارتقى شهيد في سبيل الله، وستة جرحى من المواطنين طبعاً.
الغارات والقصف البحري قد بلغ إلى (ثلاثمائة وأربعة وأربعين غارة وقصف بحري) منذ بداية العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن لإسناد العدو الإسرائيلي، هذه الإحصائية الإجمالية، وكلها فاشلة، كلها أولاً: لن تحد من القدرات، نحن أكَّدنا على أنَّ هناك مسار ناجح، ومتصاعد، وبشكل سريع في تطوير القدرات العسكرية؛ ولذلك هناك نتائج مهمة، ومذهلة- بحمد الله- في هذا الجانب، والفارق كبير، يعني: في سرعة الإنجاز في هذا الجانب، مثلاً على مدى الثمان السنوات كان هناك نقلات نقلات، وكلها نقلات ذات أهمية كبرى.
في بداية العدوان الامريكي السعودي على بلدنا، كان المدى الصاروخي للقدرات الصاروخية قرابة الأربعين أو الخمسة والأربعين كيلو، ثم بلغ إلى مستوى فوق الألف كيلو، لكن في هذه الفترة على مستوى المدى، على مستوى القدرة الفائقة في الإصابة، والدقة الفائقة في الإصابة، والقدرة التدميرية، هناك اندهاش أمريكي حتى من ضربة الأمس، التي أصابت سفينة أمريكية، هناك اندهاش وذهول من الدقة في الإصابة، ومن القوة في التدمير.
الصواريخ أيضاً في المراحل أو في الفترة الماضية، التي لمس العدو بنفسه أنَّ هناك تطوير لها، وهناك تأثير كبير، وهناك تجاوز لتقنياته التي يحاول أن يحد أو أن يتصدى لتلك القدرات من خلالها.
الأمريكي فاشلٌ في عدوانه، لن يصل إلى نتيجة أبداً، لا في الحد من القدرات، ولا في وقف العمليات، الطريقة الوحيدة لإيقاف عمليات بلدنا البحرية، هي: بإيقاف العدوان والحصار على غزة، ليس هناك أي طريقة أخرى، التصعيد لن يفيد، له تأثيراته على الأعداء أنفسهم، هم الآن يخسرون على المستوى الاقتصادي، ليس فقط العدو الإسرائيلي الذي يخسر كثيراً خسارة كبيرة وفادحة، وهذه نعمة والحمد لله، ولكن الأمريكي أيضاً نتيجةً لتوريطه نفسه- والبريطاني كذلك- بالعدوان على بلدنا إسناداً منهما للعدو الإسرائيلي، وحمايةً لإجرامه في غزة، وسعياً منهما لأن تستمر جرائم الإبادة الجماعية لأهل غزة، للشعب الفلسطيني في غزة، للأطفال والنساء في غزة، تورَّطوا في الخسائر الكبيرة على المستوى الاقتصادي، والتأثير على وضعهم الاقتصادي، الذي يتزايد يوماً بعد يوم، كلما أصروا وعاندوا واستكبروا؛ كلما كان لذلك تأثيرات متصاعدة على الوضع الاقتصادي لديهم، وهذه مسألة يعترفون بها، وتتحدث عنها إحصائياتهم، وسائلهم الإعلامية، تقاريرهم الاقتصادية، شركات تتحدث عن ذلك، فهم يخسرون كلما استمروا، وكلما عاندوا، النتيجة هي تأثيرات عليهم في الكلفة العسكرية بنفسها، الكلفة العسكرية مكلِّفة بالنسبة لهم، كلما زادوا من حشدهم في البحر الأحمر، والبحر العربي، وكلما تورَّطوا في العدوان أكثر؛ كلما كلَّفهم ذلك في وضعهم الاقتصادي، هناك كلفة لذلك اقتصادية، وأيضاً من جانبٍ آخر في تأثير ذلك عليهم في وضعهم الاقتصادي في بلدانهم، لا خيار لهم إلَّا وقف جرائم العدوان والحصار على غزة، نحن مواصلون لتطوير القدرات العسكرية، وبرعاية الله تعالى وتوفيقه هناك نتائج مهمة، ونقلات مذهلة، تتيح تنفيذ عملياتٍ نوعية وصادمة للعدو.
ولذلك أقول للعدو الإسرائيلي، وللأمريكي والبريطاني، لكل الأعداء: القادم أعظم بكل ما تعنيه الكلمة، القادم أعظم بكل ما تعنيه الكلمة، ولذلك أوقفوا عدوانكم على غزة، أوقفوا الحصار على غزة، أوقفوا جرائم الإبادة الجماعية التي تمارسونها ضد الشعب الفلسطيني، اتركوا التجويع للشعب الفلسطيني في غزة، القادم أعظم، وهناك بشائر كبيرة في هذا الجانب، ولكن- كما قلنا في الأسبوع الماضي- نترك المجال للفعل ثم نعقِّب عليه بالقول، وسيرى العدو، وسيرى الصديق، وسيرى شعبنا العزيز مستوى تلك النتائج والإنجازات ذات الأهمية الاستراتيجية، التي تجعل بلدنا في قدراته في مصاف دول محدودة ومعدودة في هذا العالم.
في الختام أنادي شعبنا العزيز: يا شعبنا العزيز، الحاضر في الساحات والميادين، الحاضر بإيمانك، وبوعيك، وبكرمك، وبعزتك، بدينك، بأخلاقك، بقيمك، أناديك بدعوة الله، ودعوة القرآن، ودعوة الأقصى، ودعوة الشعب الفلسطيني المظلوم، المجوَّع، المضطهد، إلى الخروج المليوني يوم الغد إن شاء الله، في صنعاء في ميدان السبعين، وفي المحافظات وبقية الساحات حسب الإجراءات والترتيبات المعتمدة.
شعبنا العزيز، يا أبناء شعبنا: خروجكم جزءٌ من جهادكم، خروجكم يعبِّر عن وفائكم، عن قيمكم، عن أخلاقكم، عن إنسانيتكم، أنتم شعب الإيمان، وشعب الوفاء، شعب الشهامة والرجولة؛ ولذلك ننتظر منكم الخروج يوم الغد كما هو خروجكم في الأسابيع الماضية، خروجاً مليونياً بكل ما تعنيه الكلمة، يعِّبر هذا الخروج عن إبائكم، عن عزتكم، بمعنوياتكم العالية، التي أحبطت العدو، وأصابت العدو بالشعور باليأس، وأصابت العدو بالشعور بالهزيمة تجاه هذا العزم، وهذه المعنويات، هذا الصمود، هذا الإحساس بالمسؤولية، هذا الاهتمام الكبير، هذا الخروج والحضور المشرِّف.
نأمل- إن شاء الله- أن يكون هذا الخروج يوم الغد كما في الأسابيع الماضية، خروجاً عظيماً مليونياً، خروجاً يسعد المؤمنين، يعبِّر عن التضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت يعبِّر عن الثبات، عن الاستمرار، الذي يراهن العدو على أنَّه قد يتأثر مع طول الوقت.
أَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُعَجِّل بِالفَرَجِ وَالنَّصر لِلشَّعَبِ الفلَسطِينِي المَظْلُوم، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا.
وَأَسْألُ اللَّه أَنْ يَكتُبَ أَجْرَكُم، وَأَنْ يُبَيِّضَ وجُوهَكُم يَوْمَ القِيَامَة، يَوْمَ تَلتَقُونَ بِرَسُوْلِ اللَّه “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” فِي سَاحةِ المحشر، فتكونون- وأنتم تحملون صحائف أعمالكم- قد بيَّضتُم وجُوهَكُم بهذا الموقف المشرِّف، في هذه المرحلة التاريخية المهمة، وَأَسْألُ اللَّه أَنْ يُبَارِكَ فِيكُم، وَأَنْ يُعِينَكُم.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛