الهجرة النبوية نقطة تحول محوري في تاريخ الإسلام
الصمود||
تعد الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة المنورة واحدة من أبرز الأحداث الفارقة في التاريخ الإسلامي، بل وفي تاريخ الإنسانية جمعاء. فقد شكّلت هذه الهجرة نقطة تحول محورية في مسيرة الدعوة الإسلامية، حيث انتقل المسلمون من مرحلة الاضطهاد والمعاناة إلى مرحلة بناء الدولة والمجتمع الإسلامي المتكامل.
بدأت الهجرة في ظروف بالغة الصعوبة، حيث كان المسلمون في مكة يتعرضون لأشد أنواع التعذيب والاضطهاد على يد قريش التي رأت في الدعوة الإسلامية تهديدًا لمكانتها الدينية والاجتماعية والاقتصادية. ولم يكن أمام النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله وأتباعه سوى البحث عن ملاذ آمن يمكنهم فيه ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، ونشر الإسلام في جو من السلام والأمان.
مدينة يثرب (المدينة المنورة) كانت هي الوجهة المختارة، وقد سبق النبي صلوات الله عليه وعلى آله إليها عدد من الصحابة الذين هاجروا فرارًا بدينهم. كانت يثرب تتمتع بتركيبة سكانية مميزة، حيث كان يسكنها القبيلتان اليمانيتان الأوس والخزرج. وقد استقبل أهل يثرب المسلمين المهاجرين بحفاوة وكرم، وعاهدوا النبي صلوات الله عليه وعلى آله على الدفاع عن الإسلام وحمايته.
الهجرة النبوية لم تكن مجرد انتقال جغرافي، بل كانت بداية لتأسيس أول دولة إسلامية تقوم على مبادئ العدالة والمساواة والإخاء. ففي المدينة المنورة، وضع النبي صلوات الله عليه و على آله دستور المدينة الذي نظّم العلاقات بين المسلمين وغيرهم من السكان، وأرسى قواعد التعايش السلمي واحترام الحقوق والواجبات.
في هذا التقرير، سنستعرض تفاصيل هذا الحدث العظيم، بدءًا من الأسباب والدوافع التي أدت إليه، مرورًا بالتحديات التي واجهها النبي صلوات الله عليه و على آله وصحبه أثناء رحلتهم، وصولًا إلى التأثيرات البعيدة المدى التي أحدثتها الهجرة في نشر الإسلام وبناء الحضارة الإسلامية. سنلقي الضوء أيضًا على دور الشخصيات البارزة في هذا الحدث، وكيف ساهمت بتضحياتها وشجاعتها في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي.
دوافع الهجرة النبوية
في بداية البعثة النبوية كان المجتمع المكي هو الأصلح لنشأة الرسالة الإلهية وابتداء الدعوة، وذلك لما تتمتع به مكة من قداسة ومكانة دينية، ولكن بعد مضي 13 عاما من الدعوة لم تعد مكة البيئة الأفضل للرسالة
فلماذا أذن الله تعالى للنبي -صلوات الله عليه وعلى آله- بأن يهاجر من مكة المكرمة، بالرغم من قداستها، وأهميتها، وأن يهاجر إلى المدينة (يثرب)؟؟؟
والجواب
أن هذه الهجرة أتت بسبب فقدان مجتمع مكة لصلاحية أن يكون هو الحاضن للرسالة الإلهية، والحامل لرايتها، فقد صلاحية هذا الدور المهم والعظيم، وهذا الشرف الكبير، في مقابل أنَّ مجتمع يثرب (الأنصار) كان قد تهيأ لهذا الشرف الكبير، ولهذه الفضيلة العظيمة.
فتركها بالرغم من قدسيتها عندما فقدت الصلاحية لحمل هذا المشروع العظيم؛ نتيجةً لتلك العوائق ومنها:
-أنه مجتمع مادي وطمَّاع، يركِّز على الماديات.
-الارتباط بالولاء والاتّباع لأصحاب السلطة والثروة “الملأ المستكبرون”.
محطات تاريخية في الهجرة النبوية
نشأ النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” يتيماً، توفي والده مبكِّراً، وتوفيت والدته في وقتٍ مبكِّر، ثم توفي أيضاً جده عبد المطلب في وقتٍ مبكِّر، فقام بكفالته والعناية به عمه أبو طالب.
والذي قام بدورٍ مهم وإيجابي وكبير، في الدفاع عن الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” وكان له ثقله ونفوذه وتأثيره، ووقف معه بنو هاشم (عشيرة النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”) في ذلك.
بعد وفاة أبي طالب زادت المخاطر على رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” ومع استمرار النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” بحركته بالرسالة الإلهية، وتحركه الواسع والقوي والمؤثِّر، كانت الحساسيات تزداد، فكلما استمرت الحركة وكلما زاد التأثير؛ كلما زاد انزعاجهم من الإسلام، ومن حركة النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” به؛ ولذلك نظَّم الملأ من قريش حملةً للتصدي للرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” ولمحاربته بأساليب متعددة، منها:
- العمل من خلال الدعايات المشوهة للنبي “صلوات الله عليه وعلى آله” بهدف التأثير على الناس، وإبعادهم عن التقبل منه، وعن الاستماع له، وعن الاستجابة له، ومنها (دعاية أنه مجنون، ساحر، شاعر
- الدعاية على القرآن الكريم ومنها:
-أن يصفوه بالأساطير {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}
-شككوا بقدر ما يستطيعون في أنَّه من الله، وأنَّه افتراه، وتارة يزعمون أنَّه تلقَّاه من أشخاص آخرين، {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ}
- المساومات ثم عندما فشلوا، وازداد قلقهم، دخلوا في مساومات:
-عرضوا عليه أن يملِّكوه عليهم.
-عرضوا عليه مساومات مالية.
- اتجاههم لوسيلة الضغط والاستهداف
عندما فشلوا في الدعايات، والمساومات، اتجهوا إلى وسيلة الضغط والاستهداف، بالتعذيب لكل الذين يؤمنون به ممن ليس لهم حماية اجتماعية من خلال قبائلهم، واضطهادهم، وقتلهم كما فعلوا مع ياسر وزوجته.
- التآمر على النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” لاستهدافه بشكلٍ مباشر
عندما توفي أبو طالب ازدادت وتيرة الأخطار على حياته “صلوات الله عليه وعلى آله” في الوقت الذي كان الله يهيِّئ له الهجرة، التقى النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” في موسم الحج بمجموعةٍ من الخزرج من المدينة، عرض عليهم الإسلام؛ فأسلموا وآمنوا وقبلوا، ثم في الموسم الثاني أتت مجموعة أكبر، وكانت فيها بيعة العقبة الأولى، في الموسم الثالث أتت مجموعة أكبر كذلك، وكانت بيعة العقبة الثانية، والتي هي كانت قريبة من وقت الهجرة.
بعد ذلك بدأ النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” يدفع بأصحابه للخروج من مكة والالتحاق بالمدينة، الكثير منهم ممن قد يتعرَّضون للخطر فيما لو هاجر قبلهم، قدَّمهم قبله ليهاجروا إلى المدينة.
دار الندوة والمؤامرة الكبرى
في تلك الأثناء تحرَّك المشركون- وقد أحسوا بالخطورة- وعقدوا مؤتمراً يتدارسون فيه الموقف الحاسم والنهائي ضد رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” اجتمعوا في دار الندوة، وناقشوا خطةً للحسم مع رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” ولإنهاء الأمر معه، وسطَّر القرآن الكريم مؤامرتهم تلك بقول الله “جلَّ شأنه”: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وكان مكرهم يتخَّلص في دراسة ثلاثة خيارات:
1-خيار السجن {لِيُثْبِتُوكَ}.
2-خيار القتل {أَوْ يَقْتُلُوكَ}
3-خيار النفي {أَوْ يُخْرِجُوكَ}
{وَيَمْكُرُونَ}: اجتمع رأيهم على خيار القتل، فدرسوا الخطة لتنفيذ هذا الخيار، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” كان يعلم ماذا يمكرون، وفي نفس الوقت كان في تدبيره “جلَّ شأنه” يبطل كل مكرهم، ويحوله لصالح النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”.
الإمام علي عليه السلام ودوره البارز في نجاح الهجرة النبوية
أخبر الله “جلَّ شأنه” نبيه “صلوات الله عليه وعلى آله” بواسطة الوحي بمؤامرة الأعداء، وأنهم قد عزموا على قتله، وقد أعدوا خطةً لتنفيذ ذلك، وبات الوقت ملحاً لخروجه “صلوات الله عليه وعلى آله” وهجرته.
ففي تلك الليلة، بعد أن أعدوا خطتهم هذه، وجهزوا لتنفيذها، وأرسلوا أولئك المقاتلين للتنفيذ، نزل جبريل “عليه السلام” بوحي من الله، أخبر النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” مسبقاً، وأعطاه الإذن والأمر من الله بالهجرة، ولكن لنجاح عملية الهجرة والخروج من منزل النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” سيما والمكان الذي كان يبيت فيه النبي كان مكاناً مكشوفاً، يتضح ما إذا كان النبي موجوداً أو غائباً، كان لابد من عملية تمويه حتى يتوهم أولئك أن النبي لا يزال موجوداً بينما يتمكن هو من الخروج والهجرة؛ فالنبي “صلوات الله عليه وعلى آله” عندما أخبر الإمام علياً “عليه السلام” بذلك كان جاهزاً لفداء النبي، فقال: ((نُعُمَا وكرامة))، وفرح بذلك، واستبشر جدًّا، أنه سيحظى بهذه المهمة الفدائية، التي يبيت فيها في فراش النبي، حتى يتوهم أولئك الأعداء أن النبي لا يزال في فراشه، وأنه يبيت في منزله، فينتظروا حتى اللحظة التي حددوها لقتله، فينقضّوا عليه لقتله؛ يكون النبي قد خرج..
وبات علي “عليه السلام” في فراش النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” وعندما هجم أولئك، مع طلوع الفجر، تفاجؤوا حينما ثار فيهم الإمام علي “عليه السلام” تفاجأوا بأن الموجود هو علي بن أبي طالب، أما النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” فلم يكن موجوداً، وكان قد خرج.
خرج بألطاف الله دون أن يشعر أولئك؛ خرج -برعايةٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- بدون أن يشعروا، ، واتجه اتجاهاً معاكساً للطريق إلى المدينة، (جنوبا)، واتجه إلى(غار ثور)، وفي ذلك الغار بقي النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”؛ -في بعض الروايات 3 أيام-لأن أولئك المشركين عندما فشلوا في عملية الاغتيال، واكتشفوا أن من كانوا يتربصون به أثناء نومه هو الإمام على عليه السلام، عندها باتوا يبحثون عن النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” في كل محيط مكة، ويعلنون الجوائز المغرية كمكافأة لمن يدل على النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” ويكشف لهم عن مكانه، واستمروا في عملية البحث في كل محيط مكة.
{إِنَّ اللهَ مَعَنَا}
وعندما وصلوا إلى قرب الغار، وكانت تلك اللحظة من أخطر اللحظات على حياة النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” وقد ذكر الله ذلك في القرآن الكريم عندما قال “جلَّ شأنه”: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
في تلك اللحظة لم يكن بجانبه جيشٌ يقف لحمايته، ولا حراسة قوية. شخص واحد فقط يقف بجانبه، شعر بالحَزَن والقلق الشديد في تلك اللحظة الحساسة والخطرة، والنبي “صلوات الله عليه وعلى آله” يطمئنه {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، وهذه العبارة- بنفسها- تقدِّم لنا صورةً مهمة عن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” فيما كان عليه من الثقة العظيمة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وهو في أخطر لحظة، كان يشعر بأنه مع الله والله معه، كان يشعر بهذه المعية، وماذا تعنيه هذه المعية: أنه في موقع الحماية الإلهية، النصر من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” التأييد من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الحفظ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
{فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ}: المدد المعنوي الذي يساعده في التماسك الكبير في تلك اللحظة الحسَّاسة والحرجة، {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا}: أنزل الله جنوداً من عنده أيضاً لحمايته “صلوات الله عليه وعلى آله” {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى}، ورجعوا في القصة المشهورة التي ذكرها أصحاب السِّير والمؤرِّخون.
ثم انتقل النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” وكان وصوله إلى المدينة، ووصل إليها وأهل المدينة ستقبلونه بكل فرحة وشوق يرددون
طلع البــدر علــينا … من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا … مـا دعـــا لله داع
دلالة ارتباط العام الهجري بالهجرة النبوية المطهرة
ارتكز تاريخ أمتنا الإسلامية على الهجرة النبوية، وبالتالي برسول الله محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ” في حركته برسالة الله تعالى، لإخراج المجتمع البشري من الظلمات إلى النور، وتطهيره من رجس الجاهلية ومفاسدها، وما ترتب على ذلك من تحولات ومتغيرات، انتقلت بالمسلمين إلى أعلى موقع بين الأمم آنذاك، ويحمل ارتباط العام الهجري بالهجرة النبوية العديد من الدلالات أهمها:
–خير مُلهمٍ وحافز لأمتنا الإسلامية لاستقبال العام الجديد، والانطلاقة فيه بروحٍ وَثّابة، وأمل عظيم، ومعنوياتٍ عالية.
–التحرك الجاد ببصيرة نافذة، ورؤية عملية منبثقة عن مبادئها الإلهية.
-الاعتماد في انطلاقتها على كلمة الله تعالى، وعلى أساس ” وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا ”.
-الاقتداء والتأسي بخاتم النبيين وسيد المرسلين محمد بن عبدالله-صلوات الله عليه وعلى آله- بأن يستلهموا من حركة رسول الله صلى الله عليه وآله ومن دروس الهجرة النبوية ما فيه الهداية الكافية، وما يحظون من خلاله بنصر الله ومعونته،{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
-الاقتباس من الرسول-صلوات الله عليه وعلى آله-عزمه وثقته وصبره ونوره ما يضمن لها النجاح، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}.
-التحرك من موقع المسؤولية المقدسة في حمل راية الإسلام دين الله الحق وجوهر الرسالات الإلهية، وإرث الرسل والأنبياء (صلوات الله عليهم)، ولذلك يتحتم على المسلمين التحرك الجادّ من منطلق مسؤوليتهم المقدَّسة الكبرى للتصدي للطاغوت ولشره وطغيانه وظلمه وظلماته وفساده وإجرامه، لإنقاذ أنفسهم وشعوبهم وللإسهام في إنقاذ المجتمع البشري.
الثمار والنتائج
وبذلك التحرك الجاد والمعتمد على الله تعالى، والمتأسي بالنبي الأكرم-صلوات الله عليه وعلى آله- تتحقق النتائج والثمار ولعل من أبرز نلك الثمار:
-تستعيد الأمة الإسلامية عزها ومجدها ودورها الريادي البنّاء في إنقاذ نفسها بالدرجة الأولى.
-الإسهام في إنقاذ المجتمع البشري في بقية ربوع الأرض؛ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الشقاء والظلم والقهر إلى رحاب رحمة الله تعالى المتجسّدة برسوله ورسالته وتعاليمه المباركة.
إضافة إلى ما يترتّب على الايمان بها والإتّباع لها من الخير العظيم في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
سر النجاح ومفتاح الخلاص
ومع ما حدث في واقع المسلمين بعد ذلك من التراجع الخطير؛ نتيجة للانحراف والتحريف الذي عصف بالأمة، وترك تأثيراته السلبية على واقعها بكله، إلا أن مفتاح الخلاص وسر النجاح يبقى حاضراً، من خلال
أولاً/ الاقتداء الصادق برسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ”.
ثانياً/ التمسك بمنهجية الإسلام العظيم، ومحتوى الرسالة الإلهية، المعجزة الباقية (القرآن الكريم).
ثالثاً/ إدراك خصائص القوة والنجاح، التي تتميز بهما، وما تحظى به الأمة بناءً على ذلك من معونة الله تعالى ونصره وتأييده.
عنوان الهجرة النبوية في نتائجها الكبرى: {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا}
وهذا هو العنوان الذي تحتاجه الأمة في مواجهة كل التحديات، فالأمة ستعلو وتصمد في مواجهة أعدائها، بقدر تمسكها بكلمة الله، وثباتها على نهجه الحقّ.
وهذا هو ما تحتاجه الأمة المجاهدة في الثبات والنفس الطويل في معركة الإسناد والتي على قائمة أهدافها استهداف السفن الصهيونية أو المرتبطة بها، التي تسطر فصولها بفضل الله وتأييده قواتنا البحرية والصاروخية وسلاح الجو المسير في البحار والمحيطات، نصرة للشعب الفلسطيني، وإسنادا لطوفان الأقصى.
الهجرة النبوية النواة الأولى للأمة الإسلامية المتحررة من سيطرة الطواغيت
يمكن لأمتنا الإسلامية بدروس الهجرة ونتائجها الكبرى، التي كان في مقدمتها: تكوين النواة الأولى للأمة الإسلامية، المتحررة من سيطرة كل طواغيت الأرض، أن تواجه كل مساعي الأعداء من الكافرين والمنافقين، الذين يحاولون إخضاع الأمة للتبعية التامة لهم.
فمع حركة الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” لتبليغ الرسالة في مكة، واجهه معظم قريش بالتكذيب، والكفر، والصد، والإساءة، والحملات الدعائية؛ بهدف تشويهه، وتشويه القرآن، وتشويه الرسالة الإلهية، بالرغم من وضوحها، وقوة حجتها وبرهانها، وانسجامها مع الفطرة، ولكنهم كانوا يعاندون؛ لأنهم ارتبطوا بمجموعة من الطغاة، المجرمين، المستكبرين، والملأ الذين لهم دوافعهم الشخصية، التي هي مبنية على الأنانية، والأحقاد، والأطماع، والكبر، والغرور.
واليوم نرى الطغاة (أمريكا وإسرائيل)، ومن يرتبط بهم يقفون في مواجهة الإسلام وأهله، بنفس الأساليب (بالتكذيب، والكفر، والصد، والإساءة، والحملات الدعائية؛ بهدف تشويهه، وتشويه القرآن، وتشويه الرسالة الإلهية)، ولن يكون لنا نصر أو عزة إلا بالاستفادة من دروس الهجرة، وما ترافق معها من تكوين النواة القوية والصحيحة للأمة الإسلامية القوية المتحررة من كل طواغيت الأرض في عصرنا الحاضر.
المؤهلات الإيمانية لشعب الإيمان والحكمة بين الأمس واليوم
كما كان الدرس الآخر من الهجرة النبوية في مجتمع الأنصار، الذي حظيَّ بشرفٍ عظيم في احتضان الرسالة الإلهية، وكانت مؤهلاته الكبرى لذلك كما ورد في الآية المباركة: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
هذه المؤهلات الإيمانية التي أشاد بها الذكر الحكيم للأنصار (الأوس والخزرج) قبل أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، ما زالت هي المؤهلات التي يمكن لشعبنا-اليوم- الثبات والارتقاء الإيماني، وهو الشعب الذي نال وسام الشرف الكبير، بقول رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ” عنه: ((الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّة)).
هذه المؤهلات الإيمانية كانت وستبقى بفضل الله ورعايته الدافع الأساسي للصبر والتضحية في معارك البحار وما يترتب عليها من مواجهة تحالفات أمريكا ومن يقف معها من الغرب الكافر، وستكون بإذن الله سببا للنصر، والتأييد الإلهي، والمعية الإلهية في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس.
فالثبات على الموقف الحق، ومواصلة المشوار في ذلك، بثقة بالله تعالى، وإخلاص، وبصيرة، ووعي، هو سبيل للنصر والعزة والفلاح؛ أمَّا الانحراف نحو التطبيع والتخاذل، فعاقبته الخسران.
أهمية اعتماد التاريخ الهجري
بمناسبة الهجرة النبوية اعتمدت في الإسْلَام وفي التاريخ بكل ما تعنيه هذه الدلالة بكل ما لها من أهمية أن يكون تاريخ المسلمين معتمداً على التاريخ الهجري على الهجرة النبوية وأن تكون الشهورُ الهجرية القمرية هي التي ترتبط بها الشعائر الدينية في الإسْلَام كما هو الحال بالنسبة لصيام شهر رمضان كما هو الحال فيما يتعلق بفريضة الحج كما هو الحال في مناسبات متعددة..
ومع الأسف الشديد هناك في الوسط العام بين المسلمين هناك عزوفٌ كبير عن الاعتماد على التاريخ الهجري، هناك اعتماد بشكل رئيسي على التواريخ الأُخْرَى، التاريخ الميلادي وغيره، ولربما في كثير من بلدان العالم الإسْلَامي، لولا أن هناك فرائضَ وشعائر دينية ارتبطت بالأشهر الهجرية والقمرية لربما والله أعلم لكان التاريخ الهجري بأسماء شهوره وتعداد سنواته قد انمحى واندَرس بشكل نهائي.
من المهم أن نعيدَ إحياءَ الاعتماد على التاريخ الهجري وأن تعودَ للمناسبات الدينية أهميتها على مستوى عام بين أَوْسَاطنا كمسلمين هذا هو الشيء الصحيح والشيء الذي ترتبط به الذاكرة التاريخية الأحداث، العِبَر، الدروس وما يرتبط بها من أُمُوْر مهمة وكثيرة كما هو الحال بالنسبة للشعائر.