صمود وانتصار

حالة اللا سلم واللا حرب وسيلة أمريكا الأخيرة لمحاولة تمرير أجندتها في اليمن

الصمود|

تضمنت الاعترافات الأخيرة لشبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية الكثير من التفاصيل المهمة حول المؤامرات التي قادتها أمريكا عقب ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م، ابتداء بالتحضير للعدوان العسكري على اليمن وصولا إلى إدخال البلد في حالة اللا حرب واللا سلم والعمل على إطالة أمدها.

ففي سياق اعترافاته أوضح الجاسوس شايف الهمداني، أنه ومع اختتام الحوار الوطني وانتصار ثورة 21 سبتمبر أدركت أمريكا أنها فقدت السيطرة على الوضع في اليمن خصوصاً عندما رفع شعار الصرخة أمام مبنى السفارة فقرروا أن يتم إدارة السفارة عن بعد، قبل أن تقرر في نهاية عام 2014 إغلاق السفارة في صنعاء.

وأشار إلى أنه وقبل مغادرة الأمريكيين السفارة الأمريكية تم إتلاف جميع التقارير والوثائق والأوراق في جميع مكاتبها بتوجيهات وإشراف مباشر من قبل السفير الأمريكي وبعد الإتلاف اجتمع السفير بجميع الموظفين واشعرهم بأنه سيتم إغلاق السفارة وأنه سيتم التواصل بهم وأن معاشاتهم ستبقى مستمرة إلى إشعار آخر.

وقال” غادرت الولايات المتحدة الأمريكية اليمن في نهاية عام 2014 وبعد مغادرتهم بأسبوعين تم التواصل من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالموظفين المحليين وإبلاغهم أنه سوف يتم إدارة ما تبقى من المشاريع الخاصة بالوكالة في اليمن عن بعد من خلال الموظفين المحليين الموجودين في العاصمة صنعاء من خلال مكالمات أسبوعية هاتفية كانت تتم بين مسؤولي الوكالة الذي تعاقبوا عليها”.

وأشار إلى أنه كانت تعقد اجتماعات أسبوعية تقريباً في مكتب شركة كيمونيكس الذي تعتبر أحد الشركاء المنفذين لقطاع التعليم عبر اتصالات جماعية لكل موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لمناقشة الملفات المختلفة وتقييم الوضع الأمني والاقتصادي والتعليمي والصحي والسياسي والاجتماعي وربطه بالوضعية المعاشة على الأرض أثناء الحرب وكان كل شخص يدلي بدلوه ويتكلم عن ملف.

ولفت الجاسوس الهمداني، إلى أن السفارة الأمريكية بشكل عام كثفت نشاطها الاستخباري بشكل كبير جداً على الملف العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي بعد مغادرتها للعاصمة صنعاء وذلك من خلال أذرعها والمتعاونين معها الذين تم تجنيدهم وبناء العلاقات معهم خلال طيلة الفترات الماضية.

أما الجاسوس عبد القادر السقاف فقد أوضح أنه “في نهاية المطاف حصلت العاقبة للأمريكيين رغم كل تحركاتهم وتخويفاتهم، أثبتوا ضعفهم في نهاية المطاف أثناء خروجهم وهروبهم، وما حصل في السفارة، وما قاموا من إتلاف للأشياء التي كانت بحوزتهم، والطريقة والحالة المخجلة التي خرجوا فيها، وهذا هو نتيجة الاستكبار والظلم”.

التحضير العسكري للعدوان على اليمن

وفي هذا السياق يقول الجاسوس هشام الوزير، ” إن عملية التحضير للعدوان على اليمن كانت مسبقة من خلال أولاً ملاحظاتي الشخصية كان يتدفق على السفارة الأمريكية عدد كبير جداً من العسكريين الأمريكيين في زيارات مكثفة من واشنطن في السنتين الأخيرة ما قبل العدوان وتحديداً في السنة الأخيرة وكنت ألاحظهم يعني يأتون بأعداد كبيرة، وفي نفس الوقت اطلعت على دراسات كانت تُشَارك مع الوكالة من معهد مثل معهد راند وهي دراسات داخلية غير مصرح بنشرها خارج المعهد تشير إلى ضرورة التعامل بطريقة عسكرية مع القوى المتمردة” حد قوله.

وأضاف” ما ذكرته لي تامي عن التحضيرات العسكرية في الجنوب واستخدام الجنوب كمنطلق عسكري للتعامل مع أنصار الله وسيطرتهم على صنعاء وكانت الفكرة الأمريكية حسب ما ذكرته لي تامي وأكدوا لي حتى هيربي سميث إن الحرب تكون مؤقتة يعني مثلاً ثلاثة إلى ستة شهور بالكثير بحيث بس يتم إجبار أنصار الله على التفاوض والقبول بالطرح الأمريكي في ذلك الوقت”.

وتابع “جزئية مهمة جداً أكدت لي أنا شخصياً أنه في تحضيرات كبيرة للعدوان، حيث طلب من جميع المشاريع التابعة للوكالة وجميع المشاريع التابعة للأمم المتحدة تسليم الإحداثيات الخاصة بالمباني لها في صنعاء، وقد طلب من الجميع تسليم الإحداثيات الخاصة بهم ورفع الإحداثيات الخاصة بهم عبر أخذها بواسطة الجي بي إس أو تحديدها على برنامج جوجل إرث ورفعها”، مشيراً إلى أنه وبجانبه الجاسوسين شايف الهمداني وعبد الحميد العجمي كلفوا بنفس المهمة وهي رفع الاحداثيات.

ولفت الجاسوس الوزير إلى أن “هذا كان من أهم المؤشرات على الاستعدادات العسكرية لتفجير الحرب على البلاد لكن حجم التحالف هذا لم يذكر لنا أو عدد الدول المشاركة هذا لم يذكر لنا لكن ذكر لنا أنه سيكون المنطلق من السعودية أن السعودية هي ستمثل رأس الحربة”.

استهداف الواقع السياسي أثناء العدوان

وفي هذا السياق أوضح الجاسوس هشام الوزير، أنه ومع بدء مفاوضات الكويت انتقل للعمل تحت إشراف كريس جينينز لتوفير المعلومات السياسية والاقتصادية والعسكرية وعمل التحليلات وكذلك الاستعداد لبدء دعم العملية السياسية التي كان متوقعا أن تنتج عن مفاوضات الكويت وبرمجة المشاريع الخاصة بالوكالة لدعم هذه العملية بناءً على أهداف الحكومة الأمريكية.

وقال” عملت كذلك مع كريس جينينز في ذلك الوقت على إعادة تجهيز مشاريع تابعة للوكالة لتستأنف دورها مرة أخرى وتكون في طور الاستعداد بحيث إذا تم الاتفاق على العملية السياسية ينطلق عمل هذه المشاريع بشكل مباشر ومنها مشروع استجابة RGP والـ NDI، وتم تجهيز هذه الوثائق والمشاريع وكنا فقط منتظرين ساعة الإشارة من واشنطن والوصول إلى اتفاق وتم الاهتمام بهذا الموضوع على أعلى مستوى من خلال اهتمام وزير الخارجية الأمريكية جين كيري شخصيا بهذا الموضوع ومتابعته له”.

وأضاف” لكن وكما هو معروف انهارت المفاوضات في اللحظات الأخيرة وبعدها بعدة أشهر تم التواصل مرة أخرى معي عن طريق جولي بيكوسكي ولاحقاً كليستريك لاند، وكان دوري في ذلك الوقت توفير مستجدات وتقديم تحليلات عن الأوضاع في البلاد ومن ضمن الأعمال التي كلفت بها تقديم تحليل شفوي لبرتني زلكسر بخصوص فتنة ديسمبر وسبب هزيمة علي عبد الله صالح”.

حالة اللا حرب واللا سلم

وبالنسبة لاستراتيجية حالة اللا حرب واللا سلم يؤكد الجاسوس هشام الوزير، أنها بدأت تتبلور وتتضح بعض معالمها في العام 2016م مع مفاوضات الكويت وكان مقرر أنها تبدأ بالتطبيق في ذلك الوقت لكن خسارة الديمقراطيين أدى إلى عدم تطبيقها.

وأشار إلى أنه بدأ الاستعداد مباشرة لهذه الحالة مرة أخرى مع قرب الانتخابات الأمريكية، وفي عام 2020م بدأت الوكالة مرة أخرى بإعادة النقاشات في هذا الموضوع وتقييمه ودراسته بالتنسيق مع الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع الأمريكية.. مبينا أنه كان يتم استدعائه لاجتماعات عبر الإنترنت بهذا الخصوص مع كل من كريس جينينز ووالسون ماينر المسؤولة عن مكتب اليمن في الوكالة الأمريكية للتنمية ومسؤولة مكتب اليمن في الخارجية الأمريكية لورا مكادمس وممثلين عن وزارة الدفاع الأمريكية.

وأكد الجاسوس الوزير أنه تم اعتماد هذا الموضوع وإقراره بشكل مباشر مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن للحكم.. مبينا أن تعيين المبعوث الأمريكي تيم ليندر كينغ من أهم ملامح هذا المشروع من ناحية فنية تخص حكومة الولايات المتحدة، ليكون مشرفا على ما يسمى بالعملية السياسية وعلى جهود الوكالة الأمريكية للتنمية والخارجية الأمريكية والسفارات الأمريكية في صنعاء والرياض وأبو ظبي وعمان حيث كانوا جميعا يعملون تحت إدارته وبتنسيق مباشر معه لأنه مبعوث الرئيس الأمريكي، ولديه الصلاحية بالتواصل مع البيت الأبيض مباشرة عبر جاكو سليفن المسؤول عن شؤون الأمن القومي وكذلك بارتباط حتى مع محطة الـ CIA المسؤولة عن هذا الموضوع.

وقال” في ذلك الوقت تم إقرار هذا المشروع والتوجه مع المانحين بقيادة أمريكية بدئا ببريطانيا عبر سفارتها وسفيرها والمسؤول عن وكالة التنمية البريطانية، وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي تم تعيين سفيره كمبعوث أممي على هذا الأساس كونه مشارك في هذه العملية من خلال دوره كمسؤول عن سفارة الاتحاد الأوروبي الخاصة باليمن المتواجدة في عمّان، بالإضافة إلى الدور التقليدي التابع والمكمل من ناحية توزيع الأدوار لكل من سفارتي هولندا وألمانيا ووكالة التنمية الخاصة بها، وفرنسا جزئياً”.

وأضاف الجاسوس الوزير “إن الهدف من كل ذلك هو استمرار الضغط على أنصار الله بحكم أنهم المكون السياسي الأساسي الذي يرفض الانصياع لكل المطالب الأمريكية والغربية بينما بقية المكونات السياسية مستعدة لخوض العملية السياسية بناءً على ما طرح من قبل الأمريكيين والغربيين”.

وأفاد بأنه “لا يوجد الآن ضغط عسكري على أنصار الله فيتم الاستعاضة بالضغط الشعبي من خلال مثلاً نشر الشائعات والعمل على اختلاق مشاكل وتكبيرها والدفع بالشارع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكذا الحديث في المجالس حول هذا الإطار”.

وأكد أن الحديث في المجالس هو من أهم الأشياء التي عمل عليها معهد الـ NDI بواسطة رباب المضواحي ومراد ظافر من خلال شخصيات اجتماعية صغيرة ومتوسطة لا زالت متواجدة في البلاد حضرت تدريبات تابعة للمعهد وهذه الشخصيات منتمية لأحزاب أبرزها المؤتمر والإصلاح والناصري.

وبين الجاسوس الوزير أن هذه الشخصيات ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي يعملون على تهييج هذه الأمور وتأليب الشارع ضد أنصار الله والزعم بأنهم يسعون لإعادة الحرب برفضهم للشروط التي تطرحها أمريكا والدول الغربية، وأنهم ينهبون موارد البلاد ويستنزفونها بحجة الحرب ولا يريدون أي عملية سياسية وغير ذلك مما يتم نشره في مواقع التواصل لممارسة أكبر قدر ممكن من الضغط على أنصار الله شعبياً لإجبارهم على الاستمرار في العملية السياسية مهما كانت مجحفة من قبل الأمريكيين.

وقال “الأهم من كل هذا هو العمل على زرع الغضب بشكل دائم ومستمر في الشارع والتركيز على مظالم حقيقية وأساسية وربطها بأنصار الله مثل موضوع الرواتب وأنهم السبب في عدم الاتفاق على دفعها لأنهم يريدون إضافة المجندين التابعين لهم من بعد 2014م وهذا مخالف للاتفاق السياسي الذي ينص على الدفع لموظفي الدولة حسب كشوفات 2014م”.. مبينا أنه يتم نشر هذه الإشاعة بشكل كبير جداً، على أنها السبب في عدم الاتفاق على دفع الرواتب.

وأشار إلى أنه يتم التركيز على النساء بشكل كبير لتثوير المجتمع باعتبارهن أكبر شريحة متضررة من الحرب، وذلك من خلال اللقاءات الاجتماعية ونشر الأخبار والإشاعات المغرضة وهي من الطرق التي يتم استخدامها والاعتماد عليها في حالة اللا حرب واللا سلم.

وذكر أن هناك أدوار فنية يقوم بها قسم تابع للسفارة مثل القسم الإعلامي عن طريق إبراهيم الخضر وهشام العميسي من خلال مثلاً المساعدة في تمويل الأشخاص الذي ينشرون هذه الأخبار ويركزون عليها في مواقع التواصل الاجتماعي بتدريبهم على هذه التقنيات واستخدامها.

وقال الجاسوس الوزير “حتى رباب المضواحي المتواجدة في مصر لها دور في هذا من خلال تفعيل العلاقات مع الأشخاص المرتبطين بمعهد الـ NDI وتدريب الشخصيات كذلك وتوفير تمويلات بسيطة لهم، وأخذهم إلى دورات تدريبية خارج البلاد لهذا الغرض”.

وأكد أن برامج الأمم المتحدة لها دور في هذا الموضوع وتحديداً البرنامج الإنمائي ووكالة التنمية الألمانية من خلال مشاريعها الخاصة بدعم السلطة المحلية، وكذلك الاتحاد الأوروبي من خلال دعم منظمات المجتمع ومشاريع المجالس المحلية.

ولفت إلى الاهتمام الذي توليه المنظمات الدولية بالقيادات المجتمعية التي يكون لها دور شبيه مثل اللقاءات مع مسؤولي منظمات رنين وRDD والقيادات الشابة، حيث أن منظمة القيادات الشابة لها دور في هذا الموضوع من خلال عملها مع الشباب والشابات من خلال ما يسمى بالمهارات الحياتية وهي عملية مستمرة، وتعد من أبرز ملامح حالة اللا حرب واللا سلم.

وأقر الجاسوس الوزير أن الأمريكيين أخبروه بأن هذه الاستراتيجية هي المعتمدة لديهم وأنهم على قناعة بأن الحرب لن تؤدي إلى النتائج والأهداف المنوطة بها بل على العكس زادت أنصار الله قوة وهذا غير مقبول لدى الأمريكيين.

كما أكد أن الهدف من إطالة حالة اللا حرب واللا سلم هو الضغط على أنصار الله بهدف تحقيق هدفين أساسيين، يتمثل الأول في دفعهم للقبول بعملية سياسية حسب ما هو مطروح مهما كان مجحفا، وفي نفس الوقت استمرار تعبئة الشارع وإثارة الغضب تجاه أنصار الله من أجل تفجير الشارع متى ما أتيحت الفرصة لذلك.

وأضاف الجاسوس الوزير “كنت مطلعا على هذا الموضوع من خلال ارتباطي المباشر بالوكالة الأمريكية للتنمية تحت إشراف جينفر لينك وسيبلز زقلر، ولاحقاً سوفيا كسادا، وارتباطي المباشر بكريس جينينز وهو من أهم الأشخاص المسؤولين عن هذا الموضوع بدرجة أساسية”.