النيابة العامة.. مسارات التحول الرقمي لتحسين الأداء وتقريب العدالة
وتأتي هذه الخطوة بعد إنجاز عملية الربط الشبكي عبر نظام سير الدعوى الجزائية، ونجاح المكلفين فنياً بتطويره وإدارته وتشغيله في النيابات للرقابة على الأداء ورفع التقارير الدورية أولاً بأول إلى النائب العام، حول التصرف في القضايا وسلامة الإجراءات المتخذة بشأنها مع تحديد وتحليل مكامن الضعف والخلل ومتطلبات معالجتها.
حيث تتم حاليا أتمتة جميع بيانات القضايا الواردة إلى النيابات، ووضع آليات إعداد وتنفيذ مشروع استراتيجية النيابة العامة للتحول الرقمي التي يشمل نطاقها حسب مسودة المشروع جميع الجوانب والعمليات المتعلقة بأعمال النيابة، وتحويلها إلى بيئة رقمية حديثة ومتطورة من خلال تحديث القوانين والتشريعات والهياكل واللوائح التنظيمية.
كما تشمل تطوير وتحسين بيئة العمل من منشآت وتجهيزات وتقنيات ووسائل عمل وتطبيق أنظمة إدارة الملفات القضائية الذكية، وتطوير منصات الوصول إلى المعلومات القانونية والقضائية بشكل فعَّال، بالإضافة إلى تحسين كفاءة الإجراءات القضائية والقانونية والإدارية والمالية، وتعزيز التواصل والتفاعل مع الجهات ذات العلاقة (القضائية ـ إنفاذ القانون).
وأوضح النائب العام القاضي الدكتور محمد الديلمي لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) أن هذا المشروع يأتي ترجمة لموجهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي والمجلس السياسي الأعلى الذي يولي المنظومة العدلية جل الاهتمام، وفي إطار تنفيذ النيابة العامة لخططها المرحلية الهادفة إلى استخدام الوسائل التقنية لتحسين الأداء، وتوجيه الجهود وتوحيدها لزيادة سرعة وكفاءة وفعالية التحقيقات وجمع الأدلة وتحريك الدعاوى الجزائية ومتابعة تنفيذ الأحكام والقرارات الجزائية.
وأشار إلى أن النيابة العامة في مسار هذه العملية حرصت على تعزيز أوجه التعاون والتنسيق مع جميع الجهات ذات العلاقة بإنفاذ القانون لما فيه ضمان تحقيق أهدافها في حماية المجتمع والدفاع عن الحقوق والحريات وتحقيق العدالة الناجزة.
وعن الإجراءات الفنية للتحول الرقمي ذكر رئيس الفريق المكلف بإعداد معالم الاستراتيجية – رئيس دائرة الرقابة الرقمية، جميل الهتار، أن محددات الآلية التنفيذية لإعداد المعالم الاستراتيجية تضمنت تحديد الوضع المأمول وتحليل الوضع الراهن وتحديد المشاريع الاستراتيجية للفترة المطلوبة عشر سنوات.
وأشار إلى العمل الذي تقوم به دائرة الرقابة الرقمية بمكتب النائب العام، باعتبارها الخطوات الأولى للتحول الرقمي في الإشراف على تشغيل نظام سير الدعوى الجزائية في النيابات والرقابة على الأداء من خلال النظام ورفع التقارير الدورية أولاً بأول.
وأوضح الهتار أن التقارير المرفوعة تشمل تجاوز الأعضاء للمدد القانونية سواء في مدة التحقيق والتصرف أو في مدة الحبس دون تمديد، كما تقوم الدائرة بالمتابعة المستمرة لمختصي نظام سير الدعوى الجزائية في كافة النيابات والتواصل معهم بشأن البيانات المدخلة في النظام وأي قصور بالإضافة إلى استلام الملاحظات المتعلقة بالنظام من المختصين وإرسالها لمركز المعلومات.
وبين أن الدائرة مختصة بمتابعة توفير متطلبات التشغيل من أجهزة ومعدات لازمة وكذلك ترشيح المختصين العاملين في نظام سير الدعوى الجزائية ومتابعة إجراءات اختبارهم وتوظيفهم وتدريبهم.
وفي هذا المسار من النشاط الرقمي كانت النيابة العامة بدأت في مارس 2023، بتجهيز كوادرها فنيا للتعامل مع التقنية الحديثة من وسائل وأجهزة إلكترونية، من خلال تنفيذ أول دورة حول إدخال البيانات وأرشفة الملفات القضائية إلكترونياً، تلقى خلالها أكثر من 50 كادراً من رؤساء الأقلام الجنائية في النيابات الاستئنافية والابتدائية في أمانة العاصمة، ومحافظات صنعاء والجوف وذمار، معلومات نظرية وتطبيقية حول نظام سير الدعوى الجزائية، ووجهات الإدخال وحقول البيانات، ومهام واختصاصات رئيس القلم الإلكتروني.
وتعرف المشاركون أيضاً على طرق التعامل مع واجهات القيادة والمتابعة الخاصة بمستخدم رئيس القلم، ومفاهيم عامة عن الأرشفة التقليدية والإلكترونية، وأرشفة ملف القضية من خلال نظام سير الدعوى وتطبيقات عملية على النظام.
وفي يونيو ٢٠٢٤م، سارعت دائرة التدريب والتأهيل في مكتب النائب العام إلى إعادة صياغة عناوين برامجها التدريبية المتصلة بالأرشفة الإلكترونية للملفات القضائية بما ينسجم مع توجهات الدولة نحو الأتمتة بإطلاق برنامج أوسع بعنوان “مكننة أعمال النيابة العامة وحوسبة بياناتها من خلال نظام سير إجراءات الدعوى الجزائية”، الذي شارك فيه 27 موظفاً من مكتب النائب العام، والنيابات الاستئنافية والابتدائية في أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء.
وخلال أغسطس الجاري، تنفذ الدائرة دورتين؛ الأولى لـ25 موظفا في محافظات: صعدة، حجة، ريمة، والبيضاء، والثانية لـ25 رئيس قلم جنائي في جميع نيابات الحديدة، وكذا بعض نيابات محافظات عمران وصنعاء وذمار.
وأكد رئيس دائرة التدريب والتأهيل في مكتب النائب العام، الدكتور خالد الجمرة، أن تنفيذ الدورتين يسير على قدم وساق بمشاركة مركز المعلومات في النيابة العامة، وبالتعاون مع المعهد العالي للقضاء، ودعم صندوق القضاء، مشيرا إلى أن الفترة القادمة ستشهد العديد من الدورات لتأهيل المعنيين في مختلف أجهزة النيابة العامة للتعامل بفعالية مع نظام سير الدعوى الجزائية.
وتحظى برامج التدريب باهتمام كبير من النائب العام كونها تهيئ النيابة العامة للتحول الرقمي، من خلال رفع مستوى قدرات الكادر الوظيفي لتنفيذ أعمال الأرشفة الإلكترونية لكل ملفات القضايا في النيابات، وكذا بيانات المضبوطات والمحرزات، إلى جانب منح رؤساء الأقلام الجنائية القدرة على إنجاز مهامهم وأعمالهم إلكترونياً في الإشراف على عمليات تسجيل وقيد بيانات القضايا وإجراءاتها، وإرسال الملاحظات والتعليمات لمُدخلي البيانات؛ لتصحيح حركات القيد والتسجيل.
من جانبه استعرض مدير مركز المعلومات بمكتب النائب العام المهندس جمال ثامر، أدوات ووسائل وأهداف التحول الرقمي في تقديم خدمات الكترونية للمواطن وتقريب العدالة منه من خلال إنشاء منصات وتطبيقات الكترونية، ومكاتب رقمية بالنيابات وصولا إلى التقاضي الإلكتروني والجلسات عن بعد وإيصال الشكاوى والردود عبر التطبيقات والرد عليها والتخفيف من تردد المواطنين على النيابات.
وبين أن التحول الرقمي حسب الاستراتيجية يشمل الربط والتكامل مع أجهزة إنفاذ القانون، وأتمتة التحقيقات ومحاضر النيابة وجلسات المحاكمة بحيث تكون كلها مطبوعة وتستخرج من النظام بما فيها الأوامر والقرارات التي تصدر عن النيابة، لافتاً إلى أنه سترافقها إعادة بناء هياكل النيابات الابتدائية والاستئنافية وإعادة هندسة العمليات وتبسيط الإجراءات واختصار الدورة المستندية لملفات القضايا والمعاملات والإجراءات الإدارية والمالية والخدمية.
وعن الأعمال الإدارية والتحول الرقمي أفاد المبرمج بمركز المعلومات محمد شمس الدين، بأنه سيتم استخدام نظام ERP “تخطيط موارد المؤسسة الإدارية والمالية الشامل”، لأتمتة وحوسبة الأعمال الإدارية والمالية والخدمية بالنيابة العامة عبر قاعدة بيانات واحدة تعمل وفق إجراءات وأدلة عمل موحدة، ستتحقق من خلالها الشفافية الكاملة وتجنب الوقوع في الأخطاء أو التلاعب.
ويؤكد الكثير من المهتمين بقطاع العدالة أن إنجاز هذا المشروع سيمثل نقلة نوعية في أداء النيابة لتحقيق أهدافها، فضلاً عن مواكبة متطلبات مرحلة التغيير والبناء للنهوض بالوطن وتحقيق تطلعات الشعب في حياة مستقرة ومستقبل زاهر.