إسقاط 8 طائرات “إم كيو -9” يوسع أبعاد الهزيمة الأمريكية أمام اليمن
الصمود||تقرير|| ضرار الطيب
بعد أن كتبت العمليات البحرية نهاية زمن حاملات الطائرات وفتحت نقاشات غير مسبوقة حول تغير الموازين.
جددت عملية إسقاط الطائرة الأمريكية “إم كيو-9” الثامنة من نوعها خلال 10 أشهر تسليط الضوء على واحد من أهم مسارات الانتصار الاستراتيجي الذي حققته القوات المسلحة اليمنية في مواجهة الولايات المتحدة خلال معركة إسناد غزة، وهو مسار لا يقل أهمية عن العمليات البحرية التأريخية التي أصبحت “هزيمة أمريكا” عنوانا رئيسيا لها في وسائل الإعلام الدولية.
إسقاط هذا العدد الكبير وغير المسبوق في أي مكان بالعالم من هذا النوع بالذات من الطائرات ليس حدثا عابرا لعدة اعتبارات، أولها طبيعة هذا السلاح الجوي الذي يعتبر بالنسبة للجيش الأمريكي والبحرية الأمريكية من أهم أدوات الحرب، حيث لا يكاد يخلو أي مسرح للعمليات الأمريكية العدوانية في العالم، من الحضور البارز والرئيسي لطائرات (إم كيو-9 “الحاصدة”) التي تم تصنيعها لتكون سلاحا شاملا يجمع بين أحدث تقنيات الرصد والتجسس، وبين أحدث المميزات الهجومية، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بتنفيذ عمليات دقيقة ضد أهداف عالية القيمة كالاغتيالات التي تتطلب تحقيق اختراق نوعي وإصابة مباشرة بدون المخاطرة بتعريض أي عناصر بشرية أمريكية أو طيارين للخطر، وقد اعتمدت عليها الولايات المتحدة في عملية اغتيال الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.
تكلفة هذه الطائرات تعكس بشكل واضح الأهمية والمكانة التي تحتلها في ترسانة الجيش الأمريكي، حيث تبلغ قيمة الواحدة أكثر من 32 مليون دولار، بدون المعدات الإضافية كالصواريخ الدقيقة والقنابل الذكية والتجهيزات المخصصة للمناطق البحرية، والتي يمكنها أن تضيف عدة ملايين إلى تكلفة الطائرة، فضلا عن تكلفة تشغيلها، وهذا يعبر بوضوح عن أن إسقاط هذه الطائرة ليس حدثا يقع ضمن هامش الخسائر المتوقعة والمقبولة التي يمكن تحملها في عمليات روتينية كما هو الحال مع المسيرات الرخيصة التي قد يتم إرسالها فقط لأغراض التمويه أو خداع الدفاعات الجوية.
ويتم التحكم بهذه الطائرات من قبل قواعد عسكرية للجيش الأمريكي تعمل على إدارة مهام المراقبة والهجوم بشكل مباشر، وهو ما يعني أن فاعلية العمليات التي تنفذها الطائرة لا تقتصر على ميزاتها المتطورة فحسب، بل تشمل أيضا ميزات قواعد التحكم والعاملين فيها.
هذه الأهمية تجعل من حقيقة إسقاط ثماني طائرات من هذا النوع في غضون 10 أشهر زلزالا كبيرا لا يمكن تجاهله، لأنه من جهة يمثل سقوطا مدوية للتقنية المتقدمة التي تمثلها هذه الطائرة، وهو أمر غير عادي على الإطلاق، لأن الأسلحة الأمريكية المتطورة هي أكثر من مجرد أدوات، حيث تقدمها واشنطن كـ”رموز” للتفوق والردع الاستراتيجي الفريد، إلى درجة أن إرسال هذه الأسلحة أو بيعها إلى دولة حليفة معينة يعتبر “ميزة” كبيرة لهذه الدولة، وعندما يتم التغلب على هذا السلاح 8 مرات متتالية خلال أقل من عام في مكان واحد، فإن ذلك يعني ببساطة هزيمة “التفوق” التقني الأمريكي وما يرتبط به من اعتبارات سياسية وأمنية وعسكرية تعتمد عليها الولايات المتحدة بشكل كبير في بناء سمعتها كقوة عظمى.
وبرغم الفارق في التكاليف والحجم والأهمية، يمكن الربط بين طائرات (إم كيو-9) والسفن الحربية الأمريكية فيما يتعلق بهذه الاعتبارات، ومثلما أحدثت عمليات استهداف حاملة الطائرات (ايزنهاور) ومجموعتها “الضاربة” من المدمرات هزات كبيرة فتحت مسارا غير مسبوقا للحديث المباشر والصريح في وسائل الإعلام الأمريكية عن “انتهاء زمن حاملات الطائرات” و”هزيمة أمريكا” أمام اليمن فإن إسقاط 8 طائرات من نوع (إم كيو-9) في اليمن خلال أقل من عام واحد هو مظهر آخر من مظاهر انتهاء زمن عربدة الطائرات بدون طيار الأمريكية في أجواء العالم، ودليل إضافي على هزيمة واشنطن أمام اليمن أيضا.
من جهة أخرى، وفي السياق نفسه، فإن إسقاط هذا العدد من الطائرات في اليمن يمثل فضيحة للجيش الأمريكي نفسه ولضباطه الذين يديرون قواعد التحكم بهذه الطائرات، والأساليب والتكتيكات التي يعتمدون عليها في تشغيلها والاستفادة من ميزاتها المتطورة، فخسارة 8 طائرات من هذا النوع يعني بوضوح أن الجيش الأمريكي عاجز عن تحسين أداءه فيما يتعلق بتشغيل وإدارة هذه الطائرات في الأجواء اليمنية، وبعبارة أخرى أنه قد جرب كل الأساليب والتكتيكات لتجنب نيران الدفاعات الجوية اليمنية وفشل فشلا كاملا، وهي فجوة فاضحة لا يمكن تجاهلها أو التغطية عليها في قدرات القوات الأمريكية بما في ذلك البحرية التي تقوم بتشغيل وإدارة العديد من هذه الطائرات.
ويترتب على ذلك أيضا خسائر اقتصادية واضحة، سواء من ناحية القيمة الفعلية للطائرات التي تم إسقاطها والتي قد وصلت الآن إلى أكثر من ربع مليار دولار، أو من ناحية مستقبل تجارة هذه الطائرات، حيث ستضطر الكثير من الدول إلى إعادة حساباتها بشأن جدوى اقتناء “الحاصدة” الأمريكية المكلفة التي بات اليمنيون يحصدونها بشكل شبه شهري، وهو ما فعلته الهند بحسب ما أفادت تقارير صحفية خلال الأشهر الماضية.
ولا تقتصر هذه الآثار على هذا المنتج فحسب (طائرة إم كيو -9) لأن ما يحدث يلقي بضلاله على المجمع الصناعي الأمريكي بأكمله، فإسقاط الطائرات الثمان من هذا النوع جاءت ضمن معركة أثبتت فيها مختلف التقنيات العسكرية الأمريكية فشلا ذريعا وغير مسبوق، بدءا بالسفن الحربية وحاملات الطائرات، مرورا بالطائرات بدون طيار وصولا إلى الصواريخ الدفاعية المكلفة.
والحقيقة أن المسألة لم تعد حتى مسألة قصور أدوات عسكرية معينة، بل فشل الاستراتيجيات الحربية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة والتي تبنى عليها جهود إنتاج وتصنيع الأسلحة، وكما أشارت العديد من التقارير الأمريكية خلال الفترة الماضية فإن اليمن قدم في معركة إسناد غزة نموذجا مميزا للنجاح في “الحرب غير المتكافئة” وهو ما يعني تثبيت واقع جديد تنخفض فيه قيمة الاستراتيجيات والأدوات التي قدمتها أمريكا والغرب على مدى عقود باعتبارها قوة ردع لا تقهر، وبالتالي توجيه الاهتمام العالمي نحو أنواع جديد من الأسلحة والأساليب القتالية وتحطيم أسطورة التفوق الأمريكي، وما يرتبط به من اعتبارات، خصوصا وأن أدوات وأساليب الحرب غير المتكافئة أرخص ثمنا بكثير من تلك التي تحتكرها أمريكا.