لهذه الأسباب وغيرها.. لا يريد الغرب الاعتراف بجرائم الصهاينة
الصمود||مقالات||طاهر محمد الجنيد
الماضي الإجرامي للغرب من أهم الأسباب التي تحول دون اعتراف دولهم (أنظمة وقادة) في فترات الاستعمار وما خلفته حروبها داخل القارة الأوروبية وخارجها في مختلف بلدان العالم من جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة وتدمير تلك البلدان.
فاعترافها بجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية التي يقوم بها الصهاينة في غزة وفلسطين سيؤدي إلى فتح ملفات السنوات الماضية وقد يجر إلى المطالبة بالاعتذار وربما التعويض عن تلك المجازر التي تمت، إذا تم رفع دعاوى في محكمة الجنايات الدولية أو محكمة العدل الدولية، كما حدث في محاكمات نونبيرغ.
وكما حدث في إلزام العراق بتعويض الكويت وهو أمر لا يريد الغرب تكراره، فمثلا ألمانيا مسؤولة عن التعويض جراء حروبها في روسيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من الحروب التي خاضتها وفرنسا مسؤولة عن تعويض ضحايا استعمار قارة أمريكا وإبادة الهنود الحمر وإبادة واستعمار قارة أفريقيا حتى الآن.
ويكفي أن شهداء تحرير الجزائر أكثر من مليون ونصف المليون شهيد، بخلاف القبائل التي تمت إبادتها في الجبال والكهوف التي هربت إليها لتفادي القتل والإبادة والتشريد من الجيش الفرنسي.
ومثل ذلك هولندا والبرتغال وإيطاليا وبريطانيا وإسبانيا استعمروا أمريكا وأبادوا الهنود الحمر، وأما أمريكا فلا تزال تمارس إجرامها في أنحاء العالم وجرائمها في اليابان وفيتنام أفغانستان والعراق تمنعها من الاعتراف، بل إن ذلك الإجرام يجعلها تدعم وتؤيد إجرام الجيش الصهيوني وتمده بالأسلحة والمرتزقة وغير ذلك من أشكال الدعم.
الاحتلال الصهيوني يمارس الاستعمار الاستيطاني، حيث يعمل على إبادة الأشقاء في ارض فلسطين ويستولي على الأرض ويعطيها لليهود وهو ما يؤكده المفكر اليهودي نعوم شموسكي، فالاستعمار الصهيوني استعمار بصورته القديمة، لكن بصورته الحالية في العصر الحاضر يلقى دعما قويا من أمريكا وأستراليا وكندا، ديني يستند إلى الإنجيل، استعمار استيطاني ليس كاستعمار الهند، بل أنه اقرب لما يحدث في جنوب أفريقيا والاستعمار الفرنسي في الجزائر، يقضي على السكان الأصليين مدفوعا بالمبادئ الدينية للجماعات شديدة التدين، كما هو حال التحالف بين الصهيونية والمسيحية واليهودية.
وهو رأي صحيح إذا كان الدعم والإسناد والإيجار للصهاينة كدولة على أرض فلسطين تم بجهود تلك الدولة وذلك التحالف، ولكننا وجدنا أن (إسرائيل) تحظى بدعم تلك الدول وغيرها من الدول والأنظمة كفرنسا وإيطاليا وألمانيا مما يؤكد أنها عبارة عن مشروع استعماري، تشترك فيه المنظومة الاستعمارية بوجهيها القديم أيضا الجديد، حتى أن الاتحاد السوفييتي اعترف بقيامها قبل أمريكا مع اختلاف الأنظمة، فذلك اشتراكي والآخر رأسمالي.
والأدهى من ذلك أن معظم رؤساء الكيان الصهيوني من دول المعسكر الاشتراكي بواقع (10) رؤساء و(4) من دول أوروبا و(1) أمريكا، وإذا كان الماضي الإجرامي يمنع دول الغرب وغيرها من الاعتراف بجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الجيش الصهيوني في غزة ويجبرها على مواصلة الدعم لإسرائيل فإن المصالح الاستراتيجية التي يجنبها من تعاونها مع الصهاينة تمثل أيضا سببا كافيا بحد ذاته حتى لو كان ذلك على حساب تحالفات الغرب مع زعماء الدول العربية، فالعوامل الثقافية الكبيرة والترابط بين الحلف الصهيوني الصليبي تتغلب على المصالح لزعماء العرب مع الغرب، ويصدق على ذلك قول الله سبحانه وتعالى (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، فمثلا مصالح أمريكا مع المملكة السعودية أكبر وأهم من مصالحها مع إسرائيل، لكن أمريكا ستعطي إسرائيل احدث الأسلحة كدعم بغير مقابل ولن تحصل السعودية حتى لو دفعت أضعاف الأثمان، ومصر الاشتراكية اهم صديق للسوفييت في الوطن العربي، لكن لن يتم تزويد مصر بالأسلحة النوعية التي تضمن تفوقها على الكيان الصهيوني سواء كان ذلك في فترات السلم أو الحرب، فالغرب قادر على ضمان مصالحه واحتياجاته من الثروات العربية بالقوة والإملاء، فقواعده العسكرية تحمي آبار النفط، وتحمي الأنظمة, وتتحرك في كل الاتجاهات دون قيد أو شرط، وأما إسرائيل فهي واحة الديمقراطية التي لا تسمح أنظمة الغرب بانتقادها واتهامها بأي شيء فالمواطن الأمريكي لايُلام إن انتقد الحكومة الأمريكية بكل مؤسساتها لكن أن ينتقد الإجرام الصهيوني فذلك معاداة للسامية، ومن يرغب في الحصول على الجنسية الألمانية لا بد أن يتعهد ويعترف بحق إسرائيل في احتلال فلسطين.
ومن الأسباب التي يمكن الحديث عنها كأساس لسكوت الغرب عن جرائم الصهاينة في غزة وفلسطين، الدور الذي يقوم به الكيان الصهيوني في تحقيق استراتيجية الاستعمار في الماضي والحاضر، فهي الشرط الذي يعتمد عليه الغرب في إنجاز المهام، كقاعدة استخباراتية متقدمة لمواجهة أعداء الغرب من القوى الإسلامية أو القومية أو غيرها، فقد ساهمت في العدوان الثلاثي على مصر إلى جانب بريطانيا وفرنسا، وساهمت في هزيمة المد القومي عام 1967م بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر، فهي المعول عليها في الأزمات مثل حربي الخليج الأولى والثانية، وأهم دور تلعبه الآن بالشراكة مع الغرب استهداف الإسلام كعقيدة وشريعة، فقد أوكل إليها دعم الإسلام المتطرف الذي تدعمه أمريكا ولا تزال تفعل ذلك حتى الوقت الحاضر, ووفقا لمعسكر اليهود شومسكي، فالجماعات المتطرفة التي مولها الغرب بهدف تتويه الإسلام تعمل وفقا لـ(الصليبية والصهيونية ).
فأمريكا وفقا لرأيه تنظر إلى إسرائيل كضابط عسكري، وعلاقات (استخباراتية مقاتله، ولديها الجاهزية الفورية لذلك، والإعلام يدعمها).
صحيح أن الغرب يبرر دعمة وتأييده لليهود وفقا للعقيدة اليهودية وأن فلسطين هي ارض الميعاد، لكن المؤرخ الإسرائيلي افي شلايم يكذب ذلك بقوله (الصهيونية حركة علمانية، استحضرت الوعد الإلهي لليهود بأرض الموعد، رغم عدم إيمانهم بالله، حيث استحضارهم لهذه الفكرة الدينية هو لأجل إيجاد مسوغ لأخذ الأرض من أصحابها الفلسطينيين).
إن هذا الترابط والتماهي في العلاقات الاستعمارية بين الصهيونية والصليبية، يجعل من إدانة أحدهما إدانة للآخر، وهو ما لا يريده الغرب بشكل عام كأنظمة تستفيد من وجود اليهود كمستوطنين على أرض فلسطين، ولذلك لم نسمع أحدا من قادة وساسة الغرب يدين أو يستنكر هذه المجازر التي دخلت شهرها الثامن على التوالي باستثناء تحركات الشعوب والطلاب وبعض السياسيين المحسوبين على الاتجاه اليساري، لكن الأمر لن يطول كثيرا، فالحقيقة اليوم أصبحت واقعا وشاهدا.