رغم الألم والأسى وفي ظل الإبادة.. سكان غزة يحتفون بذكرى مولد سيد الأنام
رغم الألم الكبير والأسى وفي ظل حرب الإبادة الجماعية التي يشنها العدو الصهيوني على قطاع غزة منذ ما يقارب العام.. لم يُهمل سكان القطاع الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبه وعلى آلهِ أفضل الصلاة والسلام.
وتأتي ذكرى المولد النبوي لهذا العام في وقتٍ يعاني فيه الشعب الفلسطيني من عدوان صهيو-أمريكي كبير، كما يواجه الفلسطينيون في قطاع غزة إبادة جماعية وسط صمت العالم أجمع أمام هذه المأساة المستمرة منذ نحو عام ميلادي كامل.
فلم تمنع الحرب والصواريخ والقصف والنيران الصهيونية المتواصلة، الفلسطينيين من الاحتفال بذكرى مولد سيد الأنام محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، حيث تجمع النازحين داخل الخيام واحتفلوا بالذكرى، رغم غياب مظاهر البهجة والفرح بسبب حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش العدو ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة.
وفي هذا اليوم من كل عام يُحيي المسلمون في مختلف دول العالم ذكرى المولد النبّوي بطرقٍ مختلفة لكنها متشابهة روحانيًا، تملؤها السكينة والراحة في الأصوات العذبة والابتهالات من المادحين وآلة الدف التي تعطي رونقًا موسيقيًا جميلًا تلفت نظر الحاضرين.
أما في قطاع غزة فإحياء هذه الذكرى لهذا العام يختلف عن باقي مُدن العالم، فرغم المآسي والآلام إلا أن بعض الشوارع والبيوت والمؤسسات التعليمية، تتزين وتبدأ تخرج منها روائح الحلويات والكعك مع أصوات الأناشيد الدينية التي تحاكي قصص النبي محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، فيما يُعبّر البعض منهم عن احتفاله عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تبدأ تضج بالصلاة عليه ونشر صور الاحتفالات.
ويُعد المديح النبوي، أحد أهم الفعاليات التي يقوم بها الجميع احتفاءً بمولد النبي محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، ويختص بهذه الفعالية فِرق إسلامية تكون عبر البيوت أو المؤسسات أو حتى في أماكن عامة أو رئيسية في مناطق مختلفة من القطاع، ويشارك بهذه الفعاليات الجميع.
ويبتاع المواطنون الفلسطينيون في هذا اليوم الحلويات من المحلات التجارية المختصة بها، ليتم توزيعها على المارّة في الأسواق والساحات التي يُقام فيه مديحًا نبويًا أو على الأقارب وزوّار البيوت.
كما تُعد هذه الذكرى فرحة ومحبة للأطفال فتعكس المدارس التعليمية هذا الأمر عبر التعليم والفعاليات داخل المدارس من توعية وقراءة في السيرة النبوية، ويكون هذا اليوم مميز جدًا وينعكس فرحًا وقدوة للأطفال والطلبة.
ومن المظاهر الاحتفالية الأخرى هو نشاط فِرَق الأناشيد الإسلامية والموسيقى الصوفية ذات الرداء المميز في هذا اليوم وما يليه أو ما يسبقه.
واحتفل أهالي غزة بشكل خاص بذكرى المولد النبوي الشريف بإنشاد القصائد الدينية ومنها قصيدة “إيه العمل يا أحمد” وقصيدة “قمر سيدنا النبي” وغيرها من القصائد والأناشيد.
ففي دير البلح وسط قطاع غزة وداخل إحدى خيام النزوح؛ احتفل المئات من النساء والأطفال بذكرى المولد النبوي الشريف.. وأظهر مقطع فيديو الأطفال والنساء يصدحون بالأناشيد الدينية والبسمة تعلو الوجوه رغم أصوات القصف الصهيوني المتواصل، وأزيز الطائرات المُسيّرة التي لا تتوقف.
كما أحيت مدارس ورياض للأطفال في قطاع غزة، الأربعاء، ذكرى المولد النبوي الشريف الذي يوافق الـ12 من ربيع الأول وفق التقويم الهجري من كل عام، وتخلل فعاليات الإحياء أنشطة وفقرات تثقيفية وفنية وإنشادية، فضلا عن إطلاق مدرسة لمبادرة تُحيي السنن النبوية.
ونظّمت مدرسة الزهراء الثانوية للبنات، بمدينة غزة، فعالية ثقافية تم اختتامها بتوزيع حلوى على الطالبات وهدايا رمزية.. وقالت مديرة المدرسة فايدة الإسي، في بيان نشرته على موقع المدرسة بصفحة “فيسبوك”: “إن هذا الاحتفاء يأتي تعبيرا عن حب النبي محمد صلى الله عليه وسلم”.
وأشار البيان إلى أن إحياء هذه الذكرى يأتي ضمن “برنامج تعزيز القيم الإسلامية في نفوس الطالبات”، كما يدل على “مدى الارتباط بالرسول الأعظم والسير على نهجه والاقتداء به”.
كما أطلقت مدرسة هاشم الأساسية المشتركة بغزة، مبادرة بعنوان “الباقيات الصالحات”، لإحياء السنن النبوية وتذكير الناس بها، وفق بيان نشرته مديرية التربية والتعليم شرق غزة، على صفحتها بموقع “فيسبوك”.
وقال مدير تعليم شرق غزة منير أبو زعيتر، وفق البيان: إن هذه المبادرات “تساهم في تعزيز وغرس القيم الإيجابية في نفوس الطلبة”.. مشيراً إلى أن هذه المبادرة “خيرية تطوعية تهدف لتعزيز قيم التكافل الاجتماعي بين الطلبة وإحياء سنن النبي”.
كما تضمنت المبادرة، وفق البيان، “توزيع زجاجات من المياه والعصير على بعض العاملين في المديرية وبعض العمال والسائقين في الشارع”.. لافتاً إلى أنه سيتم تقديم “مساعدات للطلبة المحتاجين في المدرسة”، دون الكشف عن طبيعة هذه المساعدات.
بدورها وزعت روضة إسناد الطفولة في مدينة خانيونس جنوب القطاع، الحلوى على الطلبة من الأطفال بمناسبة المولد النبوي، فيما أجرى أطفال روضة الوئام النموذجية (شمال) جولة في أحياء مدينة غزة القديمة طالت المسجد العمري وتم توزيع الحلوى على المصلين وعدد من التجار والعمال.. بحسب ما نقلته وكالة الأناضول.
وفي الوقت الذي يعاني فيه الشعب الفلسطيني من خذلان عربي وإسلامي، تبرز أهميّة هذا الاحتفال كدعوة للتفكر والتأمل فيما نقوم به كأمة إسلامية.. لأن المولد النبوي الشريف يذكّرنا بأن النبي محمد “صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ” هو نبي الأُمَّــة جمعاء، وهو الذي دعا إلى الوحدة والتضامن.
ولهذا فَــإنَّ الاحتفال بهذا اليوم يجب أن يكون فرصة لتجسيد هذه القيم، وللتأكيد على أننا لسنا مُجَـرّد مشاهدي الأحداث، بل نحن جزء من الحل، ولا يمكننا تجاهل التخاذل الواضح من بعض الأنظمة العربية تجاه القضية الفلسطينية.
وتختلف احتفالات المولد النبوي الشريف لهذا العام عن الأعوام الماضية، بأن “غزّة الصمود” ستكون حاضرةً هذه المرَّة، في خطوة لدعم القضيَّة الفلسطينيَّة.
وتحيي الدول العربية والإسلامية ذكرى المولد النبوي الشريف من بعد غروب شمس اليوم السبت حتى غروب شمس يوم غدٍ الأحد، الذي يوافق 12 من الشهر الهجري ربيع الأول، بفعاليات متنوعة، وعادة ما تتضمن الفعاليات تلاوات للقرآن الكريم، وإلقاء المواعظ والدروس الدينية، قبل أن تختتم بالأدعية والابتهالات في المساجد التي يقدم بعضُها هدايا متنوعة للمواطنين عند الخروج منها.
الجدير ذكره أن قطاع غزة يتعرض لحرب إبادة جماعية من قوات العدو الصهيوني منذ السابع أكتوبر الماضي تسببت حتى الآن في استشهاد واصابة أكثر من 150 ألف فلسطيني بخلاف المفقودين والموجودين تحت الأنقاض، وسط دمار هائل ومجاعة لا مثيل لها في التاريخ كله، وعلى الرغم من كل هذا الألم إلا أن سكان غزة لم يتناسوا إحياء مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف.