صمود وانتصار

شهادة السيد حسن نصر الله .. وخيارات معركة الخلاص

الصمود||تقرير||يحيى الربيعي||

على صعيد الأحداث الكبرى التي تشهدها الساحتين الفلسطينية واللبنانية خاصة والمنطقة بشكل عام، يتجاهل المجرم نتنياهو أن ظاهرة استشهاد القادة في المقاومة تشير إلى بداية معركة مصيرية تشمل كل المستضعفين والمسلمين والأحرار في العالم. وكما هو معلوم، فإن الاستشهاد في سبيل الله يعيد تنشيط الروح المقاومة ويعزز عزم الشباب على مواجهة التحديات.

إن رحيل الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله ليس نهاية المطاف، بل هو بداية لمرحلة جديدة من التصعيد ضد قوى الاستكبار. فمسيرة هذا القائد كانت مشبعة بالتضحيات الجسام، ولم يتوانَ يومًا عن مواجهة الطغيان الصهيوني والأمريكي، وكل طاقته وقدراته، لله وفي سبيل الله، نجماً مضيئاً في سماء المجاهدين، وقائداً عظيماً، ومباركاً وموفَّقاً، حاملاً لراية الإسلام والجهاد، ومجسِّداً لقيم الإسلام وأخلاقه، وعزيزاً شامخاً، ثابتاً صابراً، شجاعاً أبياً، مخلصاً، وصادقاً، وناصحاً، وأميناً، ووفياً، عرفه بذلك العدو والصديق، والمحب والمبغض، وقد حقق الله على يديه، وبجهده وجهد وأيدي رفاقه في حزب الله، الإنجازات العظيمة، والانتصارات الكبيرة، والنقلات المهمة، إلى سماء المجد والعزة.

استشهاد القائد ليس مجرد حدث عابر، بل هو مفتاح للمعركة التاريخية أمام العدو، الذي ألحق بشعوبنا الكثير من الأذى والانتهاكات. تؤكد التجارب السابقة أن المقاومة، رغم ضعف التجهيز والعتاد، أثبتت دائمًا قدرتها على مواجهة التحديات ومن المقرر أن تواصل ذلك حتى تنال حقوقها.

إن الوفاء للشهداء يقتضي الاستعداد للقتال حتى آخر قطرة دم، لمواجهة هذا العدو الذي يمثل غدَّة سرطانية جاثمة على الجسد الإسلامي. وإن أهم ما ينبغي في هذا الظرف الحساس، السعي لتخييب أمل الأعداء الصهاينة المجرمين، الذين يعوِّلون على جريمتهم الفظيعة، في كسر الروح المعنوية، وإضعاف جبهة حزب الله، التي هي جبهةٌ رائدةٌ، ومتصدِّرةٌ، وقويةٌ في مواجهة العدو الصهيوني، منذ اليوم الأول الذي انطلقت فيه مسيرة حزب الله الجهادية؛ ولــذلك فإنَّ الوفاء لشهيد المسلمين، شهيد الإنسانية، سماحة الأمين العام لحزب الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، هو بمواصلة المشوار الجهادي، بعزمٍ، وصبرٍ، وثباتٍ، واستعانةٍ بالله تعالى، وثقةٍ به، وتوكلٍ عليه.

وكما خابت آمال الأعداء الصهاينة، بعد قتلهم للشهيد المجاهد الكبير/ إسماعيل هنيَّة “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”؛ ستخيب آمالهم- بإذن الله تعالى- في جريمتهم الكبرى، باستهداف الشهيد السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”.

في هذه اللحظة المصيرية، يتحمل إخوانه في قيادة حزب الله وفي محور المقاومة المسؤولية الكبيرة ويجب منحهم الثقة اللازمة لمواجهة هذه التحديات، مع التأكيد على ضرورة التضامن والوحدة في مواجهة الظلم والاعتداء.

تحديات تفوق الكيان

لم يعد بإمكان الكيان تأمين بقائه، بل أصبح من الصعب عليه تحقيق توطين طويل الأمد لما يطلق عليه “أمن إسرائيل”. يواجه العدو الإسرائيلي تحديات تفوق قدرت أسلحته ومنظومات الاعتراض لديه وستجبره على التخلي عنها أو تجاوزها، فهي لم تعد قادرة على إخضاع محور المقاومة عن طريق القوة العسكرية أو من خلال تقديم مكافآت اقتصادية مقابل قبول وضع “الأبارتايد”، المصطلح الذي يعبر عن نظام القمع والتمييز الذي شهده نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والذي استخدمه المجتمع الدولي لإدانة الأنظمة القمعية في جميع أنحاء العالم.

خيارات القوة الساحقة

تحديات الكيان الصهيوني ليست في لبنان وحسب فما تزال غزة تمثل كابوسا للعدو، وإذ يراهن العدو الإسرائيلي على خيار استعمال القوة الساحقة لإرغام الفلسطينيين على الهجرة أو القبول بالعيش تحت نظام فصل عنصري، تؤكد احداثيات ميدان المواجهة أن قوة فصائل الجهاد والمقاومة تقف عائقا كبيرا أمام الأطماع الإسرائيلية، كما أن انخراط الفصائل المتحالفة في محور المقاومة لإسناد المقاومة الفلسطينية عزز من تنامي قوة المحاور جميعًا بمرور الوقت، إلى درجة تولد شعور لدى الكيان أن حصول قوى المحور على وقف لإطلاق النار دائم أو طويل الأمد، يعني تعزيز قدراتها القتالية بما يشكل تهديدًا جديًّا لأمن الكيان، بل وسيشكل رادعا له إن هو فكر مستقبلًا في شن أي عدوان آخر بهدف إخضاع الفلسطينيين أو أي قوة من قوى المحور.

هذه الحسابات، جعلت من الصعب على المجرم نتنياهو تقدير ما إن كان إنجاح الرهان العسكري سيقضي بفك الارتباط بين جبهة غزة وباقي جبهات الإسناد في المحور، سواء القتالية أو الداعمة معنويا أو بالمال والعتاد. الأمر الذي دفعه إلى توسيع رقعة المواجهة بشن ضربات عسكرية على حزب الله وتوسيع نطاق اغتيال قيادته من الصفين الأول والثاني بما في ذلك سماحة السيد حسن نصر الله في لبنان، وعلى اليمن بقصف ميناء الحديدة واستهداف الداخل الإيراني بالاختراقات الأمنية والأمن السيبراني، ظنا منه أن ذلك قد يدفع هذه الجبهات إلى اختيار وقف إسناد المقاومة تجنبا لخوض حرب شاملة في المنطقة، على اعتقاد خاطئ من نتنياهو في أن تكاليف المواجهة المحتملة المرتفعة قد تردع قوى المحور عن مواصلة الإسناد.

مسار مشترك وطوق إنقاذ

وفي هذا الإطار، يقول الباحث في الإعلام الدولي عماد عنان، في ورقة له تناقلتها وسائل الاعلام، إن العدو الإسرائيلي ينطلق من تصعيده مع المقاومة الإسلامية في لبنان من قاعدة أن استمرار حزب الله كجبهة إسناد سيعقّد المشهد جنوبًا في القطاع، كما سيزيد من إرهاق جيش العدو واستنزاف إمكانياته وقدراته العسكرية التي تأثرت بشكل كبير بسبب المناوشات مع الحزب.

ويلفت عنان إلى ما يراه جنرالات جيش العدو من ملائمة الظرف الحالي لتصفية حسابات قديمة مع الحزب، وفرض قواعد اشتباكات جديدة غير التي فرضتها حرب تموز 2006، في ظل حالة الخذلان والانبطاح الإقليمي والدولي التي لم تشهدها ساحات الصراع مع العدو الإسرائيلي من قبل، وهو الخذلان الذي قد اُختبر قبل ذلك في غزة، وعلى اعتقاد إسرائيلي خاطئ في أن يتكرر ذات التخاذل مرة أخرى في لبنان.

ويضيف عنان: “ترى القيادة العسكرية والسياسية للعدو الإسرائيلي أن الجبهة الشمالية مع حزب الله، وما يحدث في قطاع غزة هو مسار مشترك لمعركة واحدة ذات جبهتَين، لا سيما بعد انخراط الحزب في خط المواجهة، ليتحول مع الوقت من جبهة إسناد إلى طرف في، مشيرا إلى أن ما أحدثته جبهة لبنان من حرج سياسي وعسكري بإبقاء مناطق الشمال ساخنة وفي مرمى نيران الحزب، ما يُفشل المساعي المستمرة لعودة مستوطني الشمال الذين باتوا عبئًا ثقيلًا على الكيان، اقتصاديًا واجتماعيًا.

ويرى عنان أن تجرأ نتنياهو على فتح جبهة لبنان، بالتزامن مع التعثر في قطاع غزة، اعتماداً على استغلال مقاربات الحزب وطهران في عدم الرغبة بحرب مفتوحة قد تطيح بالمكتسبات التي تحققت على مدار عقدين كاملين، وعليه صعّد من العمليات العسكرية ضد لبنان.

وفي السياق نفسه، ترى ورقة تحليل السياسات للباحث، أن من شأن رفع احتمالات المواجهة الشاملة أن يطيل في أمد الحرب، فيظل التحالف الإسرائيلي الحكومي متماسكًا ليبقى نتنياهو رئيسًا ويضمن الإفلات من المحاسبة والمحاكمة، وهو ما يعني الدفع بقضية الأسرى الإسرائيليين في غزة إلى أدنى الأولويات، والحصول على المزيد من الدعم العسكري الأمريكي، والإجماع الذي فقده داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري الأمريكي، وتذهب إلى أبعد من ذلك بتمكنه من تجميد إجراءات العزلة التي شرعت فيها عدة دول تنفيذًا لقرارات محكمة العدل الدولية، مثل وقف الأسلحة إلى إسرائيل، أو قد يعكسها إلى دعم جديد.

سيناريوهات محتملة للتطورات

مع تفاقم الأحداث وتشابك المصالح، تبرز ثلاثة سيناريوهات محتملة لديناميكية الصراع في المنطقة، كلٌ منها يحمل تداعيات مختلفة قد تعكس ملامح المستقبل:

  1. الصفقة المتأخرة: هذا السيناريو يعد الأكثر احتمالاً ويعكس استسلام العدو الإسرائيلي أمام حرب الاستنزاف التي تقودها فصائل المقاومة، خاصة حزب الله. نتيجة الضغوط المتزايدة والهجمات المتكررة التي تعجز منظومات الدفاع الصاروخي عن صدها، قد تضطر العدو الإسرائيلي إلى قبول صفقة مع المقاومة الفلسطينية. هذه الصفقة قد تتضمن تنازلات من جانب العدو، مما يفضي إلى خسارة نتنياهو لمنصبه وتدهور الوضع الاستراتيجي للكيان، ويتيح للفصائل الفلسطينية تحقيق مكاسب سياسية ومعنوية.
  2. الحرب الإقليمية الشاملة: في هذا السيناريو، قد تتطور الأمور سريعاً نحو مواجهة عسكرية شاملة، خاصة إذا قررت جبهات الإسناد الرد بهجمات مؤلمة تفاجئ القيادة الإسرائيلية وتزعزع الرأي العام. في ظل هذه الأوضاع، قد يلجأ العدو الإسرائيلي إلى اجتياح أكبر مدعومة بغطاء أمريكي وغربي، مما يزيد من احتمالية تصاعد الوضع إلى حرب خارج السيطرة، يُخشى أن تترك أثرًا مدمرًا على دول المنطقة، وخاصة تلك التي تحتضن قواعد عسكرية أمريكية.
  3. حرب استنزاف موسعة: وفي هذا السيناريو، يواصل نتنياهو شن الهجمات العنيفة رغم الردود المتكررة من جبهات الإسناد، لكن قد تكون هذه الأفعال محصورة في نطاق زمني ومكاني محدود مع تكاليف منخفضة. هذا يؤدي إلى نمط جديد من حرب الاستنزاف، حيث يظهر توازن هش بين حالة الهدوء والحرب الشاملة. ووفقًا للتحليلات، فإن هذا السيناريو يناسب أهداف نتنياهو الاستراتيجية، إذ يوفر له البيئة المناسبة لتبرير استمرار حكمه، مع تعزيز شعوره بقدرة على عزل نطاق المقاومة الفلسطينية عن جبهات الإسناد.

يُظهر تحليل هذه السيناريوهات تعقيد الواقع، ومدى تأثير الحسابات السياسية والعسكرية على مستقبل المنطقة، مما يحتم على جميع الأطراف المعنية في المعادلة التفكير ملياً في خياراتهم وأفعالهم.

ختاما

وفي ظل تصاعد التوترات وزيادة التحديات، يبدو أن الخيار الفوري أمام الكيان الصهيوني المتصلب هو مواجهة حقيقة واقعة لا مفر منها، تتمثل في ضرورة التكيف مع واقع جديد يفرضه صمود محور المقاومة وإرادتها الحرة. إن السياسات والاستراتيجيات المعتمدة من قبل هذا الكيان، التي تعتمد على القوة العسكرية والترهيب، لن تجلب له إلا المزيد من الانعزالية والفشل.

من الضروري أن تدرك الولايات المتحدة أن استمرار الدعم الأعمى لهذا الكيان لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمات والاحتقانات في المنطقة، مما يضع مستقبل المنطقة في مهب الريح. خيارات الانسحاب من دعم هذا الكيان أصبحت ضرورة ملحة، فالتاريخ لن يرحم أولئك الذين يقفون في صف الظلم والاستبداد.

بتزايد الوعي والمقاومة، تلوح في الأفق إمكانية زوال هذه الغدة السرطانية من الجسد العربي، مما يمهد الطريق نحو عودة الحقوق والتوازن، ويؤسس لحقبة جديدة تُعيد الأمل لأمتنا نحو السلام والازدهار. وفي ختام المطاف، نجد أن الإرادة الشعبية القوية تفرض نفسها، وأن الكيان الصهيوني لن يكون بمنأى عن مواجهة تؤدي إلى زواله، فهذا وعد الله في القرآن الكريم.