الرد الإيراني أحرج الحكام العرب
احمد الشريف
تساؤلات كثيرة طرحت حول تأخر الرد الإيراني على الكيان الصهيوني وهو ما جعل المرجفين يروجون بأن إيران لن تفي بوعدها والتزامها بالرد
لكن المطلعون على سياسة القيادة الإيرانية وصبرها الاستراتيجي وتعاملها مع مختلف القضايا بروية وحكمة يعرفون إن تأخير الرد كان أمرا طبيعيا بالنسبة لسياسة إيران وإن كان قد عكس هذا التأخير نفسه سلبا لدى البعض في العالم العربي فكادوا يصابون باليأس والإحباط كون الأمل كان معلقا على الجمهورية الإسلامية في إيران كونها من تبنى القضية الفلسطينية منذ أول يوم قامت فيه ثورتها في 8 فبراير عام 1979م حيث كانت أول خطوة اتخذتها بعد قيامها مباشرة تتمثل في طرد التمثيل الدبلوماسي للكيان الصهيوني الذي كانت سفارته في طهران هي الأكبر ومعظم من كانوا يعملون فيها هم جواسيس وتحويلها إلى سفارة فلسطينية وبدلا من أن تجد هذه الخطوة ترحيبا عربيا قوبلت بالرفض فتشكل تحالف عسكري بقيادة النظام في العراق آنذاك تدعمه أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل وتموله السعودية ودول الخليج لشن حرب على إيران استمرت ثمانية أعوام بحجة أنها ستقوم بتصدير الثورة إلى الدول المجاورة وستعمل على إسقاط أنظمتها ولكنها خرجت منها منتصرة بعد أن كان الجيش العراقي قد أحتل مساحة شاسعة من الأراضي الإيرانية، وعندما أتى الرد الإيراني الذي زلزل الكيان الصهيوني وشكل مفاجأة لأمريكا وحلفائها الداعمين لإسرائيل تزامنا مع مرورعام على عملية طوفان الأقصى المباركة بدأ المرجفون الذين شككوا في تحققه يصفونه بالمسرحية كما سبق لهم ووصفوا معركة القوات المسلحة اليمنية مع أمريكا وبريطانيا وإسرائيل في البحر الأحمر بالمسرحية أيضا تغطية لعجزهم عن المواجهة وحتى لو ردت إسرائيل سيكون الرد الإيراني أشد، وكم هو مخز ومؤسف أن تقوم إيران بالثأر للقائدين المجاهدين الكبيرين إسماعيل هنية والسيد حسن نصرالله وتدك الكيان الصهيوني في عمقه وتدخل مواطنيه وقادته إلى الملاجئ والحكام العرب الخانعين والخائفين يتفرجون, بل وينتقدون إيران لأنها تدافع عن فلسطين مع إن إيران لم تتدخل وتتبنى قضية فلسطين إلا بعد أن تخلى عنها العرب وباعوها فقد مرت الأيام والأشهر والأعوام والفلسطينيون ينتظرون منذ احتلال بلدهم وتهجيرهم من يعيدهم إلى أرضهم نادمين على استماعهم لنصائح الأنظمة العربية بمغادرتها.
ولكي يطلع الجيل الجديد على من فرط بالقضية الفلسطينية سنعود قليلا إلى الوراء ونكرر ما سبق وأشرنا إليه في مقال سابق حول المفرطين، فهذا الجيل قد لا يعرف بأن الأرض التي يتم المطالبة بها اليوم لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عليها ضمن فكرة ما يسمى بحل الدولتين كانت محررة أصلا وتشرف على إدارتها مصر والأردن ولم تحتلها إسرائيل إلا في حرب يونيو عام 1967م، وحين أدرك الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة في منتصف الستينيات من القرن الماضي بأنه لا أمل في تحرير فلسطين بالكامل حسب زعم المزايدين العرب وأن إسرائيل قد أصبحت كيان أمر واقع قدم مقترحا وجيها مفاده أن يقتنع الفلسطينيون بما لديهم من أرض ويقيموا عليها دولتهم وهي المساحة المتبقية من فلسطين التي تشمل القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وقال أنه مستعد أن يقوم بالتواصل مع إسرائيل والدول الكبرى الداعمة لها لإقناعها بالقبول بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة فقامت عليه الدنيا ولم تقعد واتهموه بالعمالة والرجعية وحاولوا اغتياله وقطعوا العلاقات مع تونس وأزداد الخطاب الإعلامي القومي العربي تشنجا مهددا بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر وأتسع نفوذ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وتأثيره في الوطن العربي خاصة بعد تدخله في اليمن وإرسال جيشه إلى صنعاء للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر التي أطاحت بالنظام الملكي مهددا بتحرير الجزيرة العربية والخليج من الرجعية والامبريالية، ولكن تشاء الأقدار إلا أن تسير الرياح بما لا تشتهي السفن فقد قامت إسرائيل يوم 5يونيو 1967م بشن هجمة مفاجئة على ثلاث دول عربية في وقت واحد هي: مصر وسوريا والأردن واستطاع الجيش الصهيوني الذي كان يفترض أن يرموه العرب مع كيانه إلى البحر خلال ستة أيام أن يدمر القوات العربية في الدول الثلاث بالكامل ويهزم جيوشها ويستولي على القدس والضفة الغربية وقطاع غزة ثم أضاف إليها احتلال شبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية وأرض أردنية وهو ما جعل الرئيس جمال عبدالناصر يعترف بالهزيمة ويتحمل مسؤوليتها مقدما استقالته ولكن الشعب المصري رفضها وطلب منه الاستمرار في رئاسته لمصر وبعد عدوله عن الاستقالة لم يجد جمال عبدالناصر أمامه من خيار سوى أن يسحب قواته من اليمن لتسد الفراغ في مصر الذي أحدثته هزيمة الجيش المصري وأمر بالإفراج عن القيادات اليمنية التي كانت تقبع في السجن الحربي المصري والسماح لها بالعودة إلى اليمن وكان قد دعا إلى قمة عربية عقدت في العاصمة السودانية الخرطوم أطلق عليها قمة اللاءات الثلاث: لا صلح ولا تفاوض ولا سلام مع إسرائيل، وفي الخرطوم وجدها عبدالناصر فرصة للخروج من ورطته في اليمن التي كانت سببا لهزيمة مشروعه القومي العربي فاجتمع بالملك فيصل بن عبدالعزيز ملك السعودية حينها بحضور رئيس وزراء السودان محمد احمد محجوب وسلم الملك فيصل ملف اليمن الجمهوري في مقابل أن يقدم الدعم المادي لمصر بعد أن خسرت كل شيء ويعين أنور السادات عميل أمريكا والسعودية نائبا له وقد وافق على هذه الشروط السعودية ونفذها قبل اعتراف السعودية بالنظام الجمهوري في صنعاء ومن هنا انتهت زعامة جمال عبدالناصر للأمة العربية واختفت المزايدات الثورية ضد الرجعية والامبريالية وتحولت الزعامة ضمنيا للملك فيصل لدرجة أن آخر قمة عربية عقدت في مصر في عهد الرئيس جمال عبدالناصر في سبتمبر عام 1970م لحل الإشكال بين الملك حسين ملك الأردن والقيادات الفلسطينية بزعامة احمد الشقيري أن تنازل جمال عبدالناصر عن رئاستها للملك فيصل في محاولة منه للتودد إليه وكسب رضاه بعد أن كان يقول في خطاباته بأن جزمة أصغر جندي عربي أفضل من تاج الملك فيصل وعقاله الذهبي وهي القمة العربية التي قضى فيها جمال عبدالناصر نحبه وهو يودع أمير الكويت في مطار القاهرة الشيخ عبدالله السالم الصباح حيث يقال إن الملك فيصل اتفق مع أنور السادات بمباركة أمريكا لدس السم لعبدالناصر في عصير الجوافة الذي قام أنور السادات بتحضيره بنفسه له في المطار حينما لاحظ علامات التعب والإرهاق على عبدالناصر ليتسلم بعد ذلك أنور السادات رئاسة مصر كونه كان النائب الأول لعبدالناصر فحول مصر من اليسار إلى اليمين في غضون أشهر قليلة ليبدأ فصل جديد ومختلف في العلاقات العربية- العربية ودخول مصر مرحلة التبعية بعد أن كانت متبوعة ورائدة العمل العربي المشترك ومن هنا ضاعت فلسطين وقضيتها.