دماء القادة … بركان متجدد
الصمود||
تُبين معطيات المواجهة مع العدو، ذهاب الكيان المحتوم نحو الفصل الأخير من وجوده على الأراضي الفلسطينية. يتأكد ذلك مع استنزافه لكل أوراق الضغط الذي كان يظنها فاعلة لجهة تحقيق أهدافه من عدوانه على الفلسطينيين في غزة، ثم الضفة، وصولاً إلى لبنان، آخر هذه الأوراق كان اغتيال القادة من حركة حماس وحزب الله، والتي رفع فيها العدو سقف أوهامه إلى مستوى تفكيك مكونات المقاومة.
تجمُّد العدو الصهيوني عند ذات التصورات التقليدية التي تربط وحدة أي جماعة بالقائد لا غير، أفقدته بصورة واضحة، القدرة على إدراك الحقائق كما هي في واقع اليوم.
وبالوقوف عند مآلات المقاومة الفلسطينية المتوقعة بعد استشهاد القائد يحي السنوار في طموح وأوهام العدو، تتعزز الكثير من المُسّلمات بان الرهانات الصهيونية إنما تساهم أكثر في ظهور قادة جدد لاستكمال مسير من سبقوهم على درب الامتثال لأوامر الله سبحانه بقتال قَتَلة الأنبياء.
خيبة العدو
عند عملية اغتيال القائد إسماعيل هنية في 31 يوليو 2024، بطهران، لم يُخف العدو تعابير الفرح، متصورا أن فكرة المقاومة ستتآكل حتما على وقع الحدث. وبعد استشهاد القائد السنوار في مواجهة العزة مع مجندي العدو، احتفل الصهاينة بالخبر وقد ترسخ لديهم الوهم بأن هذا الإنجاز كفيل بضرب حماس وباقي الفصائل في مقتل، وسينفرط عقد المقاومة.
إنما هبّت الرياح على غير ما يشتهي “نتنياهو”، ففي اليوم التالي لاستشهاد السنوار جاءت معطيات المواجهة مع قوات العدو لتصفع نتنياهو وباقي المجرمين بحقيقة أن مساعيهم باستهداف قادة المقاومة الفلسطينية باءت بالفشل، إذ تواصلت المواجهة لتؤكد على رسالة الثبات والالتزام بنهج كل الشهداء حتى تحقيق النصر.
وعلى ضوء ذلك أثبتت المقاومة الفلسطينية أنها عصيّة على الحسابات الإسرائيلية مهما ارتفع حجم التضحيات، وفي ما بدا عهداً ووفاءً لدماء الشهيد السنوار والشهيد هنية وباقي الشهداء، جاءت بيانات حماس لتضع حدا لتوهّمات العدو بقدرته على هزّ الحركة أو ضرب معنوياتها.
مسيرة الجهاد باقية
في هذا السياق، أكدت كتائب الشهيد عز الدين القسام بأن مسيرة الجهاد لن تتوقف حتى تحرير فلسطين وطرد آخر صهيونيٍ منها واستعادة كامل الحقوق المشروعة.
وشددت كتائب القسام بأن العدو واهمٌ إن ظن أنه باغتيال قادة المقاومة العظام من أمثال السنوار وهنية ونصر الله والعاروري وغيرهم يمكن أن يخمد جذوة المقاومة أو يدفعها للتراجع، بل ستتواصل وتتصاعد حتى تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني المشروعة، فالشهادة أسمى ما يتمناه قادتنا، ودماؤهم ستكون نبراساً ينير طريق التحرير وناراً تحرق المعتدين.
فيما أكد عزّت الرّشق عضو المكتب السياسي للحركة أنَّ استشهاد القائد السنوار وكلّ قادة ورموز الحركة الذين سبقوه على درب العزَّة والشهادة ومشروع التحرير والعودة، لن يزيد الشعب الفلسطيني ومقاومته إلاّ قوَّة وصلابة وإصراراً على المضي في دربهم والوفاء لدمائهم وتضحياتهم.
وقال الرشق: انَّ حركة تقدّم قادتها شهداء على درب الدّفاع عن حقوق شعبها المشروعة، وتحرير أرضها ومقدساتها، لهي حركة عصيَّة عن الاجتثاث، ولن تُكسر أو تُهزم، وستمضي في نهجها المقاوم أكثر بأساً وتمسكاً بمبادئها، ومجابهة الاحتلال ومخططاته العدوانية، حتى التحرير والعودة بإذن الله وقوّته.
من جهته أكد القيادي عبد الرحمن شديد أن التاريخ يشهد أن سياسة الاغتيالات التي اتبعها الاحتلال فشلت في كسر المقاومة وحاضنتها الشعبية، بل على العكس كانت المقاومة تخرج أكثر قوة وصلابة بعد كل عملية اغتيال.
الأثر العكسي
منذ بدأ العدو سياسة الاغتيالات لقادة المقاومة، والأمل لديه يتعاظم بضرب بنية المقاومة، ذلك لأن العنفوان الذي ظهرت به حماس وباقي الفصائل في معركة طوفان الأقصى المجيدة، مثّلت الانذار الأكيد بأن الغد لن يكون كما يريده المحتل، وبأن استراتيجيات العمل على البقاء في الأراضي المحتلة لم تعد قادرة على الحياة مع تنامي الاقتدار لدى المقاومة، ولذلك جاء تعاطي الحركة مع استشهاد السنوار بهذا الوعي والتفهّم أن سمو الهدف يستحق أن ترصد له أرواح كل المنتمين إليها ثمنا من أجل تحقيقه، وهو في المقابل ما أبقي على معنويات الصهاينة في أدنى مستوياتها.
تنطلق روحية المقاومة العالية للاستمرار في قتال العدو من جملة قيم ومبادئ، وقبل ذلك من عقيدة راسخة بان قتال العدو الصهيوني هو فرض ديني لعدائيته المعروفة للإسلام والمسلمين، أولا، ولأن العدو لا يزال جاثما على صدر الأمة باحتلاله أرضا عربية ثانيا، ولما يرتكبه من مجازر مستمرة منذ (75) عاما بحق الشعب الفلسطيني وانتهاكه للمقدسات ثالثا، وهذه الثوابت هي ما تُبقى روحية المقاومة في مستوى عال من الاقدام والاستبسال والبذل، فلا تؤثر فيها أعمال جبانة يقوم بها العدو باستهدافه للقيادات سواء في فلسطين أو لبنان، وقد عكس ذلك بصورة واضحة وجلية، تماسك البُنية التنظيمية لحركة حماس عقب اغتيال القائد إسماعيل هنية، كما ظهر تماسك البُنية التنظيمية للمقاومة الإسلامية في لبنان بعد استشهاد السيد نصرالله.
العمليات العسكرية شاهد على فشل العدو
وميدانياً لم يكن لعمليات الاغتيالات تأثير في إضعاف منسوب العمليات العسكرية سواء لجهة الـ”كم” أو الـ”كيف”، إذ بينت تواصل عمليات المقاومة ألا مفاعيل تستحق لاستهداف القادة وعلى العكس من ذلك مثّلت دماء الشهداء وقودا لمسيرة النضال وإنهاء حقبة الاحتلال، وتواصلت عمليات أبطال المقاومة تحصد أروح المجندين الصهاينة في غير محور من غزة خاصة شمالها، أو من الضفة، كما وتصطاد طائرات العدو المسيّرة بكل إقدام، وأن تستمر وتتعاظم وتيرة استهداف العدو من قبل المقاومة، يؤكد بأن مستقبلها وأفقها باق في المستوى المرتفع في الأهداف وفي التحرك العملي لبلوغ هذه الأهداف.
تنام في الأداء
في جبهة لبنان أيضا، كان وقع الألم على العدو أشد وأنكى، وفيما لا يزال يراوح مربع الحدود، عاجزا عن تجاوزه إلى الداخل اللبناني كما كان يتوعد، شهدت عمليات حزب الله تصاعدا لافتا في مستوى الأداء وفي عدد الاغارات التي ينفذها في عمق الكيان، منذ ما بعد الاغتيال الجبان لشهيد الإسلام والمسلمين السيد حسن نصرالله، يقول قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي “أنشطة حزب الله في الساحة اللبنانية متكاملة، وتماسكه السياسي واضح على الرغم من المساعي الإسرائيلية والأميركية ضده”.
ولم تخلو أنشطة حزب الله من تتفيد عمليات في عمق الكيان لها أبعادها الاستراتيجية المؤثرة على مستوى عديد وعتاد العدو، إذ نفذ قبل أيام في عملية نوعية، بالطيران المسيّر الانتحاري مستهدفا منشأةً تدريبيةً تابعةً للواء “جولاني” النخبوي في منطقة بنيامينا، وهي المنشأة، المحاطة بهالة من السرية والتحصين، ومجهولةً حتى للسكان المحليين.
عكست العملية براعة استخبارات حزب الله وقد أصابت الطائرات وبدقة متناهية الغرف التي تضم تجمعات من الضباط والجنود الصهاينة.
قدمت هذه العملية الجريئة نموذجا حاسما على تجاوز حزب الله صدمة فقدان الشهيد القائد السيد حسن نصرالله بكل اقتدار، وهو ما عكس بدوره، نجاح الحزب في إعادة هيكلة قيادته الإدارية والميدانية بكفاءة عالية ومهنية، ما جعله في مستوى القدرة على الوصول إلى مراكز حساسة داخل كيان العدو.. نتائج العملية كانت موجعة للعدو، إلا أنه كما اعتاد، يتكتم ولا يفصح عن خسائره إلا في وقت لاحق.. يقول السيد القائد في كلمته الخميس الماضي إنّ “العدو الإسرائيلي يحاول أن يتكتّم على حجم خسائره وهو يعتمد هذه السياسة في كل الجبهات”، ويشير السيد القائد إلى أن “العدو يسعى دائماً إلى التعتيم الإعلامي بهدف الحرب النفسية”.
وفي الأثناء لم تتوقف عمليات استهداف تجمعات مجندي وضباط العدو الإسرائيلي في بلدة كفركلا، ومستعمرة زرعيت، ومستعمرة المنارة وبوابة شبعا، وفي أبيريم، وفي محيط بلدة عيتا الشعب، وغيرها سواء بالصليات الصاروخية أو القذائف المدفعية، كما لم تتوقف الحرائق في مستوطنات العدو بسبب صواريخ الحزب، فيما لم تتوقف صفارات الإنذار أو صفارات الرعب كما يسميها المستوطنون في “شتولا” و”زرعيت” و”شوميراه” بالجليل الغربي وباقي المستوطنات.
تهديد حزب الله الناهض من وجعه بلغ مستوى تنفيذ عملية استراتيجية أرعبت الصف الأول من قيادات الكيان، حين استهدفت طائرة مسيرة تابعة للمقاومين في لبنان منزل رئيس “حكومة” العدو المجرم “نتنياهو”، حينها علقت صحيفة “يديعوت أحرونوت” على العملية بالقول: صباح اليوم، بعد استهداف منزل نتنياهو بطائرة مسيّرة، أصبحنا نفهم بشكل أفضل ماذا كان المقصود بـ”المرحلة الجديدة” التي أعلن عنها حزب الله.
قبل ذلك كانت المقاومة اللبنانية قد نفذت عملية نوعية في معركتها ضد العدو الإسرائيلي تمثلت بأسر (4) من مجنديه حسب مصادر إعلامية..
على هذا النحو المؤثر تصاعدت عمليات المقاومة الاسلامية في لبنان، ما يعطي غرفة عمليات الحزب الثقة للتأكيد على جاهزية القوة الصاروخية لاستهداف أي مكان في فلسطين المحتلة.
والسبت قال المتحدث السابق باسم جيش العدو الصهيوني “رونين مانيليس” إن “حزب الله تمكن في الأيام الأخيرة من القضاء على الكثير من جنودنا”.
وفي وقت سابق قال عضو “الكنيست” الجنرال احتياط “يائير جولان”: “ما نعيشه اليوم هو هزيمة للمشروع الصهيوني وفشل قومي بسبب حكومة نتنياهو – لم يسبق لي أن تصورت مثل هذه الهزيمة الحالية لإسرائيل – يجب التوصل لاتفاق أسرى ينهي الحرب في الجنوب ويكبح التصعيد في الشمال”.
خيبة المستوطنين
تعددت العمليات الصهيونية ضد المقاومة بشكل مباشر، واستهدفت القادة، ومثل هذه الاعمال التي لا تنُم عن شجاعة، لا يمكن بأي حال اعتبارها انجازات استراتيجية، من عملية البيجرات إلى استهداف القادة، وكلها لم تنته إلى أي أثر استراتيجي يمكن أن يُمثل ولو خطوة على طريق القضاء غلى المقاومة، بل إنها على العكس من ذلك أحبطت مجتمع المستوطنين الصهاينة، إذ أن الشارع داخل الكيان ظل في حالة الغليان ضد “حكومة” نتنياهو الدموية، الذي برغم قتل القادة لم يصل إلى هدف توفير الأمن لهم، واستعادة أسراهم، وإعادة نازحيهم إلى مستوطنات الشمال، ما يشير إلى تآكل الثقة وبشكل كبير في قدرة قادة الكيان على تنفيذ تعهداتهم.
ختاماً
في الاستخلاص، تؤكد جملة الشواهد القريبة والبعيدة، على أن المقاومة الفلسطينية والمقاومة في لبنان على استمرارها رغم كل محطات الاختبار التي خاضوها ونجحوا فيها بتحقيق العلامات المتميزة، لذلك كتب الكاتب ومعلق الشؤون العسكرية والأمنية في صحيفة “هآرتس”، يوسي ميلمان يقول: “علينا أن تتذكر أيضًا القائمة التالية: زهير محسن، فتحي الشقاقي، عماد مغنية، أحمد الجعبري، مروان عيسى، روحي مشتهى، إسماعيل هنية، حسن نصر الله، فؤاد شكر والآن يحيى السنوار، وجميعهم قادة أو مسؤولون كبار في حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي. لقد قضت عليهم “إسرائيل”، لكن منظماتهم، وعقيدتهم الإسلامية وتقديس جهادهم، موجودة وستظل موجودة”.