صمود وانتصار

المنافقون يستاؤون من انتصار المجاهدين ويفرحون بإنجازات العدوّ

عدنان علي الكبسي

رغم أن العدوّ الإسرائيلي واضح للجميع أنه عدو، والجميع يقر بأنه عدو شرير مفسد مجرم ظالم طاغية مستبد محتلّ مغتصب، ولكن التعامل مع العدوّ الإسرائيلي لم يكن من الجميع على أَسَاس أنه عدو، ولذلك لم تتخذه الأُمَّــة الإسلامية عدواً، وتبني واقعها على أَسَاس العداوة لهذا العدوّ.

رغم أن الله أكّـد في القرآن الكريم أن الأشد عداوة للمسلمين، بين كُـلّ الأعداء والذي هو في رأس القائمة (اليهود)، فقال سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}، أن اليهود رقم واحد في كونهم الأشد عداءً لأمتنا، فهم ليسوا بأصدقاء، هم أعداء، بل هم الأشد عداء.

حكى الله عن اليهود أنهم يودون للأُمَّـة كُـلّ ضرر فقال سبحانه وتعالى عن هذا العدو: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}، بمعنى أنهم يرغبون في أن يلحقوا بهذه الأُمَّــة أبلغ الضرر وأشده، يقول الله عن عدائهم الشديد: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}، فهم يعيشون حالة من الشعور بالعداء نحو هذه الأُمَّــة، إلى درجة أن يعضوا على أناملهم تغيظًا عليهم، وحنقًا عليهم، فحالة المشاعر العدائية لدى اليهود هي ساخنة جِـدًّا، تتأجج في مشاعرهم حالة العداء، والكراهية، والبغضاء، ضد أمتنا الإسلامية.

يقول الله عنهم وهو يحكي عن عقيدة من عقائدهم الدينية: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}، عقيدة يستبيحوننا بها كأمةٍ مسلمة استباحةً شاملة، يستبيحون دماءنا، وقتلنا، يستبيحون الأموال، يستبيحون انتهاك الحرمات والأعراض، وهذه عقيدة عدائية خطيرة.

الأمة كُـلّ الأُمَّــة الموالية والمعادية تعرف أنَّ الكيان الصهيوني نشأ على أَسَاس الاعتماد على الجرائم: جرائم القتل، والإبادة الجماعية، والوحشية، والكل يعرف سلوك اليهود الإجرامي، العدواني، الحاقد، الطغياني والذي قتل في كُـلّ المراحل الماضية مئات الآلاف من أبناء أمتنا الإسلامية، وبالذات من أبناء شعبنا الفلسطيني، وأنه شرَّد الملايين، واغتصب الأراضي، ولا يزال سلوكه الإجرامي على نحوٍ يومي بحق الشعب الفلسطيني، وتصاعد عدوانه الإجرامي في هذه المرحلة.

هناك في أوساط الأُمَّــة وإن رأى نفسه متخاذلًا، وإن رأى نفسه جامدًا ولكنه يستاء ويتألم إذَا رأى العدوّ الإسرائيلي يرتكب الجرائم في حق أبناء أمته، ويفرح وينشرح صدره ويرتاح ويستبشر إذَا المؤمنون نكلوا بالعدوّ الإسرائيلي.

ولكن هناك في أوساط الأُمَّــة فئة يفرحون عند سقوط شهداء، وعندما تتناثر أشلاء نساء وأطفال أبناء أمته يستبشر ويرتاح ويهلل ويكبر ويفرح ويبتهج وخَاصَّة إذَا سقط قادة عظماء على يد العدوّ الصهيوني، يفرحون بكل سيئة يمكن أن تنال الأُمَّــة المجاهدة، أي شيء ينال هذه الأُمَّــة، أي سوء، أي شر، أي ضر، أي خطر، أي عناء، أية مصيبة تلحق بهذه الأُمَّــة العملية المجاهدة، ويستاؤون ويتألمون ويعلوا أنينهم عندما يحقّق رجال المقاومة في فلسطين ولبنان الإنجازات والانتصارات، يستاؤون من صمود غزة في مواجهة “إسرائيل”، قال الله حاكيًا عن هؤلاء المنافقين: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ، وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ}، يرتاحون عندما تُنكب الأُمَّــة، مرتاحين جِـدًّا عندما يرتقي قادة المقاومة شهداء؛ فرحوا عندما سقط المجاهد الكبير إسماعيل هنية شهيدًا، وهللوا عندما سقط السيد حسن نصر الله شهيدًا، وكبروا عندما سقط المجاهد الكبير يحيى السنوار شهيدًا، وهكذا مع استشهاد المجاهدين يعلنوا بكل وقاحة فرحهم وسرورهم وابتهاجهم، يستَّاؤون من أية حسنة تحصل عليها الأُمَّــة المجاهدة، من أي نجاح في واقع المجاهدين، من أي خيرٍ يتحقّق لهم، أية حسنة تسوؤهم، يستاؤون منها.

ترى وتسمع هؤلاء المنافقين في أوساط الأسر الحاكمة وفي الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة، وترى وتسمع هؤلاء المنافقين وللأسف حتى في الأوساط العلمائية والمثقفة، وفي أوساط الذي يدعون أنهم متدينون.

الحالة الطبيعية لهؤلاء المنافقين لو بقي فيهم مثقال ذرة من إنسانية أن ينظروا إلى غزة كيف العدوّ الإسرائيلي يلقي قنابله المدمّـرة والفتاكة على أبناء غزة، أفلا ينظرون إلى أُولئك الأطفال والنساء والناس كيف تمزقت أجسادهم إلى أشلاء، وتفحَّمت جثامين أكثرهم، يكفي مشهد واحد مؤثر مما يحصل في غزة أن تجعل هذا المنافق إنساناً سليمًا طبيعيًّا عاديًّا؛ ليتأثر بذلك المشهد، مشهد مأساوي، أُولئك الأطفال الذين لا يزالون يعانون من الجراح، ودماؤهم تنسكب، وأجسادهم تتلوى من الألم، وهم يصرخون من الأوجاع، مشهد مؤلم جِـدًّا، يكفي أن تبقى فيه بقايا من إنسانيته؛ ليتألم، وليدرك بشاعة ما يفعله اليهود الصهاينة بالفلسطينيين.

فمن لا يأسى ولا يبالي، ولا تتحَرّك فيه المشاعر الإنسانية أمام مجازر الصهاينة ولا يتفاعل فهو إنسان مات ضميره وتبلد إحساسه، ولم يعد إنساناً طبيعيًّا، فقد فَقَدَ فطرته السليمة، وفقد رجولته وإنسانيته.