خلفية الانحياز الأمريكي الكامل لكيان العدو الإسرائيلي (1-3)
الصمود||تقرير|| أحمد الديلمي
اليهود هم أعداء الأمَّة الإسلامية، بل أعداء البشرية جمعا، ويخبرنا التاريخ عن عداوتهم الشديدة للمسلمين، كما يخبرنا عن العداوة القديمة بينهم وبين النصارى، إلَّا أنه ليس في تاريخ العداوات عداوة تماثل شراستها وأبديتها ذلك النوع الذي يواجه به اليهود والنصارى الأمَّة الإسلامية.
والشعب اليمني كما قال عنه الرسول صلوات الله عليه وآله بأنه شعب الحكمة والإيمان، وقد أنعم الله سبحانه وتعالى عليه بنعمة الهداية، وأعلام الهدى، الذين يقدمون للأمَّة مشروعاً قرآنياً يهدي الناس، ويقدم لهم البصيرة والوعي، وينير القلوب، وشعار الصرخة (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام) يُعد من أهم أسّس ومرتكزات ذلك المشروع القرآني الذي يُعبِّر عن العِداء لإعداء الأمَّة، ويجسد السخط ضدهم.
ودائماً ما نصرخ بهذا الشعار بعد كل خِطبة جمعة، وفي كل مناسبة وفعالية، والبعض مِنا أصبح يمتلك من الوعي والبصيرة ما يجعله موقناً بأن اليهود هم أعداء الأمَّة الإسلامية، إلَّا أنه ما يزال لا يعرف جيداً عن خبثهم ومكرهم وأساليبهم الشيطانية في السيطرة على الأمَّم والبشرية جمعا، وإفسادهم في مختلف المجالات.
ولذلك، فإن من الأهمية دراسة الأحداث والوقائع، وكشف الحقائق الخلفية العميقة التي تقف وراء الانحياز الأمريكي المُطلق لكيان العدو الإسرائيلي، وإظهار طبيعة الصراع مع اليهود وخاصة للبعض الذين يعتقدون بأن الصراع مع اليهود هو صراع سياسي أمني أو قومي فقط، وتوضيح وبيان حقيقة العدو الحقيقي للأمة الإسلامية، وكذلك فهم جذور العداء الشديد للمسلمين من جانب اليهود والنصارى، وإظهار الجذور الفكرية للمسيحية الصهيونية. وذلك في ضوء ما يكشفه الشهيد القائد/السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه”.
العلاقة بين اليهود والنصارى: عداوة أم صداقة؟
عندما نتأمل جيداً في العلاقة بين اليهود والنصارى؛ لعلَّ أحدنا يتعجب قائلاً: ما الذي يدفع النصارى لتقديم هذا الدعم المُستميت لليهود على كافة الأصعدة، عسكرياً، سياسياً، اقتصادياً، وتقنياً…الخ، دعماً هائلاً وأعمى في نفس الوقت؟!
لا شك أن هناك تغيراً جذرياً في نوع العلاقة بين اليهود والنصارى، أدى إلى أوضاع مغايرة جداً عمَّا كنا نألفه في العلاقة التقليدية بين الطائفتين، فالتاريخ يخبرنا عن علاقة سيئة بين اليهود والنصارى منذ قديم الزمان، بل إن الله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ) (سورة البقرة، الآية: 113).
وعلى الرغم من أن الله سبحانه وتعالى قد ضرب العداوة والبغضاء بين اليهود والنصارى إلى يوم القيامة، لكنهم بالنسبة للأمَّة الإسلامية يتشكلون فريقاً واحداً، لاسيما وأن الواقع قد كشف أن اليهود والنصارى اجتمعت كلمتهم على الأمَّة، على الرغم ممَّا حصل بينهم من عداوة وبغضاء، يقول الشهيد القائد/ السيد حسين بدر الدين الحوثي: “… أهل الكتاب بصورة عامة؛ على الرغم من أن الله قد ضرب بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، لكنهم بالنسبة لنا يمكن أن يتشكلوا فريقاً واحداً. [أهل الكتاب] هو اسم يطلق على اليهود والنصارى، هم أهل الكتاب السماوي السابق، أهل التوراة وأهل الإنجيل، والواقع كشف هذا: أن أهل الكتاب، اليهود والنصارى اجتمعت كلمتهم علينا، أليس هذا الذي حصل؟ على الرغم مما حصل بينهم، ما بينهم من عداوة وبغضاء، وعلى الرغم مما قد حصل فيما بينهم في هذا العصر مما يُوغِر الصدور أكثر، ويرسخ العداوة فيما بينهم أكثر، كما حصل في [الحرب العالمية الأولى]، و[الحرب العالمية الثانية]، وكما حصل لليهود في مختلف مناطق العالم، وكما يقال – إن كان صحيحاً تاريخيا ً- ما حدث لهم في ألمانيا على يد [النّازِيّة] في [ألمانيا] في أيام [هِتْلَر] على الرغم من ذلك كله اجتمعت كلمتهم علينا، وأصبحوا جميعاً يعملون سوياً في مجال أن يردوا الأمة بعد إيمانها كافرة، أن يردوا المؤمنين كافرين بعد إيمانهم”.
خلفية العِداء بين النصارى واليهود:
من المعلوم إن اليهود كانوا مكروهين من قبل النصارى في المجتمعات الأوروبية، وكانت هذه الكراهية لها خلفيات دينية بالدرجة الأولى، فكان من نتيجة ذلك أن أذاقهم الأوروبيون الويلات بألوانها المتعددة، وكان العِداء لليهود يجتاح القارة الأوروبية، وينظرون إليهم باستحقار كبير، ويلقون على كاهلهم عبء “دم السيد المسيح” رغم أن هذا الاتهام الاعتقادي منافٍ لما جاء في القران الكريم، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)﴾ (سورة النساء:(157-158).
يقول الشهيد القائد: “معروف عن اليهود والنصارى أنهم متباغضون فيما بينهم، وأن النصارى يتهمون اليهود بقتل المسيح، وأن النصارى حملوا العداء لليهود – كما نعاديهم نحن – فترة طويلة من الزمن…”. ويضيف بالقول: “نحن نعلم أن اليهود استقبلوا المسيح -عليه السلام- أسوأ استقبال، واتهم اليهود أمه العذراء البتول مريم عليها السلام بالفاحشة، وسعوا لدى أمير القدس الروماني لكي يقتل المسيح -عليه السلام- بل ويعتقد النصارى أن المسيح -عليه السلام- قد صلب وقتل بالفعل من قبلهم، وإن كنا نحن المسلمين نعتقد اعتقادا جازما أنه لم يصلب ولم يقتل، بل رفعه الله إليه، قال تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ) [النساء: 157]”.
ومن الطبيعي أن يشعر المسيحيون بالغيظ والكراهية، فقد أرسل الله سبحانه وتعالى المسيح عيسى “عليه السلام” إلى بني إسرائيل متمِّماً لرسالة النبي موسى (عليه السلام)، ومصحِّحاً ما حرفه اليهود فيها، إلَّا أن اليهود ناصبوه العِداء، وكذبوا بدعوته ونبوته، وانكروا المعجزات وحاولوا قتله، بل أدعوا قتله وصلبه (عليه السلام).
حيث يعتقد المسيحيون على اختلاف طوائفهم وفئاتهم بصلب المسيح “عليه السلام”، ويُحمِّلون اليهود المسؤولية عن واقعة الصلب.
ولذلك، تنافس ملوك وأمراء أوروبا في إصدار المراسيم؛ لإجلاء اليهود من الممالك والمقاطعات الواقعة تحت حكمهم؛ للخلاص من شرورهم وأحقادهم ونفسيتهم المريضة الملوثة بالمكر للأمَّم والشعوب الأخرى، وكان هذا الرفض المتجذر الذي أبداه الملوك والأمراء يتماهى مع حالة الكره والعِداء الشديدين اللذين تكنهما وتظهرهما الكنيسة الكاثوليكية لليهود؛ باعتبارهم قتلة المسيح (عليه السلام)، وتحريض أبنائهم وأشياعهم على قتل المسيحيين، وسلب أموالهم.
ويُبيِّن الباحث «يوسف العاصي الطويل» في كتابه بعنوان: (الصليبيون الجدد… الحملة الثامنة) أن موقف الكنيسة الكاثوليكية من اليهود كان موقفاً متشدداً، حيث كان يُنظر إلى اليهود نظرة عدائية بسبب رفضهم الإيمان بدعوة السيد المسيح، وكفرهم بها، وذكر الباحث «إميل أمين» من أن المسيحيين الأوروبيين كانوا يعقدون اجتماعاتٍ ومراسم، فيما يعتبرونه ذكرى صلب المسيح، خلال القرن التاسع والعاشر والحادي عشر الميلادي، وأن سكان مدينة “تولوز” الفرنسية كان لديهم تقليدٌ خاصٌّ بهم في هذه المناسبة، يعتبرونه جزءاً مهمَّاً من مراسم تلك الذكرى، وهو إحضار يهوديٍ إلى الكنيسة أثناء الاجتماع، ليصفعه أحد النبلاء أمام الجمع، إحياءً لذكرى الضرب والإهانات التي تعرض لها المسيح على أيدي اليهود.
وقد ذكر صاحب كتاب (الهرطقة في الغرب) هذه القصة وهذا التقليد بزيادة فيها (إن الرجل الذي أُسندت إليه مهمة ضرب اليهود في تولوز نحو عام 1020م قام في إحدى المرات بواجبه بكفاءةٍ عالية فسدد إلى ضحيته لطمةً جعلته يفقد إحدى عينيه ليموت بعد ذلك بوقت قصير.
ويذكر الباحث «راجح إبراهيم السباتين» بأن من الحقائق التاريخية التي لم يُنكرها أحد من المؤرخين أن اليهود عاشوا في أوروبا خلال العصور الوسطى في ظل اضطهادٍ دائمٍ ومعاناةٍ مستمرة، وقد كان هذا الاضطهاد نتيجةً لمجموعة من العوامل منها: قيام الكنيسة بتحميل اليهود المسؤولية التاريخية عن قتل المسيح، بالإضافة إلى عامل اجتماعي واقتصادي، تمثل في تعامل اليهود بالرَّبا وبخلهم الشديد وسعيهم الدائم للتحكُّم الاقتصادي بالمُجتمعات المسيحية التي يعيشون فيها. وأوضحت الباحثة «غريس هالسل» في كتابها (يد الله… لماذا تضحي الولايات المتحدة بمصالحها من أجل إسرائيل؟!)، كيف أغلقت أوروبا الغربية المسيحية كل أبوابها في وجه اليهود، ففي عام 1290م طرد اليهود من إنجلترا، وفي عام 1492م طردوا من إسبانيا، وبعد ذلك بوقت قصير طردوا من البرتغال.
الهوامش:
- السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة سورة آل عمران، الدرس الأول، 2002م.
- السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم يوم القدس العالمي، 1422هـ.
- معاذ الحاج أحمد، الثالوث المقدس… «البروتستانتية واليهودية والصهيونية»، موقع ساسة بوست،
- إميل أمين، “ذئاب في ثياب حملان “مختصر قصة الأصولية الأمريكية”، دار المريخ للنشر، مصر، الطبعة الأولى، 2006.
- رمسيس عوض، الهرطقة في الغرب، دار سينا للنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1997.
- راجح إبراهيم محمد البساتين، المسيحية البروتستانتية وعلاقتها بالصهيونية بالولايات المتحدة “دراسة عقدّية تحليلية”، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، 2007م.
- غريس هالسل، يد الله لماذا تضحي الولايات المتحدة بمصالحها من أجل إسرائيل؟!، ترجمة محمد السماك، دار الشروق.