صمود وانتصار

العدو اجتاح سيناء والجولان بساعات.. ويقف عاجزًا على أعتاب مارون وبنت جبيل

الصمود||مقالات||  أحمد فؤاد

يقينًا، وبعيدًا عن أي وهم أو تجني، تبقى قيمة العزة والكرامة للأمة هي أغلى ما تملك، حتى في عين عدوها، لا يلقاها إلا الذين صبروا ولا يلقاها إلا ذو حظ عظيم. اليوم، تحديدًا، نستطيع رؤية دور جبهة الشرف والمجد في جنوب لبنان أمام العدو الصهيوني، بعد قرار سماحة سيد الوعد الصادق السيد حسن نصر الله، بالانخراط في اليوم الثامن من تشرين الأول المبارك/ أكتوبر في عملية “طوفان الأقصى”، وفتح جبهة إسناد بالنار والدم على العدو الصهيوني، وفي داخل فلسطين المحتلة، لم يفهم الكثيرون وقتها هدف سماحة السيد من السعي للمواجهة العسكرية، لعلهم الآن يتداركون ويدركون، أو حتى يعلقون، أما عن بيئة المقاومة من ناداهم السيد بأشرف الناس وأكرم الناس، هؤلاء كانوا يؤمنون.

لم يمارس حزب الله ورجاله ألعابًا ذهنية أو اشتباكات بلا هدف على الحدود الفلسطينية المحتلة، وإنما قرأ سماحة السيد الحرب كما هي من أول لحظة، حرب استنزاف طويلة مريرة ومؤلمة، لمّا تأتِ ذراها العالية بعد، والخطوة الأولى هي إزالة عامل الحماية الصهيوني من الخدمة بأي ثمن، ومن ثم، قهر رجال الله بالعزيمة والبأس الجدار الواقي الصهيوني الذي لا يقارن في إمكاناته وتقدمه المذهل وماكنته الآلية بالكامل، بخط بدائي مثل “خط بارليف” وقف الجيش المصري أمامه حائرًا 6 سنوات كاملة من 1967 إلى 1973، لكي يتمكّن فقط من اجتيازه، وذلك بعد تحييد دفاعاته.

في جنوب لبنان؛ اختصر رجال الله الزمن واستولدوا المستحيل مجسدًا من رحم اليأس والجبروت الصهيو-أميركي، ونجحوا خلال شهور في تدمير ونسف كل سحر العدو وتقنيته وذكائه الاصطناعي وتفوق سلاحه. الجدار كان يرصد ويتسمع وقادرًا على التعامل مع ملايين البيانات، بشكل يجعل منه قادرًا على قرار الاستهداف من دون تداخل بشري في عمله الذي يشبه وحش “ميدوسا” الأسطوري.. باختصار وبكلمة واحدة؛ اقتلع رجال الله عين الكيان التي كانت ترى كل شيء، اليوم يحاول الكيان الدخول البري إلى لبنان منذ أسابيع بخمس فرق عسكرية كاملة التجهيز، وهو في الواقع لا يدخل ضمن تعريفات التقدم للأمام، ولا حتى يتقدم للخلف! ففي غياب امتلاك رؤية، العدو ربما يتقدم ويغزو في مكانه، ولكن لا يجرؤ على أبعد من ذلك.

“أبو عيطة”: نصرّ سيهز الدنيا

عن محاولات توغل جيش العدو برًا، يؤكد وزير القوى العاملة والهجرة الأسبق المناضل المصري كمال أبو عيطة أن المقاومة اللبنانية تأثرت إيجابًا بالضربات الصهيونية الإجرامية المتتالية، فرأينا كيف يكون حرص المجاهد والفرد من حزب الله على الثأر لدماء الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله وكبار الشهداء، واستكمال مسيرتهم، وأن يكون هو البطل في ساحة الجنوب. وفي مقابلة خاصة لموقع “العهد الإخباري”، قال “أبو عيطة” إن رجال حزب الله رفعوا رأسنا وستروا عورة العرب بالكامل، ستروا التواطؤ الرسمي العربي، موضحًا أن خسائر العدو على جبهة لبنان أضعاف مضاعفة لما يعترفون به، قائلًا إنه شخصيًا يثق برجال الله وقدرتهم الفذة على إذلال العدو الصهيوني.

يضيف “أبو عيطة” بأن السواعد الشريفة لأمتنا تحقق في هذه الأيام لحظات نصر مجيدة وعظيمة، وتسطر ملاحم نبيلة في جبهة القتال. هذه اللحظات تعوضنا الكثير ممن فقدناه، خلال الأيام الماضية، مشيرًا إلى أن رغبة كيان العدو وواشنطن في وقف النار بالجنوب من دون أجندة شروط يدلل على المأزق العسكري الذي أسقط فيه الكيان نفسه بنفسه.

“السعيد”: خيبة أمل صهيونية

ما قاله أبو عيطة يؤكد عليه المفكر المصري والخبير الإستراتيجي الدكتور مصطفى السعيد، ويضيف عليه إن جيوش العصابات الصهيونية اجتاحت شبه جزيرة سيناء كاملة، خلال العدوان الثلاثي في العام 1956 في 100 ساعة فقط، ثم كررت نسختها الخاصة من حرب “البرق” على 3 جبهات عربية في العام 1967، فسيطرت على سيناء والضفة الغربية، بما فيها القدس الشريف وهضبة الجولان في 144 ساعة -6 أيام-، وبالمقارنة مع جبهة لبنان فقط، فقد اجتاح الكيان جنوب لبنان ووصل إلى بيروت في العام 1982 خلال 96 ساعة فقط.

يتابع “السعيد”، بعد ظهور حزب الله واشتداد ضرباته حتى وصل العدو للنزيف اليومي اضطر جيش الكيان للانسحاب لأول مرة من أرض عربية من دون معاهدات استسلام أو ذل. وحين فكر الكيان المجرم في استعادة هيبته في حرب تموز 2006، لم تصل القوات “الإسرائيلية” إلى بلدة بنت جبيل، ولم تسيطر على مارون الراس، وتحول وادي الحجير إلى مقبرة لدبابات “الميركافا”، وقدم أبطال الحزب دروسًا في الصمود الأسطوري لمدة 33 يومًا، كانت كافية ليقنع العدو إنه لن يجد في الجنوب إلا الموت، ولن يعود منه إلا في توابيت.

كما أكد المفكر المصري أن خمس فرق “إسرائيلية” كاملة تقف الآن عاجزة عن تحقيق تقدم ملموس منذ شهر تقريبا في المعركة البرية، في البلد الذي كان الكيان يهدد أنه قادر على احتلاله بفرقة موسيقية وليس بفرقة عسكرية، من يتشكك في صمود وتعافي وبأس حزب الله، عليه أن يعاين الميدان أولًا.

الدليل الذي لا يقبل الدحض على أزمة العدو العسكرية المستحكمة هو أن الكيان اتجه إلى طريق المفاوضات، وهو لا يركن إليها على الإطلاق إلا في حالين اثنتين لا ثالث لهما، أن يعجز عن الحل العسكري، ويوضع في موقف “كش ملك”، فيذهب للحضن الأميركي القادر على منحه بالدبلوماسية الناعمة بعضًا مما أراده، ويوقف في الوقت ذاته نزيفه حفظًا لماء وجهه. والحال الثانية إنه حقق نصرًا مدويًا، يريد ترجمته بسرعة إلى معاهدات جديدة تنشئ أوضاعًا جديدة بالكامل، وهو في مواجهة حزب الله قد ذهب إلى المفاوضات والمبعوثين وتسريبات وقف إطلاق النار، بعد مأزقه المتمادي في الميدان.