أثر الانتخابات الأمريكية وخطرها على البشرية
الصمود||مقالات||حسين بن محمد المهدي
مما لا ريب فيه أن النظام الرأس مالي الذي يقوم على تكوين طبقة في المجتمع دأبها الاستئثار بالمال واستثماره، والاستئثار بالنفوذ والسلطة تحت شعار الديمقراطية إنما يكرس الاستبداد، والطبقية، والمظالم الشخصية.
وهو بذلك يُذْكِي روح الأنانية الفردية في المجتمع، ويقوم على أَسَاس من تزييف مشاعر الناس، عبر مكائن الإعلام؛ التي يضخ لها ملايين الدولارات لتوجّـه الناس لتنتخب مَن يخدم الرأسمالية الظالمة، التي يقودها النظام الصهيوني الرأسمالي، الذي يسعى إلى استعمار الشعوب، وقتل أبنائها، واغتصاب أرضها، كما يفعل الزعماء الأمريكيون في أرض العرب والمسلمين في فلسطين ولبنان.
ولا أعجب من أن يرضخ الناخب الأمريكي لما تمليه عليه النظم الصهيونية في قائمة مرشحيها، حتى جعلت العالم كله يتحدث عما يفعله أكثر من أربعين مليون أمريكي أسود في بلد الديمقراطية المزعومة.
غير أنهم يتفرجون على ما يفعله من ينتخب من قبلهم للقتل والتدمير في بلاد المسلمين.
وعلى ما تقع فيه المؤسّسات المالية النافذة في بلدهم من احتكار للثروة، وعبث بمقدرات أُولئك الناخبين.
ومن الواضح أن هذه المؤسّسات تتاجر بأصواتهم، وبأصوات غيرهم من الملايين من سكان هذا البلد، دون أن يكون لهم رأي أَو موقف.
بل إنهم يخضعون لنظام قاهر ومدمّـر لروح الإنسان وأُسلُـوب حياته، دون أن يشعروا أن من ينتخبونهم يسفكون أنهاراً من الدماء في البلدان العربية والإسلامية، رغم الشعارات واليافطات البراقة، وما تحمله من مضامين عن حقوق الإنسان خاوية على عروشها.
إن النظام الرأسمالي إنما ينظر إلى الإنسان على أنه كائن مادي مُجَـرّد من الميول الروحي، والأفكار الأخلاقية، والغايات المعنوية؛ لذلك فهو لا يبالي فيما يجب أن يكون عليه المجتمع من رفعة معنوية، وسمو روحي وأخلاقي، ولا يبالي فيما يجب أن يتوافر في الشخص الذي ينتخب من الشروط التي تؤهله للقيادة، لكي ينتخب من بين جميع سكان الدولة الحائزين للأهلية القانونية.
إن المواطنين الناخبين في أمريكا وغيرها، من مسلمين ومسيحيين تقع عليهم مسؤولية انتخاب رئيس الدولة وقيادتها.
فانتخاب أمثال ترامب وهاريس الذين يبيحون الدماء في فلسطين ولبنان وغيرها من بلاد المسلمين، ويبيحون الربا واحتكار الأموال، واغتصاب حقوق الآخرين، ويسعون في الأرض فساداً، إنما يلطخون تاريخهم، ويوقعون أنفسهم في هاوية من الخسة والدناءة والانحدار، ويغضبون خالقهم الذي توعد المفسدين بالهلكة والعذاب.
إنه لا يجوز انتخاب مثل هؤلاء الزعماء الصهاينة من ناحية أخلاقية وقانونية وإنسانية وإسلامية.
فالناخب سيكون شريكاً لهؤلاء الظلمة المستبدين، ففي الحديث “من وَقَّرَ صاحب بِدعة فقد أعان على هدم الإسلام”، فكيف به إذَا انتخبه.
إِنَّ اعتزاز المسلم بدين الإسلام يتضاعف يومًا بعد يوم، وأن إيمَـانه بجدارة هذا الدين لقيادة البشرية كلها في ازدياد مُستمرّ.
إنه الدين الذي يوفر للإنسان في سياسته الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية السعادة والاستقرار.
وإنه ليؤكّـد للعالم بأسره أن المستقبل لدين الإسلام، الذي يصون قيم العدل، والحرية، ويمنع التسلط والاستبداد، وظلم الناس، والاستيلاء على مقدراتهم..
إِنَّ النظام الصهيوني الرأسمالي بسعيه إلى انتخاب قيادات متهورة، تضع نفسها في زاوية الفساد، وتنتخب من يحمل في الواقع سبب فشل نظامهم، وجرثومة فنائه.
إِنَّ المنهج الوحيد الذي ختم الله به الرسالات، وأراده منهج سعادة البشرية في كافة العصور إنما هو الإسلام، (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّـهِ الْإسلام)، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ).
إن الإسلام يحرم الاحتكار، واغتصاب حقوق الآخرين وأكل أموالهم بالباطل، وهو الدين الذي يعطي الإنسان من الحرية ما يحفظ به التوازن بين مصلحة الفرد والجماعة، ويسمو بالإنسان إلى مرتبة العز والاستقامة والسلامة.
وهو الذي يحرم إعطاء الولاية والمسؤولية لمن لم يكن من أهل الأمانة، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأماناتِ إلى أَهْلِها).
إن المتأمل في شريعة الإسلام يجد أنه يراعي في أهلية من يتولى شؤون الناس وَتفاصيل أهليته العلمية والعملية من القواعد والمبادئ الأَسَاسية ما يعلي به شأن الإنسان (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).
إِنَّ إطاعة أهل الهوى وانتخابهم فيه إضاعة لمصالح الناس كافة (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).
إن الإسلام جاء بنظام الشورى، وهو أفضل نظام يمنع من التسلط والاستبداد، ويبعث على المحبة والتواد، ولهذا امتدحه الله في كتابه فقال: (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).
إن سياق النص قد نبه أن جملة (وَأَمْرُهُمْ شُورى) في عبارته وإشارته على ضرورة الأخذ بمبدأ الشورى، فعموم خطاب الآية جاء بطبيعة الخبر والمدح، وهو أعظم من الأمر الصريح عند البيانيين من علماء اللغة.
ولكن الصهيونية أبت إلا أن تحارب الإسلام، وتسعى إلى استباحة الدماء والأموال والأعراض.
مع أن الإسلام ليس فيه سلطة قاهرة، وإنما هو دين يدعو إلى الشورى في كُـلّ الأمور الهامة التي يستصلح بها أحوال الإنسانية أفراداً وجماعات، ويحصل به العزة والسعادة لجميع البشر.
فقد آن للناخبين لولاة الأمر في أمريكا وغيرها أن يأخذوا بروح الشريعة السمحة التي جاء بها الإسلام لتخلص الإنسان من الظلم، والقهر والطغيان، ومن أجل ذلك يناضل أنصار الله وحزبه وكلّ أحرار العالم، الذين يتوقون إلى مستقبل ترفرف عليه السعادة، وتحل فيه السكينة، ويندحر فيه جور الصهيونية اليهودية وظلمها في فلسطين والعالم كله.
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والهزيمة والخزي للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الحبناء (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).