زراعة الحبوب في اليمن: إنجازات على طريق النهوض
ـ منسق برنامج سلاسل القيمة لمحاصيل الحبوب المهندس شمسان المنيري: اليمنيون صاروا أكثر وعيا في المضي على مسار استعادة إحياء الزراعة وكسر قيود الاتكالية
ـ مدير عام الإنتاج الزراعي بوزارة الزراعة والري المهندس وجيه المتوكل: تحسين كفاءة الإنتاج الزراعي يعتمد بشكل كبير على إدخال التقنيات البحثية وتطوير نظم الزراعة بهدف خفض تكاليف الإنتاج
ـ الخبير في مركز البحوث والمعلومات بوزارة الزراعة، زيد المحبشي: تعزيز قدرة الأمة على الدفاع عن نفسها وإدارة شؤونها، يستلزم توفير احتياجاتها الغذائية من خلال الإنتاج المحلي
***
يلعب القطاع الزراعي دوراً مهماً في الاقتصاد الوطني لليمن، إذ يبلغ متوسط مساهمته حوالي 13.7% من إجمالي الناتج المحلي، في حين تبلغ مساهمة هذا القطاع في الدخل القومي 16.5%. وتعتبر محاصيل الحبوب والبقوليات، أهم المصادر الأساسية لتمويل وبناء منظومة النظام الغذائي، لما لها من دور محوري في تحقيق الأمن الغذائي.
وتوضح بيانات الإحصاء الزراعي أن محاصيل الحبوب تستحوذ على نحو 57 % من المساحة المزروعة في اليمن، بينما لا تتجاوز مساحة البقوليات 3%، وتتوزع النسبة المتبقية 40% على الفاكهة والخضروات والمحاصيل النقدية والأعلاف والقات، وأن إجمالي ما يتم استثماره من الأراضي الزراعية في اليمن لا يتجاوز مليون و600 ألف هكتار؛ أي: ما يمثل 2.5% فقط من مساحة البلاد الإجمالية.
ويؤثر اعتماد العديد من المناطق على الزراعة المطرية على استدامة الإنتاج الزراعي حيث تقدر نسبة المساحة المطرية (51%) من إجمالي المساحة المزروعة، وتعتمد مناطق أخرى على ضخ المياه الجوفية أو مجموعة الخزانات والسدود والغيول والينابيع المائية حيث تصل المساحة المروية منها إلى (49%) من إجمالي المساحة المزروعة.
يواجه القطاع الزراعي تحديات متعددة تؤثر بشكل مباشر على إنتاجية البلاد على مستوى القطاع الزراعي بصورة عامة، وعلى محاصيل الحبوب والبقوليات بشكل خاص. من خلال هذا التحقيق، نهدف إلى استكشاف العوامل المؤثرة في زراعة الحبوب في اليمن، وتحديد المشكلات التي تواجه المزارعين، ورسم صورة شاملة عن الوضع الراهن وآفاق المستقبل.
سيطرة الغربي على العربي
يقول تقرير صادر عن الأمم المتحدة في منتصف العام الجاري: “بعد ثلاثة عقود من أداء النمو الجيد عقب اكتشاف النفط في أوائل الخمسينيات، انخفضت إنتاجية العمالة منذ الثمانينيات من القرن الماضي في الاقتصادات العربية بصفة عامة، وفي اقتصادات مجلس التعاون الخليجي بوجه خاص”، مؤكدًا أن منطقة الدول العربية الآن هي الأسوأ أداء على الصعيد العالمي من حيث نمو الإنتاجية.
لم يرَ العالم العربي والإسلامي النور منذ أن سيطرت الدول الغربية على اقتصاده وثرواته، بل اتجهت الدول الغربية لمنع الشعوب العربية من الاستثمار في الجانب الاقتصادي بطرق يظهر للشعوب من خلالها أنها تخدمهم، وسياسات جعلت الأمة مشلولة غير قادرة على التحرك والتنمية والعمل للنهوض بالجانب الاقتصادي، والبحث عن مصادر الاكتفاء الذاتي الذي يحفظ لها كرامتها وسيادتها وحريتها واستقلالها.
لم يكن انهيار اقتصاد المنطقة العربية وليد اللحظة، بل جاء نتيجة حرب اقتصادية شرسة شنها اليهود على الأمة العربية والإسلامية، لتدجين هذه الأمة تدريجيًا من خلال جرعات تخديرية أبعدتها عن مقومات حياتها الحقيقية المتمثلة في الزراعة والإنتاج والتصنيع واستغلال ثرواتها ومواردها الطبيعية، حتى أصبحت أمة مشلولة لا تقدر على شيء مما كسبت من خيرات وموارد.
يقول الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي “رضوان الله عليه” في ملزمة “معرفة الله – عظمة الله – الدرس الثامن”: إن أولئك الذين انطلقوا فوق منابر المسلمين ليدجّنوا الأمة للظالمين، ألم يعلموا ما جنت أيديهم؟ كيف أصبح هؤلاء يدجّنون الأمة لليهود؟ وكيف أصبحنا في واقعنا الاقتصادي لا نستطيع أن نعيش شهراً واحداً – كما عاش أسلافنا قبل ألف سنة – معتمدين على أنفسنا؟!.
فاتورة الاستيراد.. الفجوة الكبيرة
وفقاً لإحصائيات العام 2023م، بلغ إجمالي فاتورة الاسترداد للقمح 3 ملايين و500 ألف طن، بينما في عام 2021م، كانت 3 ملايين و816 ألف طن. أي بفارق انخفاض قدره 316 ألف طن (تقريبا). ولكونها تشكل جزءًا مهمًا من السياسات الزراعية والأمن الغذائي في اليمن، فقد بلغت فاتورة استيراد الذرة الشامية حوالي754 ألف طن، بقيمة إجمالية قدرها 302 مليون دولار (تقريبا)، ما يعادل حوالي 160 مليار ريال يمني. ولسد الفجوة الغذائية التي تعاني منها اليمن في توفير احتياجات المستهلك اليمني من الحبوب، يُقدر أن هناك حاجة للتوسع في زراعة الذرة الشامية (فقط) بمساحة تصل إلى 150 ألف هكتار، بافتراض أن متوسط الغلة هو 5 أطنان للهكتار.
تحليل هذه الأرقام من منظور الفجوة الكبيرة التي تعاني منها اليمن على مسار توفير الأولويات الأساسية من غذاء ودواء وملبس، يقود إلى فرضية مفادها أن قوت الإنسان هو شرط أساسي للدفاع عن الدين والهوية. يقول السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه: “الأمة لا تستطيع أن تدافع عن دينها، ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها وهي ما تزال فاقدة لقوتها الضروري الذي الزراعة أساسه، وليس الاستيراد”. هنا تكمن الحقيقة الواضحة: الزراعة هي القاعدة التي تستند إليها الأمم في بناء قوتها.
تحديات تواجه الزراعة
قد يتساءل البعض: لماذا التركيز على الزراعة، خصوصًا محاصيل الحبوب والبقوليات؟ الإجابة: لأن هذه المحاصيل ليست فقط غذاء، بل هي الأساس الذي يبني عليه الاقتصاد، وعليها يتعزز الأمن الغذائي، وبالتالي يمهد الطريق لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي. فكيف يمكننا الدفاع عن أنفسنا وديننا في وقت يهدد فيه الأعداء وجودنا، ونحن نعتمد على مصدر غذاء قادم من بلاد أخرى، حيث تُستخدم قوتُنا كوسيلة ضغط علينا؟.
إن أهمية الزراعة تتجاوز توفير الغذاء؛ فهي تعزز الهوية الوطنية وتضعف من تأثير القوى الخارجية. إذا كانت الأمة بحاجة ماسة لماء التوضؤ للصلاة، فأكثر إلحاحًا هو الحاجة للاكتفاء الذاتي في الغذاء. هل يمكن أن تصح الصلاة بدون طهارة؟ بالطبع لا. وبالمثل، لا يمكن أن تظل الأمة قائمة وفعالة وهي تعتمد على عبوات الطعام المستوردة التي تأتي من موائد الآخرين.
تواجه الزراعة في اليمن تحديات متعددة يتطلب التعامل معها وعيًا جماعيًا وإرادة قوية، خاصة وقد ظل إنتاج محاصيل الحبوب والبقوليات، منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي وإلى ما قبل 21 من سبتمبر 2014م، ترتح تحت ضغوط اقتصادية وتحديات سياسية دولية تحظران على اليمن ومثيلات من دول عالم، ما اصطلح على تسميته، بالثالث أو الدول النامية مجرد التفكير في زراعتها.
هذه الضغوط، والتي جاءت وليدة اتفاقات دولية، جعلت الإدراك متوقف عند حدود مفهومية ووعي يحرمان على حكومات هذه المجتمعات أن تنشغل بتفكير أبعد من الحدود الضيقة في الحصول على حق البقاء لها والتأمين الغذائي لمجتمعاتها، وعلى مذهب يصرف الأذهان والاهتمامات عن البحث عن إلهام يتجاوز مفهوم إنها أمم مستهلكة لما ينتجه الآخرون.
الغاية ووسيلة التحدي
ويحتل الجانب الاقتصادي والتنمية الاقتصادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي رأس قائمة أولوية القيادة الثورية والسياسية، حيث يشدد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في محاضرته العاشرة من سلسلة المحاضرات الرمضانية 1440هـ: “الفرق بين نظرتنا كمسلمين من خلال الرؤية القرآنية، من خلال الثقافة القرآنية، من خلال التشريعات الإسلامية، والنظرة المادية عند القوى الرأسمالية والاشتراكية: أنَّ الإسلام يجعل من الاقتصاد وسيلة وليس غاية، ووسيلة مهمة لتحقيق غاياتٍ مهمة”.
وفي السياق يضيف السيد القائد “عندما نقول: [وسيلة]، هذا لا يقلل من أهميته في الإسلام؛ إنما هو وسيلة لتحقيق غايات مهمة ومضبوط بتشريعات وتوجيهات من الله -سبحانه وتعالى-، هذه الالتزامات المالية التي نصلح بها واقعنا المجتمعي، ونبني لنا اقتصاداً قوياً يحقق لنا الاستقلال والاكتفاء الذاتي والقوة، وحتى نكون أمةً منتجة، وأمةً قويةً على المستوى الاقتصادي، لا تعتمد في اقتصادها، وفي معيشتها، وفي غذائها، وفي احتياجاتها الأساسية على أعدائها، لا بدَّ أن ننطلق من هذا المنظور الإسلامي بعين المسؤولية، وعلى أساسٍ من المبادئ والتشريعات الإلهية”.
بالإشارة إلى فرضية أن قوت الإنسان هو شرط أساسي للدفاع عن الدين والهوية، وتجاوزا مآلاتها بالخروج عما تولد عنها من المفاهيم المغلوطة، يقول الشهيد القائد، رضوان الله عليه، عن سعى الدول الغربية لتدمير اقتصاد الأمة،: “هم لا يريدون أن يصل الناس إلى مستوى أن يصنعوا لأنفسهم، أن يكتفوا بأنفسهم في مجال الزراعة، في مختلف شؤون الحياة لا يودون لنا أيَّ خير، يريدون منا أن نظل سوقاً استهلاكية نستهلك منتجاتهم، وليضعوا مصنعاً هنا في هذا البلد العربي أو في ذلك البلد العربي المصنع لنفس الشركة اسم المنتج يحمل نفس اسم الشركة نفسها”.
وفي ملزمة “في ظلال دعاء مكارم الأخلاق – الدرس الثاني”، يشير، رضوان الله عليه، إلى أن “الأمة لا تستطيع أن تدافع عن دينها، ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها وهي لا تزال فاقدة لقوتها الضروري الذي أساسه الزراعة وليس الاستيراد”، مؤكدا أنه “أصبح شرطاً، أصبح أساساً، أصبح ضرورياً الاهتمامُ بجانب الزراعة في مجال نصر الإسلام أشد من حاجة المصلي إلى الماء ليتوضأ به”.
وهذا مما يؤكد أهمية بناء الجانب الاقتصادي وضرورته باعتبار أن الحياة مترابطة ببعضها البعض كالإيمان يشد بعضه بعضا، وكي يصبح المؤمن الفرد والأسرة المؤمنة والمجتمع المؤمن والأمة المؤمنة، قادرون على القيام بواجباتهم على أكمل وجه. وضعت مراحل ما بعد الـ 21 من سبتمبر 2014م، تساؤلا مهما: كيف لأمة أن تتمتع باستقلالية قرارها السيادي وقوتها بيد الآخرين؟
التساؤل ينطلق من سنن معرفية شدد بموجبها الشهيد القائد- في ملزمة (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق – الدرس الثاني) على أن “كمال الإيمان في مجال مواجهة أعداء الله مرتبط به تماماً الاهتمامُ بالجانب الاقتصادي ارتباطاً كبيراً، ستكون الأمة التي تريد أن تنطلق في مواجهة أعدائها وأن تقف مواقف مشرفة في مواجهة أعدائها قادرة على ذلك؛ لأنها مكتفية بنفسها في قوتها الضروري، في حاجاتها الضرورية”.
بناء على تلك الحقائق المعرفية، واستناد إلى ما آلت إليه الأوضاع من عدوان وحصار، جاءت الإجابة: إن الوقت قد حان لاستعادة مكانة اليمن الزراعية، وكسر قيود الاتكالية. وأن الاكتفاء الذاتي هدف وغاية لا مناص عن تحقيقهما. لقد أصبح الاهتمام بالجانب الزراعي فرضا واجبا، وضرورة لا غنى عنها لحماية الهوية الإيمانية واستقلالية القرار الوطني والإبقاء على وجود يمني حر ومستقل. جعل الزراعة أولوية، يعني التوجه نحو تطوير هذا القطاع الحيوي، من منطلق ترسيخ الوعي في الأوساط الرسمية والشعبية بأن الأمن الغذائي هو بوابة لحماية الدين وأساسات على قواعدها تنصب أعمدة القيم والمبادئ وترفع الهامات.
التحديات ومسار التحول
تُواجه زراعة الحبوب في اليمن مجموعة من التحديات الكبيرة التي تعيق انتعاش هذا القطاع الحيوي، مما يؤثر سلباً على الأمن الغذائي ومستوى المعيشة في البلاد. تتداخل هذه المعوقات، مُشكِّلةً عائقًا أمام تطوير الزراعة المحلية وتحقيق الاستدامة المطلوبة:
السياسات التدميرية للبنك الدولي ومنظمة الفاو: عانى زراعة الحبوب في اليمن بشكل خاص من السياسات التي اتبعتها مؤسسات مثل البنك الدولي ومنظمة الفاو، والتي أدت إلى تداعيات سلبية خطيرة. حيث أُعطيت الأولوية لاستيراد الحبوب على حساب دعم الزراعة المحلية، مما ترك المزارعين في وضع غير تنافسي أمام المحاصيل المستوردة. كما أن نقص التمويل الموجه للقطاع الزراعي، والتركيز على مشاريع البنية التحتية والمجالات غير الزراعية، أضعف بشكل كبير من قدرة المزارعين على تطوير أساليب الإنتاج وزيادة الكفاءة، حيث يجد الكثير منهم أنفسهم دون الموارد اللازمة لاستمرار نشاطهم الزراعي.
الافتقار إلى التقنيات الحديثة: تُعتبر عدم توفر التقنيات الحديثة من أبرز المعوقات التي تعترض سبيل تطوير زراعة الحبوب. فغياب التركيز على تحديث أساليب الزراعة ومواجهة تحديات مثل الجفاف والأمراض يجعل الإنتاج الزراعي عرضة للاهتزاز وضعف العائد. إن الحاجة إلى إدخال تقنيات حديثة تدعم زراعة الحبوب أصبحت ضرورة ملحة لضمان استمرارية هذا القطاع وتطويره.
الفقر وقلة الوعي الزراعي: تسهم الظروف الاقتصادية القاسية والفقر المنتشر في تدهور القطاع الزراعي. إذ أن ضعف وعي المزارعين بأهمية تطوير أساليب الزراعة الحديثة يجعلهم عرضة لمفاهيم زراعية تقليدية قديمة. وعلاوة على ذلك، فإن نقص البرامج التدريبية المتخصصة التي تعمل على تعليم المزارعين وتزويدهم بالمعرفة اللازمة يضعف من قدرتهم على تحسين الإنتاجية والتكيف مع التحديات المستجدة.
الحصار والعدوان: أسهم العدوان والحصار الأمريكي السعودي المفروض على اليمن منذ عشر سنوات في تعقيد المشهد الزراعي. بعد استهداف المزارع والسدود والآبار وخزانات المياه، مما أثر بشكل سلبي على نقل المحاصيل والأسمدة، وزاد من صعوبة وصول المزارعين إلى الأسواق.
هذه العوامل وغيرها، لاشك، شكلت صورة قاتمة أعاقت أي مسار رسمي من شأنه العمل على انتشال قطاع الزراعة في اليمن من واقع ما يتعرض له من تدهور وتدمير ممنهج. لكن ذلك لم يمنع من التفكير بمسارات تفعيل المشاركة المجتمعية في التنمية كمسار حلول موازية يمكنها الاضطلاع بمهام تحقيق النهوض التنموي ريثما يستقيم الحال، ويلتحق الجهد الحكومي في شراكة تعاونية مشتركة مع المجتمع والقطاعات التمثيلية الأخرى الممثلة بالجمعيات التعاونية والقطاع الخاص والصناديق والهيئات العامة والمجتمع المدني.
تعزيز الإنتاج الزراعي بسلاسل القيمة
في إطار مساعي خلق استراتيجية وطنية لتقويم مسار ما أنجزته المشاركة المجتمعية في تحريك وإدارة عجلة التنمية بالفعل الطوعي في المجالات الخدمية، تمهيدا للانتقال إلى مراحل أقرب منها إلى الإنتاجية، برزت سلسلة القيمة لتلعب دوراً حيوياً تشكيل شبكة تفاعلية تجمع بين مجموعة من الأنشطة والإجراءات المتتابعة، والتي تركز على خلق قيمة مضافة في كل مرحلة من مراحل الإنتاج.
تتجاوز أهمية سلسلة القيمة مجرد سياسة أو مسار يساعد الفاعلين الرئيسيين على خلق آلية تعاون في وضع سياسات استراتيجية وتقنيات مناسبة، مما يسهم في تحسين العمليات وتوزيع الموارد بشكل فعّال. إلى كونها أنشطة إنتاجية يمكن من خلالها تعزيز قدرة صغار المنتجين على مواجهة تحديات نقص مدخلات الإنتاج، مما يؤدي إلى زيادة دخلهم واستدامة مشاريعهم.
وفي سياق الرغبة في تعزيز الإنتاج الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي، أعلنت الجهات المعنية في اليمن اعتماد آلية متكاملة في الاعتماد على منهجية سلاسل القيمة للمحاصيل، مستندة إلى بعدين رئيسيين: البعد الاجتماعي والبعد الاقتصادي. ولتهدف من خلال البعدين إلى رسم طريق جديد نحو مستقبل زراعي مشرق، يمكّن المزارعين من تحسين ممارساتهم، ويزيد من الإنتاجية، ويضمن تلبية احتياجات السوق بفعالية.
البعد الاجتماعي:
وتشكّل التربية المجتمعية الأساس الذي تُبنى عليه هذه الآلية. ويتم العمل على هذا البعد من خلال عدد من المبادرات التي تعزز من تفاعل المجتمع وتطوره:
تدريب فرسان التنمية: تم اختيار مجموعة من الأفراد ليكونوا “فرسان التنمية”، حيث يتم تدريبهم على تقديم الدعم والإرشاد للمجتمعات الزراعية. هؤلاء الأفراد سيتحولون إلى قادة محليين، ينقلون المعرفة ويشجعون على الابتكار.
تنفيذ مبادرات مجتمعية تطوعية: تهدف هذه المبادرات إلى تمكين المجتمع المحلي من التفاعل وتحقيق أهداف مشتركة، مما يعزز من روح التعاون والمشاركة الفعّالة.
تنظيم المجتمع في جمعيات تعاونية زراعية: تُعتبر الجمعيات التعاونية من الأدوات الحيوية في تعزيز التعاون بين المزارعين. مما يسهم في زيادة الإنتاجية وتحسين ظروف العمل، حيث يتمكن الأعضاء من تبادل المعرفة والموارد.
البعد الاقتصادي:
تتضمن آلية العمل الاقتصادية خطوات دقيقة تهدف إلى تخطيط وتحسين سلسلة القيمة، وهي كالتالي:
تنفيذ دراسة سلسلة القيمة للمحصول: تجري دراسة شاملة لتحليل العمليات المعنية في سلسلة القيمة، تُحدد من خلالها الخطوات التي تحتاج إلى تحسين مما يؤدي إلى زيادة الكفاءة.
إقامة ورش لجميع الشركاء والفاعلين في السلسلة: تنظيم ورش عمل تُجمع كل المعنيين لمناقشة تقييم وتطوير سلسلة القيمة، مما يعزز التعاون والتفاعل بين جميع الأطراف.
إعداد خطة تنفيذية لمشاريع سلسلة القيمة: يتم وضع خطة واضحة تتضمن الأهداف والإجراءات اللازمة، مما يسهم في تنظيم الجهود وتنسيق الأنشطة بين جميع الشركاء.
عمل وثيقة مشروع من قبل الشركاء في سلسلة القيمة: تُعدّ وثيقة شاملة تُوثّق كل المعلومات المتعلقة بالمشروع ومتطلباته، مما يسهل إدارة الأنشطة وضمان التزام الجميع بالمطلوب.
دراسة جدوى اقتصادية للمشروع: يتم تحليل الجدوى الاقتصادية لضمان استدامة المشروع ومردوديته، مما يزيد من فرص النجاح.
توفير المدخلات الزراعية: يتم تقديم الدعم للمزارعين عبر توفير المدخلات الأساسية مثل البذور والأسمدة والمبيدات. يتم ذلك من خلال قروض بيضاء ميسرة من صناديق التمويل عبر ضباط الإقراض في الجمعيات التعاونية
تقديم خدمات الإرشاد الزراعي والتدريب: يتضمن ذلك تنفيذ الإرشاد المجتمعي عبر “فرسان الإرشاد” ومن خلال مدارس المزارعين الحقلية، مما يساعد على نقل المعرفة وتحسين تقنيات الزراعة.
التدخل من خلال برنامج الإبداع: يستهدف تعزيز الابتكار من قبل الجمعيات والكليات والمؤسسات الزراعية بحيث تلبي احتياجات المزارعين، مثل تطوير آلات زراعية مخصصة.
تحسين التسويق من خلال برنامج الزراعة التعاقدية: يتم تعزيز التسويق عبر إبرام تعاقدات بين الجمعيات والمستوردين، مما يساهم في تشجيع الزراعة الموجهة وفتح أسواق جديدة.
الخلاصة: تمثل هذه الآلية المتكاملة خطوة مهمة نحو تعزيز سلاسل القيمة للمحاصيل الزراعية، وعلى وجه الخصوص الحبوب في اليمن. فهي تسهم في تحسين الإنتاجية وزيادة دخل المزارعين، مما يعود بالفائدة على الأمن الغذائي في البلاد. إن المسار المرسوم اليوم قد يفتح الأبواب نحو مستقبل زراعي مزدهر، حيث يكون المزارع هو المحرك الأساسي للتنمية، ويكون المجتمع الزراعي أكثر تماسكًا وقوة. إن الالتزام بهذه الاستراتيجيات والمبادرات سيسهم بلا شك في رسم ملامح مستقبل أفضل للجميع.
تحسين الإنتاج: تعزيز للقدرة التنافسية
من جهته، أوضح المهندس وجيه المتوكل، مدير عام الإنتاج الزراعي بوزارة الزراعة والري بصنعاء، أن من شأن التركيز على إنتاج المدخلات الزراعية محليًا، مثل البذور والأسمدة والمبيدات والآلات الزراعية، أن يسهم في تعزيز مستوى الإنتاج الزراعي في اليمن وتنشيط القطاع الزراعي. ويُتوقع الوجيه أن تؤدي هذه الجهود إلى تحسين جودة المحاصيل المنتجة. ويرى المتوكل أن تحسين كفاءة الإنتاج الزراعي يعتمد بشكل كبير على إدخال التقنيات البحثية وتطوير نظم الزراعة بهدف خفض تكاليف الإنتاج.
في السياق، يشير المهندس نائب مدير عام الإرشاد الزراعي بوزارة الزراعة، صالح العماد، إلى ضرورة تحسين عملية الإنتاج الزراعي من خلال نشر التقنيات الحديثة وتطبيق الإدارة المزرعية الجيدة.
ويدعو العماد إلى أهمية دعم البحوث الزراعية وتكييف التقنيات المدخلة مع النظم الزراعية المحلية، والاهتمام بالزراعة العضوية لإنتاج غذاء صحي وآمن. كما يشدد على ضرورة المحافظة على البيئة ورفع الطلب على المنتجات المحلية، وتعزيز قدرتها التنافسية على المستويين المحلي والدولي.
لتحقيق ذلك، يرى العماد أن توفير الحوافز والتسهيلات للمزارعين والاستثمارات الزراعية من الأمور الأساسية. ناصحا بتقديم وحدات مالية للائتمان والإقراض الزراعي، بهدف الاسهام في تشجيع صغار المزارعين على الإنتاج، ودعم المشاريع المحلية لصناعة المدخلات الزراعية والغذائية المعتمدة على الموارد المحلية. معتبرا هذه الخطوات جزء من مجموعة الاستراتيجيات البناءة والتي تتبناها وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية على طريق استعادة اليمن لمكانته المرموقة في عالم الإنتاج الزراعي وتعزيز الأمن الغذائي.
تعزيز الصمود والثبات في اليمن
وعلى نفس الصعيد، يسلط الخبير في مركز البحوث والمعلومات بوزارة الزراعة، زيد المحبشي، الضوء على تاريخ اليمن الزراعي الغني، حيث استطاع أسلاف اليمنيين ابتكار أنظمة ري متقدمة، وتحويل الصحراء إلى واحات زراعية، مما يعكس الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه الزراعة في تأمين الغذاء وتحسين حياة الناس.
يشير المحبشي أيضًا إلى رؤية الشهيد القائد، السيد حسين الحوثي لأهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي، مؤكدًا أن الاعتماد على الاستيراد يُضعف الأمة ويهدد سيادتها. فبغية تعزيز قدرة الأمة على الدفاع عن نفسها وإدارة شؤونها، يلزم توفير احتياجاتها الغذائية من خلال الإنتاج المحلي.
ولفت المحبشي إلى أن زراعة الحبوب من المحاصيل الاستراتيجية المرتبطة بالقرار السيادي للدول، مما يجعل تحسين إنتاجها في اليمن أمرًا حيويًا. إذ أن البلاد تعاني من فجوة غذائية كبيرة، خصوصًا في القمح والذرة، مما يستدعي تكثيف الجهود لتحقيق الاكتفاء الذاتي. فمن لا يملك الطعام، لا يملك إرادته، ولا يستطيع أن يضمن حريته واستقلاله.
واعتبر المحبشي تدعيم القطاع الزراعي في اليمن خطوة أساسية نحو تحقيق الأمن الغذائي، مما يسهل على الشعب اليمني تجاوز التحديات السياسية والاقتصادية، ويعزز من قدرته على الصمود أمام الأعداء.
إحياء الزراعة، وكسر قيود الاتكالية
(تتمتع اليمن بمناخ منتوع مما يجعلها بيئة مناسبة لتعديد المحاصيل الزراعية وبالأخص الحبوب والبقوليات التي تمثل أهمية قصوى لتغطية احتياجات الفرد من المواد الغذائية الأساسية)، تأكيد انطلق من خلاله منسق برنامج سلاسل القيمة لمحاصيل الحبوب ضمن البرنامج الوطني لسلاسل القيمة المهندس شمسان المنيري. إلى توضيح أهمية الجانب الزراعي في توفير الاكتفاء الذاتي وتقليل الاستيراد، وبالتالي رفع مستوى الاقتصاد الوطني.
بالقول: إن اليمن، أفرادا وجماعات، وفي ظل توجيهات القيادة الثورية والسياسية، صاروا أكثر وعيا، وهم الآن ماضون على مسار استعادة إحياء الزراعة، وكسر قيود الاتكالية، وتحقيق هدف الاكتفاء الذاتي كفرض واجب، وضرورة لا غنى عنها لحماية الهوية واستقلالية القرار الوطني. مشددا “علينا جميعا أن نجعل الزراعة أولوية، ونتوجه نحو تطوير هذا القطاع الحيوي، لأن أمننا الغذائي هو بوابة لحماية ديننا وقيمنا”.
مشيرا، في هذا السياق، يشكل هدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء والملبس أولوية وطنية أكدت عليها استراتيجية اللجنة الاقتصادية العليا، مما يعكس العزم على تحقيق تنمية مستدامة قائمة على المشاركة المجتمعية والموارد الوطنية المتاحة.
وتطرق المهندس المنيري، إلى أن الثورة الزراعية حققت نجاحات مبهرة، خلال الموسمين الزراعيين لعامي 2023 و2024، على مستوى مشروعات زراعة الصحراء والتوسع في الزراعة التعاقدية وتفعيل العمل التعاوني، وخصوصًا في محافظتي الجوف والحديدة، جاء لتتوج تراكم نجاحات تحققت على مدى مراحل ثورية تدرجت تصاعديا من جهود فردية بسيطة بادر إليها فرسان العمل التطوعي تطور بفعل تراكم الخبرات وتوسيع دائرة التحصيل العلمي إلى أنشطة مدروسة وبيانات معالجة وفق أحدث وسائل التخطيط وتقنيات إدارة المشاريع.
موضحا أن مؤسسة بنيان التنموية، بالتعاون مع شركاء التنمية في اللجنة الزراعية والسمكية العليا وزارة الزراعة والسلطات المحلية والمجتمع والجمعيات التعاونية، ومن خلال برنامج سلاسل القيمة، ركزت على التوسع في زراعة محاصيل الحبوب والبقوليات وتمكنت من تحقيق عدد من الإنجازات.
ففي عام 2023م: بلغ عدد المستفيدين من القروض البيضاء الميسرة أكثر من 20 ألف مستفيد. بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء 673 مدرسة حقلية وتم إجراء 2019 جلسة إرشادية. تم التعرف على 8 نماذج إبداعية في مجالات مختلفة، كما تم إنجاز 18 دراسة. علاوة على ذلك، تم استصلاح 57,189 هكتار من الأراضي الزراعية، وزراعة 40,000 هكتار من الصحراء، مما أسفر عن إنتاج 40,000 طن من المحاصيل. وبلغت الزيادة في كمية الحبوب التي تم إنتاجها 52,54 طن.
أما في عام 2024، فقد تم إنجاز مشروعي الزراعة في الصحراء والكثبان الرملية والأراضي الصالبة في محافظة الحديدة. حيث تم زراعة الدخن والدجرة بحصيلة قدرها 150,986 طن، حيث بلغت حصيلة الدخن 140,396 طن وتم تعبئته في أكياس حجم 40 جرام بعدد 3,509.55 كيس، بينما بلغت حصيلة الدجره 10.59 طن وزعت في أكياس حجم 40 جرام بعدد 264.70 كيس.
كذلك تم زراعة الذرة الرفيعة الحمراء والبيضاء (قيرع) والذرة الزعر الشاحبي بحصيلة إجمالية قدرها 191,095 طن مقسمة بين الأنواع المختلفة. وبلغ عدد الجمعيات التي تم اقراضها جمعية.
وتم توزيع البذور على محافظتي الحديدة والجوف، حيث حصلت محافظة الحديدة على 70.36 طن من الذرة الشامية (عدد 1,759 كيس)، بالإضافة إلى 14,039 طن من الدخن (عدد 3,509.55 كيس) و3,059 طن من الذرة الرفيعة والحمراء (عدد 1,912.41 كيس). بينما حصلت محافظة الجوف على 660 طن من القمح (عدد 16,500 كيس). فيما بلغ إجمالي المساحة المزروعة بذات القروض 29.412 هكتارا، منها 23.912 هكتارا في محافظة الحديدة وفي محافظة الجوف 5.500 هكتار. كما تم توزيع كمية 59,900 لتر من مادة الديزل المسلم للجمعيات في تهامة بقيمة اجمالية قيمة بلغت28,452,500 ريال.
إنتاج الجوف من القمح: بدأت التجارب في هذه المحافظة بتوزيع 17 ألف طن كيس (680طن) من بذور محصول القمح قروض بيضاء خلال موسمي 2023و2024، وتم زراعة حوالي 13 ألف هكتار، انتحت حوالي 59 ألف طن.
إنتاج الذرة الشامية: توزع إنتاج الذرة الشامية في اليمن على عدة محافظات، حيث تُظهر الإحصائيات الخاصة بذلك ما يلي: محافظة الحديدة: المساحة المزروعة 2,186 هكتار، بانتاجية 4,044 طن، محافظة إب: المساحة المزروعة: 7,901 هكتار، بانتاجية 21,333 طن، محافظة الجوف: المساحة المزروعة: 748 هكتار، بإنتاجية 1,870 طن.
اشراقات المستقبل
المستقبل في اليمن يحمل وعودًا بالتجديد والازدهار، حيث يمكن لليمن أن ترى تحولًا حقيقيًا في القطاع الزراعي بجهود العمل التعاوني المشرك بين الحكومة والمجتمع لضمان إحداث تغييرات جذرية تنعكس إيجابيًا على القطاع الزراعي وتحقيق الرفاه المجتمعي والازدهار الاقتصاد.
وباعتبار الزراعة حجر الزاوية للهوية والثقافة اليمنية، فإن التركيز على الزراعة المستدامة سيساهم في تعزيز صمود الشعب اليمني أمام التحديات، ويضمن للأجيال القادمة حياة كريمة ومستقبلًا مشرقًا من خلال:
التوجه نحو الأساليب الزراعية الحديثة المستدامة بتطوير مفهوم الزراعة ليشمل حماية البيئة وتعزيز التنوع البيولوجي. العمل على الابتكارات التي تضم تقنيات الزراعة الدقيقة وتحسين إدارة المياه والأراضي سيعزز من كفاءة الإنتاج ويقلل من الفاقد.
استثمار الموارد الطبيعية المتاحة واستخدام استراتيجيات زراعية مدروسة، أن يحقق نمواً اقتصادياً مستداماً.
ابراز أهمية دور الجهاز الإعلامي في اليمن، بكافة تفاصيله، في رفع الوعي بالشأن الزراعي، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي.
وجوب تضافر الجهود لتعزيز مسار تنمية وتطوير هذا الجانب الاقتصادي المهم، من خلال تعزيز قدرات الجمعيات التعاونية الزراعية ورفع مهارات القائمين عليها، لتحقيق الدور المحوري الذي يجب أن يلعبه العمل التعاوني في النهوض بالزراعة في البلاد.
زيادة إنتاج محاصيل الحبوب في اليمن عبر طريقتين رئيسيتين:
أولا: التوسع الرأسي: ويتضمن ذلك إنتاج وزراعة أصناف محسنة ذات إنتاجية عالية تستجيب لزيادة التسميد. كما يتطلب الأمر تطوير أساليب الزراعة المستخدمة حالياً.
ثانيا: التوسع الأفقي: حيث يتم زيادة المساحة المنزرعة، مما يمكن أن يؤدي إلى زيادة ملحوظة في الإنتاج.
المصدر ـ موقع أنصار الله