شبام حضرموت.. سميرة النجوم!
ليست ناطحات سحاب.. كلا، ولا هي مانهاتن الصحراء، أو غيرها من ألقاب أطلقها الرحالة الأجانب والمستشرقون، إذ انبهروا لمرآها على تخوم الربع الخالي علوًا وقدم عهد، فاستحضروا لها ألقابًا من أحدث مدنهم، ثم تبعناهم فرددناها وراءهم، ونسينا آيتها الأولى..وآيتها الأولى أنها سميرة النجوم.
أما قصة نشوء شبام، فيمكن لقارئ التاريخ أن يراها، وبقدر من الخيال التاريخي، مسطورة على زوايا الحيطان والسطوح والنوافذ، ومداخل حاراتها، وألوان مبانيها وعلوها، وغير ذلك من تفاصيل هندستها العجيبة، فضلًا عن محيطها من الوادي والشعاب وحقف الأحقاف، وموضعها بين كل ذلك.
لمعت فكرتها برأس مهندسها الحضرمي، حين سرى ليلًا من كوخه مع أهل بلدته الصغيرة، وقد شدوا إبلهم، قاصدين نبع الماء في أقصى الوادي المبارك، للسقي، وملء كرفاناتهم من مياه جادت بها أمطار الخير. ولما كان له علم بالنجوم، تطلع نحوها ليهتدوا بها في مسراهم، فراعه الأمر إذ رآها تسير كسيفة باهتة لا تعكس ضوءًا في هدأة الليل. شق عليه الأمر، وأيقن أن وحشتها ناجمة عن السير بلا مؤنس في ليل هذا المدى الشاسع من الصحراء العربية.
راح يقلب الفكرة من كل الزوايا. وما إن عاد لبيته في الهزيع الأخير، حتى كان توصل إلى بلورة أولى لها.
أخذ قسطًا من الراحة، لكنه سارع للنهوض، فالفكرة أخذت بمجامع قلبه. وقطع عهدًا على نفسه بأن يقيم للنجوم علامة على الأرض تهتدي بها.
بعدما استكمل تصاميمه لبنايات مختلفة عالية البنيان، راح يلتقي بصناع الطوب اللبن، ليتدارس معهم إعادة تصنيع الطوب، وتشكيله ليحتمل مستجدات البناء، فانصرفوا جميعًا لهذا التجديد والابتكار، واستنفروا كل الصناع والبنائين من كل بلاد الأحقاف.
هكذا ظهرت شبام؛ المدينة الساحرة التي ترونها اليوم، وأبهرت بالأمس، ومازالت، الرحالة الأجانب. لكنهم لم يدركوا آيتها الأولى كسميرة لنجوم السماء على الأرض.
وما هي حتى أضحت بداية لنشوء العقد الفريد من المدن الحضرمية على طول ضفتي الوادي المبارك ومتفرعاته!
عبدالله الحنكي